العدد 51 -

السنة الخامسة – العدد 51 – ذو الحجة 1411هـ الموافق تموز 1991م

ماذا يجري في السعودية؟

في العدد السابق (رقم 50) نشرت «الوعي» مقالاً تحت عنوان «تفاعلات فكرية في السعودية». وننصح من يقرأ هذا المقال أن يعود لقراءة ذلك المقال تتميماً للصورة.

عدد كبير من كبار العلماء والقضاة وأساتذة الجامعات والدعاة والمثقفين في السعودية اجتمعوا وتشاورا واتفقوا على إعداد مذكرة سياسية شديدة اللهجة وجهوها إلى الملك فهد (في أوائل حزيران سنة 1991)، وهي تتضمن اثني عشر مطلباً. وفيما يلي النص الحرفي لهذه المذكرة:

بسم الله الرحمن الرحيم

خادم الحرمين الشريفين وفقه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فقد تميزت هذه الدولة بإعلانها تبني الشريعة الإسلامية. وما زال العلماء وأهل النصح يسدون لولاتهم ما فرضه الله عليهم من النصيحة. وإننا في هذه الفترة العصيبة التي أدرك فيها الجميع الحاجة إلى التغيير نجد أن أوجب ما تتوجه إليه العزائم هو إصلاح ما نحن فيه مما جلب علينا هذه المحن. ومن أجل ذلك فإننا نطالب ولي الأمر بتدارك الأوضاع التي تحتاج إلى الإصلاح في النواحي التالية:

– إنشاء مجلس للشورى للبت في الشؤون الداخلية والخارجية يكون أعضاؤه من أهل الاختصاصات المتنوعة المشهود لهم بالاستقامة والإخلاص مع الاستقلال التام دون أي ضغط يؤثر على مسؤولية المجلس الفعلية.

– عرض وصياغة كل اللوائح والأنظمة السياسية والاقتصادية والإدارية وغيرها على أحكام الشريعة الإسلامية ومن ثم إلغاء كل ما يتعارض معها. ويتم ذلك من خلال لجان شرعية موثوقة ذات صلاحية.

– أن تتوافر في مسؤولي الدولة وممثليها في الداخل والخارج استقامة السلوك مع الخبرة والتخصص، والإخلاص والنـزاهة، وأن الإخلال بأي شرط من هذه الشروط لأي اعتبار كان تضييع للأمانة وسبب جوهري للأضرار بمصالح البلد وسمعته.

– تحقيق العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع في أخذ الحقوق وأداء الواجبات كاملة دون محاباة للشريف أو منة على الضعيف. وأن استغلال النفوذ أياً كان مصدره في التملص من الواجبات أو الاعتداء على حقوق الآخرين سبب لتمزق المجتمع والهلاك الذي أنذر به النبي r.

– الجدية في متابعة ومحاسبة كل المسؤولين بلا استثناء، لا سيما أصحاب المناصب الفعالة، وتطهير أجهزة الدولة من كل من تثبت إدانته بفساد أو تقصير بصرف النظر عن أي اعتبار.

– إقامة العدل في توزيع المال العام بين جميع طبقات المجتمع وفئاته، وإلغاء الضرائب وتخفيف الرسوم التي أثقلت كواهل الناس وحفظ موارد الدولة من التضييع والاستغلال. ومراعاة الأولوية في الصرف على الاحتياجات الملحة. وإزالة كافة أشكال الاحتكار والتملك غير المشروع. ورفع الحظر عن البنوك الإسلامية وتطهير المؤسسات المصرفية العامة والخاصة من الربا الذي هو محاربة لله ورسوله وسبب لمحق البركة.

– بناء جيش قوي متكامل مزود بأنواع الأسلحة من مصادر شتى مع الاهتمام بصناعة السلاح وتطويره. ويكون هدف الجيش حماية البلد ومقدساته.

– إعادة بناء الإعلام بكافة وسائله وفق السياسة الإعلامية المعتمدة للمملكة ليخدم الإسلام، ويعبر عن أخلاقيات المجتمع ويرفع من ثقافته، وتنقيته من كل ما يتعارض مع هذه الأهداف، مع ضمان حريته في نشر الوعي من خلال الخبر الصادق والنقد البناء بالضوابط الشرعية.

– بناء السياسة الخارجية لحفظ مصالح الأمة بعيداً عن التحالفات المخالفة للشرع وتبني قضايا المسلمين مع تصحيح وضع السفارات لتنتقل الصبغة الإسلامية لهذا البلد.

– تصوير المؤسسات الدينية والدعوية في البلاد ودعمها بكل الإمكانات المادية والبشرية وإزالة جميع العقبات التي تحول دون قيامها بمقاصدها على الوجه الأكمل.

– توحيد المؤسسات القضائية ومنحها الاستقلال الفعلي والتام. وبسط سلطة القضاء على الجميع وتكوين هيئة مستقلة مهمتها متابعة تنفيذ الأحكام القضائية.

– كفالة حقوق الفرد والمجتمع وإزالة كل أثر من آثار التضييق على ارادات الناس وحقوقهم بما يضمن الكرامة الإنسانية حسب الضوابط الشرعية المعتبرة. (انتهى النص).

* أضاف سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز هنا عبارة «على أساس الشريعة الإسلامية» عند تأييده لهذه المطالب. كما أيدها فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين. وقد تضمنت النسخة التي قدمت إلى خادم الحرمين الشريفين هذا التعديل.

وذيلت الرسالة بتوقيع الشخصيات التالية:

حمود بن عبد الله التويجدي – من هيئة كبار العلماء، عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين – من هيئة كبار العلماء وعضو لجنة الإفتاء، الدكتور سعيد بن مبارك آل زغير – أستاذ في قسم الإعلام في جامعة الإمام، عبد المحسن بن ناصر العبيكان – قاض في المحكمة الكبرى في الرياض، د. عبد الله بن حمود التويجري – رئيس قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين بجامعة الإمام، سلمان بن فهد العودة – محاضر في جامعة الإمام، د. صالح بن محمد أبو نيان، عبد العزيز الصالح العقل – عضو الدعوة في مركز الدعوة والإرشاد، أحمد بن عبد الرحمن البعاري – قاضي محكمة الحفر، د. محمد بن ناصر الجعوان – من أعضاء جامعة الإمام، عبد الله حمد الجلالي – عالم دين ورجل أعمال معروف،  عائف بن عبد الله القرني – محاضر في جامعة الإمام، الأستاذ الدكتور ناصر بن سعد الرشيد – كلية الآداب أبها، د. عبد العزيز بن عبد السحيباني، صالح عبد الله الرشودي – مدير عام الهيئات في القصيم سابقاً، الشيخ عبد الرحمن السدليس – محاضر في جامعة أم القرى، الدكتور ناصر بن سلمان العمر – رئيس قسم الدراسات العليا في كلية أصول الدين بجامعة الإمام حمود بن عبد الله بن عقلا، د. أحمد بن عثمان التويجري – عميد كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض، حمد بن محمد الزيدان – مدير مركز الدعوة والإرشاد بالدمام، عبد الرحمن بن محمد الرقيب – مساعد رئيس محاكم الشرقية، صالح بن عبد الرحمن اليوسف – قاضي القطيف، د. صالح بن عبد الرحمن اليوسف – قاضي القطيف، د. صالح بن فوزان – عضو هيئة كبار العلماء، محمد بن عبد الرحمن الزين – قاض بمحاكم الشرقية، الشيخ محمد بن سليمان الشيحة – قاض بمحام الدمام، سعد بن عبد الله أحميد – إمام جامع، محمد بن أحمد الفراج – إمام جامع حي الخالدية بالرياض، عبد الوهاب الناصر الطريري – إمام جامع الملك عبد العزيز بالرياض، بسام عبد الله يماني – خطيب جامع الخبر، د. محمد بن سعيد القحطاني – أستاذ العقيدة في جامعة أم القرى، د. علي بن نضيع العلياني، د. ناصر بن عبد الله المهوس – عميد كلية الهندسة بجامعة الملك سعود، د. إبراهيم بن حمد القعيد – أستاذ اللغة الإنكليزية بجامعة الملك سعود،  سعود بن عبد الله الغنيمان – أستاذ بجامعة الإمام، الشيخ عبد الله بن قعود – عضو هيئة كبار العلماء سابقاً، عوض القرني – محاضرة بكلية الشريعة بأبها، د. سفر بن عبد الرحمن الحوالي – رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى، د. توفيق بن أحد القصير – أستاذ الهندسة النووية بجامعة الملك سعود بالرياض، رياض بن عبد الرحمن الحقيل – عضو مركز الدعوة وإمام جامع، عصام بن عبد المحسن الحميدان – عضو مركز الدعوة وإمام جامع، المهندس سمير بن خليل عاشور، د. محمد بن ناصر السحيباني – جامعة الملك سعود، د. أحمد بن عبد الله الزهراني – أستاذ في الجامعة الإسلامية – المدينة المنورة، د. ربيع بن هادي المدخلي – رئيس قسم السنة بالجامعة الإسلامية، الشيخ محمد بن حسن الحازمي – مدير معهد جيزان العلمي، الشيخ أحمد بن يحيى النجمي – عالم دين وداعية جيزان، سعيد بن ناصر الغامدي – محاضر في أبها، د. حمد بن إبراهيم الصليفيح – مسؤول في وزارة المعارف، د. صالح بن حميد – إمام الحرم ومدرس في جامعة أم القرى، سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – إمام المسجد الحرام، فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين.

السؤال الذي يرد هو: كيف يتجرأ هؤلاء على مطالبة الملك فهد وأسرته وحكومته بهذه المطالب التي تعتبر أمراً فريداً في السعودية؟ بالأمس عقدوا المؤتمرات في مكة المكرمة وأصدروا الفتاوي التي تخالف قناعاتهم وقناعات المسلمين، وتخالف أحكام الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة، ولم يجرؤوا على قول: لا. ولم يجرؤوا على السكوت. وأصدروا للملك فهد الفتوى التي كان قد طلبها بوش. بالأمس كانوا جبناء، فمن أين جاءتهم الشجاعة الآن؟ هل تذكّروا وتابوا وعادوا ليعوضوا عن تفريطهم بالأمس، أو أحسوا أن أميركا، بالتواطؤ مع التيار العلماني في السعودية، تريد إقصاءهم وإنهاء نفوذهم فتحركوا من أجل أنفسهم.

نحن نرجح أن في الأمر لعبة أميركية. يبدو أن أميركا تهيئ للتغيير في السعودية.

ويخشى أن تجر أميركا السعودية الآن إلى فتن خبيثة. فقد قام غازي القصيبي بنشر كتيّب بعنوان «حتى لا تكون فنتنة» تهجّم فيه على بعض العلماء متهماً إياهم بأنهم يحاولون أن يعملوا في السعودية ما فعله الخميني في إيران. وأشار فيه إلى حتمية الحرب الأهلية الوشيكة الوقوع بين السلفيين والعلمانيين.

أميركا هي التي تحرض التيار العلماني في الأسرة السعودية الحاكمة وفي السعودية بشكل عام على إقصاء التيار الإسلامي السلفي. ونرجح أن تكون أميركا نفسها قد دست على العلماء والمثقفين بعض عملائها ليحرضوهم على التيار العلماني، وليخوفوهم من أطماع هذا التيار.

النظام الحاكم في السعودية هو مع أميركا إلى أبعد الحدود، فليس من المتوقع أن تغيّر هذه الأسرة إلا إذا كانت ترى أن هذه الأسرة قد أستُهلكتْ. قد يكون ضمن الأسرة تيارات لا ترتاح للسير مع أميركا فتعمل أميركا على إقصائها ضمن عملية التغيير.

كان الملك فهد قد وعد بإصلاحات ضمن النظام قبل سنة تقريباً. والظاهر أن أميركا نصحته بإدخال هذه الإصلاحات من أجل إطالة عمر النظام وقطع الطريق على الذين يحاولون التغيير، كما حاول جهيمان العتيبي قبل بضع سنين.

والآن جاءت مذكرة العلماء والمثقفين تصب في هذا الاتجاه. فهل كانت المذكرة بالاتفاق مع الملك فهد والفئة الحاكمة ليظهر أنه استجاب لرغبة أهل الحل والعقد بناء على نصيحة أميركية، أو أن أميركا اتصلت مباشرة (عن طريق عملائها الكثر) بالعلماء والمثقفين وشجعتهم ونسقت بينهم كي يشكلوا قوة ضاغطة على الملك وجناحه الحاكم من اجل الإصلاحات؟

إننا نرجح الأمر الأول. ذلك أن هؤلاء العلماء، وعلى رأسهم ابن باز، هم رجالات السلطة ولا نتوقع أنهم تغيّروا بين عشية وضحاها. وإذا تغيّر قسم منهم فليس من المتوقع أن ينسجم معهم الباقون ويعرضوا أنفسهم لنقمة السلطة.

وسواء كانت أميركا تريد إيقاع مذابح في السعودية بين العلمانيين والسلفيين، أو كانت تريد إدخال إصلاحات على النظام لإطالة عمره، فإنه يوجد في السعودية نخبة لا بأس بها من العلماء والمفكرين المخلصين الذين يهمهم رضوان الله ورسوله قبل رضوان فهد وبوش. ويوجد في السعودية الآن شباب واعون على ارتباط النظام بعجلة أميركا، وهم واعون على الظلم والتمييز والفسق التي تملأ جنبات النظام. ولا نظن أن عملية الإصلاح والتجميل التي يسعى النظام لإجرائها، لا نظن أن هذه العملية ستخدع الجيل الواعي من هؤلاء الشباب.

ونقول لهؤلاء المخلصين من العلماء والمثقفين والشباب: إن إنقاذ السعودية من براثن الأميركان لا تكون بتقديم مذكرة إلى السلطة التي هي من صنيعة الأميركان. إن إنقاذ السعودية أمر أخطر من ذلك بكثير. فتوكلوا على الله واحزموا أمركم. فوالله لموته في سبيل الله خير من حياة في معصيته¨

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *