سؤال وجواب؟
1992/05/28م
المقالات
2,004 زيارة
السؤال: نريد اعطاءنا صورة عن الواقع الحالي في أفغانستان بعد أن سقط الحكم الشيوعي فيها وأعلن المجاهدون أنهم استلموا السلطة؟
جواب سؤال عن أفغانستان
أفغانستان قريبة من منطقة الخليج، إذ تحدها إيران من الناحية الغربية والجنوبية، وباكستان من الناحية الشرقية والجنوبية، وتحدها من الشمال جمهوريات من جمهوريات آسيا الوسطى، التي سكانها مسلمون، والتي كانت جزءاً مما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي، هي: جمهورية الطاجيك، وجمهورية أوزبكستان، وجمهورية تركستان. ومن هنا جاءت أهميتها للاتحاد السوفياتي، وجاء خوفه من أن يتسرب عن طريقها تأثير الاسلام (السياسي) على مسلمي هذه الجمهوريات التي هي جزء منه، بعد طرد الشاه من إيران، ومجئ الخميني. وقد دفعه هذا الخوف إلى احتلال أفغانستان، ليضعها تحت سيطرته المباشرة، أو تحت سيطرة عملاء له أقوياء من أهل البلاد إذا ما انسحب منها، لتكون درعاً واقياً من تسرب الاسلام السياسي، ومن تأثيره على مسلمي جمهوريات آسيا الوسطى. فصار باحتلاله لأفغانستان مطلاً على الخليج، وعلى كنز النفط فيه، وكذلك مطلاً على منقطة الشرق الأوسطن مما اعتبر تهديداً للمصالح الأميركية والغربيةن وللنفوذ الأميركي والغربي. ومن هنا جاء وقوف أميركا والغرب وراء المجاهدين الأفغانيين، ومدهم بالمال والسلاح لمقاتلة الجيش السوفياتي لطرده من أفغانستان، ولاستنزاف الاتحاد السوفياتي بهذا القتال. وكانت أميركا فضلاً عن مدهم بالمال والسلاح تؤيدهم من ناحية سياسية واعلامية، وتأمر عملاءها بتقديم الأموال وثمن السلاح والتموين لهم خاصة حكام السعودية، كما كانت تطلب من حكام دول الخليج أن يساهموا في تقديم الأموال وثمن الأسلحة على أساس أن المجاهدين الأفغانيين يدفعون عنهم خطر الاتحاد السوفياتي، كما أمرت عملاءها في باكستان باحتضان قادة فصائل التنظيمات المقاتلة وجعل بيشاور مركزاً لهم كما جعلت مناطق الحدود الباكستانية الأفغانية ملجأ للأفغان الهاربين من جحيم القتال.
وقد قامت إيران بامداد التنظيمات الشيعية الأفغانية بالمال والسلاح، وجعلت طهران مركزاً سياسياً لقياداتهم. وبذلك فإن جميع التنظيمات الافغانية المقاتلة كانت تتلقى الدعم المادي والتأييد السياسي والمعنوي من أميركا ومن عملائها. كما كانت تتلقى التأييد من الدول الغربية ضد الاتحاد السوفياتي باعتبار أن احتلاله لأفغانستان يهدد مصالحها ونفوذها في منطقة الخليج والشرق الأوسط.
وأهل أفغانستان مسلمون، وهم متمسكون باسلامهم، سُنّتُهم وشيعتُهم، وكان قضاؤهم إلى وقت قريب لا يُطبِّق فيه إلا الاسلام، وقد ثاروا على الملك ظاهر شاه لأنه كان يعمل على إدخال الأنظمة والقوانين الغربية إلى أفغانستان، ومع تمسكهم بالإسلام فإن للناحية العرقية والقبلية والمذهبية أثراً عليهم.
وتنظيماتهم المقاتلة إنما كانت تقاتل الجيش السوفياتي المحتل، وحكام كابول عملاء السوفيات باسم الجهاد الاسلامي، وكثير منهم يرفع شعارات اسلامية، وبعضها ينادي بإقامة الدولة الاسلاميةن والحكم بالاسلام، وبعض هذه التنظيمات يجمبع بين صفوفه عناصر من جميع أو غالبية القوميات والقبائل والمذاهب الموجودة باعتبارهم مسلمين، وبعضهم يقتصر في صفوفه على رجال قومية من القوميات، أو مذهب من المذاهب.
ومع أنهم كانوا يقاتلون السوفيات باسم الجهاد، ويرفع كثير منهم شعارات اسلامية، وينادي بعضهم بإقامة الدولة الاسلامية، والحكم بالاسلام، إلا أنهم كانوا يبررون لأنفسهم قبول مساعدة أميركا الدولة الكافرة، ومساعدة عملائها من مال وتموين وسلاح وتأييد سياسي ومعنوي، مع أنهم يعلمون أن أميركا والدول الغربية لا تساعدهم إلا لتحقيق مصالحها.
أما الميليشيات الأفغانية فإنها ليست من قوات المجاهدين، وإنما أنشأها الاتحاد السوفياتي لتكون في مواجهة المجاهدينن ولما انسحب من أفغانستان بقيت هذه الميليشيات موالية لحكم نجيب الله، ثم تمردت عليه أوائل شهر آذار 1992 لما تضعضع حكمه، وتهدد بالسقوط. وقد تمكن أحمد شاه مسعود القائد الميداني لتنظيم الجمعية الاسلامية بقيادة برهان الدين رباني أن يكسبها إلى جانبها وأن يتحالف معها، مما قوى مركزه أكثر بالنسبة للتنظيمات الأخرى.
والآن وقد انتهى حكم نجيب الله، وحكُم حزبه: الوطن «الشيوعي سابقاً» وتسلم المجلس الانتقالي المؤقت برئاسة مجددي السلطة من المجلس العسكري الرباعي الذي حلّ محل نجيب الله في الحكم بعد استقالته وهروبهن ليمكث هذا المجلس الانتقالي في الحكم شهرين، ثم يسلم الحكم إلى حكومة مؤقتة ـ من المجاهدين يكون رئيس الدولة فيها برهان الدين رباني رئيس الجمعية الاسلامية، ورئيس الوزراء قلب الدين حكمتيار رئيس الحزب الاسلامي ـ تعمل للتحضير لانتخابات تجري بعد سنة أو سنتين.
وقد حصل التوصل على هذه النتيجة بعد تحركات سياسية مصحوبة بتحركات عسكرية شديدة تمكن فيها المجاهدون من الاستيلاء على عدة مدن رئيسية وعزلوا كابول عن جميع المناطق، وأصبحوا على مقربة من أبوابها.
أما التحركات السياسية فقد كانت واسعة شملت المجاهدين وباكستان وإيران، وكان لأميركا فيها تحركات مباشرة بوساطة مندوبها في بيشاور لدى المجاهدين، ومسؤوليها في باكستان، وتحركات بوساطة عملائها في الأمم المتحدة، وباكستان والسعودية، وكان لرئيس وزراء باكستان نواز شريف ورئيس المخابرات الباكستانية، وللأمير تركي بن فيصل رئيس المخابرات السعودية، ولبطرس غالي أمين عام الأمم المتحدة، ومندوبه بينون ستيفان دور كبير في هذه التحركات السياسية. قال الناطق باسم الخارجية الأميركية ريتشارد باوتشر: «إن المسؤولين الأميركيين في باكستان على اتصال بزعماء المقاومة في اسلام أباد وبيشاور لحضهم على ضبط النفس» ولاحظ أن زعماء المقاومة بمختلف اتجاهاتهم يبحثون حالياً عن إنشاء مجلس إسلامي لتسلم السلطة في كابول وأضاف: «إن الولايات المتحدة تعتقد أن على الطرفين العمل عن كثب مع ممثل الأمم المتحدة الذي هو في موقع فريد من أجل المساعدة على حل النزاع». وسبق «أن دعت واشنطن جميع الأطراف في أفغانستان إلى دعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل النزاع، وأكدت دعم الولايات المتحدة لجهود الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الموجود من أجل إنشاء سلطة إنتقالية في كابول».
وكان بطرس غالي أعلن أثناء زيارته لباكستان وإيران في 10/04 قائلاً: «توصلنا إلى اتفاق مبدئي على تشكيل مجلس انتقالي في كابول لتسلم السلطة الآن، وهذه خطوة أولى نحو المصالحة في أفغانستان» وأضاف: «أن المجلس سيسلم السلطة بدوره بعد فترة انتقالية إلى حكومة مؤقتة» وكان مندوبه ستيفان قد حدد يوم 28 من نيسان 1992 موعداً لتسلم المجلس الانتقالي المؤقت الحكم، على أن يبقى فيه 45 يوماً.
ومن هنا يُرى أن أميركا وعملاءها كانوا في صلب التحركات السياسية التي جرت قبل استقالة نجيب الله وهروبه، وكانت هذه التحركات السياسية، مصحوبةً بالتحركات العسكرية، قد حددت ما تم التوصل إليه من إقامة مجلس انتقالي مؤقت برئاسة مجددي، يتسلم السلطة من المجلس العسكري الرباعي، الذي حلّ محل نجيب الله ليسلم هذا المجلس الانتقالي المؤقت السلطة. إلى حكومة مؤقتة من المجاهدين بعد شهرين يكون رئيس الدولة فيها برهان الدين رباني، ورئيس وزرائها قلب الدين حكمتيار أو أي شخص يعينه من الحزب الاسلامي «حزبه». وكان مندوب الأمين العام يريد أن يكون المجلس الانتقالي حيادياً، غير أن المعطيات العسكرية جعلته يقبل بأن تكون أكثريته من عناصر التنظيمات المقاتلة. وقد جاء إصدار العفو العام من المجلس الانتقالي عن جميع من قاتلوا مع السوفيات ومن تعاونوا معهم من حكام كابول تنفيذاً لاتفاق بين أميركا والاتحاد السوفياتي عندما اتفقتنا على انسحاب الجيش السوفياتي، وعلى إنهاء قضية الصراع في أفغانستان.
والعفو عن الذين تعاونوا مع السوفييت عملائهم حكام كابل هو كل ما نالته دولة الاتحاد السوفياتتيي من غزوها لأفغانستان. وغير ذلك فلم ينلها شيء، ولا مجرد أن يكون لعملائها أي نصيب في الحكم. وخرجت طريدة ذليلة.
وكان المفروض، وقد تحقق للمجاهدين الأفغان طرد الجيش السوفياتي المحتل، ثم طرد عميل السوفيات نجيب الله هو وحزبه الشيوعي من الحكم، واستيلاؤهم على جميع مدن أفغانستان بما فيها العاصمة كابول، وسيطرتهم على الحكم فيها، كان المفروض أن يقابلوا ذلك بالشكر لله سبحانه وتعالى، وأن يكونوا يداً واحدة، وأن يستعدوا ليزيلوا جميع آثار الاحتلال وعملائه من أنظمة وقوانين وأوضاع، وأن يستعدوا ليقيموا أنظمة الاسلام وقوانينه مكانها، وأن يعملوا على اعادة بناء البلد من جديد ملتزمين كم الله في كل تصرف من تصرفاتهم، دون أن يكون للأنانية أو الطمع، أو التزاحم على المصالح والمراكز، أو العصبيات القومية أو القبلية أو المذهبيةن أو ضغوطات الدول الأخرى أي أثر عليهم.
لكن للأسف حصل النزاع فيما بينهم لدرجة أن استخدموا السلاح ضد بعضهم البعض، وما حصل ذلك إلا بدافع الطموح والطمع، والتزاحم على المصالح والمغانم والمراكز. هذا فضلاً عن أن الناحية العرقية والقبلية والمذهبية قد فعلت فعلها، كما أن المداخلات الخارجية كان لها أثر في إذكاء هذا الصراع.
وإننا نتمنى عليهم أن يثوبوا إلى رشدهم، وأن يرجعوا إلى أحكام دينهم، وأن يبتعدوا عن كل صراع وكل قتال فيما بينهم، وأن يكونوا يداً واحدة، وأن ينفذوا أحكام الله التي كانوا يرفعون شعارهان وأن لا يجعلوا للمصالح أو المراكز، أو العصبية للقوم أو القبيلة أو المذهب أي أثر عليهم، وأن لا يسمعوا لنصيحة أي حاكم من عملاء أميركا أو بريطانيان وأن يحذروا من أميركا كل الحذر، وأن لا يجعلوا لها عليهم سلطاناً و لا سبيلاً، وأن لا يقبلوا منها أية مساعدة مادية كانت أو معنوية وأن يحذروا عملاءها كما يحذرونهان وهم يدركون أنها ما كانت تساعدهم، ولا تأمر عملاءها بمساعدتهم إلا لتفرض هيمنتها على بلادهم، ولتتخذها طريقاً من الطرق لاشعال الحرائق ضد الاتحاد السوفياتي سابقاً، ولادخال نفوذها وهيمنتها إلى جمهوريات آسيا الوسطى بعد أن تفكك الاتحاد السوفياتي وزال. فيجب عليهم أن يفسدوا عليها تدبيرها هذا وأن يحولوا دون تنفيذه، وأن يكونوا سداً منيعاً أمام تحقيق أطماعها ومصالحها. وليكونوا على علم أنها ستدفع عملاءها وعلى رأسهم حكام باكستان لمد نفوذهم إلى أفغانستان، واحتواء رجال الحكم والتنظيمات فيه، وقد أمرت حكام باكستان بتقديم الأموال ومواد التموين فقدم نواز شريف لمجددي رئيس المجلس الانتقالي عشرة ملايين دولار بعد ان دخل مجددي إلى كابول وتسلم الحكم من المجلس العسكري الرباعي كما أن المعونات الغذائية قد انهالت على كابول من أميركا ومن باكستان والسعودية. وكل ذلك حتى يتيسر لأميركا أن تفرض هيمنتها وتحقق مصالحها.
ويخشى أن تتمكن أميركا، أو عملاؤها من إيقاد نار الفتنة بين قادة التنظيمات المقاتلة وزعمائها، فيلجأ إلى القيام بتصفيات جسدية لاستئثار بحكم، أو للتخلص ممن يقف سداً منيعاً أمام المصالح الأميركية. وهذا ما يجب أن يحذروا منه الحذر كله.
هذا وأن أفغانستان ستكون موضع شد وجذب وتنافس بين كل من إيران وباكستان، كل تحاول أن يكون لها فيها نفوذ مؤثر، ومصالح محفوظة، فإيران كما باكستان ساهمت في مدّ التنظيمات الشيعية المقالتة بالمال والسلاح، وجعلت طهران مركزاً سياسياً لهم، وهي تدعهم ليحصلوا على حصة في الحكم تكون مجزية، وقد أمدتهم بعناصر من الحرس الثوري ليقفوا مع غيرهم من التنظيمات المقاتلة ضد استيلاء حكمتيار ـ زعيم الحزب الاسلامي ـ عسكرياً على العاصمة كابول، وبالتالي ضد سيطرته على الحكم، لأن إيران تخشى إن استأثر بالحكم أن يعمل ضد مصالحها، وهي ربما تتوق لضم بعض المناطق الأفغانية الواقعة على حدودها، والتي ينتشر فيها غالبية الشيعة.
السبت 1 من ذي القعدة 1412هـ.
02/05/1992م.
1992-05-28