العدد 119 -

السنة الحادية عشرة – ذو الحجة 1417هـ – نيسان 1997م

كلمة الوعي: الدولة الإسلامية (الخلافة) ما هي حقيقتها ؟

الدولة الإسلامية جسم وروح، شكل ومضمون، إطار ومحتوى.

إقامة الدولة الإسلامية ليست مجرد انقلاب للاستيلاء على السلطة، وتسلّمِ كرسيّ الحكم.

إنها، قبل كل ذلك، تحضيرٌ للأمة الإسلامية في عقيدتها وشريعتها.

الانقلاب لتسلّم كرسيّ الحكم هو الشكل أو الإطار فقط. أما تحضير الأمة في عقيدتها وشريعتها فهو المضمون أو المحتوى. تحضير الأمة في عقيدتها وشريعتها يعني جعل الأمة تحس وتفهم وتوقن أنها ]خير أمة أخرجت للناس[، وأنها أمة خير نبي، وتحمل خير رسالة، وأنها وحدها على الهدى وأن سائر الشعوب والأمم الأخرى في جاهلية وضلال.

تحضير الأمة الإسلامية في عقيدتها وشريعتها يعني بعث الأمل فيها أنها ما زالت تملك القدرة ليس فقط على أن تحرر نفسها من هيمنة الكفار المستعمرين، بل على تحرير العالم أيضاً من هيمنة هؤلاء الكفار المستعمرين.

تحضير الأمة الإسلامية لإقامة الخلافة يعني إنهاضها من الانحطاط الفكري، ورفعها إلى الوعي الصحيح والفكر المستنير في فهم الواقع وفي فهم الإسلام.

الأمة الإسلامية لها حضارتها (أي مجموع مفاهيمها عن الحياة) المستمدة من مبدئها الإسلام (القرآن والسنة)، فلها مفهومها للحلال والحرام، والخير والشر، ولها مفهومها لمعنى السعادة والشقاء والموت والحياة والدنيا والآخرة، ولها شريعتها التي نظمت المعاملات والأخلاق والمطعومات والملبوسات والعبادات والعقوبات والحكم والاقتصاد والسياسة الدولية…الخ وكل هذا هو من عند اللـه القائل: ]فمن اتّبعَ هُدايَ فلا يَضِلُّ ولا يَشْقى# ومن أَعْرضَ عن ذِكْري فإنّ له معيشَـةً ضنكاً[.

بينما الموجود في الحضارات الأخرى، خاصة الحضارة الغربية المتحكمة الآن بالعالم، هو من وضع البشر. هؤلاء البشر لم يضعوه بناء على عقولهم كما قد يتوهم كثير من الناس، بل بناء على شهواتهم وأهوائهم. فالحضارة المتحكمة بالعالم الآن (حضارة الغرب) هي جاهلية القرن العشرين. لقد أنتجت التمييز العنصري، والاستعمار والحروب الاستعمارية. وأنتجت أمراض الإيدز والمخدرات والخمور وإباحية الجنس. وأنتجت ناساً يتهربون من المسؤوليات والتضحيات، ويلهثون وراء الشهوات والنفعيات.

هذه الحضارة الجاهلية فُتٍنَ بها المسلمون ردحاً من الزمن جرّاء الانحطاط الفكري الذي خيّم عليهم، وجرّاء الثقافة المضللة التي فرضها الكافر المستعمر على المسلمين أثناء استعماره لهم. وبقي المسلمون فترة طويلة لا يميـّزون بين ما يجوز لهم أخذه من الكفار من مثل العلوم والصناعات والإدارات، وبين ما لا يجوز لهم أخذه من مفاهيم الحضارة الغربية.

ولا يمكن إقامة دولة إسلامية من أمة مفتونةٍ بحضارة غربية جاهلية، وتجهل حضارتها الإسلامية أو تخلط بين حضارة الإسلام وحضارة الكفر.

حينما توجد هذه المفاهيم في الأمة الإسلامية، ويوجد فيها الوعي على مبدئها وذاتها وواجبها، والوعي على جاهلية الحضارات الأخرى، حينما يوجد ذلك في عقل الأمة وشعورها، وتدرك أنها أمة من دون الناس فإن الدولة الإسلامية تكون قد قامت بالفعل، لأن المضمـون والمحتوى قد وُجـد، وهذا المضمـون هـو جـوهـر الدولة وروحها وسرّ ثباتها وانتشارها واستمرارها.

والآن نستطيع أن نقول: إن الدولة الإسلامية موجودة بالفعل لأن جوهر مقوماتها موجود بالفعل، ولا يحتاج إلا إلى الإعلان. وهذا الإعلان آتٍ لا ريب فيه، بعون اللـه وتوفيقه. ويسألونك متى هو؟ قل عسى أن يكون قريباً.

بعض الناس لا يفهمون من الدولة إلاّ الشكل الخارجي وإن كان فارغاً من المضمون. وهذا خطأ وسذاجة. الدولة العثمانية (الخلافة) حين هدمها الكفار على يد الماسوني اليهودي الأصل مصطفى كمال سنة 1924م. كانت في الواقع مجرد جسم بلا روح، وكانت هيكلَ خلافةٍ خالياً من مضامين الإسلام التي تعطيه المنعة والقوة. ولذلك سَهُلَ على الكفار هدم هذا الجسم أو الهيكل الخاوي.

الدول الغربية التي فتنت الناس فترة طويلة بحضارتها الجاهلية صارت تتوقع أن يحصل للمبدأ الرأسمالي كما حصل للمبدأ الشيوعي من السقوط، وصارت ترى في المبدأ الإسلامي الصاعد خصماً يشكل خطراً حقيقياً عليهم، حتى قبل تَجَسُّدِهِ في دولة ممسكة بزمام السلطة.

إنهم يرون في الإسلام الصاعد وفي الخلافة الكامنة خطراً على مصالحهم الاستعمارية في البلاد الإسلامية، وخطراً على حضارتهم من السقوط، وخطراً على كياناتهم من التفكك ومن أن يسيطر عليها المسلمون.

الدول الأوروبية أكثر إحساساً بالخطر وأكثر من أميركا خوفاً. ذلك أن أميركا لم تذق بأس المسلمين الذي ذاقه الأوروبيون في السابق، وإن عِظَم قوة أميركا العسكرية يجعلها مغرورة.

مؤسسة «راند» الأميركية المقربة من السلطة أصدرت قبل بضعة أشهر دراسة تجزم فيها أن الجبهة الإسلامية ستستولي على السلطة في الجزائر إن عاجلاً أو آجلاً. وكذلك صدرت دراسات غربية تتوقع استيلاء الجماعات الإسلامية (التي يسمونها أصولية) على السلطة في مصر وفي تركيا وفي باكستان، وهم يعتبرون أن السودان في قبضة (الأصولية) الإسلامية، وكذلك إيران وأفغانستان. ويخشون امتداد (الأصولية) الإسلامية إلى طاجيكستان وأوزبيكستان وبقية جمهوريات المسلمين في الاتحاد السوفياتي السابق.

أميركا أخذت بنصيحة مؤسسة «راند». مؤسسة «راند» ترى أنه ما دام الإسلام سيصل إلى السلطة ولا مجال لمنعه، فإن المصلحة الأميركية والغربية عموماً تقتضي مساعدة التيار المعتدل وليس التيار المتشدد، لأنهم يقولون بأن التيار المعتدل يمكن التفاهم معه. وعلى هذا الأساس برروا ذهاب مكفرلين إلى طهران لمساعدة تيار رفسنجاني المعتدل ضد تيار منتظري المتشدد (حسب قول الأميركان). وعلى هذا الأساس استدعوا حسن الترابي، قبل بضع سنوات، إلى أميركا لمقابلة الصحافة الأميركية وللإدلاء بشهادة عن فهمه للديمقراطية وللأصولية الإسلامية في الشرق الأوسط، ولإلقاء محاضرات أمام الرأي العام الأميركي، كل ذلك من أجل إبراز اعتداله، كي يكون ذلك مبرراً لدعم تيار الترابي في وجه التيارات المتشددة عند اللزوم.

الدول الأوروبية صارت تعدّل قوانين الهجرة، وتسنّ قوانين شديدة بحق المهاجرين (الأصوليين) أي المسلمين. وصاروا يهتمون كثيراً بإنشاء معاهد تدرّس الإسلام بشكل خاص يساعد على سلخ المسلمين عن الإسلام الصحيح وإعطائهم مفاهيم غربية يسمونها إسلاماً تساعد على دمجهم وتذويبهم في المجتمعات الغربية.

ومن أخطر هذه المعاهد «المعهد العالمي للفكر الإسلامي» الذي أُنشئ سنة 1981 في أميركا بدعم أميركي وتمويل من عملاء أميركا، والذي يقولون بأنه فَتَحَ حتى الآن 18 فرعاً في أنحاء العالم. إنه يتظاهر للمسلمين بأنه حريص على الإسلام. ولكنه يحاول التقريب بين الإسلام والحضارة الغربية.

المهم أن يبقى المسلمون على حذر من خطط الغرب وأساليبه الرامية إلى هدم الإسلام السياسي ومسخ الإسلام بالجانب الروحي الكهنوتي، وتأويل الجوانب السياسية بأنها ليست إلا الحضارة الغربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *