العدد 100 -

السنة التاسعة – ربيع الأول 1416هـ – آب 1995م

مباحث اقتصادية: “فأذنوا بحرب من الله ورسوله” (1)

منذ بداية الهجمات الفكرية الرأسمالية على أحكام الإسلام والهجوم على حكم حرمة الربا يحتل مركز الصدارة، نظرا لكونه حجر الزاوية في الاقتصاد الرأسمالي، والوعي ستجلي في أعداد متتالية واقع الربا والأحكام المتعلقة به بيانا منها للحق وتبصيرا للمسلمين بما يراد لدينهم من تزوير وبهم من إضلال.

بقلم . م. خالد

الربا في اللغة هو مطلق الزيادة، وربى الشيء أي زاد عما كان عليه، وألفاظ اللغة العربية لا تخرج عن أحد ثلاث معان:

الأول المعنى اللغوي، وهو المعنى الذي وضعه العرب ليدل اللفظ عليه، ومن ذلك ربا ومنها ربى وربوة ورابية ، وكلها تشير إلى الزيادة والارتفاع ويقال ربا الرجل في قومه أي ارتفع قدره، وعلا شأنه فيهم.

الثاني هو المعنى العرفي، وهو المعنى الذي تعارف عليه العرب للفظ معين غير المعنى الذي وضع أساسا في اللغة ، فانصرف اللفظ حين الاستعمال إلى المعنى العرفي دون اللغوي، ومن ذلك اصطلاح علماء الأصول على معنى العلة، ومعنى الحاكم، فهو معنى اصطلاحي خاص بهم، والربا عرفا، لفظ استعمله العرب في الغالب للدلالة على الزيادة الموضوعة مقابل تأجيل الدين كقولهم ( أتقضي أم تربي؟) أي أتقضي دينك أم أزيدك في الأجل مقابل أن تزيدني في مقدار ديني عندك؟.

والمعنى الثالث الذي تحتمله ألفاظ العربية هو المعنى الشرعي، وهو المعنى الذي قصده الشرع من استعمال لفظ معين، غير المعنى الأصلي الذي وضع له في اللغة، ومثل ذلك الصوم للدلالة على عبادة معينة مرتبطة بوقت معين ولفترة معينة، بينما هو لغة الانقطاع المطلق. ومثل ذلك الربا فقد أطلقه الشرع للدلالة على الزيادة في معاملات معينة دون غيرها وميزها عن البيع، فأخرج بذلك اللفظ عن معناه اللغوي وهو مطلق الزيادة وعن معناه العرفي وهو الزيادة مقابل الأجل إلى معناه الشرعي وهو الزيادة في تبادل أصناف معينة جاء الشرع بتحديدها سواء أكانت بسبب التفاضل في تبادل مالين من جنس واحد في مجلس التبادل كما هو الحال في ربا الفضل، أم كنت بسبب الأجل كما هو الحال في ربا النسيئة ( التأخير).

حكم الربا على ضوء القرآن والسنة

جاءت النصوص الشرعية في القرآن والسنة معرفة الربا مبينة أحكامه:

في القران

أما في القران، قال تعالى في سورة البقرة: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا، فمن جاءه موعظة من ربه فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك مأواهم النار هم فيه خالدون. يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون).

وقال جل من قائل في سورة آل عمران: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة، واتقوا الله لعلكم تفلحون، واتقوا النار التي أعدت للكافرين. وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون). وقال في سورة النساء: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا. وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل، واعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما). وقال في سورة الروم (وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله، وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون).

في السنة:

  • عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: وما هي يا رسول الله، قال الشرك بالله ،والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الرب ، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات”. متفق عليه.

  • وفي مسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الا إنما الربا في النسيئة” وفي البخاري “لا ربا إلا في النسيئة” وفي إرواء الغليل للألباني رواية لمسلم ولأحمد بلفظ ” لا ربا فيما كان يدا بيد”.

  • وفي البخاري، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم فقيل له إن ابن عباس لا يقوله فقال أبو سعيد لابن عباس سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم أو وجدته في كتاب الله تعالى قال: كل ذلك لا أقول وأنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا ربا إلا في النسيئة”.

  • وفي مسلم ، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح. مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد”.

  • وفي مسلم أيضا، عن أبي المنهال قال: باع شريك لي ورقا بنسيئة إلى الموسم أو إلى الحج فجاء إلي فأخبرني، فقلت هذا أمر لا يصلح، قال: قد بعته في السوق فلم ينكر ذلك علي أحد، فأتيت البراء بن عازب، فسألته، فقال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ونحن نبيع هذا البيع: فقال: ” ما كان يدا بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو ربا” وأتِ زيد بن أرقم فإنه أعظم تجارة مني فأتيته فسألته فقال مثل ذلك.

  • وفي البخاري، عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهم أنهما سئلا عن الصرف، فكل واحد منهما يقول هذا خير مني وكلاهما يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا.

  • وفي مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله وكاتبه وشاهده وقال: ” هم سواء”.

هذه جملة من الأحاديث الشريفة، وجميعها صحيحة ولا نزاع في ثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *