الشريعة الإسلامية
1993/11/02م
المقالات
2,397 زيارة
بقلم: كديك بلال ـ الجزائر
لغة: تطلق الشريعة في اللغة على معنيين: الأول: مورد الماء للاستسقاء والثاني: الطريق المستقيمة.
شرعاً: هي ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده في العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات ونظم الحياة لتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة، فشريعة الله سبحانه وتعالى هي المنهج المستقيم الذي يصون الإنسانية من الزيغ والانحراف. وهي تنظيم حياة البشر، أنزلها الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يحدد فيه علاقة الإنسان بربه وبنفسه وبغيره من الناس، فهي طراز خاص للحياة والعيش. وإن دعوة جميع الرسل للتوحيد وللعبادة دعوة واحدة، أما مناهج لحياة فكانت مختلفة. قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) المائدة. وقد كانت كل شريعة قبل خاتم الأنبياء محصورة في قوم معينين وفي زمان محدود، حتى نزلت شريعة الإسلام للإنسانية كافة منظمة لشؤون الحياة كلها.
عالمية الشريعة الإسلامية:
إن كل نبي كانت دعوته محصورة أما النبي محمد صلى الله عليه وسلم فأَمَرَهُ الله تعالى أن يخاطب الإنسانية كافة. قال تعالى: (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) الأعراف. والأمة الإسلامية مكلفة بحمل هذه الرسالة وتبليغها. ولذلك كانت الشريعة الإسلامية شريعة عالمية موجهة لجميع الناس في كل زمان ومكان قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) سبأ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أُعطِيتُ خمساً لم يُعْطَهُنَّ أحد من الأنبياء من قبلي: نصرت بالعرب مسيرة شهر: وجُعلتْ لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ، وأُحلتْ لي الغنائم. وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة، وأُعطِيتُ الشفاعة» رواه البخاري. وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن الأمة هي المكلفة بتطبيق الإسلام وتنفيذه،وهي المكلفة بحمله دعوةً للعالم، وهذا هو معنى عالمية الشريعة.
مقاصد الشريعة الإسلامية:
قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) سبأ. فكون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد جاء رحمة للعالمين يعني أنه جاء بما فيه مصلحتهم الحقيقية. قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) يونس. فالهدى والرحمة هي إما جلب منفعة لهم أو دفع مضرة عنهم، وهذه هي مصلحة، وتحديد الشيء من كونه مصلحة أو مفسدة إنما يكون، للشرع وحده، لأنه لا يعمل أين تكمن مصلحته وفي أي شيء تكون إلا الله.ولو ترك تقدير المصلحة للإنسان لوجد الاختلاف والتفاوت والتناقض في تقدير المصلحة من فرد إلى فرد من عصر إلى عصر ومن مجتمع إلى مجتمع، فالقاعدة الفقهية تقول: (أينما وجد الشرع فَتَمَّ المصلحة) وقد وجد باستقراء الأحكام الشريعة أن مصالح العباد تتعلق بأمور ضرورية، أو حاجية، أو تحسينية، أو بأمور مكملة لهذه المصالح ومتممة لها، فمقاصد الشريعة الإسلامية هي هذه المصالح الحقيقية وفيما يلي تفصيل ذلك:
1- المصالح الضرورية: وهي التي لا قيام لحياة الناس دونها، فهي قوام حياتهم وإذا فاتت حل الفساد. وعمت الفوضى، واختل نظام الحياة، فهي دعائم لصيانة المجتمع. والمصالح الضرورية هي حفظ الدين والمحافظة على النفس، وعلى العقل، وعلى النسل، وعلى المال، وبعض العلماء زاد عليها المحافظة على الدولة، وعلى الأمن، وعلى الكرامة الإنسانية. وقد حافظت الشريعة الإسلامية على هذه الضروريات بأن جعلت غالبية أحكامها قطعية، كما قدرت عقوبات لمن يحاول الاعتداء على هذه الضروريات.
2- المصالح الحاجية: وهي التي يحتاج الناس إليها ليعيشوا بيسر وسهولة، وإذا فاتتهم لم يختل نظام الحياة، ولكن يصيب الناس ضيق وحرج، ومن أمثلة المصالح الحاجية الرُخَصُ الشرعية كإباحة الإفطار في رمضان للمسافر أو المريض، وإباحة التيمم لمن لا يجد ماء للوضوء، ومن أمثلتها أيضاً، إباحة الصيد وإباحة البيع، والإجارة وإباحة الطلاق.
3- المصالح التحسينية: وهي ما يتعلق بمكارم الأخلاق، والبعد عما يتنافى مع الذوق السليم. وإن فاتت هذه المصالح الناس فلا يختل نظام حياتهم ولا يصيبهم ضيق وحرج. ولكن تخرج حياتهم عن الآداب العالية، ومن أمثلتها: الطهارة، وإزالة النجاسات، وتقليم الأظافر، وغسل يوم الجمعة، وأخذ الزينة عند كل مسجد. وإماطة الأذى عن الطريق وإكرام الضيف، ونحو ذلك من الأحكام التي تزين الحياة وتحسنها وتجملها.
4- المصالح التكميلية: وهي تتعلق بالمصالح السابقة لإكمالها وتتميمها وإيجاد التناسق والتوازن في تنظيم الحياة، فالله جلت قردته إذا حرم شيئاً حرم الوسائل المؤدية إليه، فحرم الزنا وحرم جميع الظروف والوسائل المؤدية إليه من خلوة أو اختلاط أو كشف عورة قال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى) وتظهر المصالح التكميلية بوضوح بالقواعد العامة وبأحكام تفصيلية كثيرة منها: «الوسيلة إلى الحرام حرام»، «ما حرم فعله حرم طلبه»، «ما حرم أخذه حرم عطاؤه»، «ما حرم تناوله حرم بيعه»، «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب». أما الأحكام التفصيلية فكثيرة منها: تحريم التبرج، وتحريم الخلوة بين الرجل والمرأة وكشف العورة. ونحوها. والشريعة الإسلامية فيها من الأحكام التي تضمن وجود المصالح الضرورية والأحكام التي تحافظ عليها.
فلضرورة الدين شرع الله سبحانه وجود العقيدة السليمة والتفكير في مخلوقات الله والعبادات، وشرع للمحافظة عليه الجهاد في سبيل الله، وشرع حد المرتد. والنهي عن البدع. أما النفس فقد شرع الله حدّ القتل للقاتل حفظاً لها. أما النسل فقد شرع لإيجاده الزواج والتبكير فيه، والتقليل من تكاليفه. أما العقل فقد حرم الله شرب الخمر، محافظة على العقل، وحرّم المخدرات وشرع حداً لشارب الخمر، وكذلك أمر بالعلم وأمرنا بالتفكير في مخلوقات الله. وأما الملكية الفردية للأموال فقد شرع الله لوجودها وجوب العمل على الرجال القادرين كما شرع للمحافظة عليها حد السرقة والعقوبات التعزيرية. وللمحافظة على الدولة شرع وجوب نصب خليفة واحد على جميع المسلمين وحرم الخروج على الدولة، كما أوجب طاعة الخليفة بالمعروف. وللمحافظة على الأمن شرع الله سبحانه وتعالى إعداد القوة التي يكون بها الضرب على أيدي العابثين. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعدل بين الناس. وللمحافظة على الكرامة الإنسانية حرم الإسلام معاقبة المتهم قبل إدانته وحرم إيقاع عقوبات على المجرم لم ينص عليها الشرع كقلع الأظافر والحرق بالنار. وحرم الشتم والسب والغيبة وحرم القذف بالزنا، ووضع للقذف حداً وعقوبات تعزيرية.
موازنة بين التشريع الإسلامي والنظم الوضعية:
لقد اكتمل التشريع الإسلامي ووضحت قواعده وأسسه، وبيّنت مصادره، ثم نما هذا التشريع عبر العصور الإسلامية المختلفة مع المحافظة على أسس ومصادره، بجهود فقهاء المسلمين. وأول هذه المصادر القرآن الكريم، والسنة النبوية. ونحن نؤمن أنه لا موازنة بين التشريع الإلهي وبين التشريع الوضعي. ولكن الهدف من هذه الموازنة هو الاطلاع على السمات الرائعة المتميزة للتشريع الإسلامي. وكذلك الاطلاع على مساوئ التشريع الوضعي ونقائضه وآثاره السلبية في حياة البشر.
1- يقوم التشريع الإسلامي على أساس العقيدة الإسلامية المبنية على العقل والموافقة للفطرة، فهي عقيدة يقينية لا تقبل النقض، وذلك بخلاف التشريع الوضعي فإنه يقوم على أساس فصل الدين عن الحياة أو أساس المادية الملحدة، ومعلوم أن ما بني على فاسد فهو فاسد قال تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) التوبة.
2- كما أن أساس الشريعة الإسلامية روحي وهو أن الإيمان بالله واليوم الآخر مما يجعل القيم السامية هي البارزة في العلاقات، فالتشريع الإسلامي أخلاقي في أحكامه مما يجعل له الأثر الطيب في حياة الإنسان. أما أساس القانون الوضعي فمادي في طابعه، والدافع للأعمال مادي أيضاً فلا يراعي وجود قيم ولا مثل.
3- التشريع الإسلامي وحي من الله سبحانه مما أكسبه ثقة الناس وإطاعته طاعة مطلقة في السر والعلن، أما القوانين الوضعية فهي من البشر وتصوراتهم مما جعل الأفراد المكلفين بطاعة هذه القوانين يلتزمون بها تحت تأثير قوة الحكام، وإذا ما سنحت لهم الفرصة للإفلات من العقوبة فإنهم لا يترددون لحظة واحدة.
4- للتشريع الإسلامي قواعد ثابتة وفروع مرنة مما أكسبه القدرة على مواجهة الحوادث المتجددة في حياة الناس في كل زمان ومكان. وهذا بخلاف القانون الوضعي الذي لا يتصف بالثبات بل هو عرضة للتغيير والتبديل، فما يكون قبيحاً في وقت قد يكون حسناً في وقت آخر وهو مصمم أيضاً لظروف خاصة لا يصلح إلا لهذه الظروف.
5- السعادة ملازمة لأتباع شريعة الله سبحانه، والشقاء ملازم للقانون الوضعي، قال سبحانه وتعالى: (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى @ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) طه.
6- التشريع الإسلامي ينظم جميع شؤون الحياة، وجميع علاقات الإنسان مع ربه ومع نفسه ومع الآخرين. بخلاف القانون الوضعي فإنه يترك الناس أحراراً يفعلون ما يشاؤون دون ضوابط ولا قيود، فلا جريمة في القانون الوضعي مع التراضي حتى لو كانت شذوذاً.
7- التشريع الإسلامي يعالج أكبر المعضلات البشرية، فيوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، والقانون الوضعي عاجز كل العجز عن الموازنة بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع. فهو إما أن ينظر نظرة فردية كالقوانين في الغرب دون أي اعتبار لمصلحة المجتمع، فيسمح للفرد أن يفعل ما يشاء أياً كان باسم الحرية وإما أن ينظر إلى المجتمع ويهمل قيمة الأفراد كما في النظام الاشتراكي الذي ينظر إلى مصالح المجتمع وأما مصالح الفرد فلا قيمة لها
1993-11-02