العدد 39 -

السنة الرابعة – ذو الحجة 1410هــ، تموز 1990م

ما يجوز أخذه وما يحرم أخذه مما هو عند الأمم والشعوب الأخرى

بعض المسلمين يُشرِّع الأبواب لاستقبال كل ما هو عند الشعوب الأخرى. وبعضهم يقفل الأبواب ولا يقبل أي شيء.

ولمّا كان هذا الموضوع من الأمور الهامة عند المسلمين، ولمّا كان البَتُّ فيه ليس مسألة مزاجية بل هو من صلب مسائل الدين، كان لا بد من طرحه وفهمه على ضوء النصوص الشرعية.

وقد وجدت «الوعي» هذا البحث مطروحاً في كُرّاسٍ بعنوان: (الديمقراطية نظام كفر يَحْرُمُ أخذُها أو تطبيقها أو الدعوة إليها) تأليف فضيلة الشيخ عبد القديم زَلّوم. وهو صادر حديثاً.

وقد رأت «الوعي» إطْلاعَ قرائها على هذا البحث القيّم. يقول:

نود أن نعرض لموضوع ما يجوز للمسلمين أخذه مما هو عند الأمم والشعوب الأخرى، وما يحرم عليهم أخذه، وفق ما تدل عليه نصوص الشرع وأحكامه. فنقول:

1- إن جميع الأفعال التي تصدر من الإنسان، وجميع الأشياء التي تتعلق بها أفعال الإنسان الأصل فيها إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، والتقيد بأحكام رسالته. فإن عموم آيات الأحكام تدل على وجوب الرجوع فيها إلى الشرع، ووجوب التقيُّد بأحكام الشرع فيها. قال تعالى:]وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ[. وقال:]فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ[. وقال:]وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شيء فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ[. وقال:]فَإِن تَنَازَعْتُمْ فيِ شيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ[. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ».

فهذا يدل على أن الأصل هو وجوب إتباع الشرع، والتقيُّد به في الأفعال والأشياء. فلا يجوز لمسلم أن يقدم على فعل شيء، أو تركه إلا بعد أن يعرف حكم الله فيه، أهو واجب أم مندوب فيقدم على القيام به، أم هو حرام أم مكروه فيقدم على تركه، أم هو مباح فيكون مخيراً فيه بين الفعل والترك.

ولهذا فالأصل في أفعال الإنسان هو التقيد فيها بحكم الله. وبالنسبة للأشياء التي هي متعلقات أفعال الإنسان فإن الأصل فيها هو الإباحة، ما لم يرد دليل التحريم.

فالأصل في الشيء أن يكون مباحاً، ولا يحرم إلا إذا ورد دليل شرعي يدل على تحريمه. وذلك أن النصوص الشرعية قد أباحت جميع الأشياء، وجاءت النصوص عامة، تشمل كل شيء. قال تعالى:]أَلَمْ تَرَواْ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السَّمَواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ[. ومعنى تسخير الله للإنسان جميع ما في السماوات والأرض هو إباحته لكل ما فيهما. وقال:]هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً[. وقال تعالى:]يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً[. وقال: ]هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ[. وهكذا جميع الآيات التي جاءت في إباحة الأشياء جاءت عامة، فعمومها دلَّ على إباحة جميع الأشياء، فتكون إباحة جميع الأشياء جاءت بخطاب الشارع العام. فإذا حُرِّمَ شيء فلا بد من نص مخصص لهذا العموم، يدل على استثناء هذا الشيء من عموم الإباحة. مثل قوله تعالى:]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَاذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ[.

ومن هنا كان الأصل في الأشياء الإباحة.

2- الشريعة الإسلامية حاوية لأحكام الوقائع الماضية كلها والمشاكل الجارية جميعها، والحوادث التي يمكن أن تحدث بأكملها. فلم يقع شيء في الماضي، ولا يحصل شيء في الحاضر، ولا يحدث شيء في المستقبل إلا ولكل شيء من ذلك حكم في الشريعة. فقد أحاطت الشريعة الإسلامية بجميع أفعال الإنسان إحاطة تامة شامِلة. قال تعالى:]وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لّكُلّ شيء وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ[. وقال:]مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شيء[. وقال: ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً[. فالشريعة الإسلامية لم تهمل شيئاً من أفعال العباد مهما كان، فهي إما أن تنصب دليلاً للفعل بنص في القرآن والحديث، وإما أن تضع أمارة في القرآن والحديث تنبه على مقصدها، وعلى الباعث على تشريعه، لأجل أن ينطبق على كل ما فيه تلك الأمارة، أو هذا الباعث. ولا يمكن شرعاً أن يوجد فعل للإنسان ليس له دليل، أو أمارة تدل على حكمه، لعموم قوله تعالى:]تِبْيَاناً لّكُلّ شيء[ وللنص الصريح بأن الله سبحانه قد أكمل هذا الدين.

3- وبناء على ما تقدم يمكن أن يتضح ما يجوز للمسلمين أن يأخذوه، مما هو موجود عند الأمم والشعوب، وما لا يجوز لهم أن يأخذوه.

فجميع الأفكار المتعلقة بالعلوم والصناعات والاختراعات وما شابهها، وجميع الأشكال المدنية الناتجة عن العلم وتقدمه، وعن الصناعة ورقيّها، فإنه يجوز أخذها إلا إذا كانت تخالف الإسلام، فإنها إذا خالفت الإسلام يحرم أخذها.

لأن جميع هذه الأفكار المتعلقة بالعلوم والصناعات والاختراعات، وجميع هذه الأشكال المدنية الناتجة عنها لا تتعلق بالعقائد، ولا بالأحكام الشرعية التي تعالج مشاكل الإنسان في الحياة، وإنما هي من الأشياء المباحة التي يستخدمها الإنسان في شؤون حياته.

ودليل ذلك الآيات العامة الواردة في إباحة الانتفاع بجميع الأشياء الموجودة في الكون للإنسان، ولم رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أنا بشر مثلكم، إذا أمرتكم بشيء من أمر دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من أمور دنياكم فإنما أنا بشر». ولما ورد في حديث تأبير النخل من قوله صلى الله عليه وسلمأنتم أدرى بشؤون دنياكم» ولإرساله صلى الله عليه وسلم أشخاصاً من الصحابة إلى جُرَش اليمن لتعلم صناعة السلاح.

ولهذا فإن كل ما لم يكن من ا لعقائد والأحكام جاز أخذه ما دام لم يخالف الإسلام، وما دام لم يأت دليل خاص به يحرمه.

وعلى ذلك فإنه يجوز أخذ جميع العلوم المتعلقة بالطب والهندسة والرياضيات والفلك والكيمياء والفيزياء والزراعة والصناعة، والاتصالات وعلوم البحار والجغرافيا، وعلم الاقتصاد الذي يبحث في الإنتاج وتحسينه وإيجاد وسائله وتحسينها ـ وهو علم عالمي لا يختص بإسلام أو رأسمالية أو شيوعية ـ فكلها يجوز أخذها ما دامت لا تخالف الإسلام، لهذا فإن نظرية دارون التي تقول: إن أصل الإنسان قرد لا يجوز أخذها، لأنها تناقض قول الله سبحانه وتعالى: ]خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ[. وقوله: ]وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ @ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِن مَّآءٍ مَّهِينٍ[ وقوله:]ومن آياته أن خلقكم من تراب}.

وكما يجوز أخذ هذه العلوم فإنه يجوز أخذ ما ينتج عنها من صناعات وأدوات وآلات وأشكال مدنية. فيجوز أخذ المصانع بجميع أنواعها، وجميع صناعاتها، إلا مصانع التماثيل والخمر والصلبان لورود النص على تحريمها. وسواء أكانت هذه الصناعات عسكرية أم غير عسكرية، وسواء أكانت صناعاتها صناعات ثقيلة كالدبابات والطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية والقنابل الذرية والهيدروجينية والإلكترونية والكيمياوية، والجرارات والشاحنات والقطارات والبواخر، أم كانت صناعات خفيفة كالصناعات الاستهلاكية والأسلحة الخفيفة. وكصناعة آلات المختبرات والآلات الطبية والزراعية والأثاث والطنافس والسلع الاستهلاكية. فكلها جائز أخذها لأنها من الأشياء المباحة، التي جاءت الأدلة العامة على إباحتها، ويكون أخذها أخذاً للحكم الشرعي، الذي هو المباح، وإتباعاً لشريعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنها من المباحات، والمباح حكم شرعي من أحكام التكليف التي هي الواجب والمندوب والحرام والمكروه والمباح.

4- أما الأفكار المتعلقة بالعقيدة والأحكام الشرعية، والأفكار المتعلقة بحضارة الإسلام، ووجهة نظره في الحياة، والأحكام التي تعالج مشاكل الإنسان فإنها جميعها يجب أن تكون وفق الشرع، ولا يجوز أن تؤخذ إلا من الشريعة الإسلامية حصراً، أي مما جاء به الوحي من كتاب الله، وسنة رسوله، وما أرشدا إليه من قياس وإجماع صحابة. ولا يجوز أن تؤخذ من غير ذلك ولا بحال من الأحوال.

وذلك:

أ- أن الله سبحانه أمرنا أن نأخذ كل ما جاءنا به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن ننتهي عن كل ما نهانا عنه. قال تعالى: ]وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ[. فـ (ما) في الآية من صيغ العموم، وهي توجب أخذ جميع ما جاءنا به الرسول من أحكام، والابتعاد عن كل ما نهانا عنه. ومفهوم الآية أن لا نأخذ من غير ما يأتينا به.

ب- أن الله سبحانه أمر المسلمين بطاعته وطاعة رسوله، حيث قال ]يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ[. وإطاعة الله ورسوله لا تكون إلا بالعمل بأحكام الشريعة التي أنزلها على رسوله، والأخذ بها.

ج- أن الله سبحانه أمر المسلمين بالالتزام بما قضى الله ورسوله، كما أمرهم بالرجوع إلى حكم الله وحكم رسوله عند التنازع والاختلاف. حيث قال: ]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[. وحيث قال: ]فَإِن تَنَازَعْتُمْ فيِ شيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ[.

د- أمر الله سبحانه رسوله الكريم أن يحكم بين النّاس بما أنزل الله إليه من الشريعة، وحذره أن يحيد عن شيء منها. حيث قال:]وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِ مُصَدِقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ الْحَقِ[ وحيث قال تعالى:]وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَأحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ[.

هـ- أن الله سبحانه وتعالى منع المسلمين من أخذ شيء من غير الشريعة الإسلامية حيث قال:]فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ[. وحيث قال:]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[. وحيث قال: ]يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ[. وحيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلمكل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد».

فهذه النصوص تدل دلالة واضحة على وجوب التقيد بجميع ما جاءنا به الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا نُحلُّ إلا ما أحلَّ الله ولا نُحرِّم إلا ما حرَّم الله. وما لم يأتنا به الرسول لا نأخذه، وما لم يحرمه علينا لا نحرمه.

وإذا ما قُرنت (ما) في قوله تعالى:]وَمَآ آتَاكُم[ وقوله:]وَمَا نَهَاكُمْ[ بقوله تعالى:] فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ ظهر جلياً وجوب حصر الأخذ بما جاء به الرسول، وأن الأخذ من غيره إثم يعذب من يفعله، وقد نفى الله الإيمان عمن يُحكِّم غير الرسول في أفعاله، حيث قال: ]فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ[. مما يدل على الجزم في حصر التحكيم فيما جاء به الرسول، خاصةً وأن الله سبحانه قد حذر رسوله من أن يفتنه النّاس عن بعض ما أنزل الله إليه، حيث قال: ]وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنَزَلَ اللهُ إِلَيْكَ[.

وفوق ذلك فإن القرآن قد نعى على الذين يريدون أن يتحاكموا لغير ما جاء به الرسول، أي يريدون التحاكم إلى أحكام الكفر. حيث قال:]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً[. مما يدل على أن التحاكم إلى غير ما جاء به الرسول ضلال، إذ هو تحاكم إلى الطاغوت، أي إلى الكفر، وقد أمر الله المسلمين أن يكفروا به.

l وعلى هذا فإنه لا يجوز أخذ حضارة الغرب، وما ينبثق عنها من أنظمة وقوانين، لأنها تتناقض مع حضارة الإسلام إلا الأنظمة والقوانين الإدارية فإنها من المباحات التي يجوز أخذها، كما أخذ عمر بن الخطاب نظام الدواوين من فارس والروم.

فحضارة الغرب تقوم على عقيدة فصل الدين عن الحياة، وفصل الدين عن الدولة.

بينما الحضارة الإسلامية تقوم على العقيدة الإسلامية، وتوجب تسيير الحياة والدولة بأوامر الله ونواهيه، أي بالأحكام الشرعية.

والحضارة الغربية تقوم على أساس النفعية، وتجعل النفعية مقياس جميع الأعمال، لذلك كانت حضارة نفعية بحتة، لا تقيم لغير القيمة المادية النفعية وزناً، ولهذا لا توجد فيها قيم روحية، ولا قيم أخلاقية، ولا قيم إنسانية.

بينما حضارة الإسلام تقوم على أساس روحي، هو الإيمان بالله، وتجعل الحلال والحرام مقياس جميع الأعمال في الحياة، وتُسيِّر جميع الأعمال، وجميع القيم بأوامر الله ونواهيه.

والحضارة الغربية السعادة عندها هي إعطاء الإنسان أكبر قسط من المتع الجسدية، وتوفير أسبابها له.

بينما الحضارة الإسلامية السعادة عندها هي نوال رضوان الله، وتنظم إشباع غرائز الإنسان وجوعاته الجسدية بالأحكام الشرعية.

وعلى ذلك فإنه لا يجوز أن يؤخذ نظام الحكم الديمقراطي، ولا نظام الاقتصاد الرأسمالي، ولا نظام الحريات العامة الموجودة عند الدول الغربية، فالدساتير والقوانين الديمقراطية، وأنظمة الحكم الملكية والجمهورية، والبنوك الربوية، والبورصات وأسواق النقود العالمية، كلها لا يجوز أخذها، لأنها كلها أنظمة كفر، وقوانين كفر، تتناقض مع أحكام الإسلام وأنظمته.

l وكما لا يجوز أخذ حضارة الغرب، وما انبثق عنها من أفكار وأنظمة فإنه لا يجوز أخذ الحضارة الشيوعية، لأنها تتناقض مع حضارة الإسلام تناقضاً كلياً.

فالحضارة الشيوعية تقوم على أساس عقيدة أن لا خالق لهذا الوجود، وأن المادة هي أصل الأشياء، وأن جميع الأشياء في الكون تصدر عنها بطريق التطور المادي.

بينما الحضارة الإسلامية تقوم على أن الله هو خالق هذا الوجود، وأن جميع الأشياء الموجودة فيه مخلوقة له، وأنه أرسل الأنبياء والرسل بدينه إلى بني البشر، وأنه ألزمهم باتباع ما أنزل لهم من أوامر ونواه.

والحضارة الشيوعية ترى أن النظام يؤخذ من أدوات الإنتاج، فالمجتمع الإقطاعي تكون الفأس هي أداة الإنتاج فيه، ومنها يؤخذ نظام الإقطاع، فإذا تطور المجتمع إلى الرأسمالية تصبح الآلة هي أداة الإنتاج، ومنها يؤخذ النظام الرأسمالي. فنظامها مأخوذ من التطور المادي.

بينما الحضارة الإسلامية ترى أن الله سبحانه جعل للإنسان نظاماً في الحياة يسير عليه، وأرسل سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بهذا النظام، وبلَّغه إياه، وأوجب عليه أن يسير بحسبه.

والحضارة الشيوعية ترى أن النظام المادي هو المقياس في الحياة، وبتطوره يتطور المقياس.

بينما الحضارة الإسلامية ترى أن الحلال والحرام، أي أوامر الله ونواهيه هي مقياس الأعمال في هذه الحياة، فالحلال يُعمل، والحرام يُترك، ولا يتطور ذلك، ولا يتغير، ولا تُحكَّم فيه نفعية، ولا مادية، بل يُحكَّم فيه الشرع.

وعلى هذا فالتناقض تام بين الحضارة الشيوعية، والحضارة الإسلامية. لذلك لا يجوز أن تؤخذ، كما لا يجوز أن يؤخذ أي فكر من أفكارها، ولا أي نظام من أنظمتها.

فلا يجوز أخذ فكرة التطور المادي، ولا فكرة إلغاء الملكية الفردية، ولا فكرة إلغاء تملك المصانع وأدوات الإنتاج، ولا فكرة إلغاء تملك الأرض للأفراد. كما لا يجوز أخذ فكرة تأليه الأشخاص، ولا فكرة عبادة الأشخاص. ولا غير ذلك من أفكار هذه الحضارة الملحدة وأنظمتها فكلها أفكار كفر، وأنظمة كفر تتناقض مع عقيدة الإسلام وأفكاره، ومع أنظمته وأحكامه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *