العدد 53 -

السنة الخامسة – العدد 53 – صفر 1412هـ الموافق أيلول 1991م

هيئة كبار العلماء في السعودية (مترددة!)

كانت (الوعي) قد نشرت في العدد (51) النص الحرفي للمذكرة التي وجهها عدد كبير في السعودية من كبار العلماء والقضاة والدعاة وأساتذة الجامعات والمثقفين إلى الملك فهد. وقد تضمنت تلك المذكرة 12 مطلباً، وصيغت بأسلوب شديد اللهجة. ويبدو أن الأسلوب الشديد الذي صيغت به المذكرة لم يرق للملك وأسرته الحاكمة. فقد نشرت وكالة (الواشنطن بوست للخدمات الصحفية) في يوم 10/06/91 أن العائلة المالكة قد رأت في الوثيقة المعنونة إليها تحدياً لسلطاتها، ولذلك قامت بإرسال شرطة إلى الموقعين على الوثيقة لاستجوابهم، كما منعت سفر بعضهم إلى الخارج. وذكرت الوكالة أن ردة الفعل كانت شديدة لدرج انعقاد جلسة استثنائية لهيئة كبار العلماء لمدة يومين في 1 و2/06/91 لكي تصدر بياناً تستنكر فيه الطريقة التي نشرت فيها المذكرة المقدمة إلى الملك. وقد جاء في بيان الاستنكار هذا ما يلي: “إن الواجب على كل مسلم الأخذ بمبدأ النصيحة بشروطها وآدابها والبعد عن الخروج بها إلى الطريق الوعر، الذي يخرجها عن النصح الخالص إلى التهييج واستثارة المشاعر والسكوت عن المحاسن والشكر عليها، وهذا بعيد عن الأدب النبوي في النصح والإرشاد… كما أن النصح لأئمة المسلمين يكمن في إرشادهم سراً بينهم وبين ناصحيهم مع حب صلاحهم ورشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهة افتراق الأمة عليهم… وبناء على كل ما تقدم وأخذاً بمبدأ درء المفاسد وجلب المصالح وقياماً بالواجب الملقي على كل من ولاّه الله مسؤولية في هذه الأمة وحفظاً لحق الراعي والرعية، وبعد اطلاع المجلس على ما تناقلته بعض وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة وما تداولته بعض الأيدي حول ما كتب لوي الأمر عن أمور يراد تحقيقها، فإن مجلس هيئة كبار العلماء يستنكر الطريقة التي سُلكت في نشر وتوزيع ما كتب في ذلك، ويحذر من مغبة تكرار مثل ذلك مستقبلاً. ويرى أن الطريق التي استخدمت في نشر وتوزيع ذلك لا تخدم المصلحة ولا تحقق التعاون على البر والتقوى”.

وهؤلاء العلماء الذين أصدروا بيان الاستنكار كانوا من بين العلماء الذين وقعوا على المذكرة المقدمة إلى الملك. وهم لا يستطيعون التنصل من المذكرة لأن تواقيعهم وأختامهم (أو أختام بعضهم ممن لهم أختام) عليها.

نعم النصيحة لها آداب وأحكام شرعية، ولكن إذا لم يقبل الحاكم النصح بل تجاوز حدود النصح، فهل يبقى العلماء المسلمون ساكتون لأن آداب النصح تتطلب السرية وعدم التشهير؟

إن الملك الذي تسمونه ولي الأمر لا يحكم بما أنزل الله، إنه يحكم بأنظمة الكفر في مجالات عدة: نظام الحكم عندكم هو نظام وراثي ملكي ونظام الحكم في الإسلام هو نظام خلافة عن طريق الشورى والبيعة. ونظام الاقتصاد عندكم يقوم على أساس النظم الغربية من الربا والتأمين والأسهم. والسياسة الخارجية عندكم ترسمها أميركا كلمة كلمة وحرفاً وحرفاً وولي الأمر عندكم هو مجرد منفذ مطيع هو وأعوانه. والسياسة العسكرية عندكم هي أيضاً سياسة أميركية وقد رأيتم ذلك وما زلتم ترونه، حتى أن أرض السعودية صارت مجموعة من القواعد الأميركية. والثروة عندكم من نفطية وذهب بدل أن تكون ثروة للمسلمين صارت هي والبلاد والناس ثروة وملكاً للأميركان، والأميركان يعطونها لليهود لبناء المستوطنات في فلسطين وإسكان اليهود المهاجرين إليها من أنحاء العالم.

أيها العلماء، أنتم يا من تسمّون أنفسكم : هيئة كبار العلماء، أنتم ورثة الأنبياء، وأنتم الذين تخشون الله قبل أن تخشوا الملك وأعوانه: ]إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[[فاطر:28]، فهل أنتم فعلاً متصفون بهذه الصفات؟

إذا كنتم كذلك فاصدعوا بالحق، وكونوا مع الله ولا تبالوا، فالدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة. وما عند الله خير للأبرار. وإلا فلا تحملوا هذا الاسم: كبار العلماء، لأن مسؤوليتكم عند الله تصبح أكبر وذنوبكم أكثر.

وإذا كنتم تتحدثون عن النصيحة وآدابها فأنتم ممن تُوجَّه إليه النصيحة، ونلفت نظركم إلى (الرسالة – النصيحة) التي وجهها إليكم قبل حوالي عشرة أشهر فضيلة الشيخ سفر الحوالي والتي تنشر (الوعي) أجزاء منها. q

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *