العدد 312 -

السنة السابعة والعشرون محرم 1434هـ – تشرين الثاني/ كانون الأول 2012م

مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته

مقتطفات من كتاب  التيسير  في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته

(   وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61))

جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه

عطاء بن خليل أبو الرشته

أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:

( وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)).

يذكّر الله سبحانه بني إسرائيل بالنعم التي أنعمها عليهم فكأنه قيل واذكروا إذ استسقى، وهنا يبين الله سبحانه أن قوم موسى – عليه السلام – قد عطشوا فدعا لهم الله سبحـانه أن يسقيـهم فأوحـى إليه الله سبحـانه أن اضرب بعصاك الحجر، فلما فعل – عليه السلام – انفجرت – أي سالت بكثرة – من الحجر اثنتا عشرة عيناً على عدد أسباط يهود، فكان كلّ سبط له عين منها فكانت نعمة من الله عليهم أن يأكلوا من المنّ والسلوى ويشربوا من ماء العيون فيشكروا الله على رزقه، وأن لا يطغوا – يعثوا – ولا يسعوا في الأرض مفسدين.

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)).

من هذه الآية الكريمة يتبين ما يلي:

  1. لقد كره قوم موسى – عليه السلام – استمرارهم على هذا الطعام الذي أنزله الله لهم «المن والسلوى» فسألوا موسى – عليه السلام – أن يسأل الله سبحانه أن يخرج لهم بعض ما – مما – تنبته الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها كما كانوا يأكلون في مصر قبل خروجهم إلى التيه. (فومها) أي الحنطة والخبز كما فسره ابن عباس رضي الله عنهما في لغتهم.

وقلنا كرهوا ذلك الطعام لأن ( لَنْ نَصْبِرَ ) تدل على ذلك حيث إنَّ أصل الصبر حبس النفس على الضيق من الأمر، ولذا أنكر عليهم موسى – عليه السلام – ذلك قائلاً لهم أتستبدلون الذي هو شرّ بالذي هو خير منه، وهم قد طلبوا الطعام الأدنى أي الأخس قيمة وقدراً من العيش وتركوا الذي هو خير “المن والسلوى”. وفي اللغة تدخل الباء على المتروك عند الاستبدال ( أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) ولا شكّ أن هذا طلب للوضيع من العيش وترك للرفيع منه.

  1. دعا لهم موسى – عليه السلام – رب العالمين أن يعطيهم ما سألوه فاستجاب الله له دعاءه فأعطاهم ما طلبوا وقال سبحانه ( اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ)أي انزلوا مصراً من الأمصار لأن الذي طلبتم لا يكون في التيه والبوادي بل في القرى والأمصار و( مِصْرًا ) هنا نكرة فأعربت ونونت أي بلداً من البلاد، وأما (مصر) المعروفة فالراجح فيها المنع من الصرف كما في قوله سبحانه ( وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ )يوسف/آية21 ( ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ )يوسف/آية99( أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ )  الزخرف/آية51 ( تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا ) يونس/آية87 غير أن كونها ( مِصْرًا ) في الآية الكريمة لا يعني أنها ليست مصر المعروفة، فالله سبحانه نَكْرها أي بلداً من البلاد فقد تكون مصر المعروفة أو غيرها.

وفي ذكر ( اهْبِطُوا ) فهي وإن كانت تعني النزول لكن فيها إشارة إلى أن هذا النزول هو من مكان أفضل إلى مكان أدنى.

  1. بعد ذلك عاقبهم الله سبحانه بأن ألصق بهم الذلة والمسكنة ( وَضُرِبَتْ ) أي أحاطت بهم كإحـاطة القبة بمن ضربت عليه أي لاصقة بهم لا تنفك عنهم، فهم في هـوان وفـقـر مهما ظهر عليهم غير ذلك من مظاهر زائفة فلا عزة لهم ذاتية بل كما ذكر الله سبحانه ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ) آل عمران/آية112 أي أذلاء لا تظهر عليهم عزة إلا إن كانوا مع الله ( بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ )كالمؤمنين مع موسى – عليه السلام – أو إن كانوا بدعم من الأمم الأخرى( وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ) وهـذا مـا نراه من وقـائع ارتباطهم بالدول الأخرى يتكئون عليهم في قوّتهم وطعامهم.

وكذلك ضربت عليهم المسكنة وهي مصدر “مسكين” ودلالتها في الآية مسكنة الفاقة والحاجة، وهذه كذلك ظاهرة عليهم فحاجتهم المستمرة للمنح والمساعدات وظهورهم بمظهر الفقير المحتاج لمال غيره أمر مشهور.

ثم إن الله سبحانه غضـب عليهم وباءوا بهذا الغـضـب أي انصرفوا به فكأن غضب الله عليهم يسير معهم في حلهم وترحالهم، يذهبون ويجيئون وهم مُحمَّلون بغضب الله سبحانه.

وكلّ ذلك مما ضرب عليهم وباءوا به، هو بسبب كفرهم بآيات الله ونعمه سبحانه وبسبب قتلهم الأنبياء كقتلهم زكريا ويحيى – عليهما السلام – ثم بسبب عصيانهم وتجاوزهم حدود الله وامتثال أمره – جلّ ثناؤه -.

(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ) الباء للسببية أي بسبب تلك الأمور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *