العدد 265 -

العدد 265- السنة الثالثة والعشرون، صفر 1430هـ، الموافق شباط 2009م

فشل (إسرائيل) في غزة يكشف حقيقة الحل الجذري لقضية فلسطين

فشل (إسرائيل) في غزة

يكشف حقيقة الحل الجذري لقضية فلسطين

 

أحداث غزة الأخيرة التي استمرت 23 يوماً (من 27/12/2008 إلى 18/01/2009م)، التي قد تتفاعل وتستمرّ من جديد لم تكن الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة مع هذا العدو اليهودي الصهيوني المتوحش. لم تكن الأولى إذ سبقتها مذبحة دير ياسين، ومذبحة كفرقاسم، ومذبحة قِبثية، ومذبحة السَّموع، ومذبحة الحرم الإبراهيمي، ومذبحة جنين، ومذابح بيروت وجنوب لبنان وغيرها. أكثر المذابح السابقة لم يكن يراها الناس كما رأوا مجازر غزة الأخيرة، لأن الناس في السابق لم يكن عندهم فضائيات كما هي الآن. ولن تكون الأخيرة لأن هذا العدو لا يمكن العيش معه ولا حتى التعايش معه مادام له دولة أو كيان، فقط يعيشون مع غيرهم إذا كانوا رعية محكومين.

إن أفعال هؤلاء اليهود الصهاينة وجرائمهم تهيئ المسرح وتهيئ النفوس مشاعرياً وعاطفياً وعقلياً لما ينتظرهم من انتقام وما يستحقونه جزاء ما اقترفت أيديهم. أفعالهم كشفت عن شدة الحقد وقسوة القلب وفقدان الإنسانية، ليس فقط تجاه أهل فلسطين بل تجاه العرب والمسلمين عامة، يقول الله تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [المائدة 82]. بل إن عداوتهم تشمل الناس جميعاً غير اليهود، انظروا ما نقلته جريدة “الحياة” في (18/01/2009) عن صحيفة “هآرتس” (الإسرائيلية) ضمن تقرير عن الفتاوى اليهودية للعدوان الوحشي على غزة: «حكم التوراة ينص على قتل الرجال والأطفال والرضّع والنساء والعجائز وحتى سحق البهائم»… هذه فتوى الحاخام يسرائيل روزين – رئيس معهد تسوميت وأحد مرجعيات الإفتاء اليهودية. وكل الفتاوى الأخرى في التقرير تتطابق مع الفتوى المقتبسة أعلاه. وهم يزعمون أن التوراة جعلتهم عِرْقاً مفضَّلاً على الناس، وقد نقل القرآن الكريم زعمهم هذا: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة 18]. ويزعمون أن جميع البشر والبهائم مخلوقون لخدمتهم، ويزعمون أن سحقهم للناس والبهائم وللنباتات وللبيوت ولكل شيء هو مباح لهم من الله يفعلون ما يشاؤون؛ ولذلك هم: قادةً وجيشاً وسياسيين وحاخامات وعامّةً، مجردون من الإنسانية أو الرحمة أو الأخلاق إلا قليلاً من مفكريهم الذين يعرفون مصلحتهم. وقد اعترف نفر من هؤلاء بخطأ القادة الذين تورّطوا في المجزرة، منهم يوري أفنيري الذي كتب عن حرب غزة هذه فقال: «ستنطبع في ذهن العالم صورة إسرائيل كوحش ملطخ بالدماء… وستنتج عن ذلك عواقب وخيمة على مستقبلنا على المدى البعيد… وفي نهاية المطاف تعتبر هذه الحرب جريمة ضد أنفسنا وجريمة ضد دولة إسرائيل». ومنهم آفي شلايم أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد الذي قال: «تنتهك الدولة المارقة القانون الدولي وتمتلك أسلحة الدمار الشامل وتمارس الإرهاب وتستخدم العنف ضد المدنيين لأهداف سياسية. وهذه المعايير تنطبق على إسرائيل». ومنهم الحاخام الأميركي ما يكل ليزر الذي قال: «يحطّم قلبي أن أرى غباء إسرائيل…». ومنهم إيلان باي الذي كان نشر في سنة 2006م كتاباً بعنوان “التطهير العرقي لفلسطين”، ويقول الآن عن مجازر غزة: «الصهيونية هي عقيدة تدعم التطهير العرقي والاحتلال والمجازر الجماعية. واليوم لسنا بحاجة إلى إدانة المجازر فحسب، بل إلى الطعن بشرعية هذه العقيدة» ويتابع: «لطالما اعتُبرت الصهيونية عقيدة عنصرية تسعى إلى الهيمنة».

هؤلاء وأمثالهم أفراد، أما الغالبية الساحقة فإنها تحمل العقيدة الصهيونية العنصرية، وقد برز هذا جليًّا في الاستطلاع الذي نشرته الصحف (الإسرائيلية) بشأن مجازر الجيش (الإسرائيلي) في غزة، إذ قال 78% إنهم يؤيدون ما يقوم به الجيش في غزة. وإذا علمنا أن 21% من السكان هم من العرب الذين قالوا بأنهم ضد مجازر الجيش. إذاً، فإن 1% فقط من اليهود هم ضد هذه المجازر.

ومن المفيد للمسلمين وللناس أجمعين أن يعرفوا صفات اليهود الذين يتربَّوْن منذ صغرهم على المكر والغدر والخداع واعتبارهم جميع الناس مثل البهائم عبيداً لهم. هذه الصفات ليست فِطْرية فيهم بل يتلقنونها من آبائهم ويرضعونها مع حليبهم حتى تصبح سجيّةً راسخة في طباعهم وعقولهم. وقد كتب المؤرخ الإنجليزي أرنولد تويبني عن سجاياهم هذه وعن خطرها على المجتمعات التي يعيشون فيها. وقد انتقم منهم هتلر لأنهم مكروا به. وقد حذّرَنا اللهُ سبحانه في القرآن الكريم من مكرهم وشرورهم، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ، هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ بِذَاتِ الصُّدُورِ، إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران 118-120]. وهم أهل غدر ونقضٍ للمواثيق والعهود، قال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) [المائدة 13]. وقال تعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [البقرة 100-101]. وهم يحرفون الكلام، وقد سبق لهم أن حرّفوا التوراة وهم يكتمون الحق، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) [آل عمران 71]، وقال تعالى: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) [النساء 46]. وهم قَتَلة الأنبياء والصالحين، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران 21]. وقال سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) [البقرة 61]. وهم مفسدون في الأرض ومتغطرسون ويأكلون أموال الناس بالباطل، قال تعالى: (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [المائدة 64]. وقال: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) [الإسراء 4]. وقال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا، وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( [النساء 160-161].

وإذا كان اليهود الصهاينة هذه أخلاقهم وطباعهم، وجاؤوا يطبقونها على أهل هذه المنطقة، وعلى أهل فلسطين بشكل خاص، وبشكل أخص الآن على أهل غزة؛ إذا كان هذا هو ديدن الصهاينة، فما بال دول العالم التي تدّعي أنها متحضّرة وتعرف حقوق الإنسان وحقوق الأطفال والنساء والشيوخ، ما بال هذه الدول تقف إلى جانب وحشية الوحوش! حكامُ أميركا وممثلو الشعب الأميركي ووسائل الإعلام الأميركية وحكام أوروبا ومنظمات حقوق الإنسان فيها وأهل الرأي والإعلام فيها كلهم يرون المحرقة التي يمارسها جيش (إسرائيل) على أهل غزة، ثم هم يقلبون الحقائق ويعلنون بأن أهل غزة معتدون و(إسرائيل) بريئة مظلومة تدافع عن نفسها! ولكن هيهات أن يكذّب الناس ما يرون ويصدّقوا تضليلات الغرب. لقد كشفت الشعوب مباشرة أن الغرب فاقد للقيم الرفيعة وفاقد للمشاعر الإنسانية وفاقد للصدق. الغرب يرفع شعارات براقة: شرعة حقوق الإنسان، منع العدوان، إسعاف المحتاجين، المحافظة على الضعفاء… إلخ. ولكن إذا اصطدمت هذه الشعارات مع مصالحهم وأهوائهم فإنهم يعملون بعكسها. دول الغرب هذه عندها حضارة النفعية، ومقياس الأفعال عندها هو النفعية، أما الأخلاق والشعارات والقِيم فإنها للدعاية والاستهلاك. وما حصل في غزة الآن كشف ذلك لمن كان يجهله.

هذا هو واقع يهود ودولة يهود في فلسطين، وهذا هو واقع الدول الغربية التي زرعت دولة يهود خنجراً سرطانياً مسموماً في هذه المنطقة. فهل مازال في أمتنا عقلاء يقتنعون بجدوى التفاوض مع دولة يهود لتبقي هذا الخنجر المسموم في صدر هذه المنطقة؟!

كنا نسمع حكام الأمر الواقع العملاء يقولون: لا نستطيع إزالة دولة يهود هذه، وليس أمامنا من سبيل إلا التسليم بوجودها ولكن نحاول تقليص حدودها!

إن هذا كلام تضليلي صدّقه كثير من أهل فلسطين ومن العرب والمسلمين فترة من الزمن. أما الآن فإن هذا التضليل قد انكشف، ولم يعد هناك أي مسوّغ لأي حاكم أو قائد أن يمارس هذا التضليل. الآن بعد حرب دولة يهود على غزة، وفي صيف سنة 2006م بعد حرب دولة يهود على لبنان، برز لكل ذي عينين ولكل ذي عقل مدى قدرة دولة يهود العسكرية. هاتان الحربان قطعتا كل حجة عند الحكام العرب العملاء بأننا لا نستطيع قلع كيان يهود من فلسطين.

في تموز سنة 2006م ظن قادة اليهود وظن بعض حكام العرب أن جيش (إسرائيل) سيقضي على حزب الله وعلى من معه من مقاومة خلال بضعة أيام. واستعمل هذا الجيش كل أسلحته طيلة 33 يوماً، ثم رجع مدحوراً فاشلاً أمام مقاومة لا تملك طائرة ولا دبابة، ولكنها تملك الإيمان بالجهاد وحب الاستشهاد.

والآن في كانون الثاني سنة 2009م ظن قادة بعض حكام العرب أن جيش (إسرائيل) سيقضي على مقاومة حماس ومن معها خلال بضعة أيام. واستعمل هذا الجيش كل أسلحته من جوية وبرية وبحرية طيلة 23 يوماً، ثم رجع مدحوراً فاشلاً أمام مقاومة لا تملك إلا القليل من السلاح. ولكنها تملك سلاح الإيمان بالجهاد والإيمان بأنهم أصحاب حق، وتملك سلاح الصبر حتى نيل إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة.

إذاً، كيان يهود هذا ليس عصيًّا على القلع والإزالة التامة من هذه المنطقة، رغم وصف المرجفين المضللين أن هذا الكيان يملك خامس أقوى جيش في العالم. إن إزالة كيان يهود تحتاج إلى جيوش وأسلحة وقدرات لا تملكها المقاومة. وهذه الجيوش والأسلحة والقدرات موجودة عند الأمة الإسلامية، وموجودة عند العرب، بل عند قسم من العرب.

ونتساءل: ها قد مضت ستون سنة على اغتصاب يهود لفلسطين، فلماذا لم يقم المسلمون أو العرب أو قسم من العرب بهدم كيان يهود وتحرير فلسطين؟ والجواب: لأن الحكام العملاء مضلِّلون، ولأن شعوبهم يغلب عليهم الجهل والتخاذل. أما الآن فنأمل ونتوقع أن تكون هذه الشعوب قد مزّقت عن أبصارها وبصيرتها غشاوات الجهل والتضليل التي نسجها العملاء، وأن تنتفض من التخاذل لتجبر هؤلاء الحكام على إعداد الأسلحة والقدرات وتسيير الجيوش لإزالة كيان يهود.

ولكن لنكن جِديين وعمليين أكثر، فإن هؤلاء الحكام الذين مَرَدوا على العِمالة والتضليل بل والخيانة لا يُتَوَقّع منهم أن يتفقوا على مثل هذا العمل العظيم الذي لا يُرضي أسيادهم من دول الكفر الكبرى. لَوْ تركوا عمالتهم واتفقوا فإنهم قادرون على إنجاز العمل العظيم، ولكن (لَوْ) هذه هي فرضية خيالية فلن يتركوا عمالتهم ولن يتفقوا. والسبيل العملي أمام الشعوب هو إسقاط هؤلاء الحكام وتنصيب حاكم واحدٍ يوحّد البلاد والعباد يكون من أهل الإيمان والجهاد والحنكة السياسية.

إن ما حصل في غزة هذه الأيام مما رأته الشعوب على شاشات الفضائيات ليحرّك الحجارة الصمّاء. إن غطرسة يهود وما يفعلونه من تدمير وتقتيل وتفظيع من ناحية، وما يصدر من أهل غزة من أنين واستغاثات وبكاء ليحرق القلوب.

لِمِثْلِ هذا يذوبُ القلبُ من كَمَدٍ              إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ

فهل يطمع بعد ذلك الحكام والقادة العملاء أن يكملوا جريمة التنازل عن فلسطين لليهود؟ لن يمرّ ذلك بإذن الله، ولن يستمر هؤلاء الحكام في مراكزهم بإذن الله وقد لمست الشعوب تخاذلهم وخيانتهم. وقد رأينا كيف أسقطت هذه الشعوب الأنظمة العربية التي تخاذلت وسلّمت فلسطين لليهود سنة 1948م؛ فسقط النظام في سوريا وسقط النظام في مصر وقُتِل ملك الأردن عبد الله.

توجد الآن أسباب أخرى كثيرة غير قضية فلسطين تحفز شعوب البلاد الإسلامية بأسرها، وليس فقط البلاد العربية، للتغيير والتخلص من حكامها الذين هم سبب بلائها بدل أن يكون رُعاتها وحُماتها. العراق يحكمه عملاء أميركا التي دمّرته ونهبت خيراته وما زالت تمعن فيه تمزيقاً. أفغانستان تحت احتلال أميركا وحلف الأطلسي. السودان بدؤوا بتمزيقه إلى جنوبٍ وغرب (دارفور) وشرقٍ ووسط. الصومال يحطمونها ويستمرون منذ عقود. باكستان يشغلونها مع الهند في قضية كشمير منذ ما يزيد عن ستين سنة. قضية الصحراء في المغرب. قضية الجولان في سوريا… إلخ. وأكبر من ذلك قضية هذا التمزق والتناحر. فالبلاد الإسلامية ممزقة إلى بضعٍ وخمسين مزقة، والبلاد العربية ممزقة إلى بضع وعشرين مزقة. وهذا التمزيق هو من فعل المستعمرين الكفار كي يسهل عليهم إذلالها ونهب خيراتها على قاعدة «فَرِّقْ تَسُدْ». وصار الغرب المستعمِر يسمّي التمزيق والتفريق “استقلالاً” ويزيّنه في نظر الشعوب حتى صاروا يقيمون يوماً يحتلفون فيه يسمّونه “عيد الاستقلال”. مع أن الله سبحانه يقول: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران 103].

وأكبر من قضية التمزق هي قضية القرآن، قضية الإسلام. قد يضحي المسلم بماله ودمه وأولاده، وقد يضحي بوطنه فيهاجر في الشِّدات، ولكنه لا يضحي بعقيدته وقرآنه وإسلامه، بل يضحّي بكل شيء في سبيل عقيدته وقرآنه وإسلامه، إقرؤوا قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة 24]. هذه القضية المصيرية لكل مسلم وللأمة الإسلامية جمعاء، وكل القضايا الأخرى الموجودة في هذا البلد أو ذاك أو عند هذا الشعب أو ذاك هي قضايا فرعية جزئية. أما القضية الأمّ فهي هذه. فإذا حُلّت حُلّت بقية القضايا، وإذا أُهمِلت هذه زادت تلك القضايا وفرّخت قضايا فرعية جديدة كما نرى على مرّ الوقت.

إذاً قضية غزة ومعها قضية فلسطين التي نتكلم عنها الآن هي فرع من أصل. وقضية فلسطين هذه ليست هي مسألة ما احتلته (إسرائيل) بعد سنة 1967م، وليست هي مسألة إخراج (إسرائيل) من الضفة والقطاع، أو أن (إسرائيل) تبني مستوطنات في الضفة وتبني جداراً وتقضم الأرض، ليست هذه هي القضية. المسألة بيننا وبين يهود هي مسألة وجود وليست مسألة حدود. العملاء والمتخاذلون والمهزومون نفسياً الذين يفاوضون اليهود هم الذين حوّلوها إلى مسألة حدود. ونحن ننبّه المقاومة التي جاهدت وصمدت ودحرت الهجوم الصهيوني عن غزة، ننبههم وننبه  غيرهم إلى أن يركزوا في عقولهم وقلوبهم وعلى ألسنتهم أن دولة يهود يجب قلعها من جذورها وإخراجها من فلسطين ومن هذه المنطقة. وليوطدوا أنفسهم على الاستعداد والإعداد لإنجاز هذا الأمر الآن. إن أمتكم قادرة إلى إنجازه، إنها (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران 110]، إنها أمة الجهاد والاستشهاد، إنها أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حاملة الرسالة إلى العالم كله. لقد عادت الحيوية من جديد إلى هذه الأمة، ورأيتم هذه الحيوية في لبنان سنة 2006م وفي غزة الآن. وقد رأيتم كيف سَرَتْ هذه الحيوية في جسم الأمة كلها من المغرب إلى إندونيسيا متعاطفة مع غزة، ولا عجب فـَ«المسلمون كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر». والواجب على كل مسلم أن يترك التواكل والتخاذل والكسل، وأن يحرك من حوله من المتواكلين أو المتخاذلين إلى جماعة أو حزب انتموا فالقضية تعني الجميع. والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «لا يَكُنْ أحدكم إمَّعَة يقول: إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تُحسِنوا وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم».

ولنعلم جميعاً أن اليهود ليسوا أهل حرب بل هم أهل مال وأهل حِرصٍ على الحياة، قال تعالى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [البقرة 96]. وقال تعالى: (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ، لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) [الحشر 13-14]. وأشار الله إلى جبنهم بقوله: (قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ) [المائدة 22]، وبقوله: (قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) [المائدة 24-25]. وقال تعالى: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ(111)ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) [آل عمران 111-112]. وقد أخبرنا الصادق المصدوق سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنتيجة الفاصلة بين المسلمين واليهود بقوله: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهودّ فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله» (رواه مسلم وغيره).

والخلاصة التي يجب أن يدركها العقلاء هي أن وجود دولة لليهود في فلسطين هو مرض سرطاني فتّاك في المنطقة كلها، سواءً كانت هذه الدولة في مساحة صغيرة أم كبيرة. ويوجد لهذا المرض دواء واحد لا غير هو إزالة هذه الغدّة السرطانية إزالة كاملة. وهذا العلاج ممكن عن طريق توحيد مجموعة من دول المنطقة. هذا التوحيد ممكن الآن بل أصبح ميسوراً بعد أن اقتنع الناس بوجوب إسقاط الحكام الحاضرين وتنصيب حاكم واحد يحمل عقيدة هذه الأمة ومبدأها ويحمل همومها ويصون كرامتها ومصالحها. وهذا ميسور على أساس العقيدة الإسلامية ومبدأ الإسلام. وهذا الحاكم هو الخليفة الذي يوحد بلاد المسلمين وشعوبهم كي يعودوا كما أرادهم الله: خير أمة أخرجت للناس، وكي يستحقوا أن ينجز الله لهم وعده، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور 55].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *