العدد 314 -

السنة السابعة والعشرون ربيع الأول 1434هـ – كانون الثاني / شباط 2013م

«الحريات غطاء للحرب على الإسلام»

بسم الله الرحمن الرحيم

«الحريات غطاء للحرب على الإسلام»

حمد طبيب – بيت المقدس

يقول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36))، ويقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) ) .

في سنة ألف وتسعمائة وأربع وعشرين، وبعد هدم الدولة الإسلامية مباشرة اعترض أحد اللوردات البريطانيين في مجلس العموم البريطاني، على اعتراف بريطانيا بتركيا دولة جديدة، فقال اللورد (كارزون) رادّاً على هذا اللورد:«المشكلة هي أن تركيا قد قضي عليها ولن تقوم لها قائمة أبداً لأننا قضينا على مركز القوة فيها؛ الخلافة والإسلام»، وبعد سنوات من هذه الأقوال المسمومة في سنة (2011م)؛ جاء أحد أعمدة الكفر في هذا الزمان( جورج بوش الابن) بعد أحداث الأبراج في نيويورك، وقال أمام العالم: «إنها حرب صليبية جديدة». وقال (ويلي كلاس)؛ الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي في مقابلة له مع المجلة الألمانية (سودويتشه تسايتونغ): «إن الأصولية الإسلامية تشكل تهديداً للغرب بالقدر الذي كانت تشكله الشيوعية»، ثم جاء بابا الفاتيكان ( بيندكت السادس عشر)، وهو رأس الهرم في الأعمدة الدينية عند الغرب فقال في سنة (2006م): “إن محمد نبي المسلمين كان عنيفاً في تعامله مع الناس، ونشر الإسلام في العالم عن طريق العنف والإكراه”. ثم جاء قبل أيام معدودة في سنة (2012م) إلى لبنان وقال متبجحاً مرة أخرى: “يجب القضاء على الأصولية من جميع الأديان على وجه الأرض”، وبعد حوادث الإساءة الأخيرة للرسول عليه الصلاة والسلام وللدين الإسلامي وعقيدة المسلمين التي حصلت في أميركا وفرنسا، قام الساسة في هذه البلاد «أوباما ووزيرة خارجيته كلينتون، وفرانسو هولاند»، وقالوا: «إننا ندين بالحرية في هذه البلاد، ولا نستطيع أن نمنع أحداً من إبداء رأيه في أي أمر ما لم يعتدِ على حرية الآخرين».

فما هي حقيقة هذه الحملة المسعورة على الإسلام وعقيدته ، وما هي حقيقة مبدأ الحريات الذي يتغنى به الغرب، ويجعلونه غطاءً لكل إساءة تحصل للمسلمين؟! وبماذا تذكرنا مثل هذه الحملات المسمومة، على الدين الإسلامي وعلى أمة الإسلام؟!

 قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة نريد أن نعرج قليلاً على مواقف العزة في تاريخ هذه الأمة عندما كان يحصل  الاعتداء عليها أو على دينها وكيف كان الرد على ذلك..

ففي سنة (1890م) أراد أحد الفنانين الفرنسيين – كما هو حاصل اليوم – أن يقيم مسرحية على مسرح ( فرنسينر) في باريس، وكانت هذه المسرحية فيها إساءة للرسول عليه الصلاة والسلام، وسمحت له حكومة فرنسا انطلاقاً من فكرة الحريات الكاذبة، فعلم بذلك السلطان العثماني (عبد الحميد الثاني)  فبعث برسالة عاجلة إلى رئيس فرنسا متوعداً إن حصل ذلك في فرنسا، فطلبت الحكومة الفرنسية من هذا الفنان أن يلغي عمله، فماذا فعل هذا الفنان؟!، لقد انتقل إلى بريطانيا وأراد أن يقيمها هناك، فبعث السلطان إلى بريطانيا بنفس الطريقة رسالة إلى حاكم بريطانيا يقول فيها: «إذا حصل ذلك في بريطانيا فسوف نعلن عليكم الجهاد» فخافت بريطانيا ولم تسمح لهذا الفنان من تنفيذ عمله..

   إن هذا ليذكرنا بحديث المصطفى عليه السلام: «الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به» صحيح مسلم، وبقوله  صلى الله عليه وسلم :  «الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمٌ، لا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلا بِصَاحِبِهِ، فَالإِسْلامُ أُسُّ وَالسُّلْطَانِ حَارِسٌ، وَمَا لا أُسَّ لَهُ مُنْهَدِمٌ، وَمَا لا حَارِسَ لَهُ ضَائِع»،ذكره أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس، ويذكرنا بحديثه عليه الصلاة والسلام «السلطان ظل الله في الأرض ، فمن أكرمه أكرمه الله، ومن أهانه أهانه الله» رواه الترمذي؛ يقول (ابن تيمية) رحمه الله في الفتاوى الكبرى: «السلطان هو أقوى الأسباب التي بها يصلح أمور خلقه وعباده، فإذا صلح ذو السلطان صلحت أمور الناس، وإذا فسد فسدت بحسب فساده» وبقول العالم القلقشندي في صبح الأعشى: «الخلافة حظيرة الإسلام، ومحيط دائرته، ومربع رعاياه، ومرتع سائمته، والتي بها يحفظ الدين ويُحمى، وبها تُصان بيضة الإسلام، وتسكن الدهماء، وتقام الحدود فتمنع المحارم عن الانتهاك، وتُحفظ الفروج فَتُصان الأنساب عن الاختلاط، وتُحصن الثغور فلا تطرق، ويُذاد عن الحُرَمِ فلا تُقرع»

فالحارس على الأمة عبر العصور هو السلطان، ومن ورائه الأمة التي تعتز وتتمسك بدينها، وهذا ليس فقط في جانب العقيدة، وإنما كان يحصل إذا اعتدى معتدٍ على أعراض المسلمين أو على كيانهم: فعندما اعتدى يهودي على عرض امرأة مسلمة أجلى الرسول بني قينقاع من المدينة نهائياً، وأراد قتلهم في بداية الأمر..، وعندما اعتدى حاكم الكرك (أرناط) على أعراض المسلمات في قافلة الحج أقسم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله أن يقتص من هذا الصليبي بيده فيأخذ الحق للمسلمات، وفعلاً جيء به مكبلاً بعد معركة حطين فذبحه صلاح الدين بحد سيفه، وعندما صاحت امرأة على أطراف بلاد المسلمين (وامعتصماه) جهز المعتصم جيشاً جراراً أوله على حدود الروم وآخره في عاصمة الدول بغداد، حتى انتصر لهذه المسلمة!!..

أما حقيقة هذه الحرب الشريرة على عقيدة هذا الدين فلها جانبان، الأول: يتعلق بالجانب العقائدي وكراهية الكفار لهذه الأمة ولدينها، وحرصهم على رد المسلمين كفاراً مثلهم، والثاني: يتعلق بموضوع انتشار الإسلام وقوته في الأرض، واضمحلال مبادئ الغرب وتراجعها، وقيام الناس عليها في أوروبا وأميركا!!..

فبالنسبة للجانب الأول فقد شهد به سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ..( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) ،وقال: (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ). فهذا الأمر متأصّل عند النصارى واليهود، وعند جميع المشركين على وجه الأرض ..

 أما الجانب الثاني وهو مهم أيضاً في هذا الموضوع؛ فهو ما يشهده الغرب من انتشار للإسلام في أوروبا وأميركا، ومن امتداد وتمسك بالدين في بلاد المسلمين ومطالبة بعودة الإسلام، وفي نفس الوقت من تقهقر وتراجع لمبدأ الغرب في بلاد الغرب، ففي العام الماضي نشرت مراكز الإحصاء أن ما يقارب ثلاثماية ألف أوروبي دخلوا في الإسلام في دول المجموعة الأوروبية، وأن عشرين ألفاً أيضاً في أميركا عدا عن الدول الأخرى، وقد سجل الإسلام أكبر تعداد سكاني لديانة على وجه الأرض، وفي البلاد الإسلامية جُنّ جنون الكفار وهم ينظرون إلى عودة المسلمين إلى أصالتهم، ومطالبتهم بتطبيق شريعتهم، وجن جنونهم أكثر عندما أخذ المسلمون يطالبون- في هذه الثورات العملاقة- بإزالة عملاء الغرب من الحكام وأفكارهم من الحياة..

وفي المقابل فإن الغرب قد خرج في العام الماضي في أكثر من ألف مدينة يطالب بالتخلص من المبدأ الرأسمالي وحرياته الاقتصادية.. وحمل لافتات كتب عليها نريد التخلص من الرأسمالية، نريد القضاء على طبقة 2%، نريد القضاء على وول ستريت..، وسار بهذه اللافتات في شوارع نيويورك ولندن وباريس!!..

أما الجانب الثاني في هذا الموضوع ؛ أي ما يتعلق بالحرية.. فإنها تُتخذ غطاءً هي والديمقراطية لحرب الإسلام…

فبالنسبة لمسالة الحرية التي يضعها ساسة الغربية ذريعةً وغطاء لموضوع الإساءات ، فإننا لو نظرنا بالمقابل فإن الغرب قد سن قانوناً يُجرّم ويعاقب من يتعرض لمسالة الهولوكوست (المحرقة اليهودية)، ويعتبر ذلك خطاً أحمر لا يجوز لأي حريةِ رأيٍ أن تتكلم أو تكتب فيه!! …

وفي الجانب الآخر فان بعض الأحزاب الدينية- مثل حزب التحرير الإسلامي- في أميركا ممنوعة ، كما أنهم منعوا الحزب الشيوعي من النشاط هناك لمدة طويلة وكانوا يحكمون أعضاءه بالإعدام، ولم يلتفتوا إلى حرية الرأي .. وفي بعض دول أوروبا ومنها فرنسا يمنعون اللباس الإسلامي من الظهور في المدارس والجامعات، وفي دول أخرى تمنع إقامة المآذن، والأذان بصوت مسموع، أو بناء المساجد بشكل ظاهر.. فأين هي فكرة الحرية التي يتغنّون بها؟! ..

أما الديمقراطية وهي حرية الاختيار السياسي في الغرب للفكر الذي يحكم في الدستور، والحاكم الذي يحكم بهذا الفكر .. فإنها عندما تصل إلى بلاد المسلمين، وتفوز الجماعات الإسلامية تصبح محرّمة بطريقة التفافية خبيثة، وإذا سمحوا لبعض الجماعات من الوصول للحكم فإنهم يشترطون شروطاً؛ منها القبول بالقانون الدولي، والحريات، والدولة المدنية، والاعتراف بالمعاهدات الدولية.. وغير ذلك، أي يُلغون فكرة حرية الاختيار تماماً، مع أن أميركا ومعها دول حلف الأطلسي قد وضعت عنواناً عريضاً في حربها على الإرهاب – كما يسمونها-  هو نشر الديمقراطيات في الشرق الأوسط، والتخلص من الدكتاتوريات !!..

بقيت النقطة الأخيرة في هذا الموضوع؛ وهي مستقبل هذه الحرب، وهذا الصراع الفكري والسياسي والمادي بين الكفر والإيمان

فنقول بداية :لقد حاول كفار مكة بكل ما أوتوا من قوة طمس دين الإسلام، والقضاء على رسالة الإسلام، لكن الله عز وجل رعى هذا الدين وحماه حتى أظهره ومكَّنه ، قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30))

واتهموا الرسول عليه الصلاة والسلام بأبشع التهم وشوهوا صورته، لكن كل ذلك كان بمثابة اشتعال النار فيما جاورت لينتشر صدى الحق في كل مكان؛وهذا يذكر بقول الشاعر:

لولا اشتعال النار فيما جاورت                             ما كان يُعرف طِيبُ عرفِ العودِ

واليوم يتكرر نفس الأمر، وفي نفس الوقت يزداد الإسلام تألقاً وصفاءً وصعوداً، وسيكون نهاية هذا الصراع كما قال الحق تعالى: ]يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33))، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)  ) .

فالسنوات القليلة القادمة ستشهد عودة الإسلام -بعودة دولة الإسلام التي تطبقه نظام حياة- ، وستشهد انتشاره على وجه الأرض عندما يرى الناس عدله واستقامته مقارنة مع ما هو موجود من نظم هابطة معوجة في بلاد الغرب؛ ليصدق بذلك قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33))  ، ويصدق قوله صلى الله عليه وسلم في بشارة فتح روما عندما سئل «أيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلُ: قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «بَلْ مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ» ، يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ» رواه أحمد،وفي هذا بشارة بفتح كل أوروبا بإذن الله، ثم يحمل هذا الدين إلى كل الأرض وليصدق قوله عليه الصلاة والسلام : «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر» رواه أحمد، وما هذا المخاض العسير الدامي في بلاد المسلمين وخارج بلاد المسلمين إلا بداية الخير وعلامات الميلاد القريب الذي سيعقبه الميلاد الميمون بإذنه تعالى..  نسأله تعالى أن يعجل في هذا الأمر.. آمين يا رب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *