العدد 96 - 97 -

السنة الثامنة – ذو القعدة وذو الحجة 1415هـ -نيسان وأيار 1995م

أميركا تريد أن تبدل دين الله (2)

بقلم: أحمد المحمود

إن أميركا تتصرف وكأنها الرب المربوب، والناس عبيد لها، وليبس على العبيد إلا طاعتها والانصياع لأمرها، فما شرعته وجعلته حراماً يجب أن يكون عند الآخرين حراماً، وما جعلته حلالاً يجب أن يكون عند الآخرين حلالاً، وتريد أن لا يتعارض حرام مع حرامها، ولا حلال مع حلالها، ومن يفعل ذلك فإنما جزاؤه عندها خزي في الحياة الدنيا، وملاحقة، وتشريد، واعتقال، وتشويه صورة كوصمه بأنه إرهابي أو متطرف أو أصولي أو متشدد… أما من رضي بقولها فقد رضي العيش في جنتها (جنة أعور الدجال) وكسب التأييد والرضى منها، وبوأته المركز السامي. وقد رأينا مؤخراً أن هذا الخط المرسوم أميركياً تسير عليه الأنظمة بشكل منضبط بحيث لا يجرؤ، وبالتالي لا يفكر أحد منهم على الخروج عنه أو تعديله أو حتى إبداء الرأي فيه، وراح يتبعهم في ذلك علماء وحركات إسلامية راحت تلون دينها باللون الذي يروق لناظر أميركا بل الغرب. ونحن لن نذيع سراً، أو نفضح مستوراً حين ننقل ما يصرحون به، لأننا لم نسمع تصريحاتهم بين أربع جدران ونحن الذين فضحناها، ولا أسر بها إلينا ثم كشفناها، بل إنهم أعلنوا موقفهم على رؤوس الأشهاد، وصرحوا بها للصحف والمجلات، ولم يصدر منهم أي تكذيب لها بعد نشرها، بل تتابعت تصريحاتهم التي تؤكد مواقفهم وكأنهم يعلنون بكل صفاقة أنها مواقف صحيحة، والأكثر من ذلك فإنه قد صدرت لهم كتب يضمنون فيها كل أفكارهم الغريبة عن ا لإسلام.

إن أميركا تريد أن تبدل المفاهيم الإسلامية الصحيحة بمفاهيم غربية تمر عبر فتاوى وتبريرات علماء مقربين من الحكام، والإسلام براء من هذا التحلل في الدين والانحراف عن صراطه المستقيم، وما تلك ا لفتاوى إلا صدى لما تريده أميركا.

وهذه ا لنقول ليست للحصر، بل هي عبارة عن نماذج يجب أن يفيق العلماء والحركات والناس جميعاً عليها:

في شهر كانون الثاني 1991 قال روبرت دول زعيم الأقلية الجمهورية في ا لكونغرس الأميركي وقتها: [إن أميركا تدخلت في حرب ا لخليج بسبب مصالحها النفطية والإستراتيجية]، وكرر القول بـ [عدم الحكم لأن ذلك لا يستحق حياة أميركي واحد] إذاً أميركا جاءت إلى المنطقة من أجل مصالحها، ولكنها خوفاً من أن يؤدي مجيئها إلى إثارة نقمة المسلمين عيها، ولإظهار أنها لا تتحدى الإسلام ولا المسلمين، طلبت من الأنظمة تأييد مجيئها بشكل علني، والوقوف معها في ضربها للعراق والعمل على استصدار فتاوى من العلماء الذين تمون عليهم، وكان لها ما أرادت، فقد وقفت بعض الدول  العربية في مقدمة المؤيدين، كمصر وسوريا والسعودية، وراحت تعقد المؤتمرات وتقوم بالاتصالات لتدفع باقي الدول إلى حذو حذوها. وصدر في بيان حكومي تركي نشر في جريدة غازيت الرسمية أمر من الحكومة بعودة 4000 عامل مضربين إلى العمل في القواعد العسكرية الأميركية لكي تستطيع أميركا الانطلاق من تلك القواعد عندما يحين وقت العدوان العسكري.

واعتبر البيان الحكومي التركي أن الإضراب يضر بالأمن القومي، فالحكومة التركية بقيادة أوزال كانت تعتبر أن أمنها من أمن أميركا. وبالنسبة لإيران قال رئيسها رفسنجاني في خطبة الجمعة في 24/08/1990 [إن إيران لا تمانع في قيام القوات الأميركية والغربية الأخرى في الخليج بطرد الجيش العراقي من الكويت ما دامت سترحل بعد ذلك]، وأضاف: [إن أحد الاحتمالات هو أنهم سيضعون حداً للعدوان، ونحن لا نمانع ذلك، فأية معونة من أي جهة مقبولة]. وبالنسبة لأفغانستان أعلن مجددي الرئيس المؤقت لحكومة الثوار الأفغان إدانة ضم العراق للكويت. وقال مجددي إن الدفاع عن السعودية هو واجب مقدس على كل مسلم، وشجب سياف رئيس وزراء الحكومة المؤقتة للثوار الأفغان ضم العراق للكويت، ووصفه بأنه عمل إجرامي، وأعلن تأييده لجميع القرارات التي تتخذها المجموعة الدولية ضد العراق. وأعلن الثوار الأفغان المساهمة في الدفاع عن السعودية بألف مقاتل.

وطلبت أميركا من الأنظمة العميلة لها أن تطلب من العلماء والمفتين أخذ الفتوى منهم بجواز الاستعانة بالقوات الغربية واعتبارها صديقة، فلبى المفتون الطلب، وكان لأميركا ما أرادته منهم: فتاوى ما أنزل الله به من سلطان.

– فقد أفتى الشيخ طنطاوي، مفتي مصر، بأن على المسلمين مقاتلة العراق الذي يمثل الطائفة الباغية وذلك استناداً إلى آية البغي من سورة الحجرات.

– وأعرب جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر، عن قلقه الشديد من احتلال العراق للكويت، وقال: [إن على الأمة العربية المسارعة بجيوشها للإطاحة بالباغي، وأنه لا ضير من الاستعانة بالقوات العربية والإسلامية وغيرها]، وأضاف: [إذا كانت الشعوب العربية من حول الكويت قد استنجدت بجيوش الدول العربية والإسلامية وغيرها من الدول التي تملك الأسلحة المتكافئة مع تلك التي اعتدى بها جيش العراق، فإنه لا ضير من ذلك، لأن استنجادها بتلك القوات على اختلاف جنسياتها إنما هو قائم على مبدأ الاتفاقات والتعاهد الدولي، ومن حقها أن تدافع عن نفسها، وأن تحمي أرضها وحرماتها من هذا الشقيق الغادر].

– وبدوره أكد الشيخ محمد متولي الشعراوي أن من واجب مصر أن تقف إلى جانب الكويت الأضعف ومقاتلة الباغي المتمثل بالعراق.

– وقال الشيخ ابن باز: [إن الجهاد واجب على ا لسعوديين والمسلمين في أي مكان إذا تعرضت السعودية لهجوم] وعقب ابن باز على تصريحات الشيخ عباسي مدني والتي هاجم فيها السعودية بسبب استدعائها للقوات الأجنبية إلى البلاد قائلاً: [إن هذا غلط كبير، ويدل على عدم فهمه للواقع، لأن الإنكار يكون على من ساعد الكفار على المسلمين. أما الذي يدافع عن المسلمين من جيوش إسلامية أو غير إسلامية على طريقة مكفولة، وفيها حيطة للمسلمين والدفاع عن بلادهم ومقدساتهم غير داخل في الحرمة. بل إن هذه الجيوش مشكورة مأجورة…] وأضاف: [لا شك أن ما زعمه رئيس دولة العراق من الخطر على الحرمين من الجيوش التي طلبها خادم الحرمين، وهي متعددة الجنسيات، لا شك أن هذا كذب وباطل، ولا خطر في ذلك، لأن هذه القوات إنما جاءت للدفاع على طريقة مأمونة وليس فيها خطر على الحرمين ولا غير الحرمين].

– انعقد في مكة المكرمة المؤتمر الإسلامي العالمي الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي بين 10 و13/09/1990، وشارك فيه نحو 300 عالم ومفكر إسلامي، وقد أصدر المؤتمر قرارات وتوصيات (وثيقة مكة المكرمة)، وخرجوا بفتوى تضفي المشروعية على دخول الجيوش الأميركية والغربية، بشكل عام، إلى أرض السعودية والخليج والاستعانة بها، وقد بنوا فتواهم على جملة أمور منها:

1- أميركا دولة صديقة وكذلك حلفاؤها.

2- أميركا جاءت بناء على استدعاء السعودية ودول الخليج وسماحها.

3- جيوش أميركا وحليفاتها موجودة تحت إمرة القيادة السعودية.

4- جيوش أميركا وحليفاتها ستحترم مقدساتنا وأموالنا وأعراضنا.

5- جيوش أميركا وحليفاتها ستنسحب بمجرد إصدار الأمر إليها من ولي الأمر.

وهكذا يتبين لنا كيف أن القرار الأميركي القائم على تحقيق المصالح الأميركية، والقاضي باستعمار المنطقة قد جاءت الفتاوى الشرعية مفصلة على مقاسه.

وكمثل آخر، لا يقل خطورة عن سابقه، ويظهر فيه كيف أن عنق النصوص تلوى، وتميل مع ما تريده أميركا والغرب وإسرائيل، على يد علماء لا يبدو أنهم يقيمون للآخرة وزناً. فإسرائيل التي كانت لعنة المسلمين منذ أنشئت، وسبباً لإصدار آلاف الفتاوى ضدها وملايين الخطب، والتي لم يكن يتصور أحد أن يتغير الرأي فيها إلا إذا تغير الدين، إسرائيل هذه أرادت أميركا أن تتغير النظرة إليها، وأن تتغير طريقة التعامل معها، واعتبرت أن ما كان في الماضي من المحرمات يجب أن يتحول إلى الإباحة، فأخذ الحكام على أنفسهم أن ينفذوا هذه الإرادة، وأوعزوا إلى العلماء المملئين لهم والمقربين منهم والذين لم يحصلوا على ألقابهم إلا بولائهم التام لهم، أوعزوا إليهم أن يصدروا الفتاوى في هذا الاتجاه، وكان لهم ما أرادوا بل ما أرادت أميركا.

ولنبدأ باستعراض الموقف الأميركي الذي لا يخفي على أحد من قضية السلام واتفاق غزة وأريحا. ثم لننتقل إلى استعراض مواقف الأنظمة، وخاصة تلك التي تدعي أنها إسلامية، ثم فتاوى العلماء من ورائهم ليتكشف لنا تماماً كيف أن أميركا تتصرف تصرف الأرباب، وكيف أن الأنظمة تتصرف تصرف العبيد، والعلماء تصرف التابعين الموالين.

في 20/12/1993 أكدت حنان العشراوي الناطقة باسم الوفد الفلسطيني في تصريح أدلت به في تونس: [إن محاولات جرت لاحتضان الولايات المتحدة المفاوضات السرية بين المنظمة وإسرائيل بدل أوسلو، وقالت إن ثلاثة اجتماعات عقدت في هذا الإطار، الأول مع مدير التخطيط في وزارة الخارجية الأميركية دنيس روس، والثاني مع مساعد وزير الخارجية الأميركي إدوارد دجيرجيان، فيما كان الثالث اجتماعاً مصغراً مع مسؤولين آخرين في الوزارة، إلا أن بعض الإشكالات حالت دون إجراء المفاوضات في واشنطن، وفي مقدمتها أن العلاقات كانت لا تزال مقطوعة بين المنظمة والإدارة الأميركية، مما حمل المنظمة وإسرائيل على اختيار القناة النرويجية]. هذا لا يخفى على أحد كيف أن أميركا كانت ولا تزال السباقة في رعاية أي مؤتمر أو اتفاق يحدث بين الأنظمة العربية وإسرائيل من مؤتمر مدريد إلى اتفاقية أوسلو، إلى وادي عربة.

فبالنسبة للسودان، ناشد وزير الخارجية السوداني الدكتور حسين سليمان أبو صالح الشعب الفلسطيني بكافة قطاعاته وفصائله وأحزابه وحركاته، المحافظة على وحدة الصف الفلسطيني والوقوف مع الاتفاق الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية في شأن غزة وأريحا، مشدداً على أن الضمانة الأساسية لإنجاح هذه الخطوة وتحقيق مراميها هي وحدة الصف الفلسطيني، وأضاف أبو صالح في المؤتمر الصحافي لوزارة الخارجية السودانية في 23/09/1993 أن الاتفاق يعد خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح لتحقيق السلام العادل للشعب الفلسطيني لتستكمل خطوات أخرى في مسارات أخرى، وقال: [إنه لا بد أن يكون هناك التزام أخلاقي بالاتفاق مع جانب العدو الإسرائيلي ليقنع الكيان الصهيوني العالم أن ما تم من اتفاق على الورق صادق].

وبالنسبة لإيران فقد نقلت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء الإيرانية الرسمية عن مسؤول إيراني رفيع المستوى في 23/09/1993 قوله: [إن بلاده لا تنوي وضع عوائق أمام الاتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل على الحكم الذاتي بدءاً بغزة وأريحا، مع أنها غير متفائلة بفرص نجاح عملية السلام في الشرق الأوسط. وأكد الرئيس رفسنجاني في 01/06/1994 أن إيران لا تنوي وضع عراقيل مادية أمام عملية السلام في الشرق الأوسط، بالرغم من معارضتها لأي اتفاق مع إسرائيل، واقل رفسنجاني متوجهاً إلى مجموعة من الصحافيين: [إنه يعود للفلسطينيين تقرير صنع السلام مع إسرائيل] وأضاف: [لم ولن نضع عراقيل مادية أمام عملية السلام]. وصرح حجة الإسلام حسن روحاني نائب رئيس مجلس  الشورى، وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي (أعلى هيئة قرار سياسي وعسكري في البلاد) [إن إيران برغم انتقاداتها الحادة لا تنوي اتخاذ مبادرات ضد الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي، كما لا تنوي التدخل في عملية السلام].

على أنه لا حاجة لذكر مواقف الأنظمة الأخرى لأنها كلها مؤيدة للسلام، وإن وجد بعض الاختلاف عند بعضها فإنما هو اختلاف على بعض الشروط ليس إلا. فما هو موقف ا لعلماء من هذه القضية الإسلامية، والتي لا يجوز الاختلاف فيها ولا تعدد الأفهام؟ إننا لن نتوقف لا عند الأزهر، ولا عند مفتي مصر، لأنهما يعتبران بوقاً لنظام نصب نفسه عراباً صغيراً لعملية السلام، لأن العرب الكبير هو أميركا، وعدوا للإسلام والمسلمين، ومدافعاً قوياً عن اليهود وإسرائيل. أما يلفت النظر، ويغطي على كل فتاوى علماء السلاطين، فإنما هي فتوى ابن باز، ففي حديث مع جريدة “المسلمون” السعودية في 23/12/1994، ورداً على سؤال عن اتفاقات السلام مع إسرائيل قال: [تجوز الهدنة مع الأعداء مطلقة ومؤقتة، إذا رأى ولي الأمر المصلحة في ذلك مشيراً إلى أن الآية الكريمة تقول: (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)] إلا أنه أضاف: [إنه يمكن الهدنة المطلقة مع الأعداء إذا كانت هناك حاجة، والمصلحة الإسلامية تدعو ذلك، ولكن يمكن قطعها عند زوال الحاجة]، واستشهد بما قام به الرسول A حين صالح أهل مكة المشركين على ترك الحرب عشر سنين، فما فتح المسلمون مكة المكرمة ألغى الرسول A المعاهدة المعروفة بصلح الحديبية بعد سنة من تاريخها]، وقال رداً على سؤال عن جواز زيارة المسجد الأقصى في القدس المحتلة: [في ظل حال التفاهم الحالية بين العرب واليهود إن زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه سنة إذا تيسر ذلك].

هذه هي بعض فتاوى العلماء، والتي تشير كلها إلى إرادة أميركا والسير بحسب مشيئتها، والتي تملك من وسائل الترغيب والترهيب ما يمكنها من تسيير جميع الغافلين العاجزين بحسب أوامرها ونواهيها، بينما نرى أن عند الأنظمة والعلماء التابعين لهم من الضعف ما يجعلهم يتسارعون في تنفيذ أوامرها.

ومن الدلائل الواضحة على سير أميركا في عملية التحليل والتحريم على المسلمين بحسب مصلحتها، وتتابعها في ذلك الأنظمة العميلة المأجورة التي لا ترعى للدين حرمة ولا للمسلمين إلا ولا ذمة، أنها أمرت مصر أن تستضيف مؤتمر السكان العالمي الذي عقد مؤخراً، وأن تحميه متحدية بذلك مشاعر المسلمين وأحكام الإسلام، وكاشفة وبشكل سافر وواضح عن سياستها تجاه المنطقة، ومعتمدة على سكوت المسلمين عن مسائل حدثت من قبل وكانت أكبر. وقد خرج هذا المؤتمر الذي رعته مصر – مبارك بمقررات تتعارض بحدة مع الأحكام الشرعية الإسلامية. وظهر من هذه  المقررات أن أميركا تريد أن تجهز على البقية الباقية من الأنظمة الإسلامية القليلة جداً، الباقية، والتي ما زالت مطبقة وهي تتعلق بالأحوال الشخصية من ميراث وزواج وطلاق.

ولإيجاد القناعة عند الناس بهذه القرارات أظهر المسؤولون عن المؤتمر الخوف من تكاثر عدد السكان بشكل مخيف، وهو ما سموه [الانفجار السكاني]، هذا التكاثر الذي لا تستطيع موارد الكرة الأرضية أن تسده، فإذا أرادت الدول الفقيرة في العالم التي ترزح تحت فوائد الديون المركبة أن تنجو من انعكاساته السلبية فما عليها إلا أن تصحح وضعها الاقتصادي ولا يكون ذلك إلا بأن تكون زيادة السكان عندها أقل من التنمية الاقتصادية.

ولتحقيق ذلك خرج هذا المؤتمر بمقررات تدعو إلى:

– تأخير الزواج.

– السماح بتعاطي الجنس دون قيود بين الرجال والرجال (اللواط) وبين النساء والنساء (السحاق) وبين الرجال والنساء بدون زواج (الزنا).

– تقليل إنجاب الأولاد وتوفير جميع وسائل منع الحمل، وتدريب النساء والرجال عليها.

– الإجهاض…

ولا يخفي ما في هذه المقررات من دين جديد تريد أميركا أن يستبدله الناس بدينهم القومي، دين رب العالمين الذي يحض على الزواج والإكثار من الأولاد لأن أمة محمد أمة مجاهدة تحتاج إلى مدد النسل، وأخبر الرسول A المسلمين بأنه مكاثر ومباه بهم الأمم يوم القيامة. ويدعو ديننا الذي تريد أميركا أن تستبدل به دينها إلى الاستعفاف في حال عدم الباءة، ويدعو إلى العلاقة الطاهرة بين الرجال والنساء فيمنع الزنا واللواط والسحاق والاختلاط والخلوة.

إن أميركا تريد أن تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وشعارها في ذلك تجاه المسلمين العاملين الرافضين لدينها شعار قوم لوط: (أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)، ووصفهم بأنهم أصوليون، ويردد صوتها الحكام فيهاجمون الأصولية وينسقون فيما بينهم للقضاء عليهم، وتصدر الفتاوى من علماء السلطة من أجل ذلك.

كذلك من الدلائل الواضحة على سير أميركا في فرض دينها الجديد ومتابعة العلماء لما تريده – سواء أكان عن علم أم عن غير علم لأن النتيجة واحدة- هو ما خرج به مؤتمر الحوار بين الأديان الذي انعقد في الخرطوم ما بين 8 و10/10/94، فقد خرج بتوجيهات تتعارض مع النصوص الشرعية القطعية، وذلك بعد تبرير النصوص الشرعية، واستعمالها بشكل يخالف مراد الله منها ويوافق مراد من وراءه، وكان مما خرج به هذا المؤتمر:

– الدعوة إلى التقارب بين المسلمين والنصارى معتمدين على قوله تعالى: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى).

– الدعوة إلى عدم حرب النصارى (أميركا والغرب يدين بعقيدة النصارى بشكل عام) معتمدين على قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ).

– الدعوة إلى حرية العقيدة معتمدين على قوله تعالى(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ),

– الدعوة إلى اعتبار كل أتباع الأنبياء مسلمين معتمدين على قوله تعالى: (آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).

– الدعوة في الإسلام هي دعوة إلى الأخلاق وتتمة لما عند الأديان الأخرى معتمدين على قوله A: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

– وإن وثيقة المدينة هي أول دعوة إلى التعايش بين الأديان.

وكان شعار هذه المؤتمر عبارة عن دائرة مرسوم عليها هلال وصليب وقلب وتعانق حمامتين.

هذا ولا يخفى أن هذا المؤتمر كان يهدف إلى تذويب ما في الإسلام من أحكام شرعية مهمة يسعى المسلمون لتحقيقها في الواقع من مثل: نشر الدعوة والجهاد في سبيل الله وإقامة الخلافة الإسلامية وتقسيم العالم تقسيماً شرعياً فهو إما دار إسلام أو دار حرب.

وقد تم التأكيد من قبل دولة السودان ا لمستضيفة للمؤتمر على تقيدها فيما توصل إليه المؤتمر، كذلك عقد في بيروت بين 10 و12/10/94 في فندق الكارلتون المؤتمر القومي الإسلامي والذي حضره بعض المفكرين الإسلاميين من أمثال الغنوشي وبعض المفكرين القوميين الذين سقط فكرهم النتن الضيق ولم يستطع أن يعيش ولو يوماً واحداً. وقد خرج هذا المؤتمر كذلك بمقررات تكشف عن أهداف من ورائه، ومن هذه  المقررات:

– إن قبول مبدأ التعددية الفكرية السياسية يفرض معارضة الأفكار التي مؤداها (نفي الآخر).

– أن يحترم كل فريق عقائد الآخر، وأن يتم التعاون بين الجميع لصياغة مشروع النهضة تسع ا لجميع.

– الدعوة إلى التعاون بين التيارين الإسلامي والقومي من أجل تعزيز الصف الوطني وبخاصة في مجالات الانتخابات المحلية والتشريعية والنقابية.

– الأمة بنظر المجتمعين لها أديان وليس ديناً واحداً.

– اعتبار أن هذا اللقاء هو طوق نجاة الأمة مما يدبر لها ويحيط بها.

تصريحات وفتاوى ومواقف ومؤتمرات ومقررات كلها تهدف إلى زرع ما تريده أمريكا، سواء عرفت الأنظمة أم لم تعرف، ولا نظنها بريئة وجاهلة فيما يخطط، وسواء عرفت الحركات الإسلامية وعلماؤها أم لم يعرفوا فإنهم –في حال جهلهم- غير معذورين لمخالفتهم لأمور معلومة من الدين بالضرورة.

ويجدر بنا، في هذا المقام، أن نذكر نموذجين من الفتاوى التي تراعي جانب الأنظمة في الحل والحرمة، ولا تراعي جانب الحق، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

– إن الأزهر أصدر فتوى شرعية تجيز الصلح مع اليهود معتمداً على صلح الحديبية كدليل شرعي، وذلك غداة ذهاب السادات إلى القدس، وقبوله ا لصلح مع اليهود. مما جعل الأمة تلفظ هذه الفتوى المفصلة على قياس سياسة السادات، وتتبرأ من فتواه كما تبرأت من خيانة سيده.

ولو رجعنا إلى الوراء حوالي اثنين وعشرين عاماً لوقعنا في فتوى صادرة عن لجنة فتوى الأزهر سنة 1956م تعلن فيها: [إن الصلح مع إسرائيل لا يجوز شرعاً لما فيه من إقرار للغاصب على الاستمرار في غصبه ما اغتصبه، وتمكينه والاعتراف بحقية يده على المعتدي من البقاء على عدوانه] [فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين واعتدوا فيها على أهلها وعلى أموالهم، بل يجب على المسلمين أن يتعاونوا جميعاً على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم، لرد هذه البلاد إلى أهلها… ومن قصر في ذلك أو فرط فيه أو خذل المسلمين عن الجهاد أو دعا إلى ما شأنه تفريق الكلمة وتشتيت الشمل، والتمكين لدول الاستعمار من تنفيذ مخططهم ضد العرب والإسلام، وضد فلسطين- فهو في حكم الإسلام – مفارق جماعة المسلمين ومقترف أعظم الآثام].

وما يقال في فتوى الأزهر يقال عن مثلها في فتوى ابن باز حول جواز الاستعانة بالكافر فإن فتواه المتأخرة عندما جاءت أميركا ومعها الجيوش الأوروبية إلى الخليج لتأمين مصالحها، وكانت تحتاج إلى فتوى شرعية تسمح لها بارتكاب ما ارتكبته من مجازر ولتحقيق سيطرتها، وحتى لا تجتمع كلمة المسلمين ضدها، أوعزت إلى السعودية لكي توعز بدورها إلى 300 عالم على رأسهم ابن باز ليصدروا لها ما تريده. وأمرت السعودية ولبى المفتون، وصدرت الفتوى التي تعتبر الجيوش الأجنبية حليفة وليست عدوة، وأن أميركا دولة صديقة واعتبر ابن باز في تصريح له أن هذه الجيوش مشكورة مأجوره.

ولو رجعنا إلى الوراء قليلاً لوقعنا على فتوى له تحرم على المسلمين موالاة الكافرين والاستعانة بهم فيقول: [وليس للمسلمين أو يوالوا الكافرين، أو يستعينوا بهم على أعدائهم، فإنهم من الأعداء ولا تؤمن غائلتهم، وقد حرم  الله موالاتهم، ونهى عن اتخاذهم بطانة، وحكم على من تولاهم بأنه منهم وأخبر أن الجميع من الظالمين…] ثم يذكر حديثاً في صحيح مسلم ليستدل منه على عدم جواز الاستعانة بالمشركين، ويعلق عليه فيقول: [فهذا الحديث الجليل يرشدك إلى ترك الاستعانة بالمشركين، ويدل على أن لا ينبغي للمسلمين أن يدخلوا في جيشهم غيرهم لا من العرب ولا من غير العرب، لأن الكافر عدو لا يؤمن… وليعلم أعداء الله أن المسلمين ليسوا في حاجة إليهم إذا اعتصموا بالله وصدقوا في معاملته لأن النصر بيده لا بيد غيره] [فانظر أيها المؤمن إلى كتاب ربك وسنة نبيك عليه الصلاة والسلام كيف يحاربون موالاة الكفار والاستعانة بهم واتخاذهم بطانة، والله أعلم بمصالح عباده، وأرحم بهم من أنفسهم. فلو أن في اتخاذ الكفار أولياء من العرب أو غيرهم والاستعانة بهم مصلحة راجحة لأذن الله فيه وأباحه لعباده، ولكن لما علم الله ما في ذلك من المفسدة الكبرى والعواقب الوخيمة نهى عنه، وذم من يفعله، وأخبر في آيات أخرى أن طاعة الكفار وخروجهم في جيش المسلمين يضرهم ولا يزيدهم ذلك إلا خبالاً…  فكفى بهذه الآيات تحذيراً من طاعة الكفار والاستعانة بهم، وتنفيراً منهم وإيضاحاً لما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة، عافى الله المسلمين من ذلك].

وللشيخ ابن باز كلام مماثل في الحرمة حينما يتحدث عن نواقض الإسلام، فذكر أن من أخطرها وأكثرها وقوعاً عشرة نواقض. فذكر أن الثامن منها هو: [مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ودليله في ذلك قوله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)].

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *