كلمة الوعي: أميركا تتخلى عن رأيها في تدويل القدس وفي المستوطنات
2016/10/19م
المقالات, كلمات الأعداد
1,871 زيارة
أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين ثاني سنة 1947 قرارها رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين إلى كيانات ثلاثة، دولة يهودية، ودولة عربية، وكيان القدس. ونص القرار على أن يكون كيان القدس مستقلاً عن الدولتين وحيادياً ومنزوع السلاح، وتحت الوصاية الدولية، وتقوم الأمم المتحدة بتعيين حاكمه الإداري وموظفيه وجهاز شرطته من غير أهل فلسطين يهوداً أو عرباً. وحدد القرار منطقة كيان القدس بأن تضم كامل مدينة القدس وبيت لحم وأبوديس وبيت صفافا وعين كارم وشعفاط.
ولما كانت الولايات المتحدة وراء إصدار القرار المذكور، فقد أعلنت مراراً وتكراراً التزامها به. لذلك لما نقلت إسرائيل سنة 1952 وزارة الخارجية إلى القدس الغربية التي احتلتها سنة 49، أرسلت الإدارة الأمريكية احتجاجاً للحكومة الإسرائيلية اعترضت فيه على نقل الوزارة، وبينت أنها لن تنقل سفارتها إلى القدس لأن القدس تخضع بموجب القرار 181 لإدارة دولية.
وفي حزيران سنة 67 احتلت إسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية. وإثر ذلك أصدر مجلس الأمن قراره رقم 242 الذي ينص على عدم جواز احتلال أرض الغير بالقوة، وعلى انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلت في حرب 67 مقابل السلام، أي الانسحاب الشامل مقابل السلام الكامل.
وما أن احتلت إسرائيل القدس الشرقية حتى ضمتها وأعلنت توحيد مدينة القدس وشرعت في إجراء تغييرات في معالم المدينة. دفعت إجراءات إسرائيل هذه الجمعية العامة ومجلس الأمن إلى إصدار قرارات عدة تنص جميعها على عدم شرعية الإجراءات الإسرائيلية، وعلى بطلانها، وطالبت بإلغائها. ولما أعلنت إسرائيل سنة 1980 القدس الموحدة عاصمة لها، أصدر مجلس الأمن في 30 تموز قراراً رفض فيه القرار الإسرائيلي، وطلب من حكومة إسرائيل الكف عن جميع الإجراءات التي تغير من وضع المدينة ومن شخصيتها. وقفت الولايات المتحدة إلى جانب القرارات الدولية، وأعلن مندوبوها في الأمم المتحدة مراراً وتكراراً أن قرار إسرائيل ضم القدس باطل ولا يترتب عليه أثر قانوني، وإن الولايات المتحدة لا تعترف به.
هذا فيما يتعلق بالقدس. أما فيما يتعلق بالضفة الغربية، فقد التزمت الولايات المتحدة بالقرار 242 الذي يقضي بالانسحاب منها. ولما شرعت إسرائيل في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وفي منطقة القدس، أعلنت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً عدم شرعية المستوطنات، وطالبت إسرائيل بعدم تغيير الواقع على الأرض. ومن مواقف الولايات المتحدة بهذا الخصوص حجب الرئيس بوش ضمانات القروض عن بناء المستعمرات في الأرض المحتلة سنة 67، أي الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وبعد أن أوجدت إسرائيل واتفاقا أوسلو ووادي عربة متغيرات واسعة، وفرضت واقعاً جديداً، أخذت المواقف الأمريكية حيال القدس وحيال الضفة الغربية بالتردد. لقد اتخذ مجلس الشيوخ في 24 تشرين أول سنة 95 قراراً بأغلبية 93 مقابل 5 يقضي باعتـبار القدس الموحدة عاصـمة لإسـرائـيـل، وبـنـقـل السـفـارة
الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في مدة أقصاها 31 أيار سنة 1999. وقرارات الكونغرس تشريعات ملزمة للرئيس. لكن الدستور الأمريكي أعطى الرئيس حق النقض (الفيتو) لأي قرار يتخذه الكونغرس خلال عشرة أيام من تسلمه له من الكونغرس. فإن فعل ذلك فإنه يتوجب على المجلس، إن أصر على القرار، إعادة التصويت عليه. فإن حصل على ثلثي الأصوات أصبح تشريعاً ملزماً. أما إن لم يحصل على الثلثين سقط وأصبح كأن لم يكن. والذي حصل هنا أن مجلسي الكونغرس، والشيوخ والنواب، صادقا على القرار المذكور، ووقعه الرئيس فأصبح قانوناً وتشريعاً.
وبالتدقيق في قرار مجلس الشيوخ المذكور نجد الإلزام واضحاً مما يلي:
1- لم يستعمل الرئيس حق النقض، وإنما طلب أن يمنحه المجلس صلاحية توقيت التنفيذ. وقد استجاب المجلس لطلب الرئيس فمنحه صلاحية تعليق نقل السفارة وفق مقتضيات الأمن القومي الأمريكي لمدة ستة شهور لمرة واحدة أو أكثر حسب ما يراه ضرورياً. فالاختلاف بين الرئيس والمجلس ليس على القرار ومحتوياته، وإنما على توقيت التنفيذ. ولما احتوى نص القرار تخويل الرئيس ما طلبه من صلاحية وقع الرئيس القرار فأصبح قانوناً.
2- خصص القرار مبلغ مائة مليون دولار لتنفيذ نقل السفارة منها 25 مليون دولار للسنة المالية 96، ومبلغ 75 مليون دولار للسنة المالية 97. وهذا يعني الشروع الفوري في التنفيذ.
3- نص القرار على أن يقدم وزير الخارجية إلى الكونغرس تقريراً في غضون شهر، يتضمن المواعيد التقريبية لإنجاز هذه الخطوة، بما في ذلك إنجاز المبنى الجديد، وتقديم تقرير إلى الكونغرس كل ستة شهور عن سير عملية التنفيذ.
4- اتخذ القرار بأغلبية ساحقة شبه إجماعية من قبل أعضاء الحزبين، الحزب الديمقراطي الحاكم والحزب الجمهوري. وشبه الإجماع هذا يبين أن القرار يكشف عن السياسة الأمريكية القائمة أو بخاصة أن الرئيس ليس بعيداً عن توجهات حزبه السياسية، وأن أعضاء حزبه ليسوا بعيدين عما يدور في ذهنه من سياسات وتوجهات.
ولم ينفرد مجلس الشيوخ في إقرار السياسة الأميركية الفلسطينية، أو الكشف عنها، إذ لحق به مجلس النواب فأصدر في 10 حزيران 97 وبأغلبية شبه إجماعية 406 مقابل 17 قراراً مشابهاً عزز فيه قرار مجلس الشيوخ.
ويدلل القراران وموقف الرئيس منهما أن الولايات المتحدة تراجعت عن تدويل القدس، واعترفت بضم إسرائيل للقدس الشرقية، وبالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، فاعترفت بالأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل. وتجسد الموقف الأمريكي في موقف الإدارة الأميركية من مستعمرة جبل أبو غنيم في القدس. فقد أعلن الرئيس كلينتون أن الاستيطان يعرقل المفاوضات ولا يساعد على بناء الثقة دون أن يزيد على ذلك.
ولم يتوقف التغير في الموقف الأميركي عند قضية القدس، بل تعداها إلى التسوية الفلسطينية ككل، وإلى الأساس الذي قامت عليه المفاوضات، وإلى محتوى قرار مجلس الأمن رقم 242. فقد أعلن وزير الخارجية، كريستوفر، في 26 حزيران سنة 96 أن «مبدأ الأرض مقابل السلام يدخل في العموميات، والعموميات لا تنتج سلاماً، وأن تطبيق هذا المبدأ إنما يكون في إطار الواقع». لفت هذا القول نظر المراقبين واحتاروا في تفسيره، وذهبوا في ذلك مذاهب شتى، وبخاصة أن الولايات المتحدة بقيت تقول إنها لا زالت تلتزم بمبدأ الأرض مقابل السلام. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أية أرض وأي أن الاستيطان يعرقل المفاوضات ولا يساعد على بناء الثقةاااللميبميتسلام؟
إن تصـريح كريسـتوفر هذا يعني أـه لا بـد من أخـذ المتـغيـرات، أي الواقـع، في الاعـتـبار لـدى بـحـث
الانسحاب الإسرائيلي. ويعني هذا أن الولايات المتحدة لم تعد ترى الانسحاب من الأراضي التي احتلت وإنما الانسحاب من أراضٍ احتلت، وهو التفسير الإسرائيلي لنص القرار 242 باللغة الإنجليزية.
وليست هذه المرة الأولى التي يتحدى فيها اليهود القرارات الدولية ويفرضون واقعاً جديداً. فقبل أن يجف مداد القرار 181 أخذ اليهود في قضم الأراضي التي خصّصها القرار للدولة الفلسطينية دون أن يردعهم رادع ثم اعترف لهم المجتمع الدولي بجميع الأراضي التي احتلوها قبل حرب 67.
أما حكام البلاد الإسلامية، وفي مقدمتهم حكام البلاد العربية، فقد تنازلوا عن فلسطين وعن القدس يوم تنازلوا عن الجهاد وتركوا إسرائيل تنمو وتكبر وتعيث في الأرض فساداً. وتنازلوا عنها مرة ثانية يوم ركنوا إلى دول الكفر وإلى المنظمات الدولية وسلموها قيادهم ومصير البلاد والعباد. وتنازلوا عنها مرة ثالثة يوم تنازلوا عن القضية الفلسطينية للفلسطينيين الذين لا حول لهم ولا قوة لا لشيء إلا ليوقعوا صكوك هذا التنازل. وتنازلوا عنها مرة رابعة يوم آزروا التوقيع على صكوك التنازل الفعلي عنها لليهود، ويوم أخذوا بتطبيع علاقاتهم معهم.
ولا غرابة أن تصدر هذه التنازلات من هؤلاء الحكام، فكلهم عبيد وأتباع ينفذون ما يؤمرون به، وليس فيهم رجل رشيد ولا سادة ولو كان فيهم سادة لحالوا دون هذه التنازلات الذليلة، ولأنهوْا هذا الكيان اليهودي المصطنع من زمن بعيد. فهم قادرون على أن يهددوا المصالح الحيوية لأمريكا والدول الغربية الداعمة للكيان اليهودي والحامية له تهديداً حقيقياً، وإذا ما أيقنت أمريكا والدول الغربية أن مصالحها الحيوية في منطقة العالم الإسلامي مهددة تهديداً حقيقياً فإنها ستكف عن دعم الكيان اليهودي وتأييده سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وتترك المجال لهم للقضاء على هذا الكيان المصطنع. لكن للأسف فإن هذا بعيد الحصول من هؤلاء العبيد الذين فقدوا كرامة السادة، وهم جميعاً قد رموْا سيف القتال وتخلوْا عن الخيار العسكري، وأجمعوا على الصلح مع اليهود، والتنازل لهم عن فلسطين، وتطبيع العلاقات معهم.
لذلك لا أمل بإعادة فلسطين والقدس على رأسها إلا بإقامة الخلافة، وتنصيب خليفة، ليقود الناس بكتاب اللـه وسنة رسوله، ويعلن الجهاد باسم اللـه وباسم الإسلام على الكيان اليهودي المصطنع حتى يقضي عليه، ويستأصله من جذوره.
وقد وعد اللـه سبحانه وتعالى بأن كيان اليهود هذا سيُهْدَم كما هُدِمَ كيان اليهود مرتين في السابق لإفسادهم في الأرض وعلوهم علوّاً كبيراً، حيث قال سبحانه: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدُنَّ في الأرض مرتين ولتعلُنَّ علوّاً كبيراً* فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً) إلى أن قال: (وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً) وقد عاد اليهود إلى الإفساد في الأرض والعلوِّ الكبير، وبذلك سيتحقق وعيد اللـه لهم، بأن يدمرهم كما دمرهم في المرتين السابقتين. وسيكون تدميرهم هذه المرة بأيدي المسلمين وفي ظل حكم الإسلام كما أخبرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بذلك حيث قال: «لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي فتعال فاقتله» رواه مسلم عن ابن عمر وفي رواية أخرى عن أبي هريرة أن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر أو الشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد اللـه هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود».
2016-10-19