العدد 74 -

العدد 74- السنة السابعة، ذو الحجة 1413هـ، الموافق حزيران 1993م

الأنظمة المعلوماتية الجغرافية (GIS)

لقد أدخلت أميركا في حربها ضد العراق والتي سمتها (عاصفة الصحراء) سلاحاً جديداً بصورة تجريبية، هو سلاح الأنظمة المعلوماتية، وبالتحديد: الأنظمة المعلوماتية الجغرافية (GIS)، وقد أثبت جدواه لأميركا رغم بدائيته. مما دفع أميركا للعمل من الآن لإعداد هذه الأنظمة لتكون جاهزة لديها لاستخدامها في أية بقعة من بقاع العالم كله.

فيما يلي حالات مأخوذة من نشرة خريف 1990م للمداولات التقنية التي يصدرها فصلياً سلاح المهندسين الطبوغرافيين الأميركي (USAETL) وجاء فيها بإيجاز ما يلي:

– إن وكالة الدفاع فرع صناعة الخرائط (DMA)، قسم العمليات، يؤكد بأن هذه هي المرة الأولى في تاريخ الحروب التي شاركت فيها هيئة الدفاع (DOD) الأميركية فاعتمدت فيها اعتماداً كلياً على المنتجات الرقمية التي أعدتها (DMA) من أجل تحديث واستكمال خرائطها العملياتية أثناء عمليات عاصفة الصحراء. [الخرائط الرقمية هي التي تخزن رقيماً في الحاسب الآلي وتُستدعى عند الطلب إما بشكل معلومات مكتوبة بشكل تقرير أو مرسومة بواسطة الحاسب نفسه بشكل خارجة كالخرائط العادية].

– إن (USAETL) زود القطعات الحربية أثناء عاصفة الصحراء ودرّبها على الخبرة الفنية المعلقة باستخدام الأنظمة العددية وتحليلها لأغراض طبوغرافية عسكرية قتالية.

– القيم العددية التي استخدمها القطعات العسكرية التابعة لـ (DOD) قسم الأنظمة المعلوماتية الجغرافية (GIS)، والنماذج الرياضية لأرض المعركة أثناء التخطيط لعاصفة الصحراء وأثناء العمليات القتالية كانت هي الأساس الذي نفذت وفقه جميع مراحل العاصفة.

– إن (USAETL) ومثلها جميع القطاعات العسكرية الملحقة بها قامت بشرح والتدريب على التطبيقات التكتيكية والاستراتيجية للأنظمة المعلوماتية الجغرافية (GIS) بما في ذلك أسلوب تشكيل وإعادة تشكيل كل مجموعة قتالية أثناء العمليات القتالية وطرائق تحريك الوحدات والآليات، والكشف على المناطق المتأثرة بهجوم كيميائي، والتعرف على الغازات والأدخنة التمويهية التي تستخدم لإعاقة تقدم الوحدات.

– وقامت (USAETL) كذلك بتدريب الوحدات على الإمكانات القتالية لـ (GIS) من حيث التعرف على كفاءة الأرض لتحمل أثقال الآليات والأسلحة الملحقة بها ولتقوم هذه بتحقيق الأغراض التي صنعت من أجلها بطريقة مثلى.

– كما دربتهم على استخدام الـ (GIS) في الكشف على أماكن تواجد مياه الصحراء وكذلك على جميع المعلومات التي تؤهل الوحدة القتالية عندما تكون معزولة على اتخاذ القرارات التي تخدم العمليات القتالية بشكل صحيح.

وأشار التقرير كذلك إلى بعض الصعوبات وربما المآخذ على تجربة الولايات المتحدة في اعتماد (GIS) كسلاح وما بني عليها من توصيات وكان منها ما يلي:

– لما كانت عمليات التحليل العددي للنماذج الأرضية هي تقنية حديثة العهد ولم تستكمل بعد جميع الأغراض التي يمكن أن تقوم بها، فإن (DMA) لم تكن قادرة على حصر جميع المعلومات العددية عن أرض المعركة في وقت سابق، مما اضطر أفرادها أن تعمل طوال الليل والنهار قبل الإعلان عن استعدادها لخوض المعركة ميدانياً. ومثل هذا الوقت قد لا تسمح به ظروف معارك أخرى ولذلك فإن (DMA) توصي بأن تكون الولايات المتحدة جاهزة في نماذجها العددية لكل رقعة في العالم.

– لما كانت (GIS) تقنية حديثة ولا تزال قيد البحث والتطوير فإن مراكز البحوث في الولايات المتحدة كانت تعمل كل منها بمعزل عن المراكز الأخرى مما جعل أساليب التعامل مع الأنظمة العددية التي تجمعت لدى (DMA) متعددة وتجعل الجندي غير قادر على الانتقال من نظام إلى آخر بيسر ودون ارتكاب أخطاء. وتمكنت (DMA) من التغلب على هذه الصعوبة بإعادة صياغة جميع القواعد العددية وتوحيد رموزها ولقد استغرق ذلك وقتاً قد لا تسمح به كذلك ظروف معركة أخرى. وعليه فإن (DMA) توصي بإبلاغ جميع مراكز البحوث، والعسكرية منها والأكاديمية، باستخدام نظام موحد لدى معالجة وجمع أو توثيق نشاطاتها بحيث تكون جاهزة وقت الحاجة لها للاستخدام الفوري.

– نظراً لما أثبتته عاصفة الصحراء من جدوى هذه التقنية فإن (DMA) توصي من الآن بإعداد النماذج العددية بمقياس كبير لتمكين متخذي القرارات من استخدامها على المستوى التكتيكي وليس الاستراتيجي فقط، وعلى مستوى الكرة الأرضية.

والآن ما هي هذه الـ (GIS) العجيبة؟

إنها ليست عجيبة بل هي بمثل البساطة النظرية التالية، والتي هي إن كانت بحاجة إلى شيء فهي بحاجة إلى جهد وإخلاص منضبطين لجمع المعلومات ومن ثم صياغتها وفق هذا النظام الذي نلخصه بالتالي:

ليس هناك أدنى شك من أن تبادل المعلومات أصبح في الوقت الحاضر من أكثر المواضيع حيوية وإثارة، ذلك لأن الحصول على المعلومات بالوسائل المعاصرة (الاستشعار من البعد) يمدنا بسيل من المعلومات لا حصر لها في كل ميدان من ميادين الهندسات، المدنية منها والعسكرية. والحصول على هذه المعلومات يستنزف من الجهات المعينة وقتاً وجهداً وتكاليف باهظة. فإذا لزمت إحدى هذه المعلومات لعملية من العمليات ولم نتمكن من العثور عليها تصبح معلومة عقيمة أي كأنها غير موجودة. وتتجلى خطورة هذا الأمر في الساعات الحرجة إذ كثيراً ما يكون للمعلومة جدوى في لحظة معينة بالذات وتنعدم فائدتها إذا فات أوانها. بمعنى أن المعلومة يجب أن تكون موجودة، ويجب أن نعلم أين هي، ويجب أن نتمكن من الحصول عليها في الوقت المناسب. من أجل ذلك تركز معظم مراكز البحوث في العالم على إيجاد وتطوير أنظمة معلوماتية تحقق الأهداف الثلاثة معاً، وزيادة! فما هي هذه الزيادة؟

خذ على سبيل المثال أياً من الأنظمة المعلوماتية التي تستخدمها المكتبات. المعلومات في هذه الحالة هي عبارة عما في الكتب والدوريات ومصادر المعلومات الأخرى المتاحة لتلك المكتبة، أما الكتب والدوريات والمصادر الأخرى نفسها فهي مجرد أوعية لتلك المعلومات. هذه الأوعية يجري تصنيفها عادة حسب المواضيع وتكون هذه مرتبة ترتيباً أبجدياً. كما يجري عادة تصنيف رديف لها يترتب هذه الأوعية حسب تاريخها ومثله حسب ناشرها وهكذا. وتستخدم المكتبات أنظمة متنوعة لفهرسة وتصنيف هذه الأوعية وربما يكون أقدمها وأكثرها شيوعاً هو نظام DEWEY المعمول به حتى يومنا هذا في كثير من مكتبات العالم رغم أنه مر على وضعه (1887م) أكثر من قرن من الزمان.

هذا النوع من الأنظمة بسيط ومباشر وخال من التعقيد، ويمكن لأي امرئ يرتاد المكتبات أن يألفها ويستخدمها الاستخدام الصحيح، وخاصة بعد أن دخل الحاسب الآلي هذه المكتبات فأصبح من الميسور الحصول على أي من أوعية المكتبة. هذا ما أثبته الواقع.

إنما يلاحظ في هذه الأنظمة أنها من النوع الجامد idle أي الذي يعطيك الوعاء (الكتاب مثلاً) ولا يعطيك المعلومة التي تبحث عنها. وإذا طورت هذا النظام وضخمته بحيث يعطيك المعلومة نفسها فإنه لا يمكنك من مقارنة هذه المعلومة بمعلومة أخرى أو من التعرف على علاقة مجموعات المعلومات بعضها ببعض. ولإيضاح دلالة هذا الجمود في الأنظمة المعلوماتية التقليدية نطرح المثال التالي:

لنفرض مثلاً أن نظام المكتبة زوّدك بجميع المعلومات المتعلقة بطرقات دولة ما، أين تبدأ وأين تنتهي وأين تمر وما هي نوعية ومواصفات كل منها وهكذا. ولنفرض كذلك أن نفس النظام زوّدك بجميع المعلومات المتعلقة بتربة تلك الدولة من حيث نوعياتها ورطوبتها وتحمّلها ومواقعها وهكذا. ثم لنفرض أنك تريد أن تنتقل بآلية م من طريق إسفلتي إلى آخر مخترقاً التربة في رقعة ليست ذات طريق. إن جداول المعلومات التي مكن أن تكون قد حصلت عليها من المكتبة لا تفيدك في هذه الحالة بشيء لأنها معلومات معزولة عن بعضها في جداولها. إنها معلومات صحيحة ودقيقة ويمكن الحصول عليها في الوقت المناسب ولكنها جامدة، أي لا تمكنك من اتخاذ قرار فوري أين يجب أن تترك الطريق المسفلت وما هو الاتجاه الواجب اتباعه لحظة بلحظة حتى تبلغ نقطة ما على الطريق الآخر دون تغرير وفي أسرع وقت. فإذا كنت في حالة حرب مثلاً ولم تتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب للخروج من الطريق فإن ذلك قد يكون مدعاة لخسارة المعركة. لذلك وجب البحث عن نظام معلوماتي بديل يتيح لك فرصة المقارنة الفورية بين هذه المعلومات المتاحة الأمر الذي يمكنك من اتخاذ القرار الصحيح. فجاءت فكرة الأنظمة المعلوماتية الجغرافية Geographic Information Systems (GIS).

وبإيجاز سريع نلخص الـ (GIS) بأنه نظام معلوماتي يصنف المعلومات حسب مواقعها الجغرافية بالدرجة الأولى. فإذا كانت الطرقات قد صنفت بإحداثيات أمكنك عرضها على شاشة الحاسب Notebook ثم تحمّل على نفس الشاشة بشكل overlay المعلومات المتعلقة بالتربة فيظهر أمامك على الشاشة جميع إمكانات العبور.

إن الأنظمة التي تأخذ التوزيع الجغرافي spatial data بعين الاعتبار هي التي نسميها أنظمة معلوماتية جغرافية GIS وهي التي تمتاز عن الأنظمة المعلوماتية الأخرى بتسريع وتسهيل مقارنة العلائق القائمة بين المعلومات فتتحول من معلومات جامدة إلى معلومات حية active. وباعتبارنا قادرين كذلك على تحويل الخارطة العددية digital map إلى خارطة مرئية (على الشاشة أو على الراسمة plotter) يصبح التعامل مع الأنظمة المعلوماتية الجغرافية يحمل جميع مزايا الأنظمة الأخرى.

ولأخذ فكرة وصفية لهذا النظام يمكننا أن نتصور جملة إحداثيات كارتيزية (أي ثلاث محاور متعامدة فيما بينها)، ولنأخذ محورين في المستوى الأفقي أحدهما موجه نحو الشرق والآخر نحو الشمال، هذان المحوران يمكناننا من تمثيل جميع المواقع الأرضية لمنطقة ما أو لكامل الدولة أو حتى كامل الكرة الأرضية. ثم نخصص المحور الثالث للمعلومات المتوفرة لدينا، إنما نوزعها وفق مستويات موازية للمستوى الأفقي وكل مستوى منها نخصصه لنوع واحد من المعلومات. أحدها مثلاً للطرقات وآخر للتربة ومثله للأمطار ثم للتوزيعات السكانية والتقسيمات الإدارية والنمو العمراني ولأمكنة تواجد المعلومات نفسها وكل ما يمكن أن نتصور وجوده ولو بلغت آلاف المستويات. المهم أن كل مستو يحوي معلومة محددة وموقعة على ذلك المستوى حسب مواقعها الطبيعية. إن كل مستوى من هذه المستويات يبيّن لنا فوراً أماكن وجود تلك المعلومة ولذلك نطلق عليه عادة اسم خارطة موضوعية thematic map  أي خارطة لموضوع واحد فقط. هذه الخرائط هي التي مكن أن نختار منها معلومتين (أو أكثر) ونعرضها على الشاشة معاً، أو نرسمها على نفس الورقة فنحصل على مقارنة مرئية فورية، بل وحتى مقارنة عددية عن طريق الإحداثيات نفسها.

اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، واجعل علمنا حجة لنا، ولا تجعله حجة علينا بين يديك يا رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *