العدد 264 -

العدد 264- السنة الثالثة والعشرون، محرم 1430هـ، الموافق كانون الثاني 2009م

آفاق وملامح: المستقبل للإسلام

آفاق وملامح: المستقبل للإسلام

 

أبو عمرو – غزة

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد، رافع المؤمنين، وخافض المنافقين، وناصر المجاهدين، وهازم الأحزاب والمشركين، ومعز المتقين، ومذل الخونة والمتآمرين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ خاتم النبيين والمرسلين، الذي حمل الرسالة وأدى الأمانة وأقام الدولة وجاهد في الله حق جهاده حتى قويت شوكة المسلمين وظهر الدين وأذل الكفرة والمشركين وترك الصحابة والتابعين في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، والتي وصفها عبد الله بن المبارك أحد كبار التابعين بقوله:

إن الجماعة حبل الله فاعتصموا
كم يرفع الله بالسلطان مظلمة
لولا الخلافة لم تؤمن لنا سبل

 

منه بعروته الوثقى لمن دانا
في  ديننا رحمة منه ودنيانا
وكان أضعفنا نهبا لأقوانا

إن الأمة اليوم تمر في أحلك الظروف وأدق المراحل في تاريخها المعاصر، وذلك بتداعي الكفار المستعمرين بقيادة أميركا عليها تداعياً غير مسبوق، ممثلاً فيما نسمعه ونراه من حملات صليبية عسكرية متوالية منذ أيلول نيويورك، والتي ابتدأت بأفغانستان وشملت باكستان، وفلسطين، والعراق، والصومال، ولبنان… ويقصد من ذلك  الهيمنة على المنطقة، هيمنة مادية محكمة، والمنطقة المقصودة هي الجزيرة وبلاد الشام وبلاد فارس، فباحتلالها العراق وسعيها لحسم لبنان لصالحها، تكون أميركا قد سيطرت على هذه المنطقة من ثلاث محاور، هي: محور أفغانستان (وبذلك تسيطر على آسيا الوسطى)، ومحور العراق والشام، ومحور شمال أفريقيا (عن طريق مصر). بالإضافة إلى القواعد العسكرية الأميركية التي تعجُّ بها بلاد المسلمين وبخاصة البلاد القريبة من هذه المنطقة من مثل تركيا، وهذا جزء من المخطط الأميركي المرسوم لصياغة مستقبل هذه المنطقة، وذلك في إطار سعيها لضمان قرنٍ آخر من الهيمنة الدولية. إذ هي لا تسعى للسيطرة على منابع الطاقة والممرات المائية فحسب، بل تسعى للحيلولة دون نهوض المسلمين بمشروعهم الحضاري الذي أخذت معالمه تلوح في الأفق، ونذره تتوالى إلى عواصم أميركا وأوروبا، والذي عبَّرَ وزير الداخلية البريطاني تشارلز كلارك في خطاب له في مؤسسة هيرتيج في 6/10/2005م قائلا: «… لا يمكن أن تكون هناك مفاوضات حول إعادة دولة الخلافة، ولا مجال للنقاش حول تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية» أما الرئيس بوش فقد صرح في خطاب له للأمة في 8/10/2005م قائلاً (يعتقد المقاومون المسلحون أنهم باستيلائهم على بلد واحد سيقودون الشعوب الإسلامية، ويمكنونهم من الإطاحة بكافة الحكومات المعتدلة في المنطقة، ومن ثم إقامة إمبراطورية إسلامية متطرفة تمتد من إسبانيا إلى إندونيسيا) وفي 5/12/2005م قال وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد في تعليق له حول مستقبل العراق في جامعة جون هوبكنـز: «ستكون العراق بمثابة القاعدة للخلافة الإسلامية الجديدة التي ستمتد لتشمل الشرق الأوسط وتهدد الحكومات الشرعية في أوروبا وأفريقيا وآسيا، وهذا هو مخططهم، لقد صرحوا (الحركة الإسلامية المتطرفة) بذلك، وسنقترف خطأً مروعاً إذا فشلنا في أن نستمع ونتعلم».

أمام هذا الواقع نجد الأمة في حالة من السكون الذي ربما يكون سكوناً يسبق العاصفة، السكون أو السكوت الذي أثار اهتمام وربما قلق أوروبا، فدفعت بمفكريها ورجالات السياسة المخضرمين فيها لدراسة ومعرفة ما ينطوي عليه حال الأمة الإسلامية، وهذا السكوت وإن كان ظاهره الانتظار المصحوب بالمرارة، إلا أن باطنه غليُ مِرْجَلٍ. ولكن الأمر لا يخلو -وكما هي الأمم- من يائسين أو قل مرجفين، امتازوا بقصر النظر، وسطحية التفكير، واستغرقوا في الحسابات المادية دون أن يلتفتوا إلى جوانب القوة الكامنة في الأمة وعناصر الضعف الكامنة في أعدائها، بل لم يلتفتوا إلى نواميس الكون وسنن الله في الأمم والحضارات.

 في الأزمات ولحظات الشدة تجلت وتتجلى مواقف القيادة الحقيقية المنبثقة من الأمة والمعتزة بدينها، فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):

– نراه يجيب عمَّه عندما ضيقت عليه قريش الخناق “والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو تنفرد هذه السالفة”، فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هنا يمثل الثبات، والصبر والجلد، والإصرار على الحق، والإقدام، والاستعداد للتضحية استعداداً صادقاً يلمسه الناس فيه.

– ونراه المقاتل في بدر يبث العزيمة والهمة في نفوس أصحابه ويدعو لهم ويلح في الدعاء.

– ونراه في أحد يقتل أحد رؤوس الكفر (أمية بن خلف).

– ونراه يقود المسلمين في غزوة تبوك فيقطع الصحاري معهم لقتال الروم في بلاد الشام بعد أن سمع بإعداد الروم لغزو المدينة، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك يجسد القدوة والنموذج القيادي الذي يحتذى به.

– ونراه يشد عضد أصحابه في غزوة الأحزاب، حيث بلغت قلوب المسلمين حناجرهم وزلزلوا زلزالاً شديداً، ويبشرهم بالنصر قائلاً عليه الصلاة والسلام: “غزتكم العرب هذا العام، ولن يغزوكم بعده، وستغزونهم”،) وهنا تتمثل القدرة على استغلال عناصر القوة في نفوس الناس فيبعثها فيهم فيجنبهم الهزيمة والانتكاس، ويبصرهم بعناصر ضعف أعدائهم ويقودهم لاستغلالها.

– ونراه يسعى لمصالحة قريش لإفشال حلفها مع خيبر، مستغلاً ضعفها وتصدع قوتها. وبذلك يضرب أروع المثل في  الفهم العميق والمستنير للأحداث السياسية وغير السياسية، والإدراك الصحيح المستنير للمحور الذي هو عليه.

هذا غيض من فيض من سيرة قدوتنا وأسوتنا (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والذي كان قيادة ربانية. فهل عدنا لها لنترسم خطاه وبخاصة في لحظات الشدائد والأزمات.

 إن الأمة اليوم تفتقد القيادات الحقيقية، ولا نجانب الحق والصواب إن قلنا أن الأمة اليوم تعاني من فراغ قيادي. ألا ترون معاشر المسلمين أن  حكامكم يمضون حياتهم في العمالة للكافر المستعمر، والتسلط على أموال الناس ومقدراتهم، فقتلوا ونهبوا وارتكبوا أفظع الجرائم. ألا ترونهم اليوم يتذللون، بل لا يستحيون من الإعلان بأعلى أصواتهم أنهم أذلة لا يملكون من الأمر شيئاً اللهم إلا الاستجداء، وأنهم يجعلون للكافرين على المؤمنين سبيلاً، كما فعلوا في أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان…

إن الأمة اليوم تحتاج إلى قيادة، وهذا ظرف لم يسبق أن لاح مثله، وفرصة يجب أن تقتنص من قبل المخلصين من أبناء الأمة من حملة الدعوة والأنصار من الجيوش الغيورين على دينهم وأمتهم.

إن الصراع بين الإسلام والرأسمالية قد غدا واضحاً جلياً لا يخفى على أحد من أبناء الأمة، بل إن الغرب ومعه أميركا قد دفعوا كل مسلم إلى الشعور بأنه مستهدف بشخصه ومصالحه، وهذه نعمة مَنَّ الله بها على المسلمين، فأن يصل المسلمون كافة إلى أنّ أميركا ومن تابعها من أوروبا هم العدو، كان خطوة على طريق العمل النهضوي، هذا من جهة. أما من جهة أخرى فإن الصراع الفكري مع الرأسمالية قد حسم أمره لصالح الإسلام، وخرج الإسلام منه منتصراً، ولم يبق للرأسمالية إلا القوة المادية التي لن تنال من الفكر والحضارة الإسلامية شيئاً، وإن نالت وما زالت تنال من دماء المسلمين. وهذا ربما يكون أحد الأسرار التي دفعت أنصار الفكر الرأسمالي من قادة ومفكرين في أوروبا وأميركا إلى إعلان الحرب على المسلمين في كافة أرجاء الدنيا، بل دفعهم إلى التباهي ومحاولة الظهور على المسلمين بما أسموه التكنولوجيا وغيرها من ألوان العِلم التجريبي، وبخاصة فيما يتعلق بوسائل الحرب والمعلومات، وهذه من المدنية وليست من الحضارة، فقد ذهبت قيمهم وأفكارهم الهشة أدراج الرياح، بل غدوا -على قناعة غير معهودة فيهم- بأن الإسلام لن يهزم بل لن تقف أمامه حضارتهم مهما زينوها.

أما الصراع المادي الحالي، فإن تصورنا أن المعادلة في المعركة القادمة هي أميركا ببوارجها وطائراتها وصواريخها واستخباراتها وعملائها وألوان قوتها المادية وذراعها في المنطقة كيان يهود في مواجهة الأمة بقوتها المادية المتخلفة وقياداتها العميلة وراياتها العمية، فستكون النتيجة الحتمية الهزيمة العسكرية على أيدي قيادات طالما خانت الله ورسوله والمؤمنين مما يزيل الشك بأن الأمة في فراغ قيادي، وهنا لا بد من الإشارة إلى بعض الحقائق، منها:

أولاً:  إن الأمة لم تهزم أبدًا طوال تاريخها الطويل باعتبارها أمة (وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء 74]. فالآية تبين منطوقاً أننا أمة لا نغلب بل ننتصر أو نموت، وهذا سلاح تنفرد به أمة الإسلام.

ثانياً: إن الأمة لم تنتصر في يوم من الأيام بالعدد والعدة.

ثالثاً: من عناصر قوة الأمة أن أمرها فيما يتعلق بالعودة إلى الدين واتخاذه قضية تنامى ووصل مرحلة لن يعود بعدها إلى التراجع والانكفاء إن شاء الله تعالى. فقد وصلت الأمة فيما مضى من الانحطاط الفكري إلى نقطة الصفر، واستقرت عليها ردحاً من الزمن، ثم بدأت بالتصاعد، وإن كان متثاقلاً حيناً ومتباطئاً حيناً آخر. ومن المؤشرات على هذا، أن الأمة قد أدركت من هو عدوّها، وأدركت حقيقة حكامها، واستعادت الثقة بدينها، وتقبلت العودة إلى الحكم بما أنزل الله، وأصبحت الخلافة مطلباً لها، والأمة أخذت ترفض الحضارة الرأسمالية وما جاءت به من أفكار وحريات وغير ذلك، وربما ساهم الكفار أنفسهم في إيصال الأمة إلى هذه القناعات من حيث لا يشعرون. لذا نستطيع أن نقول أن الأمة في طريقها إلى الله، أي إلى نصرة دين الله. هذا حال سوادها الأعظم، أما ما ينقله الإعلام المأجور الذي يسود هذه الدنيا فهراء وتزوير.

رابعاً: يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن الله عز وجل قد أعطى نبي هذه الأمة أمراً طلبه وهو أن لا يسلط عليها عدواً من غير نفسها يستبيح بيضتها ويستأصل شأفتها. وقد تعرضت هذه الأمة في تاريخها الطويل لهزات عنيفة، فهل ذابت وتلاشت أم أنها تجاوزتها، بل من أعدائها من ذاب فيها واعتنق دينها، أمثال المغول، وهذا يقودنا إلى أمر خامس وهو:

خامساً: إن الأمة الإسلامية أمة عريقة وذات تجارب تاريخية كبيرة وكثيرة ابتدأت بالردة بعيد وفاة رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) مروراً بالفتنة زمن علي (رضي الله عنه) ومعاوية، ثم الحروب الصليبية، ثم الغزو المغولي، ثم هدم دولتها واقتسام الكفار المستعمرين لبلادها واحتلال اليهود لفلسطين، كل هذا لم يقضِ عليها، بل كان دوماً الدافع لها للنهوض من جديد وتجديد مسيرتها في الارتقاء والنهوض.

أما من جهة العدو فنلاحظ ما يلي:

أولاً: إن قوته الوحيدة والتي يتفوق بها علينا هي قوة مادية عسكرية واقتصادية محضة، وهذا ما لا يعجزنا نواله يوماً إن كان لنا كيان، بل إننا نمتلك أهم مقوماته وهم العلماء في كافة المجالات، أضف إلى ذلك الخيرات والموارد التي لا تعدّ ولا تحصى.

ثانياً: إن عدونا قد فشلت حضارته وبان عوارها وأوشكت على الانهيار، ولو كان لحضارتنا دولة تحملها إلى الناس لرأيناهم يدخلون في دين الله أفواجاً منسلخين من مبدأ الرأسمالية الذي جَرَّ عليهم الويلات. فيكفي أن نقول إن جيوشهم لا تحمل رسالة أو قضية أو هدفاً يقنعهم بالموت في سبيله، وهذه حال شعوبهم.

ثالثاً: إن غرور القوة قد أعمى أبصارهم وبصائرهم، وهذا إذا ما أضيف إلى جهلهم بأمتنا، كان عليهم وبالاً بإذن الله. فهل فكر عدونا يوماً أن هذه الأمة قد تثور مرة واحدة، وتنقضّ على قواعده ومصالحه المتناثرة في بلادنا؟ لا أظنه، فهو يعتبر الحدود المرسومة بين مصر والسودان أو سوريا والعراق هي كالحدود بين ألمانيا وفرنسا أو قل كالحدود بين الأرجنتين وبوليفيا.

رابعاً: الانهيار الاقتصادي، الذي تسير نحوه أميركا بخطى حثيثة، ومؤشراته كثيرة، لا يتسع المجال لذكرها، ولا أدل على ذلك من لجوء رئيسهم إلى إعفاء ما يزيد على مائة مليون مواطن من ضريبة الدخل مبتغياً بذلك تحريك النمو الاقتصادي.

خامساً: إن عدونا قد افتقد الأمن الداخلي، فيكفي شعوبهم حسرةً أن لا تشعر بالأمن والطمأنينة وهي تمتلك تلك البوارج والطائرات والأسلحة المتطورة، ويكفيها أن ترى السبب في فقدانها الأمن هو اعتداءات حكوماتها وجرائم جيوشها، وهذا ما رأيناه في التخبط في مواجهة إعصار كاترينا في أميركا.

إن الهزات التي تمر بها الأمة هي المِنخس الذي به تفيق الأمة من غفلتها وذهولها. والأمر في تداعي الأمم بعضها على بعض من سنن الله في الكون والأمم، وقد كشف القرآن هذه السنة بقوله: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران 140].

ها هو الواقع ماثل بين أيدي المسلمين، حيث يرون فيه أن حكامهم وأعداءهم متمترسون في خندق واحد فماذا هم فاعلون؟

إنه لا حل إلا بالعمل مع المخلصين من أبناء الأمة الساعين إلى استئناف حياة إسلامية بإقامة دولة الخلافة الإسلامية، والتي بإذن الله ستعمل على إزالة سيطرة الكفار و قطع نفوذهم  واقتلاع كيان يهود من قلب الأمة، فالأمة التي أنجبت قيادات كخالد وأبي عبيدة وسعد ونور الدين وصلاح الدين وقطز وبيبرس مازالت تلد، إنه مازال بين الرجال وفي أصلابهم من سيأتي ليعيد للأمة عزتها وكرامتها ورفعتها، ومهما اشتدت الظلمة واشتد الكرب، فإن الله عز وجل سيخرج من رحم الظلام فجراً تشرق به الوجوه وتسر به النفوس ويفرح حينها المسلمون بنصر الله.

(وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا) [الإسراء 51].

(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة 250].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *