العدد 103 -

السنة التاسعة – جمادى الآخرة 1416هـ – تشرين الثاني 1995م

القضية المصيرية الأولى

أما آن للمسلمين أن يفيقوا من سباتهم وينفضوا الغبار عنهم ويفكروا تفكيراً عميقاً مستنيراً في حل مشكلتهم المصيرية الأولى أو بالأحرى إدراك قضيتهم المصيرية الأولى، ألا وهي إعادة سلطان الإسلام.

الثانية، وقعها عرفات مع رابين بحضور سماسرة اليهود مبارك وحسين لا بارك الله فيهما ولا في أمثالهما من حكام المسلمين الذين أعطوا اليهود الدنية وأذلوا هذه الأمة ومكّنوا يهود من أرض فلسطين التي بارك الله فيها وجعل فيها بيت المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين وعرج برسوله منها إلى السماء وأحيا له الأنبياء ليصلي بهم صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، وذلك يرينا قدسية هذه البقاع.

ولم يخرج أمير المؤمنين عمر لأخذ أية مدينة فتحت غير القدس مع أن المدائن عاصمة أعظم دولة في العالم آنذاك فتحت ولم يخرج لها عمر رضي الله عنه. وقد أعطى أمير المؤمنين عمر عهد للنصارى باسم المسلمين وقع عليه خيار قادة المسلمين من أمثال أبي عبيدة وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهم، أن لا يسمح المسلمون لليهود بسكنى القدس، فيأتي هؤلاء العملاء ويضربون بكل ذلك عرض الحائط ويقوموا بالخيانة تلو الخيانة، والأنكي من ذلك أنهم يعتبرون هذه الخيانات وهي المهانة والذلة نصراً مؤزراً، قاتلهم الله أنى يؤفكون.

مقارنة بسيطة بين توران شاه في أخر عهد الأيوبيين وياسر عرفات ومعه بقية حكام المسلمين، تري الفارق الكبير بين المسلمين حين كان الإسلام مسيراً لهم وبين وضعهم الآن في ظل خلو الأرض من سلطان الإسلام. فإن الفرنجة رأوا أن يوجهوا جهدهم وقوتهم إلى مصر قبل بلاد الشام، وفعلاً قامت الحملة الصليبية التاسعة موجهة ضد مصر مباشرة، وقد تمكن الفرنجة من احتلال نصف الدلتا واحتلوا دمياط وساروا في اتجاه القاهرة، للقضاء على قوة مصر التي أصابها الوهن، وقد جرت مفاوضات بين الأوروبيين وبين أهل مصل التي كانت في سلطان توران شاه، وقد أبدى الأوروبيون بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع استعدادهم للانسحاب من كل أرض مصر وأنه لا مطمع لهم في مصر، مقابل شيء واحد فقط وهو القدس. وقد قبل وزير توران شاه المفروض هذه الشروط وذهب إلى توران شاه لاقناعة بذلك، وعلل له قبوله بضعف المسلمين وأنهم بحاجة إلى الوقت لاستعادة عافيتهم وقوتهم، فاستشاط توران شاه غضباً وقال له: «والله لولا أن يقول الناس أن توران شاه يقتل وزراءه لضربت عنقك» وقال له: «ألا تدري ماذا تعني القدس بالنسبة لنا نحن المسلمين. إنها أولى القبلتين وثالث الحرمين ولذلك لا يمكننا التخلي عن القدس ولو أخذوا مصر وما بعد مصر، وإنهم لن يأخذوها ما بقيت فينا حياة، وليس لهم عندنا إلا السيف». فقال له الوزير بأن أهل مصر لا يقدرون ولا يستطيعون الوقوف في وجه الأوروبيين ولكن توران شاه كان واثقاً من نصر الله إن هو نصره، فأمر جنده بالاستعداد وقادهم في حرب ضد الفرنجة، وكان النصر حليفه فطهر أرض مصر من رجسهم، وأسر ملك فرنسا واضطره على الخروج من مصر صاغراً.

هكذا يكون موقف الرجال المؤمنين الصادقين، فعلى المسلمين أن يدركوا قضيتهم المصيرية الأولى ويعيدوا دولة الخلافة التي تطبق الإسلام وتجمع شمل المسلمين وتحمل راية الجهاد لا لتحرير بلاد المسلمين فقط، فإنه تحصيل حاصل، وإنما تحمل راية الجهاد لنشر هذا الدين في العالم لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

لقد استطاع الكفار للآسف إبعاد فلسطين عن المسلمين وإبعادها عن الناحية الإسلامية، واستطاعوا أن يجعلوا منها قضية أهل فلسطين ويهود بدل أن تكون قضية من القضايا المصيرية للمسلمين، فإلى فهم القضايا المصيرية ندعوكم أيها المسلمون.        

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *