العدد 33 -

العدد 33 – السنة الثالثة – جمادى الآخر 1410 هـ الموافق كانون الثاني 1990م

حكم حالات الاضطرار

إنه مع وجوب تطبيق الإسلام كاملاً من الأفراد فيما هو من شأنهم، ومن الدولة فيما هو من شأنها، إلا أن هناك حالات اضطرارية أباح الله سبحانه وتعالى فيها للأفراد وللدولة القيام بأعمال تتناقض مع الحكم الأصلي:

فقد أباح للمضطر الذي لا يجد ما يَسُدُّ به رَمَقَه أن يأكل من المطعومات المحرمة بالقدر الذي يحفظ به حياته، فأباح له أن يأكل لحم الميتة والخنزير وسائر المطعومات المحرمة، وأن يأخذ من أموال الناس ولو بالغصب أو السرقة لسد رمقه وإنقاذ حياته. قال تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ). وقال: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ) إلى أن قال سبحانه: (فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

كما أباح الله سبحانه وتعالى للدولة في عدة حالات اضطرارية أن تقوم بأعمال على غير ما جاء به الحكم الأصلي.

وذلك كأن تدفع لعدوها مالاً إذا كانت في حالة ضعف، وتخشى أن يجتاحها ذلك العدو، وهي لا تقدر على صده، أو إذا كانت في حرب فعلية ورأت عدوها يفوقها عدداً وعدة، وخافت من الهزيمة، وعدم قدرتها على الصمود، أو عدم قدرتها على صده.

وذلك كما حصل في معركة الخندق. فعندما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ما وصل إليه المسلمون من بلاء شديد، وخطر داهم كما أحاط المشركون بالخندق من كل جانب، ونقض اليهود عهدهم، وبعد أن زلزل المسلمون زلزالاً شديداً، كما قال تعالى واصفاً حالهم: (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا) عندها أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى زعماء غطفان عارضاً عليهم أن يرجعوا بمن معهم من قومهم على أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة، فأبوا إلا النصف. وعندما حضر رسلهم لكتابة الاتفاق أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سيدي الأنصار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشارهم، فقالا له: يا رسول الله إن كان هذا وحي فامض لما أمرت به، وإن كان رأياً رأيته لنا فقد كنّا نحن وهم في الجاهلية، لم يكن لنا ولا لهم دين، فكانوا لا يطمعون من ثمار المدينة إلا بشراء أو قِرَى. فإذا أعزنا الله بالإسلام، وبعث فينا رسوله نعطيهم الدنيّة، لا نعطيهم إلا السيف. فقال صلى الله عليه وسلم: «إني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة، فأحببت أن أصرفهم عنكم، فإن أبيتم ذلك فأنتم وأولئك. وقال عندها لوفد غطفان إذهبوا فلا نعطيكم إلا السيف».

وهذا يدل على جواز عقد معاهدات اضطرارية مع الكفار، يدفع لهم فيها مال عند خوف الضرر الشديد المحقق على المسلمين. كما يدل على جواز القيام بأعمال في حالة الاضطرار تتناقض مع الحكم الأصلي.

أخي القارئ،

قال تعالى: (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) وقال رسول الله عليه وآله أفضل الصلاة والسلام: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».

لذلك ندعوك أخي القارئ للمساهمة في تحرير وتحسين مجلتك «الوعي» من خلال:

أولاً: تزويدنا بأبرز الأحداث التي تهمّ المسلمين والتي تحدث في منطقتك أو مدينتك أو البلد الذي تعيش فيه.

ثانياً: كتابه الأبحاث والمقالات والتعليقات إن كنت قادراً على ذلك، أو حثّ من تلتمس فيهم القدرة على الكتابة من مفكري هذه الأمة المخلصين.

ثالثاً: المساعدة في توسيع مجال انتشار المجلة وإيصالها إلى أكبر عدد ممكن من المسلمين.

ولكم الأجر والثواب.

أسرة «الوعي»

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *