العدد 73 -

العدد 73- السنة السابعة، ذو القعدة 1413هـ، الموافق أيار 1993م

الليبرالية هي المشروع الحضاري اليهودي النصراني

بقلم: فوزي طايل

عُقدت في القاهرة ندوة بإشراف جريدة الحياة على مدى أسبوع (18 ـ 23 من نيسان 1993). بعنوان: «الإسلاميون والليبرالية». وقد رأت «الوعي» أن تطلع قراءها على مداخلة الأستاذ فوزي طايل لما اتسمت به من عمق وبُعد نظر:

بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله.

أبدأ بوضع تعريفين لموضوع الندوة لأتعامل مع أمر واضح تماماً. فكلمة «الإسلاميون» في تقديري تشير إلى الصفوة الفكرية الذين يعتقدون أن الإسلام منهاج كامل وأسلوب متميز للتعامل مع الكون، فهو عقيدة إيمانية وهوية ومنظومة للقيم، ونظام سياسي اجتماعي اقتصادي، ومبادئ تحكم التعامل الدولي ورسالة يتعين حملها إلى الأمم الأخرى وتبليغها، وهو مشروع حضاري لإعمار الأرض، فلا يوجد إسلامي أياً كان مشربه إلا ويؤمن بهذا. الليبرالية أيضاً لا بد أن نحددها، فالليبرالية الحقيقية هي المذهب الحر أو المذهب الفردي الذي نشأ وتطور في أوروبا وبالتالي أميركا الشمالية بعد ذلك. والذي يعبّر عنه بأنه المشروع الحضاري اليهودي النصراني. وهذا ما تؤكده كل كتبهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر تقرير ليندون لاروش الذي قدّم للكونغرس في 14 كانون الثاني (يناير) 1988 كان يتكلم عن الخيار الديمقراطي في مقابل الاستراتيجية بعيدة المدى، وهذا التعبير دارج عندهم ولم أقرأه في مرجع واحد، ولكن في مراجع كثيرة،. والحقيقة أن هذا موضوع يمكن أن ندلل عليه بشيء بسيط، المشروع الليبرالي أو الليبرالية نفسها نشأت في التوقيت الذي كان يحدث فيه الإصلاح الديني والرجوع إلى العهد القديم، إلى كتاب العهد القديم الذي كان منبوذاً من النصارى على أساس أنه نوع من الخصومة مع اليهود، فالإصلاح الديني واكب النهضة وواكب الرجوع إلى هذا الأمر، وأياً كانت المقولة: هل هي صادرة من الجانب اليهودي أم من النصراني، إلا أن هذا الاصطلاح هو الذي يستخدم، والليبرالية هي منهج فلسفي بطبيعة الحال يفصل بين الماديات والروحانيات ويقيم الدولة على أساس افتراض تخيلي، وهو أن الدولة شر لا بد منه. وهذا أيضاً له مرجع في العقيدة عندهم.

الدولة عقاباً

=«الحياة»: العقيدة السياسية؟

– فوزي طايل: العقيدة الدينية، فهم يعتبرون أن الدولة هي العقاب الذي أنزله الله تبارك وتعالى بالبشر بسبب الخطيئة الموروثة عندهم منذ آدم، والليبرالية الحقيقية تنطلق من فكرة فصل دائر الدين والأخلاق عن السياسة منذ أيام نيكولا ميكيافيللي وأن الغاية تبرر الوسيلة إلى أن صاغ جورج هوليك عام 1846 مبدأه في العلمانية، وأن معيار العدل عندهم هو القوة، وطبعاً داروين قال: البقاء للأصلح والأقوى، فالمنافسة غير المحدودة والاحتكار والربا من العناصر الرئيسية للاقتصاد. والليبرالية لها شقان أساسيان: الديمقراطية كشق سياسي، والرأسمالية هي الشق الاقتصادي فيها، وعلى رغم أن المساواة والإخاء والحرية كانت شعارهم في الثورة الفرنسية، وهي جوهر الليبرالية، إلا أنهم في واقع الأمر ينظرون نظرة من أعلى إلى غيرهم من البشر، ويعتبرون البشر في شمال البحر المتوسط جديرين بأن يقودوا حضارة العالم وأن يوحدوها، وأن تكون الليبرالية هي النظام السائد في العالم إلى درجة أن كتاب «السياسة الدفاعية الأميركية» الذي وضعه جورج براون ستايدر عام 1988 يحدد الهدف الرابع من الأهداف القومية الأميركية، بأن تسود القيم الأميركية العالم كله وهذا هدف قومي عندهم.

والحقيقة أن أخطر ما في الليبرالية نقطة مهمة جداً هي التي تصوغ النظام العالمي اليوم، وسأنتقل إلى فكر هذا النظام كي نحدده لأنه أيضاً شيء محدد، ومن الأمور التي تزعجني جداً القول أنه غير واضح لنا، لكن النظام العالمي الجديد واضح وضوحاً كبيراً وعندي شواهد محددة عليه.

في واقع الأمر أن أخطر ما في الليبرالية الغربية أن الصهيونية ركبت هذه الموجة في الوقت الحالي تماماً، وهي التي تقوم بصياغة فكرة النظام العالمي الجديد بشكله المستند إلى عقيدة، وليس فكراً علمانياً كما نتصور، ونرجع في هذا إلى خطاب اسحق شامير في الأمم المتحدة، في مؤتمر نزع السلاح يوم السابع من حزيران (يونيو) 1988، حيث قال: لا تنسوا أننا نحن الذين حملنا إليكم سفر الأسفار، وهو يخاطب العالم النصراني بطبيعة الحال، وسفر الأسفار هو العهد القديم، وفي النهاية قرأ عليهم النصوص من 2 إلى 4 من الاصحاح الثاني من سفر أشعيا، ومضمونه أن السلام لن يسود الأرض إلا إذا حْكم العالم من أورشليم.

وهذا معناه أن هناك إيماناً بأن النظام العالمي الجديد لا بد أن يقوم على أساس قيام إسرائيل الكبرى وحكم العالم من أورشليم (القدس). هذا موضوع يجب ألا يكون غائباً عنا، لأن هذا هو الفكر الغربي في الوقت الحالي، ولما كان المسلمون يعيشون في المنطقة التي تعتبر المقدسات الخاصة بالديانات السماوية، وأهم الثروات وأخص بها الطاقة على وجه التحديد والمياه بعد الطاقة مباشرة، إذن فهذه المنطقة تحمل قيمة كبرى من الناحية الروحية ومن الناحية الاقتصادية، ومن الناحية الاستراتيجية العسكرية لأنها أيضاً تتحكم بطرق المواصلات، وبالتالي فإن هذه المنطقة تعتبر في المرحلة المقبلة قوس الأزمات، وسيكون التركيز بالكامل عليها لإقامة النظام العالمي الجديد.

وفي واقع الأمر فإن أصحاب المذهب الليبرالي يعرفون الإسلام أكثر مما نعرفه، ومحاولة إخفاء الأمور تعتبر نوعاً من دفن الرؤوس في الرمال كما تفعل النعامة وهذا لا يجدي. فالحقيقة أن محاولة القول بوجود قرابة بين الليبرالية والإسلام لا جدوى لها، وهم يعلمون تماماً أنه لا يوجد أي قرابة، لأن المنبع مختلف تماماً، وبالتالي فالقيم نفسها التي تحمل النظم الاجتماعية مختلفة اختلافاً كاملاً، وتوضيح هذه الأمور سوف يظهرنا أمامهم باعتبارنا، على الأقل، لا نخدع أنفسنا، فضلاُ عن أننا لن نستطيع أن نخدعهم لأنهم يعرفون الإسلام، ولا توجد جامعة إلا وفيها قسم على الأقل للدراسات الإسلامية، ولا يوجد جيش من الجيوش الغربية إلا ويدرس الإسلام دراسة تفصيلية كاملة. إذن الغرب في الوقت الحالي كما عبر التقرير الأميركي الذي أشرت إليه، سوف يدير حرباً ثقافية بالمفهوم الكامل للحرب، وهذه الحرب سوف تستند إلى استخدام قوة مسلحة، وتعود بداية ذلك إلى مطلع القرن، ولكنني سأصل مباشرة إلى ما قاله هنري كيسنجر عام 1972 كان صاحب القرار الحقيقي في الولايات المتحدة الأميركية في ذلك الوقت وكان هو صانع السياسة الخارجية في مجال التقارب مع المعسكر الشرقي ومع الصين، وهو الذي وضع أسس تسوية فيتنام، وأسس بدايات السلام بين مصر وإسرائيل، وكل هذه الأمور كان هو الذي وضع الهدف الذي قلته الآن، وهو الهدف الذي صنع في عند ريغان بأن القرن الحادي والعشرين سوف يشهد ازدهار القيم الأميركية وسيادتها في العالم بأكمله.

وفي واقع الأمر نجد أن استراتيجيتهم طويلة المدى، ولا تنفصل لأنهم ينخرطون في فكر عقائدي واحد. وهذا هو حال الصراع دائماً، لأن الدنيا في صراع وهذا ما نؤمن به، فالله تبارك وتعالى جعل الصراع والتدافع بين الناس سنّة من السنن وإلا فسدت الأرض. وهذا الصراع بين الآدميين يختلف عن صراع الحيوانات في أن صراع الآدميين يرتكز دائماً إلى عقائد، والغرب لا يترك عقيدته، وإنما يتحرك على أساسها.

وكارتر وضع خمسة مبادئ في غاية الأهمية خاصة بمنطقتنا فقال: إن مصير العالم سوف يتقرر في القرن الحادي والعشرين فوق مياه المحيط الهندي أي على أرضنا، الأرض التي ما بين المحيط الهندي والبحر المتوسط النقطة الثانية: أن من الضروري الاستخدام الواسع للقوة المسلحة في هذه المنطقة، ومن الشرق إلى الغرب، حيث قال: من باكستان إلى المحيط الأطلسي، وقال: وعلى واشنطن أن تبذل جهداً لحض الآخرين على أن يتعاونوا معها، وهذا هو المبدأ الثالث. أما المبدأ الرابع فهو أن يتم التدخل في هذه المنطقة بطلب أو من دون طلب. وأخيراً قال: إن أي محاولة للسيطرة على الخليج من قبل أي قوة سوف تعد عدواناً على المصالح الحيوية الأميركية ولا بد من استخدام القوة المسلحة.

وواكب ذلك أنهم بدأوا منذ 1978 يتخذون من فكرة الديمقراطية وحقوق الإنسان مادة لقهر الشعوب الأخرى، وهذا الكلام واضح تماماً في تقارير أميركية.

وفي عهد ريغان كانت هناك ثلاثة مبادئ رئيسية، وبناء عليها صيغت الاستراتيجية الأميركية. كان هناك تحقيق أمن إسرائيل، هذا هو التعبير المهذب لفكرة إقامة إسرائيل الكبرى بحدودها التوراتية كي يُحكم العالم من القدس.

والنقطة الثانية: هي تأميم مصادر الطاقة ومصادر الثروة الموجودة في منطقتنا والتي من دونها تنهار الحضارة الغربية.

والنقطة الثالثة: إحداث التغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المنطقة في ظل الوجود العسكري الدائم فيها.

ونأتي بعد ذلك إلى قضية النظام العالمي الجديد الذي يقوم على أمر في غاية الخطورة، وهي أن فكرة الدولة لا بد أن تنتهي بمعنى تسييل كل دول العالم بحيث لا تبقى دولة سوى إسرائيل في العالم كله، وهذا موضوع كتب فيه أكثر من كتاب، هذا فكر استراتيجي، وأنا لي كتابات في هذا الموضوع وكل المراجع مذكور فيها… حتى لا أطيل.

=«الحياة»: ما المقصود بتسييل الدولة؟

– فوزي طايل: يعني إلغاء فكرة الدولة. في القرن السابع عشر قالوا أنها فكرة قائمة أنها شر لا بد منه، وقالوا من ناحية أخرى أنها السبب الرئيسي في الصراعات الدولية.

السيادة المحدودة

=«الحياة»: ماذا يحل محلها؟

– فوزي طايل: لا يحل محلها شيء، يحل محلها آخر الأيام بمعنى أن القيامة أوشكت، وهذه فكرة عقائدية يعتنقها اليهود ويعلمون تماماً أنهم إن لم يُحدثوا هذا فسوف يتم تدمير إسرائيل مرة ثانية لأن ربنا سبحانه وتعالى قضى عليهم هذا في القرآن والتوراة وفي الإنجيل. ولي كتاب نقلت منه نصوصاً من التوراة ومن القرآن ومن الإنجيل يقول هذا الكلام بالنص. على أي الأحوال هناك خمس أدوات تُستخدم: الإدارة الأولى تُسمى بالديبلوماسية الوقائية وتعني استخدام قوة مسلحة مركزية على مستوى الأمم المتحدة، هذه القوة قد لا تكون سوى قوة من الولايات المتحدة الأميركية التي تقوم حالياً بإنشاء قوة أخرى سريعة الانتشار للعمل في العالم كله غير القوة المخصصة لمنطقة الشرق الأوسط والديبلوماسية الوقائية سوف تستخدم جهاز استخبارات قوية جداً لاكتشاف الأزمات قبل حدوثها، وهذا معناه أنها سوف تتدخل في الحريات لدى المنظمات والجماعات الأقل من الدولة. طبعاً الديبلوماسية الوقائية شرُحت ومجلة «السياسة الدولية» تكلمت في المقال الأول في كانون الثاني (يناير) الماضي عن هذا، وعن أن فكرة السيادة انتهت وليس لها وجود.

والدكتور بطرس غالي بنفسه هو الذي كتب هذا المقال قائلاً: أن فكرة السيادة انتهت، ومعروف أن هذه الفكرة هي أحد الأركان الثلاثة للدولة، ومن هنا بدأت تنهار. إذن الإدارة الأولى الديبلوماسية الوقائية، أما الإدارة الثانية فتسمى بحق التدخل، هذا الكلام كانت مجلة «نيوزويك» كتبته في بحث قيّم جداً ومستفيض، هذه الفكرة وضعها وزير فرنسي في الحكومة التي استقالت أخيراً وتشكّل منها منظمات مثل «أطباء بلا حدود» و«أطباء العالم»، وغيرهما، وهي تستند إلى فكرة حقوق الإنسان، وتقول أنه يجب على القوات الغربية أن تتدخل من أجل تقديم المعونات الإنسانية والرعاية الصحية لكل شعوب العالم، وهو يسندها إلى تصريح لميتران عام 1989 بضرورة تدخل القوى المسلحة الغربية تدخلاً محدوداً من أجل حماية حقوق الإنسان وتقديم المعونات الإنسانية، كما يسندها لتصريح لبابا روما في الخامس من كانون الأول (ديسمبر) 1992 قال فيه: يتعين على القوات المسلحة الغربية أن تتدخل من أجل توفير الغذاء والرعاية والصحية لكل إنسان على وجه الأرض، دون الالتفات إلى الحجج الاعتباطية كالسيادة وعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية.

وثالث مبدأ هو نزع السلاح مروراً بفكرة السيطرة على التسلح العالمي بالكامل، وهناك ظاهرة في الحقيقة لفتت نظري وهي أن موضوع حمل السلاح في أميركا موضوع دستوري يناقشون الآن كيفية إلغائه، أي أن هذا المبدأ سيصل إلى مستوى الأفراد ونزع السلاح منهم، وما يحدث في الصومال واضح كل الوضوح وما يحدث في العراق واضح كل الوضوح، وهذا الكلام سوف يتكرر في بلاد أخرى.

والنقطة الرابعة هي إثارة النزاعات المنخفضة المستوى، أي النزاعات الداخلية، حيث يتم إثارة النزاعات الطائفية والنزاعات القومية والعرقية في داخل جميع بلدان العالم، بحيث تصبح هي النزاعات الأصلية، التي تتدخل فيها القوات السريعة الانتشار الخارجي والتي ستدخل إلى هذه الدول وبالتالي تمنع الحرب بين الدول، وهذا هو الأسلوب الجديد في الحرب. فلكي تمنع الحرب بين الدول لا بد من جعل الدول تتحارب من داخلها.

والمبدأ الخامس هو التحرير الكامل للتجارة العالمية بناء على اتفاقية «الغات».

هذه هي الأمور الخمسة الرئيسية التي بُني وفقاً لها النظام الجديد. وهذه الأمور بدأت فعلاً في العمل، وربما كان من أواخر ما قيل تصريح بيل كلينتون في 20 كانون الثاني (يناير) 1993 المنشور في «نيوزويك» والذي يتحدث فيه عن تحويل العالم كله إلى «الصورة الأميركية» وبطبيعة الحال هناك أمور كثيرة لكن لن أتعرض لها حتى لا أضيع الوقت.

لكن هناك نقطة مهمة خاصة بالقيم. في الحقيقة الإسلام له قيم خاصة به وقد عنيت بهذا الموضوع لأن القيم هي جوهر الأمن القومي، وفي علم الاجتماع يقسمون القيم إلى «جوهرية أو رئيسية» و«قيم مساعدة» وقد طبقت ذلك على القيم الإسلامية، فحصرت القيم العليا بها في سبع وحاولت مقارنتها بالشيوعية وبالليبرالية، ووجدت أن هناك اختلافاً جوهرياً تماماً في المضمون، وهذه القيم السبع بالترتيب هي: العلم فالإيمان فالعمل فتكريم الإنسان فوحدة الأمة فالعدل فالشورى. وفيما عدا ذلك فإنها قيم تابعة، تابعة للإيمان وتابعة للعدل أو لأي قيم عليا أخرى، وبالتالي فهناك قيم في الغرب موجودة أو غير موجودة عندنا، وهناك تشابه لبعض القيم في المسميات. طبعاً قيمة العلم عندهم أيضاً، لكن المحتوى يختلف تماماً لأنهم يفصلون بين العلم الديني والعلم الدنيوي، وهذا يختلف عنهم تماماً، لأنها تأخذ عندنا معنى إيجابياً في إطار مقاصد الشرع مثل حفظ الدين والنفس والمال، في حين أن جوهر هذه القيمة عندهم حقوق الإنسان وهي فكرة سلبية في الأساس وغير واضحة وتسمح بالارتداد كما تسمح بالمساواة بين الرجل والمرأة. على رغم أنه ليست هناك شريعة سماوية تسمح بها على الإطلاق، كما تسمح بدخول أمور جديدة تستجد على الحقوق والحريات عندهم مثل عقوق الوالدين ومنها الإجهاض ومنها حق الانتحار وحق الشذوذ الجنسي.

هذه أمور ليست عندنا، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على التشابه، ولديهم اتفاقية أن الدولة شر لا بد منه، وهي عندهم قيمة كبيرة ونحن تختلف في هذا، فمن هنا يختلف الأمر تماماً، ومضمون العدل في حد ذاته يختلف، فعندهم خلط كبير ما بين العدل والمساواة، لدرجة أنهم يقصرون العدل على ساحة القضاء ومعيار العدل عندهم هو القانون الوضعي وليس القانون السماوي. معيار العدل عندنا يختلف، فهو شامل. المساواة قيمة فليأتي بآية قرآنية وأنا مستعد لأن آتي بعدد كبير جداً من الآيات القرآنية، وإذا كنا نستند إلى الناس سواسية كأسنان المشط، فهذا الحديث يضعف نسبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يخالف آيات قرآنية كثيرة واضحة. يعني أبسطها (انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) وهذا موضوع أنا على استعداد أن أتحدث فيه.

فكرة المساواة عندهم جاءت من شريعتهم، فمثلاً سفر التكوين الأصحاح الأول من 26 إلى 28 يقول: وقال الله تعالى نعمل على صورتنا لشبهنا، فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه، ذكراً أو أنثى خلقهم، إذن ما دام الناس كلها خُلقت على شبه الله، فلا بد أن يكونوا متساوين فهي فكرة أساساً، لكن الله تبارك وتعالى لم يذكر لنا هذا لأنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فإذن هذا أمر نحن نختلف تماماً عنهم في هذا المجال، بل أن اليهود طوعوا هذه الفكرة c

الحياة 23/04/93

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *