العدد 268 -

العدد 268- السنة الثالثة والعشرون، جمادى الأولى 1430هـ، الموافق أيار 2009م

ترسانات الأسلحة في البلدان الإسلامية: سلاح فاسد غير فعال

ترسانات الأسلحة في البلدان الإسلامية: سلاح فاسد غير فعال

 

المهندس موسى عبد الشكور

كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن الجيوش الإسلامية الرابضة في ثكناتها والتي خذلت أهل غزة ولم تحرك ساكناً، وكثرت التساؤلات عن إمكانات هذه الجيوش وعن قياداتها وعن تسليحها، وسنلقي الضوء في هذا المقال على سلاح الجيوش الإسلامية وعتادها ومن يحركها، ولمن أعدت، ومن أين يتم تزويد هذه الجيوش بالأسلحة والعتاد، وهل أصبح العالم الإسلامي حقل تجارب لكل الإرادات الدولية والمنظمات العالمية وتجار السلاح؟ وهل ينتج السلاح في العالم الإسلامي أم يشترى من أعداء الأمة الذين يحتلون أرض الإسلام؟ وهل السلاح في العالم الإسلامي فاسد أم فعال؟

قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ) [البقرة 120] وقال تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة 217]، وقال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة 109]، وقال تعالى: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران 120].

هذه الآيات وغيرها من مثلها توضح نوايا وأعمال الكفار تجاه المسلمين، فهم يريدون أن يسلخوا المسلمين عن هويتهم الإسلامية منذ فجر الإسلام حتى قيام الساعة كما تشير الآيات المذكورة.

ومن ضمن هذا السياق، رأينا وما زلنا نرى أن الغرب الكافر حارب ولايزال يحارب الإسلام والمسلمين ويحتل بلادهم. وقد تمثل ذلك من قبل بحملات صليبية متتالية ومبرمجة بقيادة قساوستهم، والذي سرعان ما تراجعت وانكسرت شوكته على عتبة الجهاد وعقيدته السياسية الكفاحية. ثم أتبعها قبل الحرب العالمية الأولى وأثناءها وبعدها باحتلال بلاد المسلمين وهدم خلافتهم، وتقسيم بلادهم، وفرض دساتير هجينة مستمدة من روح دساتيرهم مقصياً بذلك الإسلام عن الحكم وعن الحياة، وتنصيب سياسيين أنشأهم على الولاء له والخيانة لأمته، وهو مازال بواسطة هؤلاء الحكام ومن يعاونهم من عسكريين وعلمانيين وعلماء سوء… يقبض على زمام السيطرة في بلادنا. وهكذا استمر الغرب الكافر في مسيرته العدائية عن طريق هؤلاء الحكام.

إن قتال الغرب الكافر لنا قائم بدافع ردنا عن ديننا، فقوله (وَلا يَزَالُونَ) أي أنهم مستمرون بذلك إلى قيام الساعة، ورضاهم عنا وكفهم عن قتالنا لن يحصل إلى أن نتبع ملتهم، ولإنجاح خطتهم المستمرة هذه وللمحافظة على تفوقهم عمدوا إلى أعمال شتى منها:

1- السيطرة على أنظمة الحكم في الدول وربطها وحمايتها سياسياً.

2- فرض الهيمنة على الجيوش والقوات العسكرية في العالم الإسلامي.

3- فرض صفقات الأسلحة الفاسدة على الدول.

ففي صفقات الأسلحة الفاسدة نرى أنه تعقد صفقات بعشرات المليارات من الدولارات لتسليح وتحديث جيوش في العالم الإسلامي بين الحين والآخر، والملاحظ أن مردود تلك الصفقات على الدولة والمجتمع سلبي للغاية، وفيه من تضييع المقدرات الاقتصادية والإمكانات الشرائية، فالأسلحة التي تُشترى لا تستخدم على الأغلب، وبعد سنوات من التخزين تتحول إلى خردة قد تحتاج إلى ميزانية حتى يتم تفكيكها والتخلص منها. أضف إلى ذلك أن شروط الشراء لا تتيح للمشتري أو تسمح له ببيع أسلحته إلا بإذن البائع وموافقته. والمشاهد المحسوس في عالم اليوم أن الدول التي تبيع السلاح إلى الدول الأخرى لا تبيع كل سلاح، خاصة المتطور منه، ولا تبيعه إلا بشروط معينة، تشمل كيفية استعماله. ولا تبيعه كذلك إلا بمقدار معين هي تراه، وليس حسب طلب الدولة التي تريد شراءه، مما يجعل للدولة التي تبيع السلاح سيطرة ونفوذاً على الدولة التي تشتري السلاح، ما يُمكِّنها من فرض إرادتها عليها، خاصةً إذا ما وقعت الدولة التي تشتري السلاح في حرب، فإنها عندئذٍ ستحتاج إلى مزيد من السلاح، ومن قطع الغيار، ومن الذخيرة، ما سيجعل اعتمادها على الدولة المصدّرة للسلاح أكثر، وخضوعها لطلباتها أكبر. وهذا يُتيح للدولة المصدّرة أن تتحكم فيها، وفي إرادتها، وهي في حالة الحرب، وفي حالة شدة احتياجها للسلاح، وإلى قطع الغيار.

إن نفقات التسلح في الدول العربية تفوق بكثير نفقات الدول الغربية. وبنظرة فاحصة للتسلح نجد أن سلاح الجيوش في العالم الإسلامي أصبح يعرف تحت اسم “السلاح الفاسد”. ولا يُطلق اسم “السلاح الفاسد” على السلاح الذي لا يعمل بصورة طبيعية أو ينفجر عند استخدامه، بل هو أن يبقى عمل السلاح تحت هيمنة المورِّد الذي قام بتصنيع السلاح. دون علم المستخدم. بطرق خارجية إذا اختلفت سياسة المستخدم عن سياسة المورِّد، وبمعنى آخر أنه يمكن إيقاف عمل الصواريخ وعمل الرادارات، وإسقاط الطائرات… وغير ذلك عند الحاجة، دون إطلاق قذيفة واحدة عليها، وذلك إذا استُخدمت هذه الأسلحة في أعمال ضد سياسة أو رغبة مورِّد السلاح. أما كيفية إبطال السلاح التي يعتمدها الغرب فيقول اللواء الدكتور المهندس محمد الحسيني إسماعيل إنه يوجد أربع طرق مختلفة لكيفية قيام الغرب وأميركا بإبطال عمل الأسلحة التي يقوم بتزويدها إلى العالم الإسلامي:

الأولى: بزرع فيروسات كامنة أثناء التصنيع في الدوائر الإلكترونية تسمى الفيروسات الكامنة Resident Viruses التي تتحكم في عمل السلاح، يتم تنشيطها بإشارات لا سلكية عبر الأقمار الاصطناعية عندما يُراد إبطال عمل هذه الأسلحة، وهو ما يسبِّب إسقاط الطائرات -عند قفل دوائر الوقود مثلاً- دون الحاجة لإطلاق قذيفة أو صاروخ!! وهو ما اكتشفته -بداية- دول حلف شمال الأطلنطي في السلاح الأميركي الذي يستخدمه الحلف.. واحتجت عليه دول الحلف في بداية تسعينات القرن الماضي (1990م)، ولكن تم التكتم عليه إعلامياً -بل ومحوه من الذاكرة- لينتهي احتجاج دول الحلف إلى الصمت حيث يظل السلاح يعمل بصورة طبيعية في حالة السلم فقط.

الثانية: بزرع برامج للحاسبات الإلكترونية التي تهيمن على عمل السلاح، فتقوم بتسجيل المعدلات التكرارية لعمل السلاح التي تختلف في حالة الحرب عنها في حالة السلم، مما يسبب توقف عمل السلاح دون الحاجة إلى إشارة من مصدر خارجي.

الثالثة: وضع إحداثيات معينة أو اتجاهات معينة في ذاكرة السلاح لا يمكن توجيه السلاح إليها.

الرابعة: التحكم أو وقف توريد قطع غيار السلاح، فينتهي كقطعة من الحديد، أي الصدأ هو الحل: Rust Solution.

بالتأكيد يعلم الحكام ذلك؛ فلماذا إذن تقوم الأنظمة العربية باستيراد هذه الأسلحة الفاسدة وبمليارات الدولارات؟ ويُجيب الدكتور المهندس محمد الحسيني إسماعيل بمنتهى الصراحة فيقول:

أولاً هي مبالغ مدفوعة كإتاوة (خوّة) للأميركي في مقابل بقاء الأنظمة الحاكمة والحفاظ على مصالحها. فهذه الصفقات تعتبر نهر الذهب المتدفق إلى اقتصادات الدول الغربية.

ثانياً: هي وسيلة لتأمين ملك وأمن الأنظمة الحاكمة وليس لتأمين وأمن الشعوب، حيث تعمل بكفاءة في مواجهة الشعوب. في مقابل بقاء الأنظمة الحاكمة في الملك والحفاظ على مصالحها…

ثالثاً: هي وسيلة للإثراء غير المشروع المتمثل في عمولات صفقات السلاح!!

رابعاً: حتمية وجود هذه الصفقات لإيهام الشعوب العربية المغيَّبة بأن لديها جيشاً يمكنه الدفاع عنها.

وباستخدام جميع الطرق السابقة، تصبح جميع الأسلحة الموردة إلى البلاد الإسلامية هي أسلحة فاسدة وتقع جميعها تحت الهيمنة الأميركية ودول الغرب!!

كذلك إن المميزات والمواصفات للسلاح الذي تقوم الولايات المتحدة ودول الغرب بتوريده للدول العربية يختلف تماماً عن المميزات والمواصفات التكتيكية لنفس السلاح الذي تزود به الولايات المتحدة (إسرائيل). وفي هذا الصدد يقول الكاتب روجيه جارودي: وعادة ما يتم احترام طلبات السلاح الخاصة بـ”الحلفاء العرب الأغنياء”، لأنه في كل مرة يتم فيها توريد نوع من الأسلحة التقليدية إلى العرب -من أجل ازدهار صناعات التسلح في الولايات المتحدة الأميركية- تقوم الولايات المتحدة بإمداد (إسرائيل) بسلاح أكثر تقدماً (وربما يتم تحميل سعره ضمن سعر الصفقة العربية). في المقابل تسعى الدول المنتجة للسلاح بأي طريقة للتخلص من تلك السلع الحربية لاستعادة أثمان البترول وتشغيل مصانعها بأي شكل من الأشكال، فشركات السلاح الضخمة والتي تنفق في إنتاج الأسلحة ميزانيات ضخمة جداً تمارس ضغطاً كبيراً على حكوماتها للتخلص من ترسانات السلاح لديها قبل أن تتكدس أو تصدأ أو تتلف. وقد ذكر الصحفي الألماني يوركن روث في كتابه «صفقات السلاح المشبوهة وحرب الخليج»: «إن صادرات الدول الصناعية تبلغ 80% من صادراتها إلى الدول النامية، وتستورد الدول النامية أكثر من 90% من احتياجاتها».

والمبالغ التي أُنفقت على تسليح الجيوش العربية خيالية بكل المقاييس، فقد ذكر موقع سويسرا الإخباري:

إن صفقات السلاح الضخمة تقوم دول الخليج كل فترة بإبرام تعاقدات خاصة بها، وآخرها صفقة سلاح أميركية سيبلغ حجمها حوالى 20 مليار دولار. ونفقات دفاع الدول العربية في الخليج تمثل 67% من إجمالي النفقات العسكرية بالمنطقة. ونفقات الدفاع السعودية وحدها تمثل حوالى 40% منها. فقد تم الإعلان مرة واحدة عن صفقات تسليحية، سيتم تقديمها لدولها الرئيسية، بقيمة تصل إلى 68 مليار دولار خلال السنوات القادمة.

وقد ذكر موقع تقرير واشنطن للكاتب محمد فايز فرحات أن مركز خدمة بحوث الكونغرس Service Congressional research أصدر مؤخراً تقريراً هاماً عن بيع الأسلحة التقليدية إلى الدول النامية خلال الفترة (1998 -2005م) وأظهر التقرير أن الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط هي أكبر مستورد للسلاح في العالم.

فقد استوعب إقليم الشرق الأوسط نحو 45.8% من إجمالي قيمة تعاقدات نقل الأسلحة إلى الدول النامية خلال الفترة (1998-2001م) مقابل نحو 39% لآسيا، 11% لأفريقيا، 4.4% لأميركا. ويعد إقليم الشرق الأوسط السوق الأول لكل من الولايات المتحدة، والسوق الثاني لروسيا، إذ استوعب نحو 73.8% من إجمالي قيمة التعاقدات الأميركية لنقل الأسلحة التقليدية مع العالم الخارجي خلال الفترة (1998- 2001م).

ومن بين الدول النامية العشر الأكبر من حيث قيمة التعاقدات الخارجية لشراء الأسلحة التقليدية خلال الفترة (1998- 2005م) احتلت الإمارات العربية المتحدة الترتيب الثاني (17.6 بليون دولار) بعد الهند (20.7 بليون دولار)، وجاءت المملكة العربية السعودية في الترتيب الرابع (14.6 بليون دولار)، وجاءت مصر في الترتيب الخامس (13.6 بليون دولار)، وجاءت (إسرائيل) في الترتيب السادس (9.5 بليون دولار).

ورغم كل هذه الصفقات فإن الدول في العالم الإسلامي تسارع للاستنجاد بالدول الكبرى طالبة منها العون. وهنا يأتي السؤال: لمن ولماذا تعد الجيوش الجرارة وتنشأ الكليات الحربية وتعقد الدورات العسكرية؟ إن مهمة الجيوش العربية أو غالبيتها العظمى على ما يبدو تنحصر في حماية الأنظمة الحاكمة والمشاركة في الاستعراضات العسكرية في الاحتفالات الوطنية.

وتعمد الشركات والدول الغربية إلى إثارة النـزاع والصراع الوهمي والضغط على الحكومات في العالم الإسلامي كالسعودية لاستيراد الأسلحة غالباً عبر الرشوات السياسية والعمولات الضخمة، وغالباً ما يرافق مثل هذه الصفقات أيضاً تسويات سياسية كما حدث مع صفقة الأسلحة الضخمة جداً التي تدعى “صفقة اليمامة” والتي زُودت السعودية بموجبها طائرات مقاتلة من طراز متطور “طائرات التورنادو” مع الصيانة والتشغيل (حيث لا أحد في السعودية يمكنه صيانتها أو حتى استخدامها) وبلغت قيمتها النهائية أكثر من عشرين مليار دولار.

وقد أنفقت الدول العربية عام 1997م 35.7 مليار دولار وكذلك منذ عام 2003م إلى يومنا هذا بلغت نفقات التسلح في دول الخليج ما يُقارب من 15 بليون دولار.

ومما يذكر -حول صفقات السلاح- أن (دول مجلس التعاون الخليجي الست) السعودية، الكويت، قطر، البحرين، سلطنة عمان، الإمارات العربية المتحدة، أنفقت منذ حرب الخليج 1991م وحتى عام 2001م أكثر من ستين مليار دولار للتسلح، وقد تم ربط جيوش هذه الدول في فبراير 2001م في هذه الصفقات للمرة الأولى بنظام الإنذار المبكر. [المصدر: مجلة النصر العسكرية المصرية/ العدد 724 إبريل 2001م]. كما نذكر صفقة طائرات الفانتوم التي وقعتها دول الإمارات العربية مع الولايات المتحدة الأميركية، وقد جاء التوقيع على هامش معرض “ترايدكس -2000” للأسلحة بقيمة قدرها (6.4) مليار دولار. كما ستحصل الإمارات أيضاً على ذخيرة وصواريخ لهذه الطائرات بقيمة إضافية قدرها (1.3) مليار دولار!! [المصدر: جريدة الشعب] كما وقعت الكويت (نهاية عام 2002م) صفقة أسلحة أميركية تصل قيمتها إلى ملياري دولار تشتري الكويت بمقتضاها 16 طائرة من طراز أباتشي بدأ تسليمها في عام 2005م وصواريخ جو أرض ومحركات من طرازات مختلفة [المصدر: رويترز + الجزيرة نت بتاريخ 30/08/2002م] وكذلك أعلنت واشنطن مؤخراً (عام 2002م) عن صفقة أسلحة أميركية جديدة لمصر تبلغ قيمتها 400 مليون دولار… [المصدر: الحادث الصاعقة.. 11 سبتمبر.. قبل وبعد”، محمد عبد المنعم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة ص: 158].

لقد صرفت آلاف الملايين من الدولارات في الخمسين سنة الماضية على استيراد الأسلحة، لقد تقادمت كل الأسلحة ودفنت تحت الرمال أو وضعت في المتاحف، ولم تستخدم لا في تحرير فلسطين ولا غيرها بل كانت تستخدم في قمع الناس وإذلالهم.

وبالرغم من كل ذلك فإن سياسة التسليح مازالت مستمرة دون أن تكون هناك سياسة تسليحية واضحة، ودون أن يكون هناك مشروع حقيقي لإنتاج السلاح في عالمنا الإسلامي، وخصوصاً بعد أن وضع الغرب الكافر حكاماً عملاء له وخطوطاً حمراء على صناعة الأسلحة. والمسموح هو الاستيراد فقط من المصانع العسكرية الأميركية والأوروبية والروسية، والسلاح المسموح باستيراده هو سلاح غير فعال تماماً.

إن صفقات التسلح التي تتم للدول العربية يشوبها الريبة والغموض عند الإعلان عنها ويتم ذلك تحت سرية شديدة، والمعلن عنه يكون من أجل توازن القوى في المنطقة.

إن قادة الجيوش تجدهم مرصعين بالنياشين فتحسبهم حين تراها عليهم أنهم على مرمى حجر من فتح القدس، ولكن تلك النياشين أخذوها لدعمهم للحكام الذين عينوهم في هذه المناصب.

ثم إن المؤسسة العسكرية تحولت إلى وكر للمقاولات، ولتهريب الأموال إلى الخارج، ولعقد الصفقات المشبوهة التي تتم من خلال تجار السلاح الذين يعقدون الصفقات المشبوهة والملتوية وبواسطة شركات وهمية وتحت معرفة وغطاء ومباركة الدول المنتجة للأسلحة.

ورغم كل صفقات السلاح الفاسد، إلا أن أمة الإسلام تستطيع تحرير كل أرض الإسلام لو كان هناك جدية للعمل وصدق النوايا لامتلاكها العقيدة الكفاحية وحب الاستشهاد وعدم التردد عند مقابلة الأعداء.

فأين شعوب هذه الأمة؟.. وأين عقول ساستها؟.. وأين علماؤها الذين لم ينطقوا ولو بكلمة واحدة تشير إلى تآمر الأنظمة الحاكمة مع الغرب في العمل الدؤوب على محو الإسلام من الوجود…

أما في الدولة الإسلامية، فإن الجهاد والقتال يحتاج إلى الجيش، والجيش حتى يستطيع أن يقاتل لابد له من سلاح. والسلاح حتى يتوفر للجيش توفراً تاماً على أعلى مستوى لابدّ له من صناعة داخل الدولة. وبخاصة الصناعة الحربية لعلاقتها القوية بالجهاد.

والدولة الإسلامية حتى تكون مالكة زمام أمرها، بعيدة عن تأثير غيرها فيها، لابد من أن تقوم هي بصناعة سلاحها، وتطويره بنفسها، حتى تكون باستمرار سيدة نفسها، ومالكة لأحدث الأسلحة وأقواها، مهما تقدمت الأسلحة وتطورت، وحتى يكون تحت تصرفها كل ما تحتاج إليه من سلاح، لإرهاب كل عدو ظاهر لها، وكل عدو محتمل. ولهذا يجب على الدولة الإسلامية أن تقوم بصناعة أسلحتها بنفسها، ولا يجوز أن تعتمد على شرائه من الدول الأخرى، لأن ذلك سيجعل الدول الأخرى متحكمة بها وبمشيئتها، وبسلاحها، وبحربها، وقتالها. وبذلك ترهن نفسها، ومشيئتها، وحربها، وكيانها، للدولة التي تصدر إليها السلاح وهذا حرام شرعاً. قال تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) [النساء 141].

لذلك كله يجب أن تقوم الدولة الإسلامية بنفسها بصنع سلاحها، وكل ما تحتاج إليه من آلة الحرب، ومن قطع الغيار. وهذا لا يتأتى لها إلا إذا تبنت الصناعة الثقيلة، وأخذت تنتج أولاً المصانع التي تنتج الصناعات الثقيلة، الحربية منها وغير الحربية. ويجب أن يكون لديها مصانع لإنتاج الآلات، والمحركات، والمواد، والصناعة الإلكترونية، كذلك المصانع التي لها علاقة بالملكية العامة، والمصانع الخفيفة التي لها علاقة بالصناعات الحربية. كل ذلك يقتضيه وجوب الإعداد المفروض على المسلمين بقوله: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال 60].

وبما أن الدولة الإسلامية دولة حاملة للدعوة الإسلامية، بطريقة الدعوة والجهاد، فإنها ستكون دولة دائمة الاستعداد للقيام بالجهاد، وهذا يقتضي أن تكون الصناعة فيها، ثقيلة أو خفيفة، مبنية على أساس السياسة الحربية، حتى إذا ما احتاجت إلى تحويلها إلى مصانع تنتج الصناعة الحربية بأنواعها سهل عليها ذلك في أي وقت تريد، ولذلك يجب أن تُبنى الصناعة كلها في دولة الخلافة على أساس السياسة الحربية، وأن تُبنى جميع المصانع، سواء التي تنتج الصناعات الثقيلة، أو التي تنتج الصناعات الخفيفة، على أساس هذه السياسة، ليسهل تحويل إنتاجها إلى الإنتاج الحربي في أي وقت تحتاج الدولة الإسلامية -دولة الخلافة- إلى ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *