العدد 113 -

السنة العاشرة – جمادى الثانية 1417هـ – تشرين الثاني 1996م

كلمة الوعي: هل تلويح إسرائيل بحربٍ على سوريا جِدّي؟

المفروض أن تنظر سوريا للتهديدات الإسرائيلية والتلويح بالحرب نظرة فيها كل الجدية، والمفروض أن تتخذ كل الإجراءات والاستعدادات التي تلزم للوقاية وللمواجهة. وهذه قاعدة ثابتة تلتزمها الدول ويلتزمها المسؤولون العقلاء في كل الشؤون ذات الخطورة، وليس شؤون السياسة والحرب فقط. جرت العادة أن يبني الباحثون قراراتهم على الترجيح، فإن رجح وقوع الأمر اتخذوا الحيطة، وإن رجح عدم الوقوع أهملوا الأمر. ولكن هذا في الأمور التي لا يترتب على وقوعها خطر. أما حيث يكون خطر فإن مجرّد الاحتمال، حتى الاحتمال الضعيف لوقوع الخطر، يحتّم أخذه بعين الاعتبار ويحتّم اتخاذ الإجراءات التي يتطلبها الموقف الجادّ.

            الوقائع على الأرض تشير إلى أن إسرائيل جادّة في تهديداتها. ونكتفي من هذه التهديدات بالإشارة إلى تهديد وزير خارجيتها ديفيد ليفي الذي أنذر سوريا بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وإلا فإنها ستعود مرغمة. وقالت بأنه يمكن أن يحصل خطأ من كل من إسرائيل أو سوريا في قراءة نوايا أو تحركات الطرف الآخر فتقع الحرب.

            بلليترو، مساعد وزير خارجية أميركا، سئل عن مدى إمكانية وقوع حرب الآن بين إسرائيل وسوريا فلم يستبعد ذلك، وقال: ها نحن نعمل لتلافي وقوع ذلك.

            التصريحات المتكررة من المسؤولين السوريين، وآخرها تصريح الرئيس حافظ أسد في المؤتمر الصحفي مع الرئيس حسني مبارك في 04/11/1996 كلها تقول بأن الاعتداء الإسرائيلي على سوريا في لبنان أو سوريا وارد وغير مستبعد.

            تصريحات المسؤولين المصريين المتكررة والتي تتضمن إنذاراً لإسرائيل بأن اعتداءها يعتبر نقضاً ليس لما نتج عن مدريد فقط بل قد يؤدي إلى نقض «كمب ديفيد» أيضاً. وهذا تهديد من مصر بأنها قد لا تقف مكتوفة في حال قيام إسرائيل بحرب على سورية.

            تحركات بريماكوف وزير خارجية روسيا جاءت لاستطلاع ما يجري. وكذلك جولة شيراك الرئيس الفرنسي قبل ذلك كان جانب منها يتعلق بحالة التوتر التي تنذر بوقوع حرب.

            فقط الإنجليز يقولون بأنهم لا يرون بوادر حرب ولا يتوقعونها كما صرّح غير مسؤول منهم بذلك وهذا يصبح محل تهمة للإنجليز أنهم متواطئون مع إسرائيل في ذلك.

            ماذا يريد نتن ياهو من حربٍٍ ضد سوريا؟ قد يريد أموراً كثيرة ولكن الأمر الأساس هو العودة إلى التفاوض من جديد، من الصفر، من دون شروط مسبقة، من الورقة البيضاء. فإذا حصل له ذلك فإنه سيستغل المفاوضات للمماطلة وتقطيع الوقت على غِرار ما كان يعمل شامير من أنه ينوي مد المفاوضات عشر سنوات أو أكثر إذا لزم الأمر. وأثناء التفاوض الفارغ يكون هو يوجد حقائق على أرض الواقع يصعب مطالبته بإلغائها.

            ومن الأمور التي تقضّ مضجع جميع اليهود هي تزايد السكان العرب في فلسطين. ولذلك فإن سياسة إسرائيل وعلى الأخص نتن ياهو هي ترحيل أو طرد أكبر عدد ممكن منهم من فلسطين.

وهذا يتطلب إبقاءهم في حالة فقر وجوع وكبت. وهذا يتطلب القيام بحروب بين حين وآخر ينتصر فيها اليهود ليدبوا اليأس والانهزام في نفوس الفلسطينيين، ما يؤدي إلى هجرتهم إلى بلاد أخرى سعياً وراء لقمة العيش وهرباً من الكبت والتضييق واليأس. وإذا تحرك الفلسطينيون أثناء قيام إسرائيل بحرب فهذا يجعل لها المبرر (الذي تريده) لقتل الفلسطينيين وتهجيرهم بمئات الألوف.

            حاول نتن ياهو العودة إلى التفاوض من الصفر ولكنه لم يلقَ قبولاً من سوريا، وكان سيجد قبولاً من عرفات، ولكن مصر حذرت عرفات، ما جعل نتن ياهو يقدم احتجاجاً على حسني مبارك الذي رفض الاحتجاج قائلاً: «إن عرفات لم يُلْغِ دماغه».

            وحاول نتن ياهو فصل المسار اللبناني عن المسار السوري ولكنه لم ينجح. أميركا رفضت ذلك على لسان بلليترو، وفرنسا رفضت ذلك على لسان شيراك حين سأله عن ذلك بعض الطلاب الجامعيين في لقائه معهم في بيروت. وكان كل من سوريا ولبنان رفض ذلك.

            ولكن هل يأمل نتن ياهو بتحقيق ما يطمح إلى تحقيقه بالحرب بعد أن فشل في تحقيقه بالمراوغة؟

            يبدو أنه يأمل، ولذلك هو راكب رأسه وسائر. وهو يرى أن مصر خرجت من الميدان العسكري، والأردن من الأصل هي خارج الميدان، وإذا تدخل الآن فهو يتدخل كما في السابق لمصلحة إسرائيل ضد العرب وليس لمصلحة العرب ضد إسرائيل. وهو (نتن ياهو) يرى أن غالبية الدول العربية تهرول لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل ولا تهتم كثيراً لوقوع حرب من إسرائيل ضد سوريا. وهو يرى أن سوريا موضوعة بين فكي كماشة بعد الاتفاقات العسكرية بين إسرائيل وتركيا. وهو يرى أن روسيا مشغولة بنفسها، ودول الاتحاد الأوروبي بعضها يؤيده وبعضها الآخر يقف متفرجاً. وهو يرى أن أميركا، وإن كانت غير موافقة على سياسته، فرئيسها، أيّاً كان، أجبن من أن يتخذ إجراءً فعالاً ضد إسرائيل. كل ما في الأمر أن أميركا تحرض عملاءها أن يقفوا في وجه إسرائيل حين تنهج إسرائيل سياسةً تعارض سياسة أميركا، ولا تجرؤ أميركا أن تقف هي في مواجهة إسرائيل كما وقف أيزنهاور أثناء العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956.

            ولذلك يبدو أن نتن ياهو يأمل بالنجاح وتحقيق أحلامه في خوضه حرباً ضد سوريا. وهذا ما يجعلنا ننظر إلى الأمر بجدية كاملة.

            المسؤولون في سوريا صرّحوا غير مرّة أن قيام إسرائيل بعدوان على سوريا لن يكون نزهة لإسرائيل، وإذا قررت إسرائيل بدء الحرب فلن تستطيع أن تقرر كيف ومتى تنتهي. وربما يكون نتن ياهو يخطط لحرب محدودة، وربما تكون هذه الحرب ضد سوريا في لبنان، وربما تكون في لبنان وسوريا.

            في عدوان إسرائيل على لبنان سنة 1982 ضربت قواعد الصواريخ السورية التي كانت في البقاع. وكانت إسرائيل قبيل ذلك العدوان رصدت مواقع الصواريخ وموجاتها بواسطة طائرات بدون طيارين، وكانت سوريا أسقطت عدداً من هذه الطائرات. والآن يوجد في سوريا قواعد صواريخ أرض – أرض تستطيع أن تطال أية نقطة من أرض فلسطين. وأخشى ما تخشاه إسرائيل هو أن يكون الرد السوري بهذه الصواريخ على المواقع الحساسة عند إسرائيل. ولذلك فإن إسرائيل قد تكون رتبت طريقة ما لتعطيل هذا السلاح السوري كما عطلت الصواريخ سنة 1982. ومثل هذه الأمور هي من البدهيات عند خبراء الجيش السوري. ونحن نقول ذلك من باب التذكير (وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *