العدد 121 -

السنة الحادية عشرة – صفر 1418 – حزيران 1997م

سـياسـة الاحـتـواء (3)

سـياسـة الاحـتـواء

(3)

الأخطار التي تعالج بسـياسـة الاحتواء

بقلم: سعيد عبد الرحيم

إن الأخطار المحدقة بالمصالح والأهداف تقسم إلى ثلاثة أقسام:

1- الخطر المبدئي: وهو الخطر الذي يمس مصلحة أو غاية مبدئية، كخطر الإسلام السياسي المتوقع على الرأسمالية حال قيام الخلافة الراشدة، وخطر محاولات الغرب في احتواء فكرة الإسلام والخلافة على الأمة الإسلامية ودينها، وخطر الشيوعية على الرأسمالية ومصالحها وأهدافها من ناحية دولية إبان الحرب الباردة القديمة، والتي انتهت بلا عودة في عام 1961، وبالتالي انتهى هذا الخطر على الحلبة الدولية بلا رجعة، منذ أن تخلى الاتحاد السوفياتي عن الغاية الشيوعية وطريقة نشرها، ووافق على التعايش السلمي مع الرأسمالية بحسب مفهومها للتعايش على الملعب الدولي، أي: تخلى الاتحاد السوفياتي عن الصراع الدولي على أسس مبدئية، ووافق على الصراع والوفاق الدولي بينه وبين أمريكا على أسس استراتيجية وتكتيكية.

والأخطار التي تهدد المصالح والغايات المبدئية تعالج من وجهة نظر الإسلام حسب السياسات المبدئية، ولا تعالج بسياسة الاحتواء، كمعالجة خطر المرتدين بالقتال وفق الحكم الشرعي في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي اللـه عنه.

2- الخطر الاستراتيجي: وهو الخطر الذي يمس مصلحة أو غاية حيوية، كخطر بعث العسكرية الألمانية على أساس حربي بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى الآن على كل من أمريكا وفرنسا وروسيا، وخطر بعث العسكرية اليابانية على أساس حربي على مصالح وأهداف أمريكا في منطقة المحيط الهادي، وخطر احتلال العراق للكويت على المصالح الأمريكية الحيوية في الخليج، وخطر محو إسرائيل من الوجود على مصالح وأهداف أمريكا في الشرق الأوسط، وخطر القضاء على هيئة الأمم وقانونها ومؤسساتها على مصالح وأهداف الدول الكبرى وخصوصاً أمريكا.

3- الخطر التكتيكي: وهو الخطر الذي يمس مصلحة أو غاية هامة أو ثانوية، كخطر احتلال كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية في الخمسينيات على مصالح أمريكا فيها، وخطر تسلم حزب الليكود السلطة فيما يسمى بإسرائيل على مصالح أوروبا في الشرق الأوسط، وخطر تسلم حزب العمل السلطة فيما يسمى بإسرائيل على مصالح أمريكا في الشرق الأوسط، وخطر قيام الخلافة الراشدة في مصر أو السودان على مصالح أمريكا فيهما، وخطر قيام أمريكا بدعم الجيش الأيرلندي وتسخيره ليقوم بأعمال عسكرية داخل بريطانيا على المصالح والأهداف الإنجليزية فيها.

والأخطار الاستراتيجية والتكتيكية تعالج بسياسة الاحتواء بوصفها فرعاً من السياسات الأساسية والفرعية المتشابكة والتي تؤدي بمجموعها إلى درء الأخطار وإيجاد المصالح والأهداف بشتى أنواعها وصفاتها.

إن التلويح بوجود الأخطار التي تهدد المصالح والأهداف متنوع منه المفتعل والحقيقي.

1- الخطر المفتعل: هو الخطر المخالف للواقع في وجوده على الموقع المنوط به، وفي صفته. كتلويح أمريكا بالخطر الشيوعي على الخليج في فترة الحرب الباردة الجديدة، وأمريكا افتعلت هذا الخطر لعدة أغراض منها أنها تريد سيطرة كاملة على الخليج، تؤدي إلى قلع النفوذ الإنجليزي منه، فتتحكم في بتروله إنتاجاً وتسويقاً وتسعيراً، ولما فشلت أمريكا بالتفرد فيه من خلال أفكار نيكسون، قامت أمريكا بربط الأمن في الخليج بأمنها، ومصالحها فيه بمصالحها مع ألمانيا وبريطانيا، ومنعت أي تقارب بينه وبين بعض الدول كاليابان وألمانيا لكون هذه الدول تفتقر إلى بتروله، الذي يعتبر حاجة حيوية بالنسبة لها، فبوساطة تحكم أمريكا في بترول الخليج تتحكم بهذه الدول وبصناعاتها، ولما أجبرت أمريكا حكام الخليج على عقد اتفاقيات أمنية معها، قام بعض هؤلاء الحكام بتأثير من بريطانيا بعقد اتفاقيات أمنية معها ومع فرنسا لاحتواء خطر التفرد الأمريكي، فأثارت أمريكا المتاعب والمخاوف لحكام الخليج، وسكتت عن بقاء صدام حسين في السلطة لتجعل منه فزّاعةً لحكام الخليج وجعلت رالف أكيوس يكرر التصريحات عن أن العراق ما زال يمتلك الأسلحة الخطِرة، بل إنه زاد من إنتاج هذه الأسلحة. وقامت بإنشاء قيادة مركزية مهمتها تطبيق فكرة كارتر، وبإنشاء قوات الانتشار السريع التي أوكلت لها مهمة تحقيق السياسة الأمريكية ومصالحها، وهي تتذرع بأية ذريعة، وتستغل كل وضع لتكثيف وجودها العسكري فيه، فتلويح أمريكا بالأخطار على أمن الخليج، هو تلويح مفتعل يراد منه التفرد التام في السيطرة عليه، وكتلويح أمريكا بالخطر الشيوعي على دول العالم الثالث إبان الحرب الباردة الجديدة سواء في أمريكا اللاتينية أم في الشرق الأوسط أم في القرن الإفريقي. وحقيقة الأمر أن أمريكا اللاتينية مزرعة لأمريكا أما بالنسبة للشرق الأوسط وإفريقيا فإن الصراع هو بين أمريكا وبعض دول أوروبا وهي بريطانيا وفرنسا، وأمريكا كانت تستغل إبراز الصراع الوهمي بينها وبين روسيا لقلع النفوذ الأوروبي أو لتعزيز نفوذها في هذه المناطق.

2- الخطر الحقيقي: هو الخطر المطابق للواقع في وجوده على الموقع المنوط به، وفي صفته كالخطر الشيوعي المبدئي على الرأسمالية ومصالحها في المزرعة الدولية إبان الحرب الباردة القديمة، وهذه الحرب قد نشبت بين الرأسمالية والشيوعية في المجال الدولي قبل وبعد الحرب العالمية الثانية، والتي انتهت من ناحية دولية في عام 61، حين انتهى الخطر الشيوعي في الحقل الدولي بموافقة الاتحاد السوفياتي على سياسة التعايش السلمي، والتخلي عن الشيوعية في المسرح الدولي، وهذه السياسة ما زالت قائمة حتى الآن.

والحرب الباردة هذه هي حرب سياسية مبدئية بين الرأسمالية والشيوعية في الساحة الدولية، وهي حرب حقيقية في وجودها وموقعها الدولي، وفي صفتها المبدئية. وأعمال هذه الحرب هي الأعمال الدولية المبدئية والاستراتيجية التي تخدم السياسة المبدئية الخارجية على المسرح الدولي، كقيام روسيا بمحاولة زحزحة أمريكا عن مركز الدولة الأولى، ورفضها العمل على حل المشاكل الدولية من خلال هيئة الأمم وقانونها، والعمل على حلها من خلال المؤتمرات خارج الهيئة ونظامها، أما الأعمال الثانوية كسماح روسيا للمجر مثلاً بإجراء انتخابات حرة فيها، فإن هذا العمل وأمثاله لا علاقة له بالحرب الباردة، ولا يدل على اعتدال روسيا أو تطرفها بشأن الحرب الباردة، لأن هذا العمل وأمثاله لا يتصل بالحرب الباردة البتة، وهي قد نشبت قبل هذه الأعمال، أي: نشبت لحظة بروز الشيوعية كقوة عظمى في الحقل الدولي، ولا علاقة لها بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مؤتمري يالطة وطهران، لأن شرق أوروبا لم يكن مصلحة مبدئية أو حيوية  بالنسبة لروسـيا ما دامـت دول الغرب قد اتفقت معها في المصلحة الحيوية المتصلة بألمانيا، وهي تجريدها من القدرات الصناعية والعسكرية، وكذلك الأمر بالنسبة لإعلان ترومان عن فكرته في معالجة الخطر الشيوعي على المسرح الأوروبي بقيادة الولايات المتحدة، فهذا الإعلان لا علاقة له ببداية الحرب الباردة لأنها كانت قبله. أما مصطلح الحرب الباردة فهو قديم استخدم للمرة الأولى من قبل الأمير خوان مانوئيل الإسباني في القرن الرابع عشر، ولم يدخل كمصطلح جديد في القاموس إبان إعلان ترومان عن سياسته في احتواء الخطر الشيوعي على الصعيد الأوروبي.

أما مسألة إحجام روسيا عن تهديد مصلحة حيوية للغرب يؤدي حتماً إلى حرب فعلية بينهما كالاستيلاء على السلطة في فرنسا بالقوة من قبل الشيوعيين، فذلك لأن روسيا لا تريد حرباً ساخنة جديدة مع الغرب، وهي لم تعالج بعد آثار الحرب العالمية الثانية، والتعاون الذي حصل بين روسيا ودول الغرب أثناء الحرب كان تعاوناً مؤقتاً بسبب اتفاق المصالح بينهم على ألمانيا وبسبب ظروف الحرب العالمية الثانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *