العدد 124 -

السنة الحادية عشرة – جمادى الأولى 1418 – أيلول 1997م

محنة أهل فلسطين مع السلطة

محنة أهل فلسطين مع السلطة

يعيش أهل فلسطين محنة شديدة مؤلمة مزدوجة الوجوه: الوجه الأول المتجسد في ظلم اليهود لهم، والوجه الثاني بسبب ظلم السلطة الممارسة لما يسمى بالحكم الذاتي وهذه مقالة لأستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح في نابلس (عبد الستار قاسم) تكشف استهتار السلطة بشعبها وسرقتها لأمواله، وقد نشرتها له صحيفة الحياة في 26/8 وهذه مقتطفات منها نوردها لتعميم الفائدة مما ورد فيها:

في كـل مـرة تريد إسـرائيل أن تعـاقب سكان الأرض المحتلة (1967) أو تخشى على أمنها تغلق المناطق وتمنع العمال من الذهاب إلى أماكـن عمـلهم في المصـانع والمزارع الإسرائيلية. وفي كل مرة تعلو أصوات الفلسطينيين، بخاصة قيادة السلطة، مستنجدة بالعالم لفك الطوق وإلغاء الإغلاق.

هكذا تبدو الأمور أن عجلة الحياة الفلسطينية معلقة ولو جزئياً بعجلة الحياة الإسرائيلية، أو بصورة أدق بعجلة الاقتصادي الإسرائيلي. فإذا اتبعت إسرائيل سياسة متشددة فإن العامل الفلسطيني لا يعمل وأولاده سيصيبهم ضنك العيش وترتفع البطالة ويتأثر النشاط الاقتصادي سلبياً فتضيق الحياة على التاجر والصانع والحرفي. وهل من يعتمد على العدو في لقمة خبزه ولو جزئياً يكون قد عمل جهده عبر السنين لتحقيق الحرية؟

أدرك الشعب أن التحرر الاقتصادي من قبضة العدو عبارة عن مقدمة لتحقيق التحرر السياسي، وأن الاعتماد على العدو من الناحية الاقتصادية يتناقض مع أهدافه ويعمل ضدها. فالاعتماد على العدو نفي منطقي وعملي لكل شعارات التحرر والثورة.

مصدر دخلنا هو عدونا الذي يحتل أرضنا ويقتل أطفالنا ويسحق عظامنا ويزج أبناءنا في السجون، وعضلاتنا كانت دائماً مصدر قوة لعدونا الذي نريد إضعافه وطرده من بلادنا. بنينا مستوطنات العدو ونظفنا له شوارعه وقطفنا له البرتقال وشغلنا الآلات وحركنا العجلات. ازداد إنتاج العدو وازدادت قدراته الاقتصادية. لقد ناقضنا أنفسنا بأنفسنا، ووقفنا ضد مواقفنا، وهوت كل شعاراتنا مع كل حجر وضعناه في مستوطنة، بدأ الإنسان منا يسحق نفسه، يصارع ذاته، يقف ضد آماله.

إن أموال دعم الصمود تم توجيهها إلى حد كبير نحو الاستهلاك، وذلك ما أفاد الاقتصاد الإسرائيلي. وارتفعت القوة الشرائية في الأرض المحتلة وتوجهت نحو استهلاك رفَعَ من الإنتاجية الإسرائيلية، وأصبحنا ثاني أكبر مستورد من إسرائيل بعد الولايات المتحدة. تطورت عاداتنا نحو الاستهلاك وشهدت البلاد تسابقاً استهلاكياً تمثل بشكل واضح في التسابق نحو الحصول على أموال من اللجنة المشتركة تحت مختلف الذرائع، إذ أن جانبي اللجنة المشتركة كانا مهتمين بالاستقطاب السياسي فأخذت طرق الصرف المناحي السياسية وليس الوطنية.

تـم تبديد الأموال وتبذيرها بطرق لم تخدم مصلحة الصمود الفلسطيني وأوجدت طوابير من النفعيين والمعتمدين على التفرغ السياسي مقابل تأييد لهذه الجهة أو تلك. نمت في هذه الأجواء شعارات كثيرة وازدادت المهرجانات والخطب التي صنعت انتصارات وهمية جنباً إلى جنب التراجعات على مختلف الصعد.

وثبت أن قيادة منظمة التحرير لا تفكر إلا في الاستقطاب السياسي واستعمال أموال الشعب لشراء المواقف السياسية، وبدا أن طباعة صور القائد أهم بكثير من أي قضية حيوية تهم مستقبل الشعب الفلسطيني.

لم يتوقف الأمر عند حد القبول الضمني بالتبعية والاعتماد في لقمة الخبز على العدو وإنما تحول تحولاً تاريخياً يجدر بالمؤرخين رصده والاستفاضة في تبيان أسبابه. أصبح العمل في إسرائيل مطلباً فلسطينياً تعمل القيادة الفلسطينية على استمراره والمحافظة عليه. فبعد أن تم التوقيع على اتفاقية أوسلو وتطبيق سياسات إغلاق الأراضي المحتلة بصورة مكثفة أخذت تلجأ القيادة إلى طلب العون من دول العالم للضغط على إسرائيل من أجل إلغاء الإغلاق. سقطت الشعارات الوطنية واندثرت وأصبح النضال الفلسطيني يتركز على المعيشة اليومية من خلال المزرعة الإسرائيلية.

هناك مأساة عظيمة في هذا الأمر متمثلة ببناء المستوطنات بسواعد فلسطينية. تطالب القيادة دول العالم بالضغط من أجل إيقاف الاستيطان وبالضغط من أجل فتح باب العمل، في الوقت الذي يبني فيه عمالنا المستوطنات أو على الأقل بعضها. كيف سيفسر التاريخ هذا؟ والأكثر مرارة أن السلطة الفلسطينية جاءت بعد اتفاق أوسلو واعدة بالخير الكثير وبتحويل الأرض المحتلة إلى سنغافورة الشرق الأوسط، فإذا بها تغرق بفساد رهيب يأكل الأخضر واليابس. سنغافورة الموعودة تحولت إلى خانة من النهب. ضاع جزء كبير من الموازنة الفلسطينية العامة في جيوب المتنفذين، وصرفت أموال الموازنات السرية على شراء الذمم وخلق الشلل المتنافسة على النفوذ والثراء السريع. وترك شعب فلسطين في العراء يستجدي من أجل لقمة الخبز.

ومع هذا تبكي السلطة الفلسطينية لدول العالم مطالبة بالرأفة والرحمة والنظر إلى الأطفال الجياع. كان من الأولى أن تمد السلطة عين الرأفة نحو الشعب بدل أن تطلب من العالم القيام بما تطلبه. آثرت السلطة البغددة على حساب الشعب وزج الشعب إلى الاقتصاد الإسرائيلي يتدبر أموره المعيشية من خلاله.

أصبح التسول ومد اليد عادة رسختها قيادة منظمة التحرير قبل أوسلو وتمسكت بها السلطة بعد أوسلو. ومن اعتاد على أن تكون يده السفلى يصعب عليه أن يقلب راحة يده ليكون ظهرها هو الأعلى. وإذا كانت القيادة تبكي الإغلاق وسياسات إسرائيل فإنها لا تبكي إلا همومها الخاصة وانقطاع حبل تجيير القوة الفلسـطينية لصالح الاقتصاد الإسرائيلي. وحسب المثل العربي «لا تنظر إلى دموع عينيه بل انظر إلى ما تفعل يداه».

من حق الشعب الفلسطيني ومن حق الدول العربية أن تسأل عن تلك الأموال التي كانت تهدف إلى دعم الصمود، ومن حقها أن تسأل عن أموال سنغافورة. لماذا وجد الشعب الفلسـطيني نفسـه خالي الوفاض، ولماذا يساق إلى مزارع إسرائيل وكأنه عبد انتزعته أيدي السادة من أحضان أمه؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *