رسالة الشيخ سفر الحوالي إلى علماء السعودية (2)
1991/09/06م
المقالات
2,343 زيارة
بعد احتلال العراق للكويت (02/08/90) حصلت ارتباكات عند علماء السعودية. حكومتهم تطلب منهم إصدار الفتاوى بالاستعانة بالجيوش الأجنبية (الأميركية)، وهم يروْن أن هذا حرام. وقد خضعت أكثرية العلماء لأوامر الملك. ولكن نفراً من هؤلاء العلماء التزموا بالشرع وخضعوا لأوامر الله وليس لأوامر الملك التي يتلقاها من بوش.
من هؤلاء النفر فضيلة الشيخ سفر عبد الرحمن الحوالي الذي صار يلقي الخطب محذراً الناس والحكام والعلماء من المكائد الفظيعة. ولكن جاء تحذير من الحكومة بأن يلزم جانب الصمت. فقام فضيلته بكتابة رسالة مطولة (115 صفحة) وقدمها إلى العلماء (قبل 15/10/90) يبيّن لهم فيها واقع الخطر المحدق. إنه لا يشرح لهم الأحكام الشرعية لأنهم يعرفونها، ولكنه يشرح لهم الواقع، أي مناط الأحكام الشرعية، ويبيّن لهم أن الأمر ليس استعانة من السعودية بأميركا وحلفائها بل هو احتلال أميركي للسعودية والخليج شاءت السعودية أو لم تشأ.
وكان المفروض أن تبقى هذه الرسالة – النصيحة متداولة بشكل سري بين العلماء بناءً على أمر الحكومة. ولكن شاءت حكمة الله أن تنتشر هذه الرسالة وأن يتداولها الشباب والطلاب والأساتذة بشكل كبير.
ولما رأت (الوعي) أن هذه الرسالة قيّمة جداً وتلقي الضوء بشكل واعٍ وواضح على واقع ما جرى وما يجري نحو الخليج والنفط والإسلام والعالم، لما رأت (الوعي) ما في الرسالة من خير رأت أن تنشر بعض الفصول منها خدمة للإسلام والمسلمين. وفيما يلي كلام فضيلة الشيخ سفر – حفظة الله -.
|
عندما رفضت دول المنطقة الوجود الأميركي المباشر والأحلاف العسكرية مع أميركا وأعلنت مراراً وتكراراً وعقب كل اجتماع تقريباً أن أمن الخليج مسؤولية أبنائه، جاءتها أميركا من الباب الآخر من الثغرة التي لم نسدها بعد وأعني بها التخلف التقني ومخالفة أمر الله بالإعداد الذاتي مع التوكل عليه وحده، وذلك حين لجأت دول المنطقة إلى شراء صفقات هائلة من الأسلحة المتطورة جداً والأنظمة الحديثة للقيادة والسيطرة والاتصالات بغرض الدفاع عن نفسها طبعاً، ولكن أيضاً بغرض إقناع أميركا بأنها قادرة على حماية نفسها. واسترضاء لها من ناحية أخرى، هذا مع رفع إنتاج النفط بما يناسب مصلحة الغرب وإن كان مُضِراً باقتصاد هذه الدول وثروات أجيالها… وغير ذلك مما لا مجال لذكره.
ومن هنا خططت أميركا والغرب لاستنزاف ثروات المنطقة من جهة واستخدام هذه الأسلحة المتطورة لتكون مجرد مقدمة للوجود العسكري الأميركي من جهة أخرى.
ولعل الغريب حقاً أن الصحافة الأميركية نشرت هذا المخطط الخطير البعيد المدى. وما نُشِرَ سنة 1981 أن عام 1990 – الذي هو هذا – سوف يكون عام الربط المتكامل بين القوات المحلية المتسلحة بهذه الأسلحة وبين القوات الأميركية في المنطقة وفق تلك الأنظمة المتقدمة للسيطرة والقيادة والاتصال!!
وإليكم بعض ما نشرته صحيفة (الواشنطن بوست) الأميركية بتاريخ 01/11/1981 ميلادية وترجمته بعض المجلات العربية في حينه مع توطئة له، وموضوعه طائرات الأواكس والنظام المتطور للاتصالات:
(على أساس الفرضية القائلة أن الولايات المتحدة تتهيأ لمزيد من التورط وأن إمكانية استخدام قوات التدخل السريع تصبح يوماً بعد يوم إمكانية حقيقة يصبح من الممكن البحث في معنى صفقة (الأواكس) في إطار استراتيجية الولايات المتحدة العسكرية العامة تجاه المنطقة.
وتشير عدة معلومات إلى أن بيع صفقة (الأواكس) إلى السعودية جاء كمحاولة لسد ثغرات في إمكانيات قوات التدخل السريع وهذه الثغرات كانت تتمثل أساساً بالنقص في القواعد العسكرية المتواجدة في مناطق مناسبة ومفيدة بالنسبة للخطط التي وضعت لقوات التدخل السريع وخاصة بسبب عدم وجود إمدادات كافية من المياه العذبة للقوات والمعدات وعدم وجود نفط مكرر وعدم وجود تسهيلات مناسبة للمواصلات والنقل في القواعد التي حصلت عليها إدارة كارتر. إذ أن (دييغو غارسيا) ومصر والصومال وكينيا وعُمان (باستثناء البحرين) كلها تبعد ما بين 500 و3300 ميل عن النقاط الحساسة لتواجد القوات الأميركية.
أما الثغرة الأساسية الثانية فقد تمثلت في النقص في طائرات النقل للقوات والمعدات، وعلى هذا الأساس خططت الإدارة الأميركية منذ عهد كارتر لسد الثغرات من خلال تطوير نظام أمني إقليمي جديد بقيادة السعودية التي تشكل النقطة المركزية فيه. وكان روبرت كومر (الذي كان مساعداً لوزير الدفاع في إدارة كارتر والمخطط الأساسي لتطوير قوات التدخل السريع) قد لعب دوراً هاماً في تطوير الاستراتيجية السعودية – الأميركية المشتركة والتي بدأ البحث فيها بين وزير الدفاع في إدارة كارتر هارولدبروان والأمير سلطان وزير الدفاع السعودي في خريف عام 1980 والتي بموجبها كان على الطرف السعودي إعطاء تسهيلات ومنشآت للتخزين لصيانة المعدات العسكرية المتمركزة في المنطقة والخاصة بقوات التدخل السريع مقابل حصول السعودية على نظام قيادة وسيطرة واتصالات متطور (سي3) بالإضافة إلى عتاد آخر مثل طائرات (الأواكس) وعلاقات القنابل لطائرات (أف – 15).
وقد صرّح كومر “أن بعض الناس يدّعون بأن قوات التدخل السريع مبنية على أسس واهية” وكان ممكناً اعتبارها كذلك حسب رأيه في حال عدم تطوير النظام الدفاعي المشترك مع السعودية.
وتكمن الخطة الأولية لتطوير هذا النظام الدفاعي في برمجة أحدث الأساليب في مجال تكنولوجية العقول الإلكترونية للتنسيق بين إمكانيات الدفاع الجوي السعودية وإمكانيات الدفاع الأميركية في المنطقة. كما قدمت دراستان أخريان حول إمكانيات التنسيق بين القوات الأرضية والبحرية السعودية وإمكانية دمج القوات الثلاث في نظام قيادة وسيطرة واتصالات موحد.
ويبدو أن هناك اقتراحات أخرى لدمج نظام القيادة والسيطرة والاتصالات (سي 3) فيما بعد مع نظام إلكتروني لرصد المعلومات مما سيشكل نظام قيادة وسيطرة واتصالات استخبارات (سي 3) وسيرتكز العمود الفقري لنظام (سي 3) على أكثر الأساليب تطوراً في مجال تنظيم المعلومات وعرضها ويأمل القادة السعوديون والأميركيون بأن يتمكن نظام (سي 3) من الربط بين الأجزاء الأخرى من البرنامج المشترك في عام 1990 في إطار شبكة قتال موحدة. وتشير المعلومات أن البنتاغون قد قام بدراسات لعملية تركيب نظام (سي 3) القادر على الربط بين القوات السعودية والقوات الأميركية وقوات محلية أخرى. وقد قدرت تكاليف تطويره بنحو 5 مليارات دولار)… ومن المهم هنا أن نذكر أن هدف الصفقة النهائي ظل سراً حتى عن الكونغرس. تقول المقالة: “وقد عبّر أحد المحرِّضين من أجل الحصول على تأييد الكونغرس للصفقة عن صحة عملية إخفاء المعلومات الأساسية عن الكونغرس قائلاً: “نحن مجبرون لاطلاعهم على المعدات التي نبيعها ولكننا لسنا مجبرين على شرح معنى هذه المعدات”!!
“ومن مهمات نظام القيادة والسيطرة والاتصالات التي ستحصل عليها السعودية تنسيق عملية دخول القوات الأميركية بشكل موسع إلى المنطقة عند الحاجة وسيشمل النظام عدداً من الأعتدة الأخرى المتطورة ستبيع الولايات المتحدة لبعض منها على شكل صفقات جزئية فيما بعد ولبعض الآخر ستدخلها مع النظام نفسه. هذا بالإضافة إلى بعض الأسلحة التي ستشتريها بعض الدول الخليجية الأخرى باسمها وبتمويل سعودي بهدف دمجها في هذا النظام وقد بيّنت ورقة عمل” محدودة التوزيع وخاصة بالبنتاغون وزّعت على أعضاء الإدارة لتحضيرهم لمناقشة قضية الأواكس في الكونغرس أن الصفقة “تهيئ الأوضاع لتطوير نظام إقليمي للدفاع الجوي لكل منطقة الخليج بدعم أميركي” كما بينت الدراسة (أن السعوديين قد أبدوا رغبتهم للعمل باتجاه نظام دفاعي إقليمي موجد) وأن الولايات المتحدة وافقت على دعم هذا النظام الإقليمي. وقد جاء في هذه الورقة “أن المملكة السعودية قد اتخذت المبادرة في تكوين مجلس التعاون الخليجي مع البحرين وعمُان وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت وأن أحد الأهداف الأساسية لهذا المجلس هو تطوير الدفاع المشترك في منطقة الخليج” وبيَّنت أن الأواكس والنظام الدفاعي الأرضي المرتبط بها “سيسمح بربط شبكات الدفاع الجوي لهذه الدول في نظام موحد”. ويبدو واضحاً أن البنتاغون يأمل أنه في حال استطاعة السعودية تنظيم هذا النظام الدفاعي الموحد لدول الخليج فالخطوة التالية هي المطالبة بتواجد عسكري أميركي دائم مما سيؤدي إلى خلق تحالف محلي عسكري جديد ضد الاتحاد السوفيتي، وعلى حدوده الجنوبية مكمل لدفاعات حلف الأطلسي في الغرب.
وبينما لا يبدو واضحاً بالنسبة للمخططين في الولايات المتحدة عدد دول الخليج التي ستوافق على الدخول في هذا النظام الإقليمي الذي ستسيطر عليه السعودية إلا أن السعودية سائرة في خططها على أساس دخول عدد من هذه الدول. وهذا واضح من خلال بناء السعودية لمنشآت عسكرية معقدة وأكبر بكثير من حاجاتها الذاتية ومن المنتظر أن تصل قيمة هذه المشاريع خلال العقد الحالي إلى ما بين 35 و 60 مليار دولار. وتطمع بعض أوساط المخططين العسكريين في الولايات المتحدة أن يضم هذا التحالف مصر في المستقبل وينسق لدورها العسكري في المنطقة). انتهى ما نشرته (الواشنطن بوست) في 01/11/1981.
وعندما يتحدث الغرب بصراحة أكثر يقول إن أخطر منطقة تواجهه هي منطقة الشرق الأوسط وأن أخطر منافس لمستقبله هو الصحوة الإسلامية، وهنا نأتي على بعض الشواهد التي نجتاز منها إلى إرهاصات الأزمة الحالية:
فعن موضوع نظرة الشرق والغرب إلى المنطقة بعد سقوط (يالطا) وعقد قمة (مالطا) [مؤتمر يالطا بعد الحرب العالمية الثانية، وأما مؤتمر مالطا الذي وضع أسس النظام الجديد فهو قمة مالطا الأخيرة بين الرئيس الأميركي والسوفياتي!!] كتب أحد المحللين في جريدة الحياة بتاريخ الاثنين/3/90م فكان مما قال:
“الانتقال من يالطا إلى مالطا بدأ يُكوِّن مجتمعاً دولياً أخذ يوماً بعد يوم يستكمل ملامحه الجديدة… ولكن من خلال الابتهاج بالاتجاه إلى نزع التسلح والأمل بعدم اللجوء إلى النزاع المسلح هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى جواب، من هذه الأسئلة مثلاً: ما هي وظيفة الجيوش في المستقبل؟ وما هي الأخطار التي يتوقعها الشرق والغرب؟…”.
وللإجابة على الأسئلة نقل الكاتب إجابة رئيس الأركان الفرنسي لإحدى المجلات: “والسؤال هو: سيدي الجنرال: تقولون بأن الأوضاع تتطور بسرعة جنونية فهل يحتمل أن يكتشف الغرب والشرق خلال العشرين عاماً القادمة أعداء آخرين من خارج أنفسهم؟”
وهذا هو جواب الجنرال: عندما افتتح المسيو شيفارنازده وزير خارجية الاتحاد السوفياتي ندوة فيينا في مارس 1989 قال ما نصه:
“يجب علينا من خلال مناقشاتنا أن ننظر بعين الحذر إلى أمر واقع وهو أنه في جنوبي أوروبا وفي الجنوب الغربي من آسيا توجد قدرات عسكرية يمكن أن تصبح أعظم من قدراتنا. إنني (المتكلم هو الجنرال الفرنسي) أشاركه وجهة نظره هذه، ان ابتهاج الشرق والغرب بالاتجاه نحو نزع التسلح لا يجب أن يجعلنا نتغاضى عن الأخطار التي يمكن في وقت من الأوقات أن تأتي من تلك المناطق، ان الأوضاع الراهنة في إيران، العراق، سورية، الأردن، إسرائيل، مصر، ليبيا، لا توحي بالاطمئنان وبكل أسف فإن الأخطار تبدو الآن وكأنها جديرة بالإهمال لا يؤبه لها، ولكننا في الشرق والغرب قدمنا لهذه الدول السلاح والتكنولوجيات والتِّقنين مما جعلهم يتعلمون الإنتاج بأنفسهم، إنني أعتقد بأن هذه البلاد ستشكل عنصر عدم الاستقرار، إنها جميعاً تتمتع بالقدرة على التوسع الديمغرافي (زيادة السكان) وتعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، والديانة تجنح إلى التطرف، كل ذلك يضاف إلى قدرات عسكرية بالغة الخطورة ولا نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الأخطار”
وفي عدد آخر بتاريخ 21/12/1410هـ يقول كاتب آخر هو مدير المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل بالقاهرة عن تحديات أوروبا:
“يتزايد القلق في أوروبا وجنوب أوروبا بشكل خاص وفرنسا تحديداً من تطور يطلقون عليه المد الإسلامي وتطور آخر يسمونه التغيير الديمغرافي والتطوران حادثان في شمال أفريقية”.
والغرب يحسب حساباته على المدى البعيد بل البعيد جداً، وعليه نعود الآن للإجابة على السؤال المهم نفسه: ما وظيفة الجيوش الغربية في ظل الوفاق؟ ولكن من جهة النظر الأميركية:
نشرت جريدة الحياة في 26/12/1410هـ أي قبل غزو الكويت بحوالي 17 يوماً فقط موضوعاً بالغ الأهمية بعنوان كبير هو:
(وظيفة جديدة للقواعد بعد تحول دورها من شرق أوروبا إلى الشرق الأوسط!) ومنه:
“وفي نظر جميع المراقبين والمحللين فإن منطقة الشرق الأوسط تأتي في مقدمة المناطق العالمية التي تزداد أهميتها وترتفع سخونتها وهي مرشحة إلى أن تكون منطقة اصطدام واحتكاك مع أميركا…”.
“وعلى هذا تحولت القواعد الأميركية في جزيرة كريت من موقع المراقبة والرصد لدول حلف وارسو سابقاً إلى مراقبة دول الشرق الأوسط وضفاف المتوسط الجنوبية التي تموج بمختلف التفاعلات والتطورات الحادة وتُنذر باضطرابات وانفجارات عنيفة لذلك لم تتضاءل أبداً أهمية هذه القواعد بل ربما زادت بسبب القرب الجغرافي من الهدف الجديد وقلة القواعد الموجهة نحو الشرق الأوسط والخليج عموماً وشمال أفريقية خصوصاً…”.
ولما كان هذا الموضوع كتب تعليقاً على الاتفاقية الجديدة بين أميركا واليونان بشأن قاعدة كريت تعرضت الجريدة للآراء المعارضة والمحللة فقالت:
“أما البيان الذي أصدره تحالف اليسار المعارض فقد قال: أن الاتفاقية الجديدة ستجعل من اليونان طرفاً مباشراً في المخططات الحربية الأميركية ضد الدول العربية وحذر من ردود فعل الدول العربية على اليونان!!”
ووقف المحللون عند بند جديد يتضمن السماح “لأي طيران حربي آخر باستخدام القواعد بموافقة أميركا فقط” وقالوا ان هذا إشارة إلى الطيران الإسرائيلي!!
“ورأى المحللون العسكريون اليونانيون أيضاً… أن الاتفاقية تعني حق أميركا في استخدام كريت من قبل قوات التدخل السريع التي شكلت لحماية منابع النفط” ا هـ.
كما نشرت [مجلة الأمل في عدد ذي الحجة 1410هـ] مقالاً بعنوان (إلى أين ستذهب الأسلحة التي كانت تصنع لحساب أوروبا) وذكرت منها مثلاً 930 دبابة من طراز (أم 60) وقالت: “الإجابة السهلة في واشنطن حالياً هي أن ترسل هذه الأسلحة إلى العالم الثالث وبخاصة إلى الشرق الأوسط”.
وفي هذا المسار نشرت [مجلة البلاغ الإسلامية الكويتية في 16 ذي الحجة 1410] أي قبل الغزو بحوالي 25 يوماً مقالاً مؤثراً بعنوان: (هل انتهت الحروب الصليبية؟) قالت فيه: “اليوم تتوالى الأخبار التي يُخيل للسامع أنها ليست إلا بيانات عسكرية في معركة طاحنة تدور رحاها بصمت عجيب”.
وتعرضت فيه للفكرة التي طرحت في الغرب ونشرت عنها الفاينشال تايمز وهي: (إقامة عمود دفاع أوروبي) ضد العالم الإسلامي!!
بل نشرت الصحافة الأميركية أن دول البلقان مثل اليونان وبلغاريا قد تصبح “دول مواجهة في أوروبا ضد انتشار التطرف الإسلامي”.
وأنذرت صحافة أميركا عدوها النووي (الاتحاد السوفياتي) باحتمال وقوع الأسلحة الذرية في الجمهوريات الإسلامية السوفياتية في أيدي متطرفين مسلمين وأن ذلك يعتبر تهديداً خاصاً للبشرية والعالم المتمدن.
وقالت: “إن المتطرف يأتي من الصحراء والمُبدع يأتي من الغابات وربما كان هذا هو الفارق الأكبر بين الشرق والغرب”.
وقد علق المحامي الأميركي [وهو مايكل سابا والمقالة في الحياة 10 شعبان 1410هـ] الذي أورد هذه النصوص بعنوان (إعلام أميركا وخطر المسلمين) قائلاً:
“بالترويج لخطر المسلمين لا بالنسبة إلى الدول الغربية فحسب بل حتى إلى الاتحاد السوفياتي يرى المرء تقارباً بين مصالح الأعداء القدامى الذين كانوا يشتبكون في الحرب الباردة، ويحتمل أن تتردد القضية الجديدة عن الخطر الإسلامي على العالم المتمدن أكثر فأكثر في المستقبل”.
وفي الوقت نفسه جرى الإعلان أيضاً عن وظيفة جديدة للمخابرات الأميركية في ظل الوفاق (وهي قديمة في الواقع) فقد أذاعت هيئة الإذاعة البريطانية في برنامج عالم الظهيرة في أواخر ذي القعدة الماضي ما نصه تقريباً:
“إن الجهد الرئيس للمخابرات الأميركية الذي كان منصباً لمراقبة إمبراطورية الشر (يعني الاتحاد السوفياتي) ستتجه أساساً لمراقبة الجماعة الأصولية في العالم الإسلامي ووضع العقبات والعراقيل أمامها“.
وأذاعت تعليقاً لصحيفة الفاينشال تايمز قال فيه:
“إذا كانت أميركا تشجع الاتجاهات الديمقراطية في شرق أوروبا ودول العالم الثالث فإنه يجب عليها ألا تشجع تلك الاتجاهات في العالم الإسلامي لأنها بذلك تدفع – دون أن تدري – بالأصوليين إلى تسلم زمام السلطة في ذلك العالم”!!
وفي أثناء الإعلانات والشعارات المعسولة عن السلام العالمي القريب وحق الشعوب في الحرية والاستقلال والديمقراطية… الخ.
فجَّر الرئيس ميتران قنبلة صليبية مذهلة حين قال:
“إذا نجح الأصوليون في حكم الجزائر فسوف أتدخل عسكرياً كما تدخل بوش في بنما” (وقد أحدث هذا الإعلان المكشوف ردة فعل قوية مما جعله يقول بعد إعلان نتائج الانتخابات) “إنني أقدر حرية الناخب الجزائري”!!
والواقع أن مثار الذهول ليس مجرد التهديد بالتدخل فقد تدخلت فرنسا فعلاً في دول كثيرة [منها زائير ووسط أفريقية وساحل العاج وتشاد والجابون] ولكنه في الجرأة على إعلان بعض مخططات الغرب السرية وإشهار الحرب الصليبية الذي يزيد الصحوة الإسلامية اشتعالاً، ومن هنا كان تراجع ميتران الحاد في موقفه. إلا أن ذلك لم يمنعه من التصريح بأن “الانتفاضة الفلسطينية خطر يهدد المنطقة كلها بوباء التطرف” [مجلة التذكير الجزائرية العدد5].
وفي هذا المسار تأتي تصريحات ميتران وغيره من المسؤولين الفرنسيين في معرض الدفاع عن الموقف الفرنسي المؤيد للعراق وهي تصريحات متكررة مضمونها:
“إننا كنا نساعده لأنه يحارب الأصولية الإسلامية التي تمثل تحدياً أكبر لمصالحنا“.
وقد ورد عن مسؤولين أميركيين قبل الأزمة الحالية قولهم: “ان أميركا ترى في العراق عاملاً قوياً في صدِّ التوسع الإسلامي في المنطقة” [إذاعة صوت أميركا].
وفي غمرة هذه الإعلانات والتصريحات التي اجتاحت الإعلام الغربي في الشهور الأخيرة جاء الحديث المكشوف للأمير حسن ولي عهد الأردن (أعلن الأردن هذا الموقف عند رواج فكرة إنهاء حكم الملك حسين وجعل الأردن هي الوطن البديل للفلسطينيين، كما سنعرض إن شاء الله) لصحيفة نيويورك تايمز الذي قال فيه: “أنه ينبغي إجراء محادثات بين المعتدلين العرب والإسرائيليين لأن الخطر الحقيقي للسلام يكمن في تنامي الأصوليين“.
وقال: “ان العدو الحقيقي هو تصاعد الأصولية والتطرف حيث المتطرفون اليهود من جهة والمد الإسلامي الذي يؤثر على السياسات الممتد من جنوب آسيا عبر أفغانستان ولبنان إلى شمال أفريقية“. وقال: “يتصاعد نشاط المتطرفين في الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة” (الإصلاح عدد 146 ذو الحجة 1410هـ).
أصحاب الفضيلة:
لا نريد التطويل وإلا فالشواهد كثيرة جداً غير أنه لا بد من التنويه بظاهرة جديدة في السياسة الغربية تدل على أن الغرب يعد العدة لأمر عظيم وهي استنفار كل ذوي الخبر السابقة في الميدان السياسي أو العسكري أو الفكري لإحكام خطة الوفاق ودراسة الاحتمالات بكل دقة وبذل الجهود في أكثر من سبيل للوصول إلى فرض السيطرة الغربية الكاملة على العالم الإسلامي واستئصال الصحوة الإسلامية. أقول هذا عندما رأيت الحشد الكبير من الساسة القدامى والجنرالات المتقاعدين والسفراء السابقين ورجال الاستخبارات وقادة الفكر وعلماء النفس والاجتماع… الخ كلهم يتحدثون عن مستقبل الغرب وصراعه مع الإسلام، بل يقومون بجهود عملية مكشوفة لم يشهدها تاريخهم المعاصر من قبل.
ورغبة في الاختصار أضرب مثلاً فقط بالرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون:
نيكسون له نشاط تنظيري استراتيجي بارز وخاصة فيما يتعلق بالوفاق ومستقبل أميركا والغرب، يدل على ذلك كتابه الضخم (1999 نصر بلا حرب) وبحوثه الأخرى ومشاركاته المباشرة كما حدث أثناء زيارة غورباتشوف الأخيرة لواشنطن. وهو مع تحذيره وتهويله من الاتحاد السوفياتي عامة وشخصية غورباتشوف خاصة (انظر الكتاب المذكور، فصل كيف نتفاوض مع موسكو) أطلق سنة 1985 (أي سنة تولي غورباتشوف) صيحة صليبية نشرتها مجلة استراتيجية متخصصة هي [مجلة الشؤون الخارجية] قال فيها:
“يجب على روسيا وأميركا أن تعقدا تعاوناً حاسماً لضرب الأصولية الإسلامية” [انظر الحروب الصليبية للدكتور أحمد هادي وقد جعل هذه العبارة تصديراً للكتاب]. وفي كتابه المذكور يؤكد نيكسون بكل صراحة وجرأة أن واجب الولايات المتحدة ورسالتها في الحياة هي زعامة العالم الحر الذي يجب بدوره أن يتزعم العالم وأن الوسيلة الوحيدة لهذه الزعامة هي القوة وأن العدو الأكبر في العالم الثالث هو الأصولية الإسلامية ويؤكد ذلك قائلاً:
“ان مأساة فيتنام قد جرحت كبرياء أميركا ولم يكن ذلك راجعا إلى أننا ذهبنا إلى هناك بل أننا خسرنا”.
ويؤكد “لكن الكبرياء القومي الذي لا يتصلب من خلال المعارك كبرياء عقيم… إن الكبرياء الحقيقي لا يأتي من تفادي النزاع بل من أن نكون في معمعته نحارب من أجل مبادئنا ومصالحنا وأصدقائنا. ومن أجل بناء ثقة جديدة ودائمة في الولايات المتحدة الأميركية بين الأميركيين أنفسهم وبين أصدقائنا وحلفائنا في الخارج فإن الأمر يقتضي ما هو أكثر من القيام بعدد غير قليل من المهام العسكرية الناجحة وإن كانت صغيرة نسبياً مثل غزو جرينادا وشن الغارات على ليبيا” [ص 29 والكتاب ألف في سنة 1988 قبل غزو بنما أيضاً].
ويَسْخَرُ نيكسون من دعاة السلام قائلاً:
“يؤمن كثير من هؤلاء الذين يندفعون في الشوارع رافعين اللافتات الداعية إلى السلام ونزع السلاح الشامل بأن الحل الوحيد لتجنب خطر الحرب هو إقامة نظام عالمي ترعاه منظمة دولية. لقد دحض القرن العشرون كثيراً من الأساطير لكن ليس هناك أشد تدميراً من الفكرة القائمة على التمني القائلة بأن المنظمات الدولية يمكن أن تحقق السلام الكامل”.
“ففي عالم الواقع يتوافر لأمة بالغة الصغر لديها ست دبابات أو ستة إرهابيين وضعاء لديهم قنبلة صغيرة قدر من القوة الحقيقية يريد عما للجمعية العامة للأمم المتحدة مجتمعة بكل أبهتها الرفيعة في ايست ريفر. إن القوة هي التي تدفع العالم صوب الخير أو الشر ولن تتخلى أية أمة ذات سيادة عن أي من سلطاتها وقوتها للأمم المتحدة أو أي هيئة أخرى لا الآن ولا في أي وقت… وكلما سارعنا لمواجهة هذه الحقيقة وسارعت شعوب الأمم العظمى خاصة في الغرب بالكف عن الإحساس بالذنب لأنهم أقوياء سارعنا بإقامة نظام دولي حقيقي…”.
ويقول عن منطقة الخليج:
“إن الولايات المتحدة هي الآن الدولة الوحيدة التي يمكنها حماية المصالح الغربية في الخليج الفارسي. وليس هناك أي دولة من دول الخليج الموالية للغرب قوية بالقدر الكافي للقيام بذلك كما لا تتوافر لأي من حلفائنا الأوروبيين القوة أو الرغبة في أن يقوم بذلك…”.
“وينبغي لنا أن نعمل على الجبهة العسكرية لتحسين قدرتنا على إبراز القوة الأميركية في الخليج. وقد حققنا تقدماً هاماً في هذا المجال. فقد أنشأ الرئيس كارتر قوة الانتشار السريع. وعزز الرئيس ريجان وضعها بتحويلها إلى قيادة مركزية. واعتمد الكونغرس مليارات الدولارات لقواتها”.
وبعد أن بيّن أن الهدف “هو أن تكون قادرة على دفع أربع فرق من قواتنا في الخليج خلال ثلاثين يوما”.
قال:” إننا لا نستطيع أن ندافع عن مصالحنا في الخليج – أو نرد أي تحرك سوفياتي ضدها – إذا لم نستطع إرسال قواتنا إلى هناك”.
“وينبغي لنا أيضاً أن نعلم على الجبهة الدبلوماسية لتشكيل روابط أوثق مع بلدان المنطقة!! (وضع نيكسون سبعة إرشادات وأربعة شروط للتعامل مع الدول الحليفة وهي مهمة،: ص 136 – 140، ناقش خلالها مسالة الديمقراطية وحقوق الإنسان بخبث ودهاء). ويستحيل على الولايات المتحدة أن تتدخل في الخليج الفارسي دون أن تتوافر لها إمكانية الحصول على قواعد جوية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى الأصغر. إننا في حاجة إلى وضع قوات جوية في قواعد هناك حتى يمكن أن نحمي قواتنا البرية عند قيامها بإنشاء رأس جسر. وبدون تفوق جوي ستصبح أي عملية إنزال أميركية في الخليج الفارسي تكراراً لعملية الإنزال البريطانية في غاليبولي أثناء الحرب العالمية الأولى”.
“فالنسبة لأصدقائنا في المنطقة تعتبر إيران تحت حكم الخميني تهديداً يفوق في خطورته حتى الاتحاد السوفياتي. لذلك يجب أن نؤكد لهم أن عملية إيران الفاشلة كانت انحرافاً لن يتكرر”. (يعني عملية استنقاذ الرهائن) وينتقد بشدة “المفهوم الذي شجعه المرشحون الليبراليون للرئاسة عام 1984، وهم يعدون بعدم إرسال قوات أميركية للقتال في الخليج الفارسي. إن أي شخص يصدر عنه هذا النوع من التعهد يعدم اللجوء للقوة في عام 1988 سوف يفقد صلاحيته لأن يكون محل تفكير كزعيم مسؤول للولايات المتحدة وللعالم الحر” ص 132 – 133.
هذا الكلام يوجهه نيكسون إلى المتنافسين على الرئاسة الأميركية قبل ثلاث سنوات ومعلوم أن الذي فاز بها هو جورج بوش المعروف بانتمائه لخط نيكسون كما في التعريف بالكتاب على الغلاف الأخير له. (وكما يظهر من كتاب جورج بوش [التطلع إلى الإمام] الذي لخص فيه سياسته بقوله: “المحافظة على مصالح أميركا بواسطة السلام عن طريق القوة” وبعبارة كيندي “أن نكون أقوياء بحيث أننا لن نتفاوض من الخوف بل لن نخاف من التفاوض” [ص 268 ترجمة جورج خوري. (هدفهم في تدميرها) ص 291)].
وعن إسرائيل والصحوة الإسلامية يقول نيكسون:
“وفي الشرق الأوسط نرى صراع العرب ضد اليهود يتطور إلى نزاع بين الأصوليين الإسلاميين من جانب وإسرائيل والدول العربية المعتدلة من جانب آخر.
وما لم تتغلب هذه الأمم على خلافاتها وتعترف بأنها تواجه تهديداً أشد خطراً بكثير من طهران فربما سيظل الشرق الأوسط هو المنطقة الأكثر احتمالاً للانفجار في العالم كله…” ص 284 أي كما قال ولي عهد الأردن.
ويقول: “لقد أمرت في حرب 1973 ببدء جسر جوي ضخم للمعدات والمواد التي مكنت إسرائيل من وقف تقدم سوريا ومصر على جبهتين وكتبت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل أمراً له قيمة لا تقدر. فهو لم يرفع معنوياتها فحسب بل أفاد أيضاً في جعل موقف أميركا واضحاً بالنسبة للاتحاد السوفياتي وساعد بلا شك في جعل انتصارنا أمراً ممكنا”.
“إن التزامنا ببقاء إسرائيل التزام عميق فنحن لسنا حلفاء رسميين وإنما يربطنا معاً شيء أقوى من أي قصاصة ورق: إنه التزام معنوي. إنه التزام لم يخل به أي رئيس في الماضي أبداً وسيفي به كل رئيس في المستقبل بإخلاص”.
(وصدق الله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ[[المائدة:51]).
إن أميركا لن تسمح أبداً لأعداء إسرائيل الذين أقسموا على النيل منها بتحقيق ذلك”. ويتابع نيكسون مفاخراً بإسرائيل كأشد يهودي في العالم تعصباً:
“لقد بهرت إسرائيل العالم كله بكل ما أنجزته خلال أربعين عاماً من الحرب وستدهش العالم بما تستطيع أن تنجزه في أربعين سنة من السلام” ص 292.
“وينبغي أن نوجه لأنفسنا بعض الأسئلة عن بعض القضايا الأساسية: كم تستطيع الحكومتان المعتدلتان في الأردن ومصر أن تبقيا صامدتين في مواجهة التهديد المزدوج للنزعة الجذرية والنزعة الأصولية في غياب حدوث تقدم في مسيرة السلام؟ كم ستظل هاتان الحكومتان راغبتين في انتهاج سياساتهما الحالية الموالية للغرب…”.
“ينبغي لإسرائيل أن تعترف بأن مصلحتها هي نفسها تقتضي أن تقيم الولايات المتحدة علاقات وثيقة مع الدول العربية المعتدلة – وأن هذه الدول ستظل شريكاً مستقراً في السلام…” .
(يتبع)
1991-09-06