العدد 115 -

السنة العاشرة – شعبان1417هـ – كانون الثاني 1997م

دحض الزعم القائل: إن الديمقراطية نظام إسلامي

من كتاب: «أخطاء يجب أن تصحح في التاريخ»

تأليف: الدكتور جمال عبد الهادي مسعود (أستاذ التاريخ الإسلامي في كلية الشريعة جامعة أم القرى-السعودية)، والدكتورة وفاء محمد جمعة (أستاذة كلية الشريعة (طالبات) بجامعة أم القرى-السعودية) – دار الوفاء/المنصورة 1409هـ/1989م.

ديمقراطية كلمة يونانية الأصل تتكون من مقطعين «ديموس» و «كراتُوس» بمعنى حكم الشعب للشعب أي أن الشعب يحكم نفسه بنفسه.

المبدأ الديمقراطي يقوم على ما يسمى بالحريات الأربع: حرية الرأي، حرية الاعتقاد، وحرية التملك والحرية الشخصية ويقوم أيضاً على أساس الشورى.

والمبدأ الديمقراطي كغيره من المبادئ مثل المبدأ الديكتاتوري أو «الاستبدادي» نبت على أرض أثينا (اليونان) منذ عصور ما قبل الميلاد، واندثرت معالمه في فترات طويلة ثم بعث من جديد في عالمنا المعاصر مثل غيره من المبادئ كالاشتراكية والشيوعية والفاشية.

ويعتقد الكثيرون أن المبدأ الديمقراطي مبدأ إسلاميٌ، وأنه لا تعارض بينه وبين الإسلام، وكتبوا كتباً زعموا فيها ذلك ويستندون في ذلك على أن الديمقراطية تقوم على الشورى والإسلام قد دعا إلى الشورى.

وزعم البعض الآخر أن أفضل نظام للحكم هو النظام الديمقراطي وسنحاول هنا -وما توفيقنا إلا بالله- أن نلقي الضوء على هذا المبدأ ليدرك أبناء المسلمين وغيرهم أن الديمقراطية بعناها اللغوي أو مفهومها الاصطلاحي لا يمكن أن تكون مبدأ إسلامياً، يقره الإسلام أو يدعو إليه، وذلك من خلال المعنى الاصطلاحي لكلمة ديمقراطية، ومن خلال استعراضنا للركائز التي يقوم عليها المبدأ الديمقراطي، ومن خلال استعراض تاريخ الأمة التي نبت على أرضها المبدأ الديمقراطي، وذلك كله في ضوء التصور الإسلامي.

إن المبدأ الديمقراطي كما قلنا يعني حكم الشعب للشعب، بمعنى أن الشعب هو الذي يضع النظام والقانون الذي تسير عليه الأمة، وذلك بمعنى أن الشعب هو صاحب الحق في التشريع والتحليل والتحريم، أي أن الشعب ينزع الحاكمية من يد الله عز وجل، ويجعلها في يده وهذا ما يرفضه الإسلام، لأن الذي خلق -وهو الله- هو الذي يأمر، (ألا له الخلق والأمر)، وهو وحده سبحانه وتعالى الذي له حق التحليل والتحريم: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون).

ولإلقاء مزيد من الضوء على هذا الأمر، نضرب الأمثلة. الأنظمة الديمقراطية تبيح الخمر ولكن الإسلام يحرمها: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه).

وذلك يعني أن الديمقراطية تحل الخمر التي حرّمها الله.

مثال آخر النظام الديمقراطي يبيح التعامل بالربا، ونرى ذلك واضحاً في نظام البنوك والقروض بينما الإسلام يحرم التعامل بالربا: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين* فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله).

وذلك يعني أيضاً أن الديمقراطية تحلّ الربا الذي حرّمه الله عز وجل.

 ومن هنا يمكن أن نجزم بأن المبدأ الديمقراطي ليس مبدأ إسلامياً.

وإذا ما انتقلنا إلى التعرف على الركائز الأربع التي يقوم عليها المبدأ الديمقراطي وهي ما تسمى بحرية التملك وحرية الاعتقاد وحرية الرأي والحرية الشخصية سوف نرى عجباً.

ففي ظل النظام الديمقراطي للفرد حرية التملك أي حق التملك بأية وسيلة، فله أن يجمع ثروته عن طريق التعامل بالربا، وله أن يجمع ثروة عن طريق الاتجار بالخمر لأنها سلعة اقتصادية ولا عائد على خزانة الدولة، وهذا ما يرفضه النظام الإسلامي، الذي لا يسمح للفرد أن يتاجر في أشياء محرمة ولا يسمح للفرد أن يثرى عن طريق التعامل بالربا.

وفي ظل المبدأ الديمقراطي للفرد أن يعتقد ما يشاء حينما يشاء، فيمكن أن يكون اليوم مسلماً، ويمكن له أن يرتد عن إسلامه، فيصبح ملحداً أو بهائياً أو قاديانياً أو يهودياً أو نصرانياً دون أن يقام عليه حد الردة، وهذا ما يرفضه الإسلام. فالمسلم الذي يرتد يرتد عن دينه يستتاب فإذا لم يتب أقيم عليه حد الردة وهو القتل من قبل ولي الأمر.

وفي ظل النظام الديمقراطي يكن للإنسان الملحد أو الكافر أن يدعو إلى عقيدته الفاسدة دون قيد أو شرط، وهذا ما يرفضه الإسلام لأن الدولة الإسلامية دولة عقدية، عقيدتها الإسلام، عنها تنافح وإليها تدعو، ولا تسمح لأصحاب العقائد الفاسدة أن يدعو إلى عقائدهم.

وفي ظل النظام الديمقراطي لكل صاحب رأي أو مبدأ مخالف للإسلام أن يدعو إلى المبدأ الذي يعتنقه. فمثلاً لصاحب المبدأ الاشتراكي أو الشيوعي الذي يزعم بأنه لا إله والحياة مادة، أن يدعو إلى هذا المبدأ الإلحادي بل وله أن يؤسس حزباً أو جماعة تقوم على المبدأ الذي يدعو إليه، والقانون لا يؤاخذه لذلك، ولا يقف في وجهه، لأنه في ظل النظام الديمقراطي، للإنسان الحرية في أن يدعو إلى المبدأ الذي يعتنقه سواء كان يقر الإسلام أو لا يقره.

وفي ظل المبدأ الديمقراطي للأستاذ أن يعلم الطلاب فلسفة أرسطو الملحد وغيره من فلاسفة اليونان على أنه فكر إنساني راق دون أن يجد من يردعه، وله أيضاً أن يهدف بما يريد وأن يُجرِّح غيره تحت ستار حرية الرأي.

ولا يعني ذلك أن الإسلام يصادر حرية الرأي، على العكس فالإسلام يحترم حرية الرأي، ولكنها الحرية المقيدة بالحلال والحرام، كما قال صلى الله عليه وسلم  ما معناه: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وسيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر» ينهاه فقتله فدخل الجنة.

وأما فيما يتعلق بالحرية الشخصية ففي ظل النظام الديمقراطي، للفرد أن يفعل ما يريد ويرتكب ما يهوى دون قيد من حلال أو حرام، فله أن يشرب الخمر، وله أن يزني، وللمرأة وللرجل أن يكون شاذاً فيفعل فعلة قوم لوط دون أن يؤاخذه القانون وهناك في الدول الديمقراطية نواد للعراة، ونواد لكل الأفعال الشاذة، تعيش في ظل وحماية القانون. وهذا ما يرفضه ويحرمه الإسلام. فكيف يمكن بعد ذلك أن يزعم زاعم أن الديمقراطية مبدأ إسلامي أو أن الإسلام يدعو إلى الديمقراطية.

وثمة شيء آخر، أن الديمقراطية لو كانت نظاماً صالحاً، لأصلحت حال أهلها، فالمجتمع اليوناني الذي على أرضه نبت المبدأ الديمقراطي، كان مجتمعاً مفككاً، أجهزت عليه الحروب الأهلية، مجتمعاً طبقياً العبد فيه لا يملك من أمر نفسه شيئاً، أي أن التفرقة العنصرية جزء لا يتجزأ من بنيانه، كما هو واق ع المجتمع الأمريكي اليوم مثلاً «فالتفرقة بين البيض والسود» أمر لا ينكره أحد وهذا ما يرفضه الإسلام الذي يجعل التفاضل بين الناس على أساس التقوى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى. وكما هو واقع الإنسان الإفريقي في ظل حكومة الأقلية في جنوب أفريقية. وعلى أرض اليونان، قامت حكومات كان همها بالدرجة الأولى أن تحقق المكاسب لنفسها على حساب غيرها فمثلاً أثينا في عهد بركليز كانت حريصة على أن تستخدم أموال الغير في تجميل العاصمة أثينا، وتحول النظام الديمقراطي لنظام استبدادي «ديكتاتوري».

فلقد ألغى بركليز اجتماع مجلس حلف ديلوس ونقل خزانة الحلف إلى أثينا دون موافقة الدويلات الأخرى، وأعلن أنه من أراد أن يخاصم أثينا فليلجأ إلى محاكم أثينا. بل إن الكثيرين من حكام أثينا كانوا يرفعون شعارات يتبنون فيها مصالح الأمة، وإذا ما وصلوا إلى موقع السلطة، سرعان ما يتنكرون لوعودهم ويتحولون إلى مستبدين. ومن حكام أثينا من كان يحقق أهدافه عن طريق إصدار القوانين الظالمة أي أنه كان استبداداً مقنّناً.

فكيف يمكن بعد ذلك أن يقول قائل: إن الديمقراطية مبدأ إسلامي، إن الإسلام يرفض المبدأ الديمقراطي لأنه يعادي الإسلام بل انه يسعى إلى إزاحته من واقع البشرية، ليحل محله إن شاء الله  .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *