العدد 265 -

العدد 265- السنة الثالثة والعشرون، صفر 1430هـ، الموافق شباط 2009م

ولاة أمر تجب طاعتهم أم أمراء سفهاء يجب استبدالهم

ولاة أمر تجب طاعتهم أم أمراء سفهاء يجب استبدالهم

 

عماد عبد الفتاح الحسنات – الخليل – فلسطين

يكثر الحديث في هذه الأيام، وخاصة ممن يسمون أنفسهم علماء، بأن حكام هذه الأمة هم ولاة أمر تجب طاعتهم ويحرم الخروج عليهم، وأنه لا حرج من مداهنتهم والتقرب منهم والثناء عليهم وتبرير تعديهم حدود الله، وتحريم محاسبتهم وكشف ظلمهم ومؤامراتهم على دين الله وعلى عباد الله.

من هذا الواقع كان لا بد من البحث في كتاب الله وسنة رسوله لتبيان هل لهذه المقولة أساس في شرع الله أم هي اتباع لأهواء الذين يقولون بها إيثاراً للسلامة من بطش هؤلاء الحكام ناسين أن بطش الله أشد، ومحافظة على مصالحهم الدنيوية التي ما هي إلا متاع من الدنيا قليل وما عند ربهم خير وأبقى، وقبل البحث في الأدلة الشرعية لا بد من البحث في  واقع الحكام في الجزء الذي  يتعلق بما يجب أن نفعله نحن تجاههم وليس في جميع أفعالهم الإجرامية التي تعجز المجلدات عن إحصائها، وذلك لإنزال الأحكام على وقائعها.

عند البحث في واقع هؤلاء الحكام، يتبين أن جميعهم يشتركون في سمات في الحكم، لا يتخلف عنها منهم أحد، ولا يختلف في ذلك اثنان إلا في اختيار الألفاظ:

1- وصولهم إلى الحكم بطريقة غير شرعية، وأنهم لم يستمدوا سلطانهم من تأييد الأمة لهم واختيارها إياهم ليحكموها بالإسلام على أن تدين هي لهم بالطاعة على ذلك، وذلك عن طريق بيعة شرعية.

2- عدم الحكم بما أنزل الله، وبالتالي احتكامهم إلى الطاغوت من دساتير وضعية فرضها الغرب على المسلمين، واعترافهم بالشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة وقراراتها التي لا يقرها الشرع الإسلامي.

3- موالاتهم للغرب الكافر وجعل سلطان له على المسلمين، وصدهم عن دين الله، ومحاربتهم للإسلام والمسلمين ولحملة الدعوة الإسلامية بشتى الوسائل والسبل، وتحت لواء الكفار الغربيين ضمن ما يعرف بالحرب على الإرهاب.

4- تجزئة بلاد المسلمين، وتنصيب حاكم على كل جزء بعد أن سموه دولة. فأصبح للمسلمين أكثر من خمسين حاكماً. والإسلام يأمر بقتلهم جميعاً إلا الأول بشرط أن يكون تنصيبه شرعياً. وبحيث إنه لا يوجد مثل هذا، فعليه فإن الحكم الشرعي يتعلق بهم جميعاً.

وعن هذه السمات الأساسية تفرعات لا تعد كثرةً، وكلها تعد انتهاكاً لحرمات الله، منها الخطير ومنها الأقل خطورة حتى شملت كل أمور الحياة. ومن ذلك:

1) أكلهم أموال الناس بالباطل بجبايتهم أموال الناس بغير حق شرعه الله من أموال ضرائب وجمارك ومكوس ورسوم معاملات وغيرها، واستحواذهم على أملاك الناس العامة من نفط وبوتاس ومعادن لا تنقطع وغيرها، وتمليكها لشركات الكفار، وعدم إيفاء الناس حقوقهم من تطبيب وتعليم مجاني ورعاية الفقير وتوفير فرص العمل وغيرها…

2) خياناتهم لله ولرسوله وللمسلمين ولمواثيقهم التي وضعوها على أنفسهم، وخذلانهم لأهل فلسطين بإقامة علاقات ودية مع اليهود المغتصبين لأرض فلسطين، وإقرارهم أن هذه الأرض المغتصبة هي حق لليهود، ومحاولتهم إخضاع أهل فلسطين للإقرار بذلك باسم مبادرات السلام والتهدئات وغير ذلك، سواء أكان ذلك بشكل سري أم بشكل علني، وكذلك بمساندتهم الهند على أهل كشمير والأميركيين على أهل  العراق وأفغانستان وغيره الكثير .

هذا غيض من فيض وجزء يسير من سمة هؤلاء الحكام.

وبعد بيان واقع حكام الأمة اليوم لا بد من بيان الأحكام الشرعية التي تحدد لنا ما يجب أن نفعله تجاههم، وذلك بناءً على الأدلة الشرعية والتفسير المعتبر لها عن طريق النقل لا حسب الأهواء والميول، ومن هذه الأحكام:

1) إن هؤلاء الحكام الذين نصبوا أنفسهم بالقوة والقهر والتزوير حكاماً على هذه الأمة. والذين تبنوا الحكم بالأنظمة الوضعية وعدم الحكم بما أنزل الله، والذين جعلوا للكفار سبيلاً على المسلمين… يحرم قطعاً اعتبارهم حكاماً شرعيين، ويحرم قطعاً طاعتهم في معصية الله. ويجب شرعاً خلعهم وتنصيب إمام واحد يبايعهم على العمل بكتاب الله ويبايعونه بالطاعة على ذلك.

2) تحريم العمل في أجهزتهم الأمنية  ونقل الأخبار لهم والتجسس على المسلمين لصالحهم لما روي عن سالم بن أبى الجعد قال: قال كعب: «أعظم الناس خطيئة يوم القيامة الذي يسعى بأخيه إلى إمامه» السنن الكبرى للبيهقي. وعن إبراهيم عن همام قال: «كنت جالساً عند حذيفة فمر رجل فقالوا: هذا يرفع الحديث إلى السلطان، فقال حذيفة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يدخل الجنة قتات -قال الأعمش: والقتات النمام-» أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن الأعمش السنن الكبرى للبيهقي، وكذلك فإن من يعمل في أجهزتهم الأمنية يقع في إثم الاعتداء على الناس وخاصة حملة الدعوة الإسلامية ومحاولة منعهم من القيام بأعمال حمل الدعوة للحق واعتقالهم وسجنهم وتعذيبهم ظلماً وعدواناً وتوفير سبل الأمان والدعاية والحماية للمفسدين ودعاة الباطل وفي ذلك إثم عظيم.

فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «اتقوا الظلم،  فإن الظلم  ظلمات يوم القيامة. واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم» وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه» صحيح مسلم. وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «…، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة» المستدرك. وكذلك يحرم العمل في الوظائف التي فيها جباية أموال الناس والاعتداء عليها بغير حق شرعه الله قال تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة 188]. وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «…، فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم» رواه الطبراني في الأوسط ورواه أبو يعلى ورجاله ثقات مجمع الزوائد، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «لا يدخل الجنة صاحب مكس» سنن الدارمي. وصاحب المكس هو الذي يأخذ الجمارك والضرائب على البضائع من المسلمين. وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال في المرأة الغامدية التي زنت وتابت ورجمت «فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس  لغفر له» صحيح مسلم، وهذا دليل على شدة حرمة المكس.

3) تحريم تصديق كذبهم وإشاعاتهم المغرضة التي يبثونها عند عامة الناس لتبرير ظلمهم وتغطية جرائمهم وإطالة أمد عروشهم، والنهي عن إعانتهم على ظلمهم والدفاع والمجادلة والمخاصمة عنهم في تبرير ظلمهم وتعديهم على أموال الناس وحكمهم بغير ما انزل الله وخيانتهم وتآمرهم مع  أعداء الإسلام والمسلمين ضد أمتهم ودينهم، قال تعالى: (وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) [النساء 105] أي مدافعاً ومخاصماً عنهم، وقال تعالى: (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) [النساء 107]. وبينت الأدلة الشرعية أن من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فإنه يذب ويطرد عن حوض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو نهر الكوثر الذي أعطاه الله لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأمته في الجنة، حتى ولو كان من يصدق هؤلاء الحكام بكذبهم ويعينهم على ظلمهم يصلي ويصوم ويقوم ببقية التكاليف الشرعية، وإن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) منه بريء. وأمر بالابتعاد عن الخوض فيما يخوض به عامة الناس من الدعاية لإشاعات الحكام المغرضة وأكاذيبهم التي يبثونها بين الناس، وأوجب فضح كذبهم وظلمهم ومكرهم وخيانتهم لأمتهم ، فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لكعب بن عجرة: «أعاذك الله من إمارة السفهاء، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يَرِدُون على حوضي» رواه أحمد والبزار ورجالهما رجال الصحيح مجمع الزوائد، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ثم أنا على حوضي أنتظر من يَرِدُ علي فيؤخذ بناس من دوني، فأقول: أمتي، فيقول: لا تدري، مشوا على القهقرى» قال ابن أبي مليكة اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن. صحيح البخاري، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه أبيض من الورق، وريحه أطيب من المسك، وكيزانُهُ كنجوم السماء، فمن شرب منه فلا يظمأ بعده أبداً» صحيح مسلم. وعن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «سيكون من بعدي أمراء يغشاهم غواش من الناس، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأنا منه بريء وهو مني بريء، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأنا منه وهو مني» صحيح ابن حبان.

4) أما بالنسبة للذين يقولون بوجوب طاعة هؤلاء الحكام لأنهم أولو الأمر مستدلين بقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء 59]، فإنهم أخطؤوا في معرفة الشرطين اللذين يجب أن يتوفرا في الحكام حتى يكونوا أولي الأمر الذين تجب طاعتهم، وهو ما حددته الآية التي قبلها مباشرة في نفس السورة كما ورد في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء 58]. وهذان الشرطان هما :الأول حكم الناس بالعدل أي بكتاب الله وسنة رسوله، والثاني تأدية الأمانات إلى أهلها أي عدم جمع المال من الرعية إلا بحق الله أي بوجود دليل شرعي يدل على مشروعية أخذه من الرعية، وإنفاق هذه الأموال في الأوجه التي شرعها الله، وتمكين كل واحد من الرعية من أخذ حقه من الأموال العامة وغيرها ، فعن مصعب بن سعد قال: «قال علي (رضي الله عنه): كلمات أصاب فيهن حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، وأن يؤدي الأمانة، وإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا» تفسير الطبري، وإذا لم يتوافر هذان الشرطان في الحاكم لا تجب طاعته. وكذلك الأحاديث التي استدلوا بها على وجوب طاعة هؤلاء الحكام لأنهم يظهرون الصلاة أمام المسلمين ويقومون بأعمال الحج والعمرة أمام أجهزة التصوير، هي نفسها توجب على الحكام الحكم بما انزل الله حتى تجب طاعتهم ويحرم الخروج عليهم، وإلا فيجب: عدم طاعتهم، والخروج عليهم، واستبدالهم بخليفة واحد يحكم الناس بشرع الله تجب طاعته ويحرم الخروج عليه ، وقد بين تفسير الأحاديث أن المقصود بالصلاة  ليس حركات الصلاة وإنما إقامة الدين أي الحكم بالإسلام فعن عبادة بن الصامت قال: «دعانا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعناه على الطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله، قال إلا أن تروا كفراً بواحاً  عندكم من الله فيه برهان» صحيح مسلم. قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب أمام عادل إن أمكنهم ذلك شرح النووي على صحيح مسلم. أما بالنسبة لحكام المسلمين في هذا الزمان فإنه ثابت بالأدلة القطعية أنهم لا يؤدون الأمانات إلى أهلها  ولا يحكمون الناس بالعدل؛ لذلك فإنه لا ينطبق عليهم أنهم ولاة أمر تجب طاعتهم وإنما ينطبق عليهم أنهم أمراء سفهاء لا يهتدون بهدي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يستنون بسنته، ويجب العمل على استبدالهم بخليفة واحد يحكم الناس بالعدل  ويؤدي الأمانات إلى أهلها، ويقيم الجهاد، ويدافع عن الأمة، ولا يخونها ولا يسلمها إلى أعدائها، ويكون لها كالدرع الواقي، اللهم اجعل ذلك قريباً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *