العدد 113 -

السنة العاشرة – جمادى الثانية 1417هـ – تشرين الثاني 1996م

الفرقان بين الحق والباطل

الفرقان بين الحق والباطل

كل من لا ينظر إلى الحياة على أساس الحكم الشرعي يصبح عديم الفراسة والبصيرة والفرقان، فعلى المسلم أن يتحلّى بالحكمة والفراسة، وأن يعرف الحق حقاً فيتبعه والباطل باطلاً فيجتنبه، وُيَميِّز صديقه من عدوه والحق من الباطل والحسن من القبيح والخير من الشرّ، وأن يحذر من مكائد الشيطان وأتباعه وأن لا يخلط بين الهدى والضلال.

ومن المؤسف فإن الأمة الإسلامية الآن تفتقر إلى هذه الصفات، وأصبحت ليس فقط لا تُميِّز الأنظمة الباطلة والشرك بشكله المعاصر بل صارت تعتبر ذلك حقاً وتأخذ به وتدافع عنه. ولم تعد ترى زلاّت وضلالات قادتِها بل صارت تظن أنهم يأخذون بيدها إلى طريق الخير والهداية، وخير دليل على ذلك ما يقوم به نجم الدين أربكان في تركيا زعيم حزب الرفاه، فهو يرفع شعارات باسم الإسلام وفي الوقت نفسه يدعو إلى الكفر والشرك بشكلهما المعاصر كالديمقراطية والعلمانية والقومية والكمالية. وهو يطبق ذلك وينفذه منذ وصوله إلى الحكم ورغم ذلك كله فإن الأمة ما زالت تظن أنه يقودها إلى الصواب.

– إن أربكان لا يدعو إلى الشرك المعاصر فحسب بل يطبِّقه.

– وهو لا يكتفي بالقول: «بأن الجمهورية نحن الذين أسَّسْناها وسَنحميها» بل يحميها بالفعل بنفسه.

– وهو لا يكتفي أيضاً بالقول: «لو كان أتاتورك حيّاً لما وَسِعَهُ إلاّ أن يكون معنا» بل أصبح أتاتوركيّاً ويُجِلُّهُ بالرغم مما قام به من جرائم. وأحياناً يشترك في مراسيم عبادة أتاتورك ويحضر قبل الآخرين لإشعارهم بإخلاصه.

– كان سابقاً يدعو إلى إلغاء الربا وبعد وصوله إلى السلطة جعله المورد المالي الوحيد، ولخداع الأمة سَمّى ذلك «نماء» بدل الربا، وأصبح كاليهودِ يحرِّفُ الكلم عن مواضعه وكالكفار يرى البيع مثل الربا.

– في الوقت الذي كان يحذِّر المسلمين من خطر اليهود والصهيونية بأنهما موجودان تحت كل حجر نراه الآن يقبل الاتفاقيات الموقعة مع دولة يهود المسخ.

– إنه لا يعمل على تطبيق أحكام الله بل لتطبيق أحكام الكفر والعلمانية. وعندما أصبح رئيساً للوزراء قال في خطابه: «الحمد لله، الحمد لله كنا ننتظر هذا اليوم منذ سبعة وثلاثين عاماً» وأوضح أن هدفه الأساسي هو هذا النظام الكافر.

وبالرغم من ارتكابه لكل هذه المحرمات والكفر والشرك الصريح تجده في أوج سروره وسعادته ولا يحس بالضيق. فكيف يشعر الإنسان بالسعادة وقد قام بأعمال قذرة كهذه! وكيف يعتبر ما قام به موضع فخرٍ واعتزاز؟ وجواب هذا السؤال نجده في قول الله تعالى: (ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) الأنعام/ 43. وقوله عز وجل: (أفمن زُيِّنَ له سوء عمله فرآه حسناً) فاطر/ 8. وقوله جلت قدرته: (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم) محمد/14. وقد جعل الله تعالى إيمان المؤمنين زينةً وكفرهم وفسقهم أمراً منبوذاً إذ يقول: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكَرَّهَ إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون) الحجرات/7.

والسؤال هنا هو لماذا لا ترى الأمة كل ذلك بالرغم من وضوح انحرافات القادة؟ والجواب على هذا السؤال موجود في قوله تعالى: (ومن يَعْشُ عن ذكر الرحمن نُقَيِّضْ له شيطاناًَ فهو له قرين* وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) الزخرف/36 – 37.

المقصود بذكر الرحمن يعني رسالة الرحمن أي دين الإسلام وشريعته. وإهماله يعني أن يُنظر للحياة من زاوية غير زاويته. وكما قلنا فإن ذكر الرحمن تعني شريعته، والشخص الذي لا يكون عنده مقياس للأعمال ووجهة نظر معينة للحياة فإنه لا ينجو من الجاهلية وظلمات الطواغيت، ويكون الشيطان له قريناً ويصبح كالأعمى لا يرى ضلالات وانحرافات الشيطان ويظن أنه على حق. يقول تعالى: (وقيَّضْنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم) فصلت/25.

 والمرء لا ينجو من هذه الضلالات والانحرافات إلاّ إذا كان ذا فرقان وذا بصيرة وفراسة. وهذا لا يتحقق إلاّ بتسيير حياته حسب أوامر الله تعالى ونواهيه بالحكم الشرعي. يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً) الأنفال/29.

ولكي يتسنَّى للمرء أن يكون تقِيّاً عليه أن يكون متَّبعاَ للأحكام الشرعية، وهذا لا يتحقق إلاّ بجعل الأفكار الإسلاميّة وجهة النظر إلى الحياة. وبعبارة أخرى: إذا لم يَكن الحلال والحرام، والخير والشر، وسائر أوامر الشرع ونواهيه، وسائر أفكار العقيدة الإسلامية، إذا لم تكن هي الموجّه له، فإنه لا يكون متقياً، والذي لا يكون متقياً يكون محروماً من الفرقان ولا يستطيع التمييز بين الحق والباطل والخير والشر والحسَن والقبيح. وإذا نظر المرء إلى الحياة من وجهة نظر مادية أو ميكيافيلية فإنه يكون بذلك قد دخل تحت سلطان الشيطان وأعوانه.

لهذه الأسباب كلها فإن الأمة لم تعد تلحظ اليوم ضلالات وانحرافات قادتها فانحرفوا عن الطريق الصواب وظنوا أنهم على الحق، ولكي يتخلّصوا من هذه الحال عليهم أن يُغيِّروا وجهة نظرهم للحياة، وأن يدركوا أهمية وقيمة الحكم الشرعي والفكر الإسلامي ويجعلوه المقياس الوحيد لأعمالهم وتوجهاتهم. وهذا يحتم عليهم العمل على إقامة دولة الخلافة الراشدة لاستئناف الحياة الإسلامية، وبقيام هذه الدولة المباركة ستُشْرِقُ الأرض بنور الله ويتفرق جمع الطواغيت. وإذا أرادت الأمة أن يكون تفكيرها مستنيراً فإننا ندعوها للعمل بنور الله أي بالدين الإسلامي، ليكون وجهتها الوحيدة في الحياة، والعمل على ما تحتمه هذه الوجهة، وبهذا تصبح الأمة ذات فرقان وذات فراسة. يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله».

إن نور الله هو ما جاء به الوحي من الرسالة، يقول الله تعالى: (يا أيها الناس قد جاءكم برهانٌ من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً) النساء/174.          

  أحمد سيف الإسلام – تركيا


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *