العدد 310-311 -

السنة السابعة والعشرون ذو القعدة وذو الحجة 1433هـ، تشرين الأول وتشرين الثاني 2012م

التحولُ السياسي في الجزائر على ضوء المستجداتِ في المنطقة

بسم الله الرحمن الرحيم

التحولُ السياسي في الجزائر

على ضوء المستجداتِ في المنطقة

صادق محيي الدين- الجزائر

عندما حـدَّد في خطابه منذ أيام موعدَ الانتخابات التشريعية بالعاشر من شهر (أيار-مايو) المقبل (2012م), أعلن الرئيس الجزائري أن موعد الاستحقاق هذا سيكون مفصلياً في حياة “الأمة”، وأنه سيكون بمثابة وأهمية الأول من شهر (تشرين الثاني-نوفمبر) 1954م (تاريخ انطلاق ثورة التحرير ضد المستعمِر الفرنسي)، في إشارةٍ إلى أن هذه الانتخابات ستسفر عن برلمان أو جمعية تأسيسيةٍ، تحمل على عاتقها وضعَ دستور جديد للبلاد يؤسس لجمهوريةٍ ثانية! جاء هذا الإعلان عقِبَ الفراغ من تعديل وتفصيل وإخراجِ كل من قانون الأحزاب والجمعيات والإعلام. وبناء على الدستور الجديد سيجري لاحقاً السباقُ في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2014م.

مباشرة بعد ذلك شُرع في اعتماد التشكيلات السياسية (الأحزاب) بالعشرات، في غياب وحظر العمل السياسي على جبهة الإنقاذ المعروفة، وبدأت حمى الترشح من جميع الفئات لهذه الانتخابات التي على ما يبدو سيفوز فيها عدد معتبر من الأحرار ومن النساء، في انتظار موعد بدء الحملات الانتخابية في 15 من شهر (نيسان-أبريل) المقبل.

يجرى كل هذا بعدما كانت الحكومةُ قد باشرت سلسلةً طويلة من الزيادات في الأجور (في القطاع العام) خلال السنة الماضية وما قبلها، وما ترتب على ذلك من انهيار محسوس في قيمة العملة المحلية وهبوط للقدرة الشرائية، في ظل تدهور شديد تشهده البلاد على جميع الأصعدة، بينما تربض احتياطاتُ الجزائر من العملات المهمة في البنوك الأجنبية الغربية!

لا شك أن ما يحدث وما يهيَّأ من ترتيبات لهذه المرحلة يشير إلى أن الجزائر ستشهد جديداً في الربيع المقبل. نعم كل مجريات الأحداث تشير إلى أن البلد مقبل على لعبة سياسية ومسرحية جديدة، تُحقق للغرب مرادَه في هذا الجزء من البلاد العربية، التي تشهد في مجملها هذه الأيام حراكاً سياسياً وتحولاً خطيراً. إلا أن هذه المسرحية سيكون اللاعبون فيها هذه المرة – وربحاً للوقت – من جهةٍ مَن يسميهم الغربُ “الإسلاميين المعتدلين” (الألعوبة) أو بعضهم على الأقل، أي حمس الممقوتة شعبياً وأخواتها فيما سمي بالقائمة الخضراء، إلى جانب الزوايا الصوفية، في تحالف سياسي خفي مع جماعة بوتفليقة وبلخادم أي جبهة التحرير الحالية ذات النفوذ الواسع في الأوساط المدنية والعسكرية على السواء، ومن الجهة الأخرى الأحزابُ والقوى السياسية المحسوبة على طغمة العسكر والاستخبارات، وعلى رأسها التجمع الوطني الديمقراطي المشؤوم الذي يتزعمه أويحيى، بالإضافة إلى الطرف الآخر من “الإسلاميين المعتدلين” (الألعوبة) أي حزب جاب الله (جبهة العدالة والتنمية) وحزب مناصرة (جبهة التغيير (الوطني)) المنشقة عن حمس، اللذين رفضا بشدة الانضمامَ إلى القائمة الخضراء المذكورة.

إلا أن تحالف حمس (وأخواتها) مع جبهة التحرير وتوابعها من الزوايا الصوفية ومن معهم من مختلف القوى والجمعيات والأحرار لا يظهر الآن، وإنما سيظهر جلياً عندما يحين موعد ظهوره، أي عند إتمام ما سمي «الإصلاحات» والتحضير  لوضع الدستور الجديد ومن ثم بدء السباق العلني على كرسي الرئاسة مع بداية 2014م، وسيتم اقتسام المناصب العليا أي رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان بغرفتيه (والمواقع والمنافع) بحسب الاتفاقيات على غرار ما حدث مع النهضة التونسية وجماعة المرزوقي في البلد المجاور بناء على ما ستفرزه التشريعيات المقبلة أي البرلمان الجديد.

في خضم هذه المستجدات أعلن حسين آيت أحمد زعيم جبهة القوى الاشتراكية – بعد مشاورة قواعده على نطاق واسع على حد قوله – عن نية حزبه المشاركة في هذا الاستحقاق، وقال إن قرار المشاركة جاء لأسباب تكتيكية في مرحلة حساسة، وإن الحزب الذي يتزعمه لم ولن يتزحزح عن مبادئه قيد أنملة. إلا أننا نرجح أن وراء قرار المشاركة وخوض غمار الانتخابات البرلمانية هذه المرة ثلاثة أسباب:

أ-  ضخ دماء جديدة في هياكل وقواعد الحزب (في منطقة القبائل خاصة)، وبث ديناميكية جديدة في طاقات الحزب التي ظلت على مدى فتراتٍ طويلة تنتظر فرصةَ المشاركة السياسية، إذ كانت قيادة الحزب في كل مرة تنتهج سياسة المقاطعة للتعبير عن رفضها للنظام جملةً وتفصيلاً، علماً أن الزعيم التاريخي آيت أحمد كانت مواقفه معروفة غداة «استقلال» الجزائر، حيث كان يرفض رفضاً قاطعاً تولي العسكريين السلطة في البلاد، بدءًا بالانقلاب على شرعية الحكومة المؤقتة في 1962م مروراً بعد ذلك بكل الاستحقاقات الشكلية التي كان يرتب نتائجَها العسكرُ والاستخبارات سلفاً من وراء ستار.

ب- يبدو أن جبهة القوى الاشتراكية تلقت هذه المرة إشاراتٍ واضحة عن رغبة  المتنفذين في النظام الجزائري في الاستجابة السريعة لما تفرضه التحولات الكبيرةُ في الجوار الإقليمي والعربي بشكل عام، ضمن ما تخططه وتسعى لفرضه الدولُ الغربية الحاضرة دوماً من تصور لأي تحول في المنطقة، لتفادي زلزال قد يأتي على النظام ككل من قواعده. لذا أصبحت الفرصة الآن سانحة للحضور في الساحة السياسية في ظل أجواء تدفع باتجاه الديمقراطية والانفتاح ولو شكلياً أو مرحلياً.

ج-  لا يبعد أن يكون بوتفليقة قد عقد صفقة مع آيت أحمد في العام الماضي في خضم الاتصالات بينهما على ضوء ما دار من نقاش بين الطرفين بوساطة الراحل عبد الحميد مهري، تُفضي إلى مشاركة جبهة القوى الاشتراكية بما يضمن لها نصيباً من كعكة البرلمان يتقوى به بوتفليقة في مواجهة خصومه السياسيين، طالما يسعيان معاً إلى تقليص نفوذ جنرالات المؤسسة العسكرية في أجهزة الدولة (كما تمكن الرئيسُ من قبلُ أن يجذب إليه أنصارَ لويزة حنون (حزب العمال) بإلقامهم وظائف وتمكينهم من بعض المواقع). علماً أن آيت أحمد – كما أسلفنا – كان مطلبه منذ 1962م يتمثل بشكل مبدئي في إزاحة العسكر وتحقيق الحكم المدني، وها هي في تقديره قد جاءت الفرصة لتحقيق ولو خطوة في هذا السبيل. وهذا ما دفع زعيم الجبهة إلى تغيير الأمانة العامة والإتيان بـ علي عسكري الأمين العام الأول للجبهة (الأكثر ليونة من كريم طابو الأمين العام السابق) ليتولى تهيئة الأرضية لخوض غمار التشريعيات بموقف جديد سعى الأمين العام الجديد لاستخلاصه عبر استشارات مناضليه ثم تبريره بما يتفق مع ما تمليه توجيهاتُ الزعيم من سويسرا على ضوء مستجدات المرحلة. ليس صدفةً أن يُثار في اللحظة المناسبة – أي في غمرة تهيئة الأجواء للتحولات المرتقبة في الجزائر (ومن هذه التهيئة الاتصالاتُ والمداولاتُ التي أجراها الرئيس بوتفليقة مع آيت أحمد) على ضوء ما تشهده البلاد العربية من حراك سياسي – ليس صدفةً أن يثار موضوعُ علاقة الجيش بالسياسة في الجزائر منذ «الاستقلال». ففي هذا السياق جاءت الندوة السياسية التي نوقشت خلالها «إشكالية الأولوية بين السياسي والعسكري في الجزائر» يوم 24/06/2011م، أي قبل عدة  أشهر من الآن، بالجزائر العاصمة، وحضرها كل من عبد الحميد مهري (الذي كان كما هو معلوم ضمن الوفد المشرف على العلاقات الخارجية لجبهة التحرير الوطني في القاهرة إبان الثورة التحريرية وعضو المجلس الوطني للثورة الجزائرية، ثم الأمين العام الأسبق لجبهة التحرير قبل انقلاب1992م) والخبير البريطاني هيوغ روبرتس مدير مكتب شمال أفريقيا لدى مجموعة الأزمات الدولية والمتخصص في النظام السياسي الجزائري في ما قبل الثورة الجزائرية وما بعدها.

ولا يخفى على المتتبع أن كل الأطراف الفاعلة حقيقةً في هذه المعادلة تحركها جهاتٌ دولية. فما يقوم به الرئيس بوتفليقة هو وجماعته إنما هو من توجيه وتدبير  الإنجليز ومن ألاعيبهم، كما فعلوا ومازالوا يفعلون في ليبيا وتونس واليمن لاحتواء الثورات أو إذكاء الانتفاضات الشعبية مستعملين قطر والإمارات والسعودية وغيرها، ومستخدمين وسائل وأساليب  خفية خبيثة، وأخرى علنية ليس أقلها الإعلام عبر القنوات الفضائية ذات الوزن الثقيل، والمال والعملاء من السياسيين والأمنيين والعلماء المأجورين ووسائل أخرى.

أما ما يقوم به أحمد أويحي (رئيس الحكومة الحالي) ومن في زمرته ومن هو محسوب على هذا الجناح الثاني في السلطة فإنه من تدبير فرنسا وجنرالاتها في الجيش والمخابرات العسكرية الذين غرستهم بقوة في منظومة الحكم منذ الأيام الأولى للجزائر «المستقلة».

أما أميركا فإنها تعتمد في الجزائر على براغماتيتها في تحقيق المصالح والنفوذ، عن طريق الخبراء وعن طريق الصفقات وعقود شركات النفط العملاقة، وعن طريق القروض والاستثمار، كما تستخدم ورقة القاعدة والتعاون الأمني ومكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، مع السعي الحثيث لإيجاد العملاء من ذوي الكفاءات في الأوساط الاقتصادية والأوساط الثقافية والسياسية.

   لذا يمكن رؤية المشهد السياسي الحالي في الجزائر على النحو التالي:

يعمد «الأخ المجاهد؟» عبد العزيز بوتفليقة العميل الإنجليزي العلماني المعروف بالولاء للبريطانيين من أيام الرئيس الراحل بومدين  إبان ثورة التحرير الجزائرية، هو وجماعته من أمثال بلخادم (الوطني-القومي العربي-الإسلامي-الصوفي)، إلى تهيئة الأوضاع والأجواء من أجل عقد تحالفاتٍ مع من يسميهم الغربُ «الإسلاميين المعتدلين» الذين يفتقدون ويفتقرون إلى المبدئية في السير والتصور معاً، وذلك بطبيعة نشأتهم ونشأة حركاتهم على كثرتها واختلاف أسمائها، ويتَّسِمون بالواقعية المميتة التي أردتهم في كل مرة في أحضان أعداء الأمة، وها هم اليومَ يُسوِّقون للعدو الكافر المستعمر إسلاماً ليبرالياً يرضاه ويباركه الغربُ كمرحلة يسعى من خلالها لقطع الطريق على التغيير الجذري الذي تتطلع إليه الأمةُ من خلال هذا الحراك الذي تشهده في معظم الأقطار، وهم في غيِّهم ماضون!.. حتى إذا ما تحصل هذا الفريق على الأغلبية (المطلوبة والمحسوبة بدقة) من جميع القوى الموالية (بما فيها الأحرار) في البرلمان المقبل ذي الصبغة التأسيسية (كما أكد الرئيس مهددًا في خطابه بالتدخل الأجنبي في حالة العزوف عن الانتخاب)، أمكنهم تحضيرُ الأرضية لتقديم ما يناسبهم في ديباجة الدستور الجديد وتمريره حينئذ عبر الشرعية البرلمانية وممثلي الشعب، وخاصة في مواده المتعلقة بنظام الحكم، ومن ثم الفوز برئاسة الحكومة (الوزراء) و البرلمان (بمجلسيه الأمة والنواب) وبرئاسة الجمهورية لاحقاً، وإيهام الشعب بأن البلد يشهد تغييراً حقيقياً، وأنه يدخل مرحلةً جديدةً من التحول والانفتاح والتنمية والبناء المؤسساتي، في كنف الحرية والديمقراطية والسير إلى الأمام! مع الإسلاميين في مواجهة الحكومة!

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن تجربة مجيء هؤلاء المعتدلين لإنقاذ النظام في الجزائر من السقوط والمحافظة على الجمهورية، ليست هي الأولى، فقد سبق وأن وقفوا في 1992م في صف الطغمة العسكرية التي انقلبت على نتائج الصناديق، وها هم اليوم يَقبلون هذا الدور الخبيث المسند إليهم في هذا التحول المزعوم. كما أن تهيئتهم لهذا الدور بالنظر إلى تسمية تشكيلاتهم السياسية (مزيج من التنمية والعدالة والحرية… في الأسماء) تكشف عن نية الدوائر الغربية والحكام العملاء الذين لم يذهبوا بعد، وتفادياً لغضبة الشعب، وضعَهم في مواجهة معضلات البلدان الثائرة (المعضلات الاقتصادية بوجه خاص)، مثل تقليص البطالة والنهوض بالصناعة والزراعة، والقضاء على الفساد وبيروقراطية الإدارة، وتحقيق النمو والتنمية الشاملة وغير ذلك، بوصفهم «إسلاميين» وصلوا إلى الحكم عن طريق الصناديق والانتخاب!!! كما تُنبئ بالإضافة إلى ذلك عن سابق تدبير وتخطيط لجعلهم أمام مشكلاتٍ اجتماعيةٍ عويصة ٍ لا تحصى، وأخرى ثقافية وسياسية في المجال الإعلامي وفي القضاء وفي التعليم وفي علاقة المسلمين بغير المسلمين وفي قضايا المرأة وغير ذلك… مما يستحيل معالجته إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية كاملةً وإنهاء النظم القديمة بشكل كامل ]وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[  وهو الأمر الذي ما جيء بهؤلاء في واجهة الحكومات إلا لاستبعاده، وإثبات عدم إمكانيته وواقعيته.

والحقيقة المرة هي أن أقصى ما سوف يحققه هؤلاء في نهاية نفق هذه اللعبة، هو خيبة أمل جديدة وعزوف الناس وشعوب المنطقة عن السياسة والعمل السياسي إلى حين، وهو ما يسعى إليه الغرب ويشتريه مقابل أي ثمن! لأن خلافه يعني التغيير الجذري المرتقب بقيام دولة الإسلام – الخلافة – التي تحقق للأمة مبتغاها وتُنهي هيمنةَ الغرب على البلاد الإسلامية بشكل تام.   

وبناء على هذه المعطيات والمستجدات، وبعدما بدأت تظهر ملامحُ اللعبة السياسية في المرحلة المقبلة وتتضح الرؤية لدى مختلف القوى السياسية، جن جنون بعض من يسمون «ديمقراطيين» وبدؤوا يتوجسون من المرحلة القادمة، بل ويصيحون: «إن الجمهورية في خطر! أين الديمقراطيون؟ أين الجمهوريون الذين أنقذوا الجزائر من الإرهاب في الأيام العصيبة؟»،كما أيقنوا أن حظهم من التشريعيات المقبلة – بهذه المعطيات التي ذكرنا – قليل أو شبه معدوم. ومن هؤلاء حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي سارع أصحابه إلى الإعلان عن المقاطعة، كما يُتوقع أن تشهد الأيام المقبلة مواقفَ مماثلة ممن هم مثلهم. أما بقية الأحزاب المجهرية الكثيرة فإنها ما وُجدت واعتُمدت إلا لتكون فسيفساء وأزهار للزينة (أي للديكور).

أما العسكر والاستخبارات فإن «الربيع العربي» بالنسبة لهم قد جاء في غير موعده، وما عليهم سوى الزج بالقوى السياسية (و النقابات والجمعيات) الموالية لهم أو المحسوبة عليهم، مثل التجمع الوطني الديمقراطي أو الجبهة الوطنية الجزائرية (جبهة موسى تواتي) أو من «الإسلاميين المعتدلين» الموالين لهم من مثل جبهة العدالة والتنمية (حزب جاب الله) وجبهة التغيير وأحزاب أخرى صغيرة، ومن الشخصيات المستقلة (الأحرار)، ما عليهم سوى الزج بهم في المعترك السياسي من أجل المحافظة على مواقعهم ونفوذهم في كل الأجهزة بما فيها الهيئة التشريعية الجديدة (البرلمان القادم)، وتقاسم السلطة – إن لزمَ – دون خروج الجزائر من التبعية الأوروبية والخضوع لإملاءات المستعمر الأوروبي. إلا أنه ليس من السهل التنبؤ بما يمكن أن يُقدم عليه جنرالاتُ فرنسا لتعزيز مواقعهم في الأيام المقبلة عندما يقترب موعدُ الرئاسيات، خصوصاً وأن موجة التغيير التي تجتاح البلاد العربية والمستجدات في المنطقة تدفع بقوة باتجاه تقليص وتحديد نفوذ العسكريين ومؤسسة الجيش ولو في الظاهر والشكل.

وفي جميع الأحوال فإن الصراع بين طرفي المعادلة السياسية في الجزائر لن يسفر في النهاية، سواء فيما يتعلق بنتائج الانتخابات البرلمانية في العاشر من شهر (أيار-مايو) من 2012م أو الرئاسية فيما بعد في 2014م، إلا عن توافق جديد في المدى المنظور بين القوى المتصارعة، يمدد من عمر النظام ولو إلى حين. إلا أن الذي بات محل اهتمام الملاحظين منذ الآن ويخيم على المشهد السياسي برمته هو شبح المقاطعة التي لا تخدم أياًّ من الطرفين المتصارعين – رغم محاولة مغازلة قواعد جبهة الإنقاذ المحظورة من طرف «الإسلاميين»من كلا الجهتين – بالإضافة إلى ما يسعى إليه قادةُ هذا الحزب الممنوع من العمل السياسي من حشد الأنصار والخروج للشارع والتجمع في 12 من الشهر نفسه في العاصمة كما جاء في بياناتهم مؤخراً، أي مباشرةً بعد خوض الانتخابات وظهور نتائجها الأولية، هذا إن لم يطرأ جديد على مواقفهم. إلا أنه من المستبعد أن تحدث المقاطعةُ بالشكل الذي يُحدث المفاجأة، خصوصاً وأن النظام في الجزائر دأب على مدى سنوات – بل عقود – على ربط شرائح واسعة من الناس من جميع الفئات مصلحياً معه، وضبطهم في حركة دولابه في كافة شؤونهم، في الوقت التي تشير معظم مكاتب الدراسات التي عنى بالتحولات في البلاد العربية وفي الجزائر خاصة، أن نسبة المهتمين بالسياسة وبالشأن العام في هذا البلد لا تتجاوز 3 في المائة في أحسن الأحوال، وهي النسبة الأقل بين جميع الدول العربية!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *