العدد 59 -

السنة الخامسة – العدد 59 – رمضان 1412هـ الموافق آذار 1992م

مع القرآن الكريم

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) هذا خطاب للمؤمنين من أمة محمد ﷺ خاصة.

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) أي فرُض.

(كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) هم أهل الكتاب.

(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي أن الصيام يساعد على التقوى، فقد ثبت في الصحيحين «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».

(أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ) وقد كان هذا ابتداء الإسلام يصومون من كل شهر ثلاثة أيام، ثم نُسِخ ذلك بصوم شهر رمضان.

(فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أي المريض والمسافر لا يصومان في حال المرض والسفر بل يفطران، ويقضيان بعدّة ذلك أيام آخر.

(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) أي المقيم الصحيح الذي يطيق الصيام مخيّر بين الصيام وبين الإطعام، إن شاء صام وإن شاء أفطر عن كل يوم مسكيناً.

(فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ) أي فإن أطعم أكثر من مسكين عن كل يوم فهو خير له.

(وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) أي إن صام فهو أفضل من الإطعام. وهذا كله كان قبل فرض صوم شهر رمضان الذي فُرِض في السنة الثانية من الهجرة.

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) يقول المفسرون بأن الله أنزل القرآن جُملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر كما قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وقال: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ) ثم نزل بَعْدُ مفرقاً بحسب الوقائع على رسول الله ﷺ. وقد رُوي عن بعض السلف أنه يكره قول (رمضان) والصحيح هو قول (شهر رمضان) زاعمين أن (رمضان) اسم من أسماء الله. والصحيح أنه يباح قول (رمضان) وقول (شهر رمضان) كما ورد في الحديث الصحيح: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه».

(هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) الهُدى ضد الضلال، والبينات هي الدلائل والحُجج الواضحة، والفرقان هو الذي يفرّق بين الحق والباطل وبين الحلال والحرام.

(فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) هذا إيجاب حتم على من شهد استهلال الشهر أي كان مقيماً في البلد حين دخل شهر رمضان وهو صحيح في بدنه أن يصوم لا محالة. ونسخت هذه الآيةُ الإباحة المتقدمة لمن كان صحيحاً مقيماً أن يفطر ويفدي. أي أن هذه الآية نسخت حكم التخيير الوارد في قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ). وقد قال ابن عباس وبعض الصحابة بأن هذه الآية غير منسوخة، وفسروا كلمة (يطيقونه) بمعنى يتجشمونه أي يقومون به ولكن بمشقة كبيرة، وقالوا بأن الشيخ الفاني يجوز له أن يفطر ويعطي الفدية. فيكون هذا التخيير منسوخاً في حق القادرين على الصوم.

(فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) لما جاءت الآية تحتم صور شهر رمضان وهي ناسخة لصوم الأيام المعدودات أعادت هذه الآية الترخيص في شأن رمضان للمريض والمسافر كما كانت لهما الرخصة في شأن الأيام المعدودات، الترخيص في الإفطار وقت السفر أو المرض على أن يتم قضاء عِدّة أيام مماثلة. وقد ذهب الصحابة والتابعين إلى وجوب الإفطار في السفر والمرض لقوله تعالى: (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) والأرجح هو قول الجمهور، أي أن الأمر في ذلك على التخيير وليس بحتم لما ثبت في الصحيحين عن أبي الدرداء قال: «خرجنا مع رسول اللهفي شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة. وما فينا صائم إلا رسول اللهوعبد الله بن رواحة» وهناك أحاديث كثيرة في المسألة. والقضاء يجوز أن يكون متتابعاً ولا يجوز أن يكون مفرقاً.

(يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) أي أن الله سبحانه من رحمته بعابده أراد أن ييسّر عليهم ولم يرد أن يعسّر، ولذلك فقد شرع الرخص التي شرعها للتيسير على العباد. فلم يكلف نفساً إلا وسعها، ورفع الحرج عن المكره، ورفع الحرج عما يشق الاحتراز منه، ورخص في التداوي بالمحرمات، ورخص بأكل المحرمات عند الاضطرار، ورخص بالفطر في السفر والمرض وللحامل والمرضع، ورخص بالفدية لمن لا يستطيع قضاء الصوم، وكثير مثل هذا، كل ذلك لجلب اليسر ودفع العسر. وقد وردت أحاديث كثيرة في هذا المعنى منها قوله ﷺ: «إن خير دينكم أيسره إن خير دينكم أيسره» رواه الإمام أحمد.وروى أحمد أيضاً قول رسول الله ﷺ: «إن دين الله في يسر« – ثلاثاً يقولها- وفي الصحيحين: قال رسول الله ﷺ: «يسّروا ولا تعسّروا وسكّنوا ولا تنفروا».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *