العدد 73 -

العدد 73- السنة السابعة، ذو القعدة 1413هـ، الموافق أيار 1993م

غرناطة بين الأمس واليوم

للشاعر: يوسف إبراهيم

16 من رجب 1413 السبت 09/01/1993

إلى الغرسة المباركة الطيبة التي ما زالت تستمد طَلْعَها وأغصانَها من نخيل الحجاز. إلى شُعلة النور التي ما زالت تستمد ضياءها من غار حراء. إلى أبناء البوشناق الذين ما زال عزم محمد الفاتح يسري في دمائهم عِزةً وإباءً. إلى المؤمنين الذين يتعرضون اليومَ لأفظع هجمة صليبية. إلى الذين ينتظرهُم اليومُ الموعودُ المشرق لتَرِفَّ رايات الخلافةِ هاماتهمُ الأبيّة، إليهم أرفع هذه القصيدة:

الليلُ والصمتُ آلامٌ وأشجانُ
.

 

ومَضَْجَعٌ فوقَ جمرِ السُّهْدِ يقظانُ
.

وذكرياتُ من الأمس الذي نُسجتْ
.

 

له من الدمعِ والأحزان أكفانُ
.

والشِّعرُ بالصدر جُرْحٌ نازفٌ وفَمٌ
.

 

مُعَذَّبٌ لاهثُ الأنفاسِ ظمآنُ
.

أبا البقاءِ أعرْني مِنكَ باكيةً
.

 

يَمُدّها وابلٌ للدمع هَتّانُ
.

وثورةً من جنونِ الحَرْفِ عاصفةً
.

 

رياحُها، فهْي إعصارٌ ونيرانُ
.

غِرناطةُ الأمسِ عادتْ بعدما طُوِيتْ
.

 

وكيف يَطوي جراحَ المجدِ نسيانُ
.

شاهدتَها تَرْتَمي ثكلَى، يعيثُ بها
.

 

بطشٌ وفتْكٌ وتدميرٌ وعُدوانُ
.

أسرى مساجدُها، أسرى مآذنُها
.

 

تعلوا عليها نواقيسٌ وصُلبانُ
.

وقد رأيتَ سباياها مُذَلّلةً
.

 

تسطو عليهنّ وطَرْفُ الشمسِ حيرانُ
.

كانت عليها خدورُ العزّ ضافيةً
.

 

كأنهنَ يواقيتٌ ومَرْجانُ
.

فأصبح الخِدْرُ بعد العَزِّ مُغْتصباً
.

 

ومُزِّقتْ فيه أعراضُ وأبدانُ
.

أبا البقاء وصوتُ الشِّعر ما بَرحَتْ
.

 

له على الدهر أصداءٌ وألحانُ
.

تَهدي مشاعِلُهُ السارين، كم قَطَعَتْ
.

 

على سَناهُ ظلامَ الليلِ رُكبانُ
.

لكنّهُ ناشزُ الإيقاعِ خافتهُ
.

 

إنْ أوصِدَتْ عنه أفكارٌ وآذانُ
.

وكان قارئهُ أعمى يعيشُ بلا
.

 

سَمْعٍ، وسُمّارُهُ صُمٌّ وعُميانُ
.

أبا البقاءِ ألا ظَرْفٌ يلوحُ لنا
.

 

من صَوْبِ قُرْطُبَةٍ والأفْقُ جَذلان
.

فَيَبْسِم النّورُ في أزهى حدائِقها
.

 

للنازحين، ويسعى الرَّنْدُ والبانُ
.

ويشرق النورُ في أرجاء مسجدها
.

 

ويُبْعَثُ القومُ أحياءً كما كانوا
.

أقبلْ من الغربِ وانْشُرْ ظِلَّ أجنحةٍ
.

 

للفاتحين بها الآفاقُ تزدانُ
.

أيّامَ يُزْجي السرايا طارقٌ أسَداً
.

 

والجندُ من خلفِهِ في الساحِ عِقْبانُ
.

أقبِلْ وفي يدكَ التاريخُ واروِ لنا
.

 

من صِدْقِ أخبارِه آثارَ من بانوا
.

فعندنا نبأ من أهل أندلسٍ
.

 

وفي الإعادةِ تذكيرٌ وعِرفانُ
.

صوتُ الأذانِ تعالى في جوانبها
.

 

فَعَزَّ للمجدِ بُنيانٌ وأركانُ
.

فهدّمَ المجدَ فُجّارُ القصور بها
.

 

وفُرْقَةُ الشملِ والأقداحُ والحانُ
.

أَقبلْ وطُفْ في ربوع المسلمين تَرى
.

 

سفينةً مالَها في البحر رُبّانُ
.

وأُمّةُ النور أشلاءٌ مُبعثَرَةٌ
.

 

لا الشامُ شامٌ ولا بَغدانُ بَغدانُ
.

ولا خيولُ صلاحِ الدين زاحفةٌ
.

 

للقدس تَسعى، ولا حِطّينُ ميْدانُ
.

أَقْبِلْ إلى وطنِ البشناقِ تُبْصرهُ
.

 

يغشاه رُعْبٌ وتشريدٌ وحرمانُ
.

يَطَغى به الليلُ مجنوناً ويُغْرِقهُ
.

 

من الكوارث أصنافٌ وألوانُ
.

نارُ الصليب تَلظّى راحَ يوقدها
.

 

كفرٌ وحِقْدٌ وإرهابٌ وطغيانُُ
.

وكلُّ وحشٍ صليبيٍّ به نَهَمٌ
.

 

مستمتعٌ بالدّمِ المسفوحِ نَشْوانُ
.

ولوْ رأيتَ الذي أيديهمُ صَنَعَتْ
.

 

أيقنتَ أنْ ليس بين الصرب إنسانُ
.

غِرْناطةُ اليوم من رَمْسِ الأسى بُعثتْ
.

 

وذاب في الدمع أحداقٌ وأجفانُ
.

حتى تَغَشىّ (سراييفوا) لها شبحٌ
.

 

من الكآبة، ساهي الطرْفِ وَسْنانُ
.

واهتزَّ من دَمِها المهدورِ نازفُهُ
.

 

في كلِّ قلب غَيورِ الخَفْقِ شِريانُ
.

الليلُ تَلْبَسُهُ ثوباً، فيغمرها
.

 

من سُحْبِ ظلمائهِ مَوْجٌ وطوفانُ
.

والثلجُ ينهالُ والأجواءُ صاخبةٌ
.

 

والريحُ عاصفةٌ والغَصنُ عُريانُ
.

والأرضُ تهتزُّ تحت القصف راجفةً
.

 

كأنّما الأرضُ زِلزالٌ وبركانُ
.

والموتُ يَزْأَرُ والساحات مَقبرةٌ
.

 

والشُّهْبُ مطموسةٌ والأفْقُ دُخّانُ
.

والناسُ تُحشَرُ أفواجاً فكمْ نُحِرَتْ
.

 

في مَذبَحِ المجرمِ الجزّار قِطعانُ
.

والحُجْبُ تُهتَكُ والأعْراضُ صارخةٌ
.

 

وقد نبا صارمٌ للعِرضِ صَوّانُ
.

والمسلماتُ سبايا الوحوشُ بها
.

 

تقتاتُ، والوحشُ مسعورٌ وجَوْعانُ
.

وكالخنازير إذ ترمي فرائسها
.

 

سِيّانِ في ذاكَ: إسرارٌ وإعلانُ
.

هذا الذي يرسُمُ الإعلامُ صورتَهُ
.

 

في كلِّ يومٍ، فلا يهتزُّ وِجدانُ
.

فأينّ في الغرب أحرارٌ كما زعموا
.

 

أمْ كلهمْ لصليب الكفر عُبْدانُ
.

ومجلسُ الأَمْن ماخورُ الفجورِ لمنْ
.

 

داسوا المواثيق بالأقدام، أو خانوا
.

وكلُّ ما فيهِ أوراقٌ مُزَيَّفةٌ
.

 

زور ٌ وإفكٌ وتضليلٌ وبُهتان
.

 

] ] ]

 

يا إخْوةَ الجْرحِ والمأساةِ في وطني
.

 

ومَنْ هُمُ في جبين المجدِ عُنوانُ
.

إعِزّةٌ مِنْ بني البشناق ما وهنوا
.

 

في الحادثات ولا ذَلّوا ولا هانوا
.

دعائم القلعةِ الشماءِ، كم شَمختْ
.

 

على كواهلهمْ للحقّ أركانُ
.

ذكرتُ فاتحها والسيف في يدهِ
.

 

يَشُدَّ ساعدَهُ عزمٌ وإيمانُ
.

يسعى ومِنْ خلفه جندُ العقيدة في
.

 

معاركِ الفتحِ أنصارٌ وأعوانُ
.

ألْقى على عرش قسطنطين صاعقةً
.

 

فما استقرَّ له عرشٌ وإيوانُ
.

وكم على ساحةِ البلقانِ قد حُطِمَتْ
.

 

تحت السنابكِ صُلبانٌ وتيجانُ
.

فأذعنَ البغيُ وانهارتْ قواعدُهُ
.

 

وألقَتِ السيفَ أندادٌ وأقرانُ
.

أحفادُ عثمانَ ما ارتدتْ فيالقُهمْ
.

 

وما استكانوا لجبّارٍ وما دانوا
.

جيشٌ من الرعب للميدان يسبِقهمْ،
.

 

والحكمُ بالعدل بين الناس ميزانُ
.

قادوا الممالكَ والقرآن قائدهمْ
.

 

وسِفْرُ سيرتِهمْ في الناسِ قرآنُ
.

 

] ] ]

 

يا إِخْوَةَ المَنْهجِ الأعلى ومَنْ دمُهُمْ
.

 

في القلب نبضٌ وهم في الجَفنِ سُكّانُ
.

لي بينكم رَبْعُ أحلامٍ أهيمُ بهِ
.

 

كأنَّ قَيْساً بِرَبْعِ الشوْقِ هيمانُ
.

ولي قصائِدُ من تاريخكم لَثَمتْ
.

 

ساحَ الجهادِ، وصوتُ النصرِ رنّانُ
.

أميلُ تيهاً على أنغامِها طَرباً
.

 

كأنني في رِكاب الفتحِ حَسّانُ
.

ولي هنالِكَ جَنّاتٌ مزخرفةٌ
.

 

غرسْتُهُنَّ وروضُ المجدِ فينانُ
.

ولي هنالك رزعٌ كانَ يمطِرُهُ
.

 

غَيْثُ الشامِ، ووجهُ الأفْقِ ريّانُ
.

ولي هنالك أنهارٌ يُفجّرها
.

 

من كوثر الخُلْدِ والفردوسِ رَضوانُ
.

ولي هناكَ مَناراتٌ إذا صَرَحَتْ
.

 

فالناسُ والأرض والآفاقُ آذانُ
.

ولي هناكَ، وإنْ شَطَّ المزارُ بنا
.

 

دارٌ وأهلٌ وأحبابٌ وجيرانُ
.

وشِرعةُ اللهِ منهاجٌ يوحدُنا
.

 

وليس في الدين عدنانٌ وطورانُ
.

إن كان في دوْحةِ الإسلام لي نَسَبٌ
.

 

فالناسُ إذْ ذاكَ كلُّ الناسِ إخوانُ
.

أو كان في الأرضِ نُورُ اللهِ يغمرُها
.

 

فالأرضُ إذ ذاكَ كلُّ الأرضِ أوطانُ
.

 

] ] ]

 

أنا الذي أرشدَ الدنيا ببارقَةٍ
.

 

أضاءها بالسّنا الوَضّاءِ فُرْقَانُ
.

أوصى بها رحمةً للناس غامِرةً
.

 

رَبٌّ رحيمٌ عَميمُ الفضلِ رَحمانُ
.

فَعَطَّرتْ جَنَباتِ الكونِ نفحتُها
.

 

فالكونُ رَوْحٌ وجنّاتٌ وريحان
.

رِسالةٌ كنزُها أغنى الوجودَ وقدْ
.

 

سَما لها فوقَ هامِ النجمِ بُنيانُ
.

وأمطرتْ كلَّ أرضٍ بَلْقَعٍ فزهتْ
.

 

صحراؤها، فَهْيَ بعد الجَدْبِ بُستانُ
.

واختالَ تاريخُها بالمجدِ مُزْدهياً
.

 

كأنه فوق عرش الدهر سُلطانُ
.

واليومَ يختالُ في الأوطانِ سارقُها
.

 

تِيهاً، ويمرحُ أفّاكٌ وخَوّانُ
.

يبيعني الوغدُ كالنخاس في بلدي
.

 

حتى كأنَّ جميع الناس أقنانُ
.

ويُلهبُ المجرم الجلاّدُ في صَلَفٍ
.

 

جَنْبَيَّ، والسوطُ في كفيْه ثُعبانُ
.

أنا السجينُ وكلُّ الأرضِ في وطني
.

 

سِجْنٌ، وحاكمُهُ السفّاحُ سَجّانُ
.

ما كنتُ أحْسَبُ الأمجادُ صنعُ يدي
.

 

أنّي لآلهةِ الدولار قُربانُ
.

أقولُ والسيفُ يَفري مُهجتي ألماً
.

 

والقدسُ ظمأي، ومسرى النورِ ظمآنُ
.

والحاكمون أذلّوا وجهَ عِزّتِهمْ
.

 

وهمْ لصِهيَونَ أحبابٌ وأخدانُ
.

أسْدٌ تمزّقُ أجسادَ الشعوب، لها
.

 

زَأْرٌ، وفي وجهِ إسرائيل فئرانُ
.

صَبْرٌ (سراييفُ) فالآلامُ تَجْمعُنا
.

 

جُرحاً، وتَصْهرُنا في النار أحزانُ
.

تضمُّنا وَحدةٌ عَزَّتْ أوصرُها
.

 

مهما تناءتْ أقاليم وبلدانُ
.

كالبحرِ مهما به امتدتْ سواحلُهُ
.

 

وباعَدَتْ فيهِ بين الموْجِ شُطْآنُ
.

أو كالحديقة في البستانِ نحنُ بها
.

 

من جذعِ نخلهِا طَلْعٌ وأغصانُ
.

فلا الجزائرُ تُقْصينا ولا عَدَنُ،
.

 

ولا الشامُ، ولا هندٌ وأفغانُ
.

ولا بُخارَةُ والبلقانُ نائيةٌ
.

 

عن الحجاز، ولا تُرْكٌ وألبانُ
.

 

] ] ]

 

سَيُشْرِقُ النورُ والتحرير في وطني
.

 

يوماً، ويَخْرَسُ دجّالٌ وشيطانُ
.

اللهُ أكبرُ إنْ دَوّى الأذانُ بها
.

 

هوى وزُلْزِلَ فِرعوْنٌ وهامانُ
.

خلافةٌ تتحدي الكفْرَ رايتُها
.

 

في كلِّ قلبٍ لها عرشٌ وسلطانُ
.

حُماتُها مِنْ أُباةِ الضيْمِ ما وَهَنوا
.

 

شُمُّ الجِباهِ، لغير الله ما دانوا
.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *