العدد 26 -

السنة الثالثة – العدد 26 – ذو القعدة 1409هـ، الموافق حزيران 1989م

سؤال وجواب

   السؤال1: وردت إلى المجلّة ثلاثة استفسارات حول جواب السؤال الوارد في العدد السابق (العدد الأول – السنة الثالثة). وهي:

 أ –  المسلم الروسي، مثلا، لماذا لا يحلّ له أن يكون جنديّا في الجيش الروسي؟

ب – يبدو كان هناك تعارضا بين جواب السؤال من الضفة الغربية (الوارد في العدد نفسه) والجواب المذكور؟

ج – ما دامت المعاهدات المعقودة مع دولة اليهود لاغية (باطلة) فلماذا يحتاج المسلم إلى إذن من حاكمه كي يخرقها؟

   الجواب1

1- المسلم يقاتل تحت راية الأمير المسلم فقط ولا يحل له أن يقاتل تحت راية الأمير الكافر لقوله صلى الله عليه وسلم “أنا بريء من كل مسلم أقام بين المشركين”. والقتال بإمرة حاكم معيّن يستلزم طاعته في أمر القتال . والحاكم الكافر لا تجب طاعته لأنّ الآية الكريمة تحصر الطاعة بالحاكم المسلم، قال تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) فوليّ الأمر المطاع لا بدّ أن يكون منا، أي مسلما. والمسلمون يقاتلون في سبيل الله بينما الكفار يقاتلون في سبيل الشيطان، فلا يجوز للمسلم أن يقاتل معهم أو تحت رايتهم. ومن هنا قلنا بأنّ المسلم لا يحل له أن يكون جنديّا في جيش يأتمر بأمر كافر، فلا يحل للمسلم الروسي أن ينخرط في الجيش الروسي ولا للمسلم الصيني ولا للمسلم الفرنسي ولا للمسلم الإنجليزي أو الأمريكي أن ينخرطوا في جيوش دولهم. وكذلك لا يحل للمسلم في إسرائيل أن ينخرط في جيشها، ولا يحل للمسلم في لبنان أن يكون جنديا في جيش ميشال عون.

نحن نفرق بين أن يتدرّب المسلم على القتال ويتعلم على أنواع الأسلحة والفنون الحربيّة وبين أن يكون جنديّا. فيجوز لمسلم أن يتعلّم ويتدرّب في بلاد الكفّار وعلى أيدي الكفار لأنّ التعلّم والتدرّب ليس قتالا مع الكفّار وبإمرتهم. أمّا أن يكون جنديّا فهذا معناه أنه راض أن يقاتل معهم حين يطلبون منه، لأنّ الجندي ليس له إلاّ عمل واحد هو القتال.

ولذلك فإنّه يحرم على المسلم أن يقاتل فعلا تحت راية الكفّار، ويحرم عليه كذلك أن يضع نفسه جنديا مستعدا للقتال بإمرة الكفار.

وإذا كانت قوانين البلد الذي يعيش فيه تفرض عليه أن يكون جنديا فترة من الزمن فعليه أن يتملّص من ذلك ولو دفع فدية أو تعرض لعقوبة. وإذا أخذ مكرها إلى الجندي’ فإنّه لا إثم عليه لأنّ القلم مرفوع عن المكره. ولكن عليه، إذا أخذ فعلا إلى القتال، أن لا يقتل، وإذا قتل هو يبعثه الله يوم القيامة على نيّته.

ب – لا يوجد أي تعارض بين ما ورد في الجواب لأهل الضفة والجواب الآخر والذي هو لغي أهل الضفة. فالمسلم الذّي يعيش تحت حكم اليهود سواء كان في الضفة أو القطاع أو القسم المحتل من سنة 1984. هذا المسلم حاكمه يهودي كافر، وهذا اليهودي الكافر معتد وغاصب, ولاتوجد بين هؤلاء المسلمين وهؤلاء اليهود عهود ومواثيق، حتّى وإن وجدت فهي مأخوذة بالإكراه، فلا قيمة لها، وحالة الحرب تعتبر مستمرة بين هؤلاء المسلمين وهؤلاء اليهود. ودم اليهود وما لهم مباح لهؤلاء المسلمين.

أم المسلم الذّي يعيش في البلاد الإسلامية – عربية كانت أم غير عربيّة – وله حاكم مسلم، ولو كان هذا الحاكم فاسقا فاجرا، فإنّه ملزم بإتباع هذا الحاكم في شؤون القتال. لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برّا كان أو فاجرا”.

ج – المعاهدات المعقودة مع دولة اليهود فاسدة ومنقوضة فهي باطلة وكأنها غير موجودة، وهذا ينسحب على المسلمين الموجودين في فلسطين تحت حكم اليهود وعلى المسلمين الموجودين في البلاد الإسلامية تحت حكم أمراء مسلمين. والعبرة ليست في المعاهدة ما دامت باطلة شرعا، بل العبرة في طاعة الحاكم المسلم في شأن القتال، وعدم طاعة الحاكم الكافر.

لا يجوز للفرد المسلم أن يشنّ حربا على العدو دون إذن أميره المسلم، حتّى لو كانت حالة الحرب قائمة ولا توجد أية معاهدات، فان فتح المعركة أو وقفها هو من عمل الأمير وصلاحيته وليس من صلاحيات الأفراد. فإذا تصرّف الفرد تصرفا شخصيّا دون إذن الأمير يكون آثما.

والمعاهدات القائمة الآن يعتبرها الحكام سارية المفعول، وبذلك هم لا يسمحون للأفراد أن يخرقوها, وعلى ذلك فلا يجوز للأفراد أن يخرقوها ليس من قبيل الاحترام لهذه المعاهدات ولكن من قبيل احترام أوامر الأمراء الذين أمرنا الله أن نطيعهم في شؤون القتال.

إذا ليس بيننا وبين اليهود معاهدات، بل هي حالة حرب فعلية، وحالة الحرب هذه تسير بموجب رأي الحاكم وليس بموجب أراء آحاد الناس.

المشكلة التي تثور في بعض النفوس هي: إذا كان هؤلاء الحكّام فسقة وخونة وعملاء، ويريدون أن يعترفوا بدولة اليهود، ويتنازلوا لها عن فلسطين ويريدون منع قتالها . فكيف نطيعهم؟ وكيف لا نخرق معاهداتهم؟ أليس معنى ذلك الخنوع لهم والرضا بدولة اليهود؟

نعم هم فسقة خونة وعملاء ويحكمون بأنظمة الكفر ولا يحل أن يبقوا في سدّة الحكم، ولكن الله أمرنا أن نأتي البيوت من أبوابها وليس من ظهروها.

الحكام هؤلاء جرائهم كثيرة وليست مقتصرة على تضييع فلسطين. والحلّ هو الإطاحة بهم وإقامة حكم مخلص لله ولرسوله ولكتابه ولعامة المسلمين وبلاد المسلمين. الحلّ لا يكون بتنفيس الغيظ في عمل جزئي لا يسمن ولا يغني من جوع. الحلّ الشرعي الصحيح هو عمل جذريّ كبير يقتلع الخونة الذّين أجمعوا على التفريط بالمقدّسات وأجمعوا على معصية الله والرّسول.

السؤال 2: إذا وفّق الله أحد حكّام المسلمين للهداية. وصارت لديه القناعة التّامة بوجوب الحكم الكامل بما أنزل الله. ولكن غلب على ظنّه أنّ التطبيق  الانقلابي دفعة واحدة سيوجد له متاعب داخليّة وخارجيّة ، وانّ التطبيق بالتدريج أكثر  سلامة. فماذا يجب عليه وماذا يباح له؟

الجواب 2: يجب عليه أن يطبّق الإسلام دفعة واحدة بشكل انقلابي، ولا يحلّ له التدرّج في التطبيق. إنّ القول بالتدرّج ليس رأيا إسلاميا لأنّه ليس له دليل قوي ولا دليل ضعيف. وليس له حتى شبهة الدليل. ولذلك فالذّي يقول به إنما يقول برأي غير إسلامي، أي رأي كفر.

أما إذا كان الحكام عاجزا فعلا عن تطبيق حكم أو مجموعة أحكام فهذا أمر آخر، وعليه في هذه الحال أن يطبق ما يستطيع وله عذره عند الله فيما عجز عنه فعلا. والعجز الفعلي يأخذ حكم الاضطرار. فالرسول صلى الله عليه وسلم حين رأى عجز جيشه عن ردّ المشركين في غزوة الأحزاب وافق على إعطاء ثلث ثمار المدينة لقبيلة غطفان على أن ترجع عنهم. وهذا غير جائز في الحالات العاديّة. ولم يوافق الرسول صلى الله عليه وسلم إلاّ مضطرّا، أي لعجزه عن ردّ الكفّار بقوة جيشه. وهذا وإن لم ينفذ ولكنّه يدلّ على أن الحكام له رخصة عند الاضطرار.

وهذا ليس تدرجا بل هو اضطرار، ولذلك لا يجوز للحاكم أن يستقيل إذا عجز عن التطبيق الكامل، بل يطبق ما يستطيع ويجهد في تطبيق ما عجز عنه. فيباح له الأخذ بالرخصة ولا يجب عليه الأخذ بها. إذ أن سعد بن معاذ رفض الأخذ بها مع أنّ رسول الله كان يرى الأخذ بها.

ولا نقصد بالحاكم هنا الذي يتسلم وزراه ما في الأنظمة الديمقراطية فإن هذا حرام لأنّ النظام الديمقراطي من أنظمة الكفر. والحكم عمه تطبيق النظام وحمايته والحرص على تنفيذه. ولا يحل لمسلم أن يكون حارسا لنظام كفر ولا أن يتخذ ذلك وسيلة للوصول إلى تطبيق الإسلام. ذلك أنّه لا يتوصّل الى الحلال بالحرام، والطريقة لابدّ أن تكون من جنس الفكرة. بل نقصد بالحاكم رئيس الدولة الذّي تكون شؤون الحكم كلّها بيده.

إنّ قول الله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) عام في جميع الحكّام لأنّ (من) من ألفاظ العموم، وهو عام في جميع ما أنزل اللّه لأنّ (ما) من ألفاظ العموم. ويبقى هذان العمومان على حالهما ما لم يخصصهما نصّ شرعي. وبالاستقراء لم يجد الفقهاء رخصة في عدم الحكم بما أنزل الله إلاّ عند العجز والاضطرار. أما من يريد أن يستغل منصب الحكم كطريقة لتطبيق الشرع فإنّه لا يستند إلى أي دليل أو شبهة دليل من الشرع.

وليس من العجز أو الاضطرار مجرد حصول بعض المتاعب سواء كانت داخليّة أو خارجيّة. ولو كان حصول المتاعب رخصة في التخلّي عن أحكام الشرع لما كان المسلمون هاجروا وجاهدوا وقاتلوا وقتلوا. قال تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) وقال: (إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون).

وإذا كان غالبية النّاس لا تريد تطبيق الإسلام فيجب على الحاكم أن يجبرهم على ذلك بالقوّة. مع أن الأمر الآن هو عكس ذلك. أي أنّ غالبية النّاس تريد تطبيق الإسلام ولكن الحكّام ومعهم مجموعة من الذّين تربوا على أفكار الغرب هم الذّين يتشبثون بأنظمة الغرب مدعومين في ذلك من دول الغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *