العدد 122 -

السنة الحادية عشرة – ربيع الأول 1418 – تموز 1997م

كلمة الوعي: موقف أميركا من دولة إسرائيل وحكومة إسرائيل

وجود دولة إسرائيل في فلسطين مسألة استراتيجية ثابتة في السياسة الأميركية، سواء عند الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري. الساسة الأميركيون يروْن في وجود إسرائيل قاعدة لهم يستخدمونها لحفظ مصالحهم ونفوذهم، وليس تأييدهم لها هو مجرد خدمة لليهود. فأميركا هي مثل سائر الدول الاستعمارية التي تجعل مصالحها أساساً لسياستها. وليس عند الدول الاستعمارية سياسات مبنية على العواطف. ولا تقبل أميركا أن تكون مسيّرة من إسرائيل ولا من جماعة الضغط اليهودي لمصلحة إسرائيل.

نعم يوجد في أميـركا من يتعاطـف مع إسـرائيل، ومن يفـهـم مـصلحـة أميـركا أنـها بالانـحيـاز الكامل إلى إسـرائيـل ويوجـد فيها من يرى غير ذلك. ولكن تبقـى في النهـايـة أميركا ومصالح أميركا هي الأساس عند الجميع.

أما حكومة إسرائيل فإنها شيء عابر، وقد تختلف معها حكومة أميركا أو تتفق حسب السياسات التي تسلكها حكومة إسرائيل. وفي أكثر الأحيان كانت حكومة إسرائيل تقوم بأعمال ضد السياسة الأميركية، ففي العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 وفي حرب سنة 1967 حين ضربت سفينة ليبرتي الأميركية كانت تنسق مع الإنكليز ضد السياسة الأميركية. وهناك أمور أخرى كثيرة.

أميركا تريد إسرائيل أداة لها، وحكومة إسرائيل تريد منافسة أميركا ومزاحمتها. وهذا هو الخلاف الأساسي بين الحكومتين. ويكاد يكون دائمياً.

أما الآن فهناك خلافات كثيرة صارت تبرز إلى السطح وإن كان الطرفان يحاولان إخفاءها. ومن ذلك مسألة الجولان. أميركا كانت أقنعت رابين وبيريز بالانسحاب من جميع أرض الجولان، وجاء نتانياهو وتراجع عن ذلك، وصار في الشهور الأخيرة يستخدم في نقاشاته مع الأميركيين ومع مسؤولين من دول أخرى، بل وحتى في خطابه للجمهور الإسرائيلي مفهوماً جديداً في الجغرافيا السياسية هو «المساحات الدفاعية» لإسرائيل، وتشمل هذه المساحات مرتفعات الجولان وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية بل وحتى أجزاء من جنوب لبنان.

وانزعجت أميركا منه وصارت تضغط عليه، لأن أميركا تطمع هي بالنزول في الجولان ولا تريد شريكاً لها فيها. ومن أعمال الضغط اعترافها بدور لـِ «حزب اللـه» في جنوب لبنان كمقاومة للاحتلال الإسرائيلي. ومن أعمال الضغط عرقلتها للمفاوضات على المسار الفلسطيني الإسرائيلي (وإن كانت تتظاهر أنها حريصة على هذا المسار). ومن أعمال الضغط إيعازها في مجلس الأمن الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للدول التي تؤثر فيها أن تصوت ضد إسرائيل (وإن كانت أميركا نفسها تقف مع إسرائيل). ومن أعمال إيعازها لعملائها أن يقفوا في وجه الهرولة نحو (تطبيع) العلاقات مع إسرائيل. ومن أعمال الضغط تحريك انتفاضة جديدة في الضفة وغزة.

ومن المسائل التي تداولتها وسائل الإعلام خلال الشهرين الماضيين:

  • نشرت صحيفة «الوشنطن بوست» نقلاً عن مصادر رسمية أميركية أن ثمة «عميلاً مزروعاً» لإسرائيل بين المسؤولين الكبار في وزارة الخارجية الأميركية يتعامل مع «الموساد».

  • وجّه بن أليسار رسالة إلى نتانياهو يطالب فيها بتوجيه احتجاج رسمي إلى واشنطن لأن أجهزتها الأمنية تتنصت على مكالمات السفارة الإسرائيلية.

  • ركزت وسائل الإعلام الأميركية على تعميم أخبار المشادّة بين نواب وقادة دينيين في إسرائيل وسفير أميركا في إسرائيل مارتن أنديك ووصفوه باليهودي النذل.

  • دنيس روس، منسق عملية السلام، كان أعلن أن إسرائيل ليست بحاجة إلى بناء مستوطنات لأن 26% من المستوطنات القائمة ما زالت خالية. وكرر هذا القول مارتن أنديك السفير الأميركي في إسرائيل.

  • أميركا ليست بعيدة عن الأزمة الحكومية في إسرائيل من استقالة ميريدور إلى اعتكاف ليفي.

  • في 27/06/97 التقى باراك الزعيم الجديد لحزب العمل الإسرائيلي بنائب الرئيس الأميركي آل غور وبمستشار الأمن القومي صموئيل بيرغر من دون علم السفير الإسرائيلي بن أليسار الذي استشاط غضباً من طريقة الالتقاء.

  • في 20/06/97 حذر السفير الأميركي في تل أبيب مارتن أنديك إسرائيل قائلاً: «عليكم أن لا تسمحوا بإعاقة السلام لأنه يبدو أن هناك هدوءاً ظاهراً فقط» وأضاف: «إنه ليس وضعاً هادئاً على الإطلاق إنه لن يدوم». وقال مخاطباً الإسرائيليين: «الأمر لكم. لقد أصبحتم كباراً الآن. أنتم الإسرائيليون تدخلون عامكم الخمسين. لا يعود للولايات المتحدة أمر إنقاذ إسرائيل رغماً عنها». وقد تم تعيين أنديك مساعداً لوزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط خلفاً لبيليترو.

ونلاحظ أن كلينتون أدخل في إدارته الساسة اليهود الذين كان اعتمدهم بوش، وزاد عليهم وزيرة الخارجية وغيرها. وهذا أسلوب كي يبرهن الرئيس الأميركي حين يختلف مع حكومة إسرائيل أنه ليس ضد مصالح إسرائيل الحقيقية بل ضد سياسة حكومة هي لا تدرك مصلحة إسرائيل، كما قال أنديك.

السعودية أعلنت بلسان الأمير عبد اللـه ووزير الخارجية أنها لن تحضر المؤتمر الاقتصادي في قطر. الأمير عبد اللـهقال بأن أميركا حضت السعودية على حضور المؤتمر ولكن السعودية لن تحضر. ونحن نفهم من هذا أن أميركا أوعزت سراً للسعودية أن لا تحضر. ونفهم من هذا أن أميركا ستوعز سراً لكل من لها تأثير عليه أن لا يحضر. ونلاحظ أن مصر لم تعلن موقفها حتى الآن. مصر قد تحضر إذا انعقد كي لا يخلو الجو داخل المؤتمر لعملاء الإنجليز ليأخذوا القرارات التي تناسبهم. وهذا يعني أن أميركا تسعى لتعطيل المؤتمر أو لتقزيمه لمنع الهرولة إلى التطبيع مع إسرائيل.

والمسألة التي تبدو نشازاً (ولكنها ليست كذلك) هي وقوف مجلس النواب الأميركي (406 أصوات مقابل 17) بجناحيه الجمهوري والديمقراطي إلى جانب اعتبار مدينة القدس كلها عاصمة أبدية لإسرائيل وتوصيته بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس ورصد 100 مليون دولار لهذا الغرض. مع أن الإدارة الأميركية عارضت ذلك. فهل إن الشعب الأميركي ونوابه ضد إدارته وهم مع حكومة نتانياهو؟

إن هذا يدل على أن رأي الإدارة الأميركية أيضاً هو مع القرار الذي اتخذه النواب، ولذلك صوت نواب الحزب الديمقراطي الحاكم مع القرار. والإدارة تتظاهر أنها تنتظر نتيجة المفاوضات. وفي الخفاء يبرهن كلينتون أنه حريص على إسرائيل أكثر من نتانياهو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *