العدد 46 -

السنة الرابعة – رجب 1411هـ، شباط 1991م

كيسنجر يقترح خطة جديدة لفلسطين

مجلة «نيوزويك» الأميركية 28/01/91 نشرت مقالة لهنري كيسنجر يقترح فيها على الإدارة الأميركية برنامجاً لما بعد حرب الخليج. وهو في مقاله يفترض أن أميركا كسبت الحرب وفرضت سيطرتها، ومن ثم صارت يدها طليقة تحكم وترسم وتنفذ كما تريد. وقد رأت «الوعي» أن تنقل لقرائها (نقلاً عن جريدة السفير البيروتية 31/01/91) المقطع من مقالة كيسنجر الذي يتحدث فيه عن النزاع العربي ـ الإسرائيلي ذلك لأنه يضع برنامجاً جديداً يختلف عما كانت أميركا تقول به، ولأنه من مهندسي السياسة الخارجية الأميركية سواء كان داخل الحكم أو خارجه. فيما يلي كلامه:

النزاع العربي ـ الإسرائيلي يطرح عادة على أنه مسالة تفاوض:

كيفية عقد مؤتمر دولي يعيد إسرائيل إلى حدود 1967، وتحديد وضع جديد للقدس، وإقناع العرب بـ «الاعتراف» بإسرائيل وتقديم ضمانات دولية للترتيبات الناتجة عنه.

شكوك كثيرة

من جهتي، لدي شكوك كثيرة في كل هذه المقترحات.

أولاً: أنا متشائم جداً في ما يتعلق بالمؤتمر الدولي، لأن الولايات المتحدة ستكون معزولة كلياً في مثل هذا المؤتمر، وتصرف فرنسا قبل الحرب ليس سوى مؤشر صغير لما قد يحدث.

فبدلاً من أن تقوم بدور الوسيط، ستجر أميركا للقيام بدور محامي إسرائيل، فيما ستعتبر إسرائيل أي موقف مستقل نتخذه كخيانة لمصالحها، لا توجد أمة واعية ترمي بنفسها طوعاً في هذا الاضطراب العظيم، وبما أن كل شيء متوقف على تأثيرنا على إسرائيل بالأصل، فإن أفضل عملية سياسية هي تلك التي تشارك فيها، بشكل أساسي، الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة وإسرائيل.

ثانياً: أن العودة لحدود ما قبل العام 1967 وقيام دولة فلسطينية ليست من المسائل القابلة للتفاوض بالنسبة إلى إسرائيل بقدر ما هي قضية حياة أو موت. فالمسافة بين نهر الأردن والبحر (الأبيض المتوسط) أقل من خمسين ميلاً. والمسافة بين تل أبيب وحيفا، بحسب حدود العام 1967، عرضها حوالي العشرة أميال.

إنه من الصعب حشر دولتين في مثل هذه المسافة الضيقة في صيغة مثلى.

ولأن منظمة التحرير كانت في صراع مميت مع إسرائيل منذ قيامها، كيف يمكن لتدبير كهذا أن يكون متناغماً مع الاستقرار؟

إضافة إلى ذلك، بالعودة إلى حدود ما قبل العام 1967، سيبقى عدد العرب الموجودين تحت السيطرة الإسرائيلية قريباً من عدد الذين يعيشون في الضفة الغربية، ما عدا غزة.

كيف تبرر أنه يتوجب على قسم من العرب العيش تحت الحكم الإسرائيلي بينما يحق لعرب آخرين أن يقرروا مصيرهم؟ لذلك، فإن إعادة حدود ما قبل العام 67 مقرونة بقيام دولة فلسطينية قد تتحول بسهولة إلى الخطوة الأولى لتقليص حجم إسرائيل أكثر فأكثر، أو حتى تدميرها الشامل.

ثالثاً: أن موافقة إسرائيل ليست فقط تحدياً قانونياً بل أنها تحد نفسي أيضاً. وفي رأيي أنه من الصعب التصديق أن أية صيغة قانونية تستطيع وحدها ضمان أمن إسرائيل. فالكويت كانت قانونياً في حالة سلم مع العراق ولم تستطيع أن تمنع الاعتداء العراقي.

وقد هاجم صدام إسرائيل خلال حرب بقيت هي معزولة عنها لأنها حسبت أن عدداً كبيراً من العرب سيؤيدون العراق إذا ما ردت إسرائيل، بمعزل عن مبررات الرد. وقد شعر القادة الأميركيون وعن حق، بأن هذا خطر حقيقي بما يكفي لينصحوا بعدم الرد. لكن عندما تتحول ردة الفعل على هجوم غير مبرر إلى مسألة دولية، تبقى إسرائيل متأكدة من أنها منبوذة وأنها رهينة لأعمال الغير.

رابعاً: ما هو تعريف «ضمانات موثوقة»؟ فبالنتيجة، وحتى في حالة الكويت، حيث كان هناك دعم دولي إجماعي للضحية (وهذا ما لا يمكن تخيل حدوثه مع إسرائيل)، تطلب الأمر ستة أشهر لتنظيم المقاومة فيما كانت البلاد (الكويت) تتعرض للنهب والسلب، فضلاً عن إبعاد الشعب.

إلى طريق مسدود

لجميع هذه الأسباب، ستؤدي عملية السلام، كما ينظر إليها الآن، إلى طريق مسدود، إذ أنها تجبر كل طرف على قبول ما لا يستطيع قبوله: دولة فلسطينية بالنسبة إلى الإسرائيليين ودولة إسرائيلية بالنسبة إلى العرب. ولم أسمع عن أي نزاع قام بين الدول العربية ـ من دون التطرق إلى النزاع العربي ـ الإسرائيلي ـ وتم حله بالطريقة المقترحة لحل المسألة الفلسطينية، أي من خلال مفاوضات حاسمة تؤدي إلى مستند رسمي هدفه أن يدوم إلى الأبد.

إن عملية السلام الجديدة يجب أن تبدأ بإعادة تحديد للأهداف. إن أية تسوية نهائية في هذا الوقت تبدوا سراباً أخلاقياً. ومن الناحية الأخرى، سيؤدي الوضع القائم عاجلاً أم آجلاً، إلى قرع ناقوس المعتدلين من الجهتين. وكما هي اليوم، تبدو عملية السلام بالنسبة إلى الكثير من الإسرائيليين تنازلاً من طرف واحد للحصول على الاعتراف. وهم لا يرغبون بالتخلي عن أية ارض محتلة أو أنهم قد يرغبون بذلك فقط إذا ما بقيت السيطرة الإسرائيلية عليها بشكل غير رسمي.

والعديد من العرب، ومنظمة التحرير على وجه الخصوص، يرون أن الشرق الأوسط هو تكرار لفيتنام، حيث أدت محادثات السلام إلى تهدئة معارضي استعمال الضغوط الذين انهاروا في النهاية.

سيناريو لحل مؤقت

إن الحل المؤقت قد يسعى إلى تقديم الحكومات العربية المعتدلة، مباشرة بعد الانتصار على العراق، كدويلات حاجزة بين إسرائيل ومنظمة التحرير. وقد يؤدي إلى تقليص مساحة الأراضي التي تطالب إسرائيل بالتخلي عنها في مقابل ما هو أقل من السلام الرسمي. وقد يكون التوجه، الذي ستتوسط له الولايات المتحدة، مشابهاً لما يأتي:

– يعقد مؤتمر تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة، بحضور الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية المتحالفة مع أميركا في حرب الخليج.

– توافق الدول العربية المعتدلة على القيام بدور الوصاية على الأراضي التي ستعاد إلى السيطرة العربية، وذلك لفترة معينة من الزمن، تتراوح بين خمس وعشر سنوات.

– تتخلى إسرائيل عن كل قطاع غزة، إضافة إلى المناطق ذات الكثافة السكانية في الضفة الغربية، محتفظة فقط بالأراضي الضرورية لأمنها ويسمح لها بالمشاركة في التحقق من نزع الأسلحة من أية منطقة تخليها.

– يتم اتخاذ إجراءات حكومية محددة بالاتفاق، لكن لا تؤدي إلى قيام دولة خلال الفترة المؤقتة. وعملياً، يقوم الأوصياء بإنشاء إدارة تشمل أشخاصاً مقبولين من قبل منظمة التحرير.

وإذا كان هذا السيناريو غير عملي، يجب البحث عن إجراءات مؤقتة أخرى للخروج من الورطة. ومن المحتمل أن تقدم الفترة التي تلي نصر الحلفاء على العراق فرصة لا تتكرر. فالدول العربية المعتدلة خاب أملها في منظمة التحرير التي دعمت العراق. وهي، إضافة إلى ذلك، مرعوبة، إذ أن منظمة التحرير لم تحل نفسها بشكل واضح من مسؤولية العمليات الإرهابية التي ارتكبت في البلاد العربية المعتدلة.

نتيجة لذلك، قد لا تعظي هذه الدول منظمة التحرير حق الفيتو على أعمالها بعد اليوم.

إسرائيل : كابوسان محتملان

أما بالنسبة إلى إسرائيل، فعليها تجنب كابوسين محتملين. فإذا أصرت على الاحتفاظ بكل شبر من الأراضي المحتلة، سيصيبها ما أصاب جنوب أفريقيا وستجد نفسها منبوذة وفي النهاية ستخضع لعقوبات من قبل الأمم المتحدة. ومن الناحية الأخرى، إذا اتبعت مبادئ الحكمة التقليدية وتخلت عن كامل الأراضي المحتلة، فستواجه خطر أن ينتهي بها المطاف كما في لبنان، حيث حوصرت تدريجياً حتى تم إلغاؤها، ولمصلحتها الخاصة، يجب أن تجد إسرائيل حلاً وسطاً، ولن يكون هناك وقت مناسب لذلك أكثر من حين يهزم أخطر عدو لها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *