العدد 94 -

السنة الثامنة – رمضان 1415هـ -شباط 1995م

تذكرة

أيها المسلمون:

أهل عليكم شهر رمضان الفضيل، الذي تُفتحُ فيه أبوابُ الرحمة، وتُغلقُ فيه أبواب جهنم، وتُصفَّدُ فيه الشياطين، كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة، وأغلقت أبواب جهنم، وسُلسِلت الشياطين».

وشهر رمضان اختصه الله سبحانه وتعالى بفريضة الصيام خالصة له، وفضَّله على سائر الشهور، وتجلّى فيه على عبادة بالرحمة والإكرام، فأنعم عليهم بإنزال رسالة الإسلام، رسالة الهدى والنور، وجعلها الرسالة الخاتمة لجميع الرسالات، وللناس جميعاً إلى يوم الدين، قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) كما اختصه بِليلة من أفضل الليالي، وهي خير من ألف شهر، إذ ابتدأ فيها نزول القرآن. قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، وجعل ثواب من يقيم ليلتها متعبداً إيماناً واحتساباً غُفران ما تقدم من ذنبه. فقد روى البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم له من ذنبه».

وصوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، وفرض من الفروض التي أمرنا الله أن نتعبده بها، وجعل من يصومه إيماناً واحتساباً الثواب الجزيل، وغفران ما تقدم من ذنبه، فقد روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « والذي نفسي بيده لَخَلوفُ فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، والصيام لي وأنا أجزي به، الحسنة بعشر أمثالها» وفي البخاري أيضاً عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم له من ذنبه».

وشهر رمضان شهر الصيام والقيام والصدقات وقراءة القرآن وغيرها من الطاعات، وهو شهر التزود بالحسنات بالإكثار فيه من الطاعات، فالحسنة بعشر أمثالها، كما ورد في حديث البخاري السابق.

إن الطاعات ليست خاصة بالعبادات، فكل استجابة لأوامر الله حسب ما أمر هي طاعة من الطاعات، سواء أكانت الأوامر تتعلق بالعبادات أم تتعلق بالأخلاق، أم بالمعاملات، أم بالعلاقات العامة للدولة أو للمجتمع. فكل أمر من أوامر الله يجب أداؤه، وكل تنفيذ لأي أمر من أوامر الله على أنه أمر الله وهو عبادة يُثابُ عليها ويُعاقبُ على تركها. فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).

فالصلاة والصيام والزكاة والحج من أركان الإسلام،وهي فروض عينية يجب أن يقام بها ممن وجبت عليه والحكم بما أنزل الله فرض على المسلمين أن يقوموا به كفريضة الصلاة والصوم والزكاة والحج، ولا يرتفع الإثم عنهم إلا بعودتهم إلى الحكم بما أنزل الله، قال الله تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ )وقال: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ)، وقال: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ).

والحكم بما أنزل الله لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود دولة تقوم على تطبيقه، ولهذا كانت الدولة حكماً شرعياً من أحكام الإسلام وطريقة لازمة لتنفيذ الأحكام الشرعية، وجعل الإسلام مُجسَّداً تجسيداً حقيقياً في واقع الحياة والمجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *