العدد 124 -

السنة الحادية عشرة – جمادى الأولى 1418 – أيلول 1997م

كلمة الوعي: في نظر أميركا العقدة هي الجولان وليس المسار الفلسطيني أو اللبناني

 

منذ أسابيع قليلة نُقِلت أخبار أن إسرائيل تتحفز للقيام بضرب سوريا، وأنّ أميركا تعارض إسرائيل.

الحقيقة أن إسرائيل كانت تخطط لضرب سوريا في أواخر سنة 1996، وكانت تحرّض عملاءها في لبنان ليقوموا بانقلاب حين تقوم بضرب سوريا. وقد لجمت أميركا في حينها هذه الخطة. ثم خططت إسرائيل للقيام بضرب سوريا من تركيا في أوائل صيف 97. ولكن أميركا سبقت إسرائيل واتخذت الإجراءات الكفيلة بمنع ما خططت له إسرائيل. وبناء على ذلك فنحن نرجح أنه لا توجد خطة إسرائيلية جاهزة الآن لضرب سوريا. وقد قال ريتشارد ميرفي رداً على سؤال في 05/09/97: «لا أعتقد أن هناك حرباً في المنطقة في الوقت الحاضر» رغم التوتر الشديد الذي تشهده.

ونحن نرجح أن الغرض من تسريب الأخبار عن خطة إسرائيلية وأن أميركا تعارضها هو تهيئة الأجـواء للإعـلان عن الإجراءات الأميركية لحماية سـورية من عدوان إسـرائيلي. وكان إدوار جيرجيان، السـفيـر الأميركي السـابق لدى سـوريا، اقتـرح على حكـومتـه مؤخراً تزويد سوريا بالأسلحة الأميركية المتطورة.

أميركا تعتبر أنها حلت أزمة المشكلة الفلسطينية ولم يبق منها إلا جزئيات، وتعتبر أنه لا يوجد في الأصل مشكلة كبيرة بين لبنان وإسرائيل، والأزمة الحقيقية في نظرها هي بشأن الجولان.

أميركا تعتبر أنها حلت أزمة المشكلة الفلسطينية بترك إسرائيل تأخذ القدس، وتبني المستوطنات، ولا تعطي الفلسطينيين أكثر من كيان تحت سلطتها، ولا تعيد أحداً من اللاجئين، وهذه الأمور رضخ لها الفلسطينيون حين وافقوا على اتفاق أوسلو. ولذلك فمن الخطأ أن يظن أحد أن إسرائيل تريد إلغاء اتفاق أوسلو أو أنها تعرقل تنفيذه، إذ أن إسرائيل هي التي صاغته على هواها. وإسرائيل الآن لا تعرقل تنفيذه بل تنفذه حسب تفسيرها له، وعرفات يعرف ذلك، وهو يناور على الشعب الفلسطيني مناورة وفي الحقيقة ينفذ ما تطلبه إسرائيل. أميركا هي في الحقيقة من يعرقل تنفيذ اتفاقات أوسلو لأنها تتخذ من ذلك أداة للضغط على إسرائيل كي تنسحب من الجولان.

أميركا لا تعتبر أن هناك مشكلة كبيرة بين إسرائيل ولبنان. كان لبنان على وشك توقيع اتفاق 17 أيار المشهور مع إسرائيل. وقد وافقت الحكومة ومجلس النواب في لبنان وكان أمين الجميل، الرئيس آنذاك، على وشك التوقيع، فحذره السفير الأميركي ومنعه من التوقيع. وقد حاولت إسرائيل «لبنان أولاً» ثم حاولت «جزين أولاً» وفي كل ذلك تريد فصل المسار اللبناني عن المسار السوري. ولكن أميركا، من وراء الستار، تمنع لبنان أن ينفصل عن سوريا، وتتخذ أميركا من ذلك أداة للضغط على إسرائيل كي تنسـحب من الجولان. وقد عبّر سـفير إسرائيل في واشنطن بن أليسـار عن هذا المعنى بقوله:

 (ممنوع على الجيش البقاء في الجنوب وممنوع عليه الانسحاب منه).

المشكلة الحقيقية في نظر أميركا، أو أزمة المشكلة، هي الانسحاب الإسرائيلي من الجولان. وحرص أميركا الزائد على الجولان ليس حباً منها بالعدل وإعادة الحق إلى أصحابه، بل هي تطمع بأخذ الجولان بحجة منع الاحتكاك وبحجة إقناع إسرائيل أن الجيش السوري لن يشكل تهديداً لها من الجولان. وحين تتمركز أميركا في الجولان فإن خطرها على المنطقة سيكون أفدح من خطر إسرائيل. وسنكون كمن انتقل من تحت الدلفة إلى تحت المزراب، حسب المثل.

يشيعون بأن رابين وبيريز وافقا على الانسحاب من الجولان إذا تأمنت لهم الشروط الأمنية التي يريدونها. وقد تكون هذه الشروط تعجيزية. وجاء نتانياهو وربط مصيره بالجولان، وهو يرفض الانسحاب إلا من قسم من الجولان. وهنا وقعت المواجهة المقنّعة، ليس بين إسرائيل وأميركا، بل بين نتانياهو (وزمرته) وأميركا.

هناك أوراق تستخدمها أميركا للضغط على نتانياهو، منها ما ذكرناه من عرقلة المسار الفلسطيني قبل المسار السوري، وعرقلة المسار اللبناني أيضاً قبل السوري. ومنها أن أميركا في الحقيقة هي ضد الهرولة من الحكام لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهي تسعى لإفشال مؤتمر قطر، وإن تظاهرت بعكس ذلك، ومنها أنها في الحقيقة تؤيد العمليات العسكرية والأمنية مثل عمليات حماس وعمليات المقاومة اللبنانية. كل ذلك للضغط على إسرائيل كي ترضخ للسياسات الأميركية.

الآن وزيرة خارجية أميركا، أولبرايت، قادمة إلى المنطقة. ونحن لا نرى في قدومها تغييراً للواقع لأن العقبة الكأداء بالنسبة إليها موجودة عند نتانياهو، وأميركا تحاول إسقاطه بعد أن يئست من إقناعه. فهي تثير وزراء الليكود ضده، وتحاول تحريض الجيش عليه لأنه يعرض الجيش ورجال الأمن للفشل والمهانة. ونحن لا نستبعد أن تكون أميركا سرّبت خبر عملية الإنزال الإسرائيلية في لبنان قرب أنصارية في صباح 05/09/97، كما كانت أميركا هي التي ضربت الطائرتين الإسرائيليتين ليلة 27 رمضان الفائت. وأميركا تحاول التفاهم مع باراك رئيس حزب العمل الجديد. فهل تنجح أميركا في إزاحة نتانياهو عن السلطة؟

طبعاً العقبة الأكبر من نتانياهو في وجه أميركا في المنطقة هي السياسة الإنجليزية. فسياسة الإنجليز هي الراجحة عند حكام الخليج وعند الأردن (والعراق حتى الآن) وعند تركيا وعند نتانياهو. ولذلك فإن أميركا تسعى باستمرار لصياغة المنطقة صياغة تطرد منها منافسيها وتضمن مصالحها. وهي تحاول ذلك في أنحاء العالم.

عرفات لم تبق عند أميركا حاجة إليه، لقد أنجز الاعتراف بإسرائيل، وأنجز التنازل عن فلسطين. وأي واحد الآن يستطيع القيام بما تريده أميركا، خاصة أنها تعرقل المسار الفلسطيني – الإسرائيلي. لقد لمست أميركا غير مرة أن عرفات صار يشكل خطراً على سياسـتها. فعند عملية القدس الثنائية في 30/07/97 أشار أن المنفذين أتوا من لبنان، وأوعز لجماعته في لبنان فألقوا صاروخاً على الخالصة. وعندما كان عمـلاء إسـرائـيـل في لـبـنـان يتهيأون لعمل انقـلاب في آخر سـنة 96 قام عرفات بتزويدهم بالأسلحة من المستودعات التي ما زال يخبئها في لبنان. فأميركا تعمل الآن لإزاحة عرفات في الوقت الذي تعمل لإسقاط نتانياهو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *