العدد 314 -

السنة السابعة والعشرون ربيع الأول 1434هـ – كانون الثاني / شباط 2013م

تصحيح مفاهيم: قضية الحاكمية لله تعالى هي قضية المسلمين المركزية، وقضية تحرير فلسطين من قضاياها المصيرية

بسم الله الرحمن الرحيم

تصحيح مفاهيم:

قضية الحاكمية لله تعالى هي قضية المسلمين المركزية، وقضية تحرير فلسطين من قضاياها المصيرية

محمود عبد الكريم

لو بُذل على الأمة الإسلامية عُشرُ معشار ما بُذل من جهود وحيك من مؤامرات على أية أمةٍ أخرى  لكان كفيلاً بجعلها كعادٍ وثمود. وما زال المراقب لأحوال الأمة يكتشف مع كل تغير في الأوضاع وتجدد في المشاريع أن الكيد للأمة كان أعظم من عظيم، والمكر بها كان أشد من أن تحتمله الجبال.

كثيرون هم مَن طروحاتهم عديدةٌ وآل أمرهم إلى أن يَكشفوا عن وجوه غير التي عُرفوا بها، وأن ينكشفوا على أن ما رفعوا به عقائرهم كأهداف للتحرير أو النهضة لم يكن إلا سُلَّماً للوصول إلى زعامة الناس، ومنصَّةً يخطبون مِن عليها ثقتهم. وإذا بتلك الطروحات ليست إلا ثرثرةً ومجمجةً، وطُعماً على مصيدة، وكم كان فعالاً ذاك السم في الدسم وجذاباً للمتعطشين المتشوقين للتحرير والعز والكرامة.

لم تعدم الأمة من يدرك تلك المكائد ويحذِّر منها، ولكن:” لا رأي لمن لا يُطاع”. فلقد بلغ الانحطاط أن أُصيبت الأمة وعلماؤها في الفهم لدينها وشريعتها، بل وفي ملكة التفكير عموماً، فكلما انهدم من الدين حكمٌ تُرِك إلى غيره بدلاً من الدعوة إليه وإحيائه. عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتُنْقَضَنَّ عُرى الإسلام عُروةً عروة فكلما انتقضت عروة تشبَّث الناس بالتي تليها، وأوَّلُهنَّ نقضاً الحكمُ وآخرُهنَّ الصلاة» رواه أحمد والطبراني وابن حبان.

لقد أصيبت الأمة في العقل والتفكير الذي به تتبيَّن وتنتصح وتحذر وتعقل حقائق الواقع وحقائق الشرع، حتى صار يأتي النذيرُ إلى قومه يُحذِّرهم أن هذا عدوكم  قادمٌ إليكم يريد أن يستأصل دينكم ويغصب مالكم ويُذِلَّ كريمكم ويستعبد شريفكم فلا يُصدِّقونه، بل هم يُكَذِّبونه. ثم يقول لهم: ها هوَ ترَوْنَه قادماً إليكم بحرابٍ وأنياب، فيقولون: لا، لا، لقد أخبرَنا أن له في غيرنا طرائد، وأنسَّ لنا مِنْه وعنده لفوائد. حتى إذا استقرت السيوف فوق الرقاب واستحرَّ القتل والاغتصاب قالوا يا ليتنا صدقناك! الآن آمنَّا لك. ولكن لات ساعة مندم، ولات حين مناص.

لقد كرَّم الله الإنسانَ بالعقل، به ميَّزه عن الأنعام، وحباه نعمة التفكير، وجعل العقل مناط التكليف. فعليه أن يميز به بين الصواب والخطأ، وأن يفهم به دلالة الدالِّ على مدلوله، ويربط السبب بمسَبَّبِه والمُسَبَّبَ بسببه، فيدرك ويميز بين العمل المنتج أو الطريق المُوصل إلى الهدف المنشود، وبين العمل أو الطريق الذي لا يوصل إلى الهدف فضلاً عن أنه قد يُبْعدُ عنه ويستهلك الطاقات والجهود.قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)).  وقال أيضاً: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108))

وإن الأمر لينطبق على كثير من قضايا الأمة؛ ينطبق على تفاهات (العلمانية الإسلامية) في تركيا وتناقضاتها، وعلى سباق (الإسلام العلماني) لها الذي يتفذلك به العلمانيون الجدد في تونس، وعلى تبريرات المنكرات التي يحفظها رواد الإسلام الأميركي في مصر وقطر وغيرهما. وينطبق كذلك على ذلك الزعم الذي ظاهرُه نقيض حقيقته، لما يحمله من عنوان المقاومة ومشروع المقاومة. وهي كلمات لها وقع جميل، ويسرح الذهن معها بالاستجابة لطموحات الأمة المقهورة، والمنتهكة في مقدساتها، كما يثير الشعورَ بِعِزِّ التمرد على الظلم ونشوةِ النصر على العدو.

لقد أنفذ العدو الكافر خطته وهدم دولة الخلافة، وقسَّم البلاد ووضع عملاءه حكاماً عليها، ثم ضاعت فلسطين، ونُهبت البلاد، وأُذل العباد، وبدأت رحلة تغريب الأمة والقضاء على الإسلام، وكان للعملاء الذين نصَّبهم الدورُ الأكبر في خديعة الأمة وتقديمِ فسطين لقمةً سهلة لليهود ليقيموا عليها كيانهم الشاذّ. ولقد كان الطبيعيّ والأقرب إلى الفطرة أن يهب المسلمون لاستعادة كيانهم ودولتهم، وإعادةِ الأمور كلها إلى نصابها الصحيح. ولكن الكافر المستعمر استطاع صرف الأمة عن قضية الإسلام ودولته ووحدة أمته. وكي يكرِّس هذا الأمر عمد إلى قضية هامةٍ ملهبةٍ للمشاعر؛ فلسطين، وصنع لهم منها بديلاً عن قضية الإسلام بدل أن تكون فرعاً لها. لم يكن الأمر في حقيقته لأجل تحريرها كما ملؤوا الدنيا ضجيجاً وصراخاً، وإنما كان بالدرجة الأولى لأجل القضاء على قضية الإسلام واستعادة الخلافة، ثم بعد ذلك لأجل التيئيس من تحرير فلسطين وليس تحريرها. ونجح بتوجيه ضربة هامة لتفكير المسلمين ومركز تنبُّههم، بابتداع تعبير أن فلسطين هي القضية المركزية. فغفلت الأمة وارتاضت على الغفلة حتى وصلت إلى حد استغراب أن القضية المركزية والمحورية للمسلم هي قضية الإسلام وحاكمية الله وسيادة الشرع، وأن هذا لا يكون إلا بتحرير الأمة من هيمنة الكفر ومن الحكام الذين ساهموا بتضييع فلسطين وبكل هزائم الأمة. ففلسطين ليست هي القضية المركزية، ولكنها قضية مصيرية يجب أن يُتَّخذَ حيالها إجراء الحياة أو الموت، وهي إنما تأخذ أهميتها ومكانتها من الإسلام، ومن ضَعُف اعتبارُ الإسلامِ وأحكامِه عنده فقد تنازل عن فلسطين وتآمر عليها وعلى شعبها وعلى الأمة كلها.

القضية المركزية أو المحورية هي التي تُحَدِّدُ القضايا، كلَّ القضايا، وتحدد ما هو الصغير منها وما هو الكبير، وما هو المصيري وما هو دون ذلك، وهي التي تُحدَّدُ المواقفُ والأعمالُ والقضايا بحسبها وتأسيساً عليها، ولا يوجد هكذا قضية إلا الإسلام وحاكميته، ولا تتحقق حاكمية الإسلام إلا بكيان تنفيذي هو الخلافة.

جعلوا قضية فلسطين هي المركزية، فلم يعد للإسلام وأحكامه أهمية، فقد صارت هي المقياس و هي المركز والعلاقة معه، ولا يهم بعد ذلك أيُّ شيء، إنما المهم كم أنت ثائر لأجل فلسطين، وكم أنت مع المقاومة لأجلها. فكان هذا من أكبر المكائد لطمس قضية الإسلام ووجوده في الحياة، التي هي روح الأمة وسبب وجودها وبقائها وأداء وظيفتها. مخادعاتٌ انطلت على الناس بشعارات وأكاذيب لتحرير فلسطين، وما كانت إلاخمرةً يسقونها الشعوب، حتى إذا سكروا لم يستفيقوا إلا وهم في قعر هاويةٍ عميق.

ابتُلِع الطعمُ بشراهة، وصار الإسلام عند الأمة مواعظ وعبادات وشعائر وحسب، وصارت فلسطينُ قضيةَ الأمة، والعرب خصوصاً، وانتظر الناس قيام الدول العربية بتحرير فلسطين، وخرج المفكرون والمنظرون بطروحاتهم ونظرياتهم وضلالاتهم، فالطروحات كلها قومية ووطنية وعلمانية واشتراكية وما شاكل ذلك من رجس الكلام ونجس الأفكار. والدول العربية تحيط بالكيان الشاذ إحاطة السوار بالمعصم، والجيوش والشعوب متعطشة للقتال، فلماذا لا يحاربون؟ أقسم جمال عبدالناصر بالله العظيم ثلاثة أيمانٍ متتابعةٍ على تحرير فلسطين شبراً شبراً، فألهب نفوس الجماهير، وتبنى قوميةً فارغةً من كل مضمون سوى محاربة الإسلام وتحييده عن العمل السياسي وعن فكر الناس، وألهى الشعوب قدْرَ ما يستطيع في حين كانت المؤامرة ساريةً لتمهيد الاعتراف بالدولة الشاذة.

وطالما أن المؤامرات ناجحة والتفكير السياسي العملي معطل، إذاً فلتكن المؤامرات أكبر وأعظم، فجاءت منظمة التحرير الفلسطينية اسماً على عكس المسمى، كيف لا وقد نشأت بقرار قمة عربية من الذين تآمروا على فلسطين.

إن ما آل إليه حال الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية من اعترافٍ بهذا الكيان الشاذ وتعاونٍ معه ضد قضية فلسطين، ومن تنازلٍ عنها وتآمرٍ على شعبها وعلى الدماء والمقدسات، ومِن خضوعٍ لإرادة الغرب واتخاذه حَكَماً فيها، أو في هرطقة السلام العادل، لا يحتاج إلى تدليل على خيانة الخونة وغباء الأغبياء. وأن يَسيرَ في هذا كلِّه ويؤيدَه مفكرون وعلماء ومفتون وشخصيات تُقَدَّمُ للشعوب على أنها رائدة الفكر والمقاومة لهو دليل على عِظم المصيبة في التفكير؛ التفكير في فهم الواقع السياسي والمنهج العملي للخروج منه، وفي مستوى التفكير في استنباط الأحكام الشرعية التي تهدي إلى طريقة التغيير وخط السيرس وتضبط الأعمال والمواقف. فأين نظرُ وتفكيرُ وتنبهُ مخلصي الأمة عندما تمر السنون، والشعوب تنتظر تغييرَ الأحوال وتحريرَ فلسطين من الذين كانوا سبباً في هذه المهاوي!

قد كان الأمر واضحاً من البداية، فهذه المنظمة أنشأتها الجامعة العربية؛ إحدى ركائز التآمر والخيانة، وكانت كلها شيوعية وعلمانية لا تعرف الإسلام في فكرها أو نهجها. ألهذا الحد كان أهل فلسطين متعلقين بالاشتراكية ومتفَقِّهين بمذاهبها! أم أن المؤامرة اقتضت أن يتيه الناس في كل السبل وأن لا يرَوْا سبيل الإسلام، كما كان شأن قومية عبدالناصر واشتراكيته في صرف الأمة عن الإسلام واستبدال سبلِ الضلال به. هذه هي مؤامرة مركزية القضية.

قد كان الأمر واضحاً من البداية بعملية تفكير عادية، ولكن كيف وقد تعطل التفكير السياسي والعملي، وهيمن الانفعال الشعوري؟ إذ كيف يقتنع عاقل بأن منظماتٍ تنتشر في مخيمات، وفي قواعد عسكرية محدودة العدد والعدة، وبسلاح يتبين بأدنى نظر أنه لا يحقق الهدف، كيف يقتنع بأن هذا الطريق يحقق الهدف! كيفَ والذي يسلِّحها ويسهِّل لها هم الذين  تآمروا على فلسطين وسلموها لليهود! كيفَ وهذه الدول نفسها تفرض على أهل فلسطين قيوداً تصاعدية لأجل الاستسلام المسمى سلاماً! قد كانت المؤامرة جليةً في أن مؤامرة منظمة التحرير وتمثيلها للفلسطينيين إنما هي أولاً تقزيم القضية من قضية فلسطين وهي قضية الأمة الإسلامية قاطبةً إلى قضية الفلسطينيين وحدهم، وثانياً تبرئة الحكام من خيانة عدم تحريك جيوشهم لتحرير فلسطين، فقد صارت الشعوب – بما فيها من زعماء فكر وفقه – تعوِّل على مقاومةِ منظماتٍ في مخيمات وفي بعض القواعد لتحرير فلسطين وهي ليست محلَّ أمل في ذلك. وثالثاً ترويض أهل فلسطين ليرضَوْا بالتنازل عن فلسطين بعد أن تُصَمَّخَ الآذان أنه لم يكن بالإمكان أكثر مما كان، وستُثرثِر لهم نُخَبُ التبرير بفلسفة الواقعية وفقهاءُ التحريف بفقه الواقع.

ولقد سارت المؤامرة في الخط المرسوم، ولكن الأمةً لم تيأس من قضية فلسطين، وإنما يئست من هؤلاء المتآمرين، ما دفع إلى مراجعة فطرية ثم فكرية أدت إلى إدراك الخيانات، ودبت في الأمة صحوةٌ إسلامية ترافقت مع فورة عمَّت العالم الإسلامي. وضعفت الطروحات والحركات غير الإسلامية وترهلت ونُبِذ روادها، ولم تعد قادرةً على تحقيق مآرب أسيادها، وصار الثقل الجماهيري للإسلام ولرواد العمل الإسلامي، وشبَّت في الأمة قضية الإسلام وأنه هو القضية المركزية والمحورية والأساس، وشكلت الصحوة على أن الحاكمية لله خطراً على الديمقراطية والرأسمالية، وحافظت قضية فلسطين على مكانتها بل اشتعلت في العقول والنفوس أكثر، فكان لا بد للغرب أن يتدارك الأمر؛ فقام بدراساته، ووضع لهذه المستجدات خطط الاستحواذ عليها، واتخاذها قنطرةَ عبورٍ إلى ما يريدون. ثم سخّر عملاءه وأدواته للإمساك بخيوطها وحرفها عن المسار الخَطِرِ عليه، ولمهاجمة فكرة الحاكمية وأن القضية الأولى هي الإسلامُ ووجودُه في الحياة بدولة الخلافة ولتشويهها والتيئيس منها. فما كان من أدواته القديمة والمستحدثة إلا أن عادوا لامتطاء قضية فلسطين وتقديمها إلى الواجهة على أنها القضية المركزية، ولكن هذه المرة بلبوس إسلامي ومضامين مشاعرية حماسية، وخطابات تبدأ ببسم الله وتنتهي بالسلام عليكم ورحمة الله. وإذا بفكرة المقاومة تُعْتَلى ولكن هذه المرة بمشايخ وشخصيات تُعَدُّ إسلامية وتُقدَّم على أنها رائدة المشروع والحل.

وأيُّ مشروع هذا وأيُّ حل! هلَّا بيَّنه رواده وبصَّروا الناس بطريقه إلى تحرير فلسطين، ما هي طريقته ومراحله، خطواته ووسائله، مقوماته ومصادره لإزالة (إسرائيل)؟ وكيف سيستطيعون إزالة كيان اليهود الشاذ وهم في أحضان خونة فلسطين وعلى أعتاب المتآمرين عليها وعلى الأمة كلها! كيف سيحررون فلسطين وهم يتحاكمون إلى أمم الغرب الكافر ومنظماته وقوانينه وقراراته الجائرة؛ يتحاكمون إلى داعمي (إسرائيل) المبغضين للإسلام والمسلمين! كيف وهم يستندون إلى عدلِ وشرعيةِ وإنسانيةِ الذين برهنوا مراراً أنهم ] إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا[. وأثبتوا دائماً أنهم ]قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ[. قال تعالى: ]كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً[

وابتلعت الأمة الطُعم هنا أيضاً، ثم تلمست الحقيقة، ولكن بعد ألم التجربة التي استهلكت الجهود والدماء. ولم يبقَ لرواد وسماسرة الطرق المسدودة إلا أن يعترفوا بأنهم لا أمل لهم بتحقيق الهدف، ولكنَّ بعضهم يتعلل بهدف استنهاض الشعوب، وهذا لا يعدو أن يكون تبريراً للمؤامرة، فالاستنهاض يكون بالعمل المنتج والشرعي، وليس بتجهيل الأمة بقضيتها ولا بإضجاعها لعدوها يذبحها، ولا بالاستناد إلى أعدائها والركون إلى جزاريها. هذا حال المقاومة الإسلامية في فلسطين والمقاومة الإسلامية في لبنان، فقد ركنتا إلى الظالمين وسارتا مع الطغاة، وبررتا للخونة من حكام الأمة تخليهم عن واجبهم تجاه فلسطين فضلاً عن سكوتهم عن محاربتهم الإسلام.

إن مسألة المقاومة في فلسطين أضحت بادية لكل مفكرٍ ومعاين، فالشعب شعب إيمان وصبر وجهاد واستشهاد، ولكن البحث هو في مشروع هذه المقاومة ودور متزعميها، فهو مشروع صرف الناس عن قضية الإسلام المحورية المصيرية العقدية، وهو مشروع صرف الناس عن التفكير والتنبه إلى الطريق العملي المنتج وإلى إمكانات الأمة الهائلة من جيوش وأموال وسائر الطاقات، وهو مشروع تبرئة الحكام من جرائمهم التي لا تحصى بحق الإسلام وبحق فلسطين، وتصويرهم أنهم حريصون على قضايا الأمة إذ هم يدعمون المقاومة! وهو مشروع  تيئيس الناس من تحرير فلسطين وترويضهم للتنازل والاعتراف بكيان يهود الشاذ والرضا بشيء مما بعد احتلال 67، والتي صارت هي مرادهم عندما يقولون فلسطين.

إن كان غير هذا فمن هو الذي يردع دولة شذاذ الآفاق عما يقترفونه يومياً من هدم للبيوت واغتصاب للأرض وبناء للمستوطنات واعتقال وقتل واغتيال وخطط هدم للأقصى و…؟ وبعجز المقاومة عن كل هذا أفلا يُستغرب انتفاضُ بعضهم لمواجهة الدعوة إلى وجوب تحريك جيوش الأمة لتحرير فلسطين! كيف يُتَصور أو يُصدَّق أن هذا مشروع تحرير أو استنهاض وهو في حضن النظام السوري الأسدي عدوِّ الإسلام والمسلمين، نظامٍ لا ينتمي إلى الأمة بل ينتهك مقدساتها ودماءها وأعراضها، ويحمي كيان اليهود، ويقترف كل رذيلةٍ وجريمة لخداع الناس للاستسلام والرضى به تحت عنوان السلام العادل والشامل، ومع كل ذلك يُسوّقه رواد هذه المقاومة بأنه نظام الممانعة ودعم المقاومة! أكل هذا الكفر والتآمر والدجل يُبَرَّرُ بكلمة الممانعة ودعم المقاومة! فهل حلت المقاومة محل الإسلام وشريعته وقيمه، ومع كل ذلك ما زالت إسلامية! أم أنه اصطياد الشعوب على فخ المؤامرة، بطُعم ممانعةٍ دعِيَّة ومقاومةٍ مُسْكِرَةٍ وإسلاميةٍ مزعومة ؟

أما المقاومة الإسلامية في لبنان فقد بدأ أمرها بحال ومقال وانتهى إلى أحوال وأقوال. ينطبق عليها كل ما سبق بيانه: هل هي لتحرير فلسطين أم فقط لبنان، وكيف؟. ما هو برنامجها أو الخطوات العملية لهذا التحرير وماذا تنتظر؟. وهل هي إسلامية حقاً تتقيد بأحكام الإسلام؟

إنها تركن لسوريا وإيران، دول شعارات دعم المقاومة ومواجهة (إٍسرائيل)، بل وإزالتها. مرت عقودٌ وعقودٌ فأين الواقع من الشعارات. لقد هاجت الأمة وماجت لصراخ وضجيج محاربة الشيطان الأكبر وأيَّدت واستعدَّت وطال الانتظار. وإذا كان الشيطان الأكبر بعيداً عن إيران فقد جاء إلى أحضانها مرَّتين محارباً متوحشاً، جاء في العام 1991م وفي العام 2003م، وكان لقمةً هينةً وهنيَّةً لها، وشعوب المسلمين ومستضعفو الأرض يؤيدونها، فماذا فعلت للشيطان الأكبر وهو يحتل بلاد الإسلام ويدمرها! هل حاربته أم أنها ساعدته وأنقذته من الغرق في وحول بلاد المسلمين؟ لقد ساندته وشاركته وما زالت تفعل، وشارك حليفها الاستراتيجي حافظ الأسد بقوات سورية في جيوش الحلفاء الغربيين تحت قيادة أميركا لضرب العراق في عام 1991م وخاض حرباً استخباراتية لا هوادة فيها معها على ما أسمته أميركا الحرب العالمية على الإرهاب.

إن الحقائق تفضح مزاعم المقاومة، وهي حقائق لا تُبَرَّرُ معها العمالة بذرائع ركوب موجة أميركا وبتقاطع المصالح. وهل تسمى السباحة في البحيرات الأميركية الآسنة ركوب موجة، وهل تقاطع الخطوط يكون تطابقاً! قد كان الأمر واضحاً من أيام صفقات السلاح من (إسرائيل) لإيران في بداية الثورة، وبعد ذلك برعاية أميركا (إيران-غيت)… أفليس مستغرباً بعد كل هذا أن تستمر هذه الوقاحة! أوليس من حدٍّ لها، فتراهم يتهمون دعاة السلام مع (إسرائيل) والاعتراف بها بالخيانة – وهو كذلك –  وهم في الوقت عينه قد باركوا المبادرة العربية التي قدمها الأمير عبدالله في قمة بيروت العام 2002م، وحليفهم الاستراتيجي نظام الأسد يفاوض سراً وعلانية، متوسلاً تنفيذ قرار 242  الأممي الاستسلامي، وهذا غيض من فيض. فما هو مشروع المقاومة هذا؟ أهو تهييج المشاعر وطمس الحقائق والتطبيل بالأكاذيب لتسكر الشعوب ولا تفيق إلا والسكين في الوريد؟

لقد وقف “زعيم المقاومة” في لبنان بعد حرب الـ 2006م ليعلن أنه يريد تحرير لبنان وليس فلسطين، ففلسطين هي مشروع الأمة، هكذا قال. ما هو مشروع تحرير فلسطين إذاً، ومن سيزيلها، وكيف؟ هل من بيان، هل من طريقة، وأين شعار القضية المركزية؟!

إن المسألة برمتها وبإيجاز هي أن (إسرائيل)،  ولدَ أميركا المدلل، رغم كل ما سلبته من أرض وحقوق، وساعدتها في ذلك دول الكفر واستصدرت القرارات الدولية 242 و338 و425 و426 لتكرس هذا الواقع وتصنع سلاماً على أساسه، فإن (إسرائيل) –بوجود حكام للمسلمين خائنين وخانعين–  رفضت تنفيذ هذه القرارات طمعاً بأكثر وأكثر، فأمرت أميركا عملاءها بإبداء شيء من عدم الخنوع، وكان نصيب نظام الأسد من ذلك أن يكون ممانعاً لأجل تنفيذ قرار 242 وأن يدعم مقاومة  لبنان لتنفيذ قرار 425.

ثم أين الإسلام في هذه المقاومة؟ أين اعتباره فضلاً عن التحاكم إليه في الموالاة والمعاداة والركون وسائر المواقف؟ وما سر الإغفال شبه الكامل لكلمة “الجهاد” عند تعبيرهم عن المقاومة؟ وما سر استنادهم عند إعلانهم تمسكهم بها إلى شرعة الأمم المتحدة وحقوق الإنسان والشعوب وليس إلى نصوص الإسلام؟  وما هذا الارتباط العضوي، بل ارتباط الروح بالجسد بين مقاومة تقول إنها إسلامية ونظامٍ عدوٍ للإسلام، يظلم شعبه ويقتله بحقد ويفعل به الأفاعيل، فيما هو يعلن أن زواله يشكل خطراً على (إسرائيل) وعلى المنطقة وينذر بمجيء حكم إسلامي، فما هذه التناقضات المركبة، وما هذا التحالف بينهم وبين نظام يحارب الإسلام ويعُدُّه إرهاباً!

مرةً أخرى يأتي التبرير بأنه يدعم المقاومة، فهل حلَّت مقاومةٌ تسير على وقع القوانين الدولية ومخططات الدول الاستعمارية الكبرى لحل قضية فلسطين محلَّ الإسلام وصارت مقدَّمةً على العقيدة والإيمان؟ نعم، هذا هو الأمر، وهو من أهم أخطار المؤامرة للقضاء على قضية الإسلام. لقد كشفت الأمة كثيراً من رواد هذه المقاومة ونبذتهم، وعلمت أن الإسلام ليس مجرد خطبة وزعم، ولا لحيةٍ وعمامة، ولسان حالها يقول إنها لن تنسى لكل هؤلاء المتاجرين بالقضايا وبالإسلام، فعلى سبيل المثال عندما يذهب جمع من (العلماء) لدعم بشار الأسد ويتصورون معه بلفاتهم ولحاهم وهم يقدمون له سيفاً ومصحفاً فيما عصابته وشبيحته تذبح المسلمين وتغتصب حرائرهم، فهل هذا فعل مسلم في قلبه ولاء لله ورسوله! وعندما يقف خطيب من مشايخ الجهل والجهالة أوالريال والدولار الذين يرَوْن قَدَمَ بشار أفضل من الحركات الإسلامية، على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتشدق بالمقاومة ويحدِّث الناس عن كرامة  بشار الأسد ودعمه للمقاومة وعن تبعية وعمالة الشعب الثائر على ظلمه وكفره، أو عندما يخطب البوطي بأن مجرمي بشار وشبيحته هم كالصحابة في ما يقومون به، أفليس هذا ضلالاً بعيداً مُبيناً. أليس هذا استماتةً في تقوية وحماية الظالم الفاجر على المسلم المظلوم؟ وهل مثل هؤلاء رجال مقاومة؟ وهل هذا الذي أَتَوْه علمٌ وشرعٌ أصلاٌ؟! أوَليست مقارنة شبيحة الأسد وجزاريه بالصحابة زندقةً؟ قال تعالى: ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)   ).

وهي المؤامرة عينها في تبرئة الحكام ومحاربة الإسلام، فالمشروع يحتاج لتحريك الجيوش وتفعيل طاقات الأمة لاقتلاع (إسرائيل) من جذورها، وما لم يقم الحكام بهذا فيجب إسقاطهم  وتحرير الجيوش والأمة وطاقاتها منهم لتنفيذ مشروع الأمة كله بتطبيق الإسلام، ومنه تحرير فلسطين. فلماذا يُعمُّون على الأبصار بحركات لتحقيق مشروع الأمة وهي لا قِبَلَ لها به، بينما الدول وجيوشها وكل طاقات الأمة تُوَظَّفُ في مؤامرة السلام مع اليهود وحفظ كيانهم الشاذ وفي تغريب الأمة عن دينها وفي محاربة الإسلام وحملة دعوته تحت مسمى الإرهاب والتطرف. إنها مؤامرةٌ على الشعوب بعيِّناتٍ من قتال لا يحقق الهدف، وعيِّناتٍ من الدعم المدروس لتحقيق الضغط المطلوب أميركياً، ثم إيقاع الأمة في شَرَكِ العجز واليأس والاستسلام.

وهي المؤامرة الأميركية والغربية في تهييج نار الفتنة المذهبية وتعميق إسفينها توجساً من الصحوة الإسلامية على القضية المحورية حقاً، لأن هدفها معلنٌ وقطعيٌ: (إسرائيل) يجب أن تُقْتَلعَ من جذورها، وهيمنة الغرب يجب أن يُقْضى عليها.

إن أولئك الذين يبررون ارتماءهم في أحضان دول الكفر والعمالة، سواء كانت أمريكية أم أوروبية، أم سعودية أم إيرانية، أم قطرية، أم سورية، أم تركية، أم غيرها… ويعاهدون ويسالمون دولة يهود الشاذة أو يوالون من يفعل ذلك، وبأثمانٍ باهظةٍ من عقيدتهم ومقدساتهم، ثم يخادعون بمبررات المصالح والمفاسد، والضرورات وأهون الشرين، وفقه الواقع وموازين القوى، وتقاطع المصالح وركوب أمواج الشياطين… إنما هم يسارعون في إرضاء الكفار المستعمرين، وقد رضَوْا بالمنكر وتابعوا مقترفيه فيه وهم يمتطون شعارات الثورة والمقاومة

قال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) ).. ولولا أن كل ذلك فيهم ما ركنوا إلى الظالمين أصلاً، ولا مجمجوا بأن فعائلهم ليست ركوناً، وليت شعري ما الركون إذن إن لم يكن هذا، وقد بلغوا أقصاه.

إنهم رواد هزيمة النفس الساقطون في امتحان الإيمان والداعون إلى ذلك، قال تعالى:( نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ )، يؤكد ذلك قوله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) )… أوليس بشار الأسد وأدواته ونظامه قد حادُّوا الله ورسوله؟ بلى والله، فكيف إذن؟ أليست أميركا وأوروبا والأمم المتحدة قد حادوا الله ورسوله؟ بلى والله، فكيف إذن!

إنه المعنى القطعيُّ في القرآن، أن الولاء لله ورسوله وللمؤمنين الطائعين وليس لغيرهم، ألم يعلم هذا مِن كتاب الله أولياء أميركا أو أوروبا، أو غيرها كالسعودية أوإيران أو قطر أونظام بشار أو تركيا، ألم يقرأوا قوله تعالى:

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)). بلى قد علموا ذلك وافترَوْا على الدين والأمة تبريراً لركونهم إلى الظالمين ولولائهم للذين غضب الله عليهم، قال تعالى: (  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15)) .

مباركةٌ أنت  يا ثورة الشام، مباركة وأنت تتلمسين إسلامك وتنبذين الظالمين وتفضحين تجار القضايا، فكم مزَّقتِ من أقنعةٍ مخادعة، وكم كشفتِ من وجوهٍ كالحة، وكم فضحتِ من مؤامرتٍ وكم وكم!

وبعيداً عن هتهتات المخادعين، ومنبريات المتشدقين، ومراءاة الأدعياء، فإن مشروع الأمة وقضيتها، هو الحكم بما أنزل الله، فمن أراد تحقيق ذلك فليحدد هدفه وليُبَيِّن طريقه وطريقته، أيْ خطَّ سيره العملي بوضوح، ولينطلق مؤمناً متقيداً بالحكم الشرعي ثابتاً على ذلك.

 قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *