العدد 371 -

السنة الثانية والثلاثون، ذو الحجة 1438هـ،، الموافق آب/أيلول 2017م

ومما وراء استفتاء استقلال كردستان العراق!

ومما وراء استفتاء استقلال كردستان العراق!

 

رأى ممثل الجالية اليهودية في إقليم كردستان العراق شيرزاد مامساني أن استقلال الإقليم بعد إجراء الاستفتاء المقرر في25 أيلول 2017 سيمهد الطريق أمام تعزيز التبادل الثقافي مع (إسرائيل) وقدّر مامساني عدد العائلات اليهودية في الإقليم بالمئات، وقال إن بعضها عاد من (إسرائيل) بعد عام 2003 وفي حديث لـ”راديو سوا” الأميركي أشار ممثل الجالية اليهودية إلى أن هذه العائلات فضلت العودة إلى كردستان من أجل الممتلكات والأقارب!

إلا أن المتعمق في العلاقات بين قادة الإقليم الكردي و(إسرائيل) يجد أن التفسير الذي قدمه شيرزاد سطحيًا للغاية، حيث نجد أن 75% من واردات “الكيان اليهودي” من النفط تصل من كردستان العراق، كما تستحوذ شركات (إسرائيلية) على الكثير من الاستثمارات داخل كردستان، لا سيما في مجال الطاقة والإنشاءات والاتصالات والاستشارات الأمنية. وحسب صحيفة معاريف (الإسرائيلية)، فإن جميع الشركات (الإسرائيلية) العاملة في الإقليم يديرها جنرالات احتياط خدموا في الجيش والاستخبارات، على رأسهم الجنرال داني ياتوم، الرئيس الأسبق لجهاز “الموساد”. وتعود العلاقة بين (إسرائيل) والإقليم الكردي إلى ستينات القرن الماضي، وقد جاءت تطبيقًا لاستراتيجية “حلف الأطراف” التي اعتمدها رئيس الوزراء (الإسرائيلي) الأول ديفيد بن غوريون، والتي تقوم على توثيق العلاقات مع أطراف تخوض صراعات مع دول عربية.

كما يجد المدقق بالمعونات الاقتصادية والأمنية والعسكرية المستمرة لإقليم كردستان أن المسألة أبعد بكثير من كونها علاقات عابرة، بل هي توجه سياسي استراتيجي لتمكين حكومة أربيل من تأمين الشروط والظروف التي تساعدها على إعلان استقلال الإقليم عن العراق؛ حيث تقوم (إسرائيل) منذ سنوات بشن حملة سياسية ودبلوماسية ودعائية تهدف إلى تأمين اعتراف دولي باستقلال كردستان عن العراق غير آبهة بمعارضة دول المنطقة أو تحفظ بعض الدول الكبرى. ولطالما أعلن نتنياهو دعم (إسرائيل) لـتطلع الشعب الكردي لتحقيق مصيره وإقامة دولته المستقلة. كما سعت حكومته بشكل حثيث إبان رئاسة أوباما بالعمل على تغيير موقف إدارته من استقلال كردستان، على اعتبار أن العراق مقسم عمليًا! ونظرًا لعلاقته الجيدة مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، فإن نتنياهو سيعمل بكل جد للتأثير على إدارته وإقناعها بإعلان دعم صريح لاستقلال الإقليم الكردي.

وحسب المنطق (الإسرائيلي)، فإن إنشاء دولة كردية في شمال العراق سيمكن تل أبيب من تقليص عزلتها في المنطقة، وسيزيد من هامش المناورة المباشرة أمامها للتأثير على المشهد الإقليمي برمته، بخاصة مع بروز توجه شبه علني من قبل الحكام الجدد في السعودية ودولة الإمارات المتحدة في الانفتاح على (إسرائيل) واتخاذها حليفاً ضد العدو الإيراني المشترك حسب تصوراتهم، ما يعني عمليا تتويج (إسرائيل) لاعبًا بارزًا بشكل ظاهر في المنطقة يبز دور تركيا وإيران!

كما أن إعلان دولة كردية يعني إفشاء حالة التقسيم في المنطقة، وهي “عدوى” ستصيب سوريا التي يتعزز فيها الدور الكردي أكثر يومًا بعد آخر؛ ما يعني إيجاد كيانات متعددة ذات صبغة عرقية ومذهبية تتناسب مع التركيبة الهجينة لهذه الدولة المسخ المسماة بــ (إسرائيل).

إلا أن هذا المخطط الاستراتيجي الذي تعمل عليه (إسرائيل) منذ عقود لن يجد النجاح ما لم يتم احتضانه من قبل الدول الكبرى التي تعبث بالمنطقة، والتي أصبحت حاضرة فعليًا بعديدها وعتادها فضلًا عن نفوذها الكبير والمتشعب. فهل تسهل تلك الدول لـ (إسرائيل) مهمتها؟ وهل تبقى تركيا وإيران ساكنتين تلوذان بالصمت وهما مهددتان فعليًا بهذا الاستفتاء، وبما يبنى عليه؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *