العدد 26 -

السنة الثالثة – العدد 26 – ذو القعدة 1409هـ، الموافق حزيران 1989م

حكم تارك الصّلاة

الحمد للّه الذّي بيده مقاليد الأمور وبقدرته مفاتيح الخيرات والشرور، مخرج أوليائه من الظلمات إلى النّور، والصّلاة على محمّد مخرج الخلق من الديجور، وعلى آله وصحبه الذّين لم تغرّهم الحياة الدّنيا ولم يغرّهم باللّه الغرور، صلاة تتوالى على مدّ الدّهور،و السّاعات والشهور، وأفضل الصّلوات على خاتم أنبيائه ورسله سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

   ترك الصلاة جحودا بها وإنكارا لها كفر وخروج من ملّة الإسلام بإجماع المسلمين. أمّا من تركها مع اعتقاده فرضيّتها، ولكن تركها تكاسلا أو تشاغلا عنها، بما لا يعد في الشرع عذرا فهو عاص. قال الله تعالى عن أحوال تاركي الصلاة من ذريّة الصالحين: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا) (والغيّ) واد في جنّهم .وقال الله تعالى (فويل للمصلّين الذّين هم عن صلاتهم ساهون) لقول رسول الله صلى عليه وسلّم ” بين الرّجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة”.

 

   وأخرج الإمام ابن خزيمة ابن حبّان من حديث جاء فيه عن الصلاة ” ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة وكان يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأبيّ بن خلف”.

 

   فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون ومن شغله عنها رياسته ووزرائه فهو مع هامان ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبيّ بن خلف.لقول الله تعالى : (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) أي فرضا مؤكدا ثابتا بثبوت الكتاب.

 

   فيجب علينا أن نصلّي من أجل أن نكسب رضى الرحمن وننال درجات الجنان من الله سبحانه وتعالى.وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: “سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: أرأيتم لو أنّ نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كلّ يوم خمس مرّات هل يبقى من درنه شيء قالوا: لا يبقى من درنه  قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحوا الله بهن الخطايا”.

 

   وأخرج البزاز من حديث الإسراء والمعراج أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى قوما ترضخ رؤوسهم بالصخرة كلّما رضخت عادت كما كانت فسأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عنهم فقيل له هؤلاء الذّين تثاقلت رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة” وقال الله تعالى: (إن الصّلاة تنهى عن الفحشاء المنكر).

 

   ولعمري إن الصّلاة هي التي تجعل الإنسان ينتهي عن الفحشاء والمنكر وتقرّبه من الله عزّ وجلّ وقال الله تعالى (واستعينوا بالصّبر والصلاة) وقال الله تعالى:(والذّين هم على صلاتهم محافظون أولئك في جنّات مكرمون).

 

   ذكر السبكي في طبقات الشافعية أن الشافعي وأحمد رضي الله عنهم تناظرا في تارك الصلاة: قال الشافعي: يا أحمد انّه يكفر؟ قال: نعم.. قال : إذا كان كافرا فيم يسلم؟ قال: يقول لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله. قال الشافعي : فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه قال: يسلم بأن يصلّى، قال صلاة الكافر لا تصح ولا يحكم له بالإسلام بها. فسكت الإمام أحمد رحمهما الله تعالى.

 

   فالحنابلة: ذهبوا إلى إن من ترك الصلاة عامدا فهو كافر مرتدّ عن الإسلام وحكمه أنّه يقتل، ولا يغسل ولا يكفّن ولا يدفن في مقابر المسلمين.

 

   أما مذهب الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: أنّ تراك الصلاة كسلا فاسق لا كافر يحبس ويضرب حتّى يتوب ويصلّ ، أو يموت في سجنه. وقال أيضا: إن الأحاديث الواردة بكفر تارك الصلاة محمولة على المستحل للترك أو بأنّه فعل من أفعال الكفار، أو أن ترك الصلاة يؤدي إلى الكفر، وأيضا استدل الحنفية لما ذهبوا إليه: بما رواه ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: “لا يحلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة”.

 

   الصلاة عماد الدّين الذي لا يقوم إلا به. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله”.

 

   فعلينا أن نؤدّي الصلاة بكلّ معنى الكلمة لأنه أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فان صلحت صلح سائر عمله وان فسدت فسد سائر عمله.

 

   وآخر وصية وصّى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمّته عند مفارقة الدّنيا جعل يقول وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة: “الصّلاة الصّلاة وما ملكت أيمانكم” وهي آخر ما يفقد من الدّين فان ضاعت ضاع الدين كله فعلينا يا أخوتي وأخواتي المؤمنين أن نطيع الله في سائر أعمالنا وأن نعمل بوصيّة رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلّم لأنها تفتح قلوبنا للإيمان وتقربّنا إلى الله عز وجلّ والحمد لله ربّ العالمين.

 

                            أختكم في الله: إيمان سليمان

                               البقاع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *