العدد 73 -

العدد 73- السنة السابعة، ذو القعدة 1413هـ، الموافق أيار 1993م

العدل بين الناس

يقول الله سبحانه وتعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، ويقول: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ)، ويقول: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).

قرأ المسلمون هذه الآيات وأمثالها، وسمعوا أحاديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم المتضمنة نفس المعاني، وتدبروها واستخلصوا منها الأحكام الشرعية، وطبقوا ما استنبطوه تطبيقاً علمياً طوال تاريخ الدولة الإسلامية في عصورها المختلفة. ولم يَروِ مؤرخ للدولة الإسلامية تمييزاً في المعاملة أو في تطبيق الأحكام والقوانين الشرعية بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو اللون. ولم يجد حتى المستشرقون الأجانب ما يلوِّث تاريخ الأمة الإسلامية أو يجرح في عدالة تطبيق القانون على الجميع دون تمييز. فالتاريخ يشهد أن القانون الذي طبقته الدولة الإسلامية على النصراني أو اليهودي أو غيرها من الذميين هو نفسه الذي طبقته على المسلمين تجاههم أكثر منها واجبات عليهم، وفيما عدا ذلك كانوا من حيث تطبيق القوانين عليهم كالمسلمين سواء بسواء.

وأما العرق أو اللون أو الجنس فإن الإسلام لم يميز بين البشر على أساس هذه الأشياء، والدولة الإسلامية تقيدت بذلك أيما تقيّد، فالعربي والفارسي والتركي والمغولي والسلافي كانوا أمام الدولة والقانون سواء، كيف لا والله سبحانه وتعالى يقول: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ…)، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى» وهذا كله يفسِّر ويبرز بوضوح إنسانية الإسلام والتشريع الإسلامي وطريقة تطبيقه في الحياة العملية من جانب الفرد والجماعة والدولة فلا يوجد في شريعتنا فرق بين النظرية والتطبيق، ولا كيل بمكيالين، فالكل في نظر الشرع بشر يطبق عليهم ما نزل بحقهم من رب العالمين.

وهذا لا يعني إطلاقاً أنه لم تحدث إساءة تطبيق للإسلام في جميع عصور الدولة الإسلامية. فالذين يطبقون الإسلام بشر يخطئون وهم عن الخطأ والخطيئة غير معصومين، غير أن أخطاءهم لم تكن من منطلق التمييز بين البشر بحسب أديانهم أو ألوانهم أو أعراقهم. وحين كان يحدث الخطأ يتنبه له المسلمون ويكتبه المؤرخون ويتعرض له الفقهاء بما ينبغي، الأمر الذي يضيف لسجل العدالة عند المسلمين.

وما انتشار الإسلام وتجذّره في أصقاع الأرض وبين الشعوب المختلفة. ومواصلة هذه الشعوب التمسك بدينها حتى بعد انحسار سلطانه عنها إلا برهان ساطع على أن هذه الشعوب اعتنقت الإسلام راضية بعد أن لمست عدالته وإنسانيته وصدقه، ودليلٌ على أن هذا الدين المقنع للعقل والموافق للفطرة طبق عليها بالعدل والحق.

فما نراه اليوم من صراعات عرقية وطائفية ودينية، وما نلمسه من ظلم في تطبيق القوانين والتمييز في تطبيقها على أساس اللون أو العرق أو الطائفة أو الدين، وما ذلك كله إلا نتاج حضارات الكفر، وأفكار الكفر، وقوانين الكفر، وهيمنة الكفار.

وما يجري في البوسنة والهرسك من إبادة للمسلمين، والذي يصوره الإعلام الغربي على أنه تطهير عرقي، ما هو في الواقع إلا تطهير ديني، والإعلام الغربي يحاول التضليل لإخفاء عورات حضارة الغرب غير الإنسانية. وما يطبق على العراق من حصار وإذلال، لا يطبق مثلهما على إسرائيل رغم كل الجرائم التي تقترفها ضد المسلمين في فلسطين، وهي جرائم ضد الإنسانية حتى حسب عرف الغرب، إلا إذا كانوا لا يعتبرون المسلمين بشراً كسائر الناس. فهذا التمييز بين الشعوب والأمم في تطبيق القوانين يدل دلالة قاطعة على أن حضارة الغرب مفلسة وادعاء دول الكفر العدل ادعاء فارغ، فلا عدل إلا في الإسلام ولا عادل إلا من يؤمن بالإسلام ويطبقه.

=

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *