العدد 263 -

العدد 263- السنة الثالثة والعشرون، ذو الحجة 1429هـ، الموافق كانون الاول 2008م

أوباما و«التغيير» وقضايا المسلمين

أوباما و«التغيير» وقضايا المسلمين

 

فاز أوباما الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأميركية، وفاز معه الحزب الديمقراطي بأغلبية واضحة في مجلسي النواب والشيوخ، وكان الفوز قوياً لدرجة تعكس رغبة قوية في الداخل الأميركي من سياسيين وعسكريين واقتصاديين ومفكرين وإعلاميين بالإضافة إلى الشعب الأميركي عموماً في «التغيير» الذي رفعه أوباما شعاراً لحملته الانتخابية. فقد كانت فترة حكم بوش الممتدة لولايتين سنوات عجافاً لهؤلاء، فوتت على أميركا فرصتها الذهبية في اغتنام مكاسب سقوط الاتحاد السوفياتي، والحفاظ على اتساع الهوة بينها وبين الدول الأخرى ذات النفوذ والمصالح الدولية والتي كانت تتفوق عليها مجتمعة… كانت فترة حكم أوقعت أميركا داخلياً بأزمة اقتصادية حادة جداً، أرهقت الدولة واستنـزفت فائض ميزانيتها وزادت ديونها وأوقفت نموها وأوقعت الشركات العريقة في الإفلاس وأدخلت أو ستدخل البلاد في الركود والبطالة لسنوات كما يتوقع الخبراء وأخرجت ملايين الأميركيين من بيوتهم المرهونة. وخارجياً وقعت أميركا بأزمة حضارية جعلت مبدأها كخرقة العذر لا يطيق أحد رؤيتها ولا لمسها ولا تحمل رائحتها النتنة لما ارتكبته من فظائع بحق المسلمين تحت شعار الحفاظ على الحريات ونشر الديمقراطية والتغني بثقافة السلام… فكان السقوط مدوياً للحريات والديمقراطية وللمبدأ الرأسمالي برمته. وفوق كل ذلك أدخل بوش بلاده في صراع دولي محتدم تحت ذريعة (محاربة الإرهاب) ما جعل التوتر وعدم الاستقرار يسود العالم كله… وهكذا أمسى الداخل الأميركي والخارج الدولي يريد «التغيير» وعندما فاز أوباما وفاز معه شعاره «للتغيير» بدا وكأن العالم كله قد فاز. فأي «تغيير» هذا الذي يحمله أوباما في جعبته؟ وما نصيب المسلمين منه؟

وحتى نبني جوابنا على أساس ثابت لابد من تناول نقاط عدة:

– إن أميركا تقوم على فكرة المصالح أولاً وأخيراً، ومصالحها تطال العالم كله، وتقوم على أسلوب الذرائعية والواقعية فهي لا تتخذ من الحق أو الباطل مقياساً لأعمالها. فالحق عندها هو فقط ما يؤمن مصالحها، والباطل ما يمنعها من ذلك.

– بنظر أميركا حكومة وشعباً، لا يعتبر ما قام به بوش خطأ، بل فشله في تحقيق ما طرحه كان هو الخطأ. وهو لو استطاع تحقيقه لسجل اسمه في سجل الخالدين لديهم من غير أدنى نظر إلى كل ما ارتكبه من جرائم، ولكنه اعتبر فاشلاً فقط لأنه لم يستطع تحقيق ما طرح.

– إن أميركا أوباما لن تتراجع عما فعله بوش وتعود إلى النقطة التي بدأ منها، بل ستكمل مشواره، ولكن بطريقة مختلفة هي في ظن أوباما والديمقراطيين وكل شرائح الشعب الأميركي أنها أذكى في تحقيق ما لم يحققه بوش، ولو كان الموضوع عندهم يتعلق بحق وباطل لتوجب المطالبة بمحاكمة بوش وإدارته، وأن يتم الاعتذار للعالم وللمسلمين بالذات عما سببه لهم بوش من مآس ومجازر…

– إن سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، كغيرها من الإدارات، لا يقررها شخص الرئيس بمفرده، بل معه قوى وحيتان عاتية النفوذ، ضاربة الجذور، لها مصالحها الكونية من شركات اقتصادية، وسياسيين، ومفكرين ، وعسكريين، ومراكز أبحاث، ومخططين، وجماعات عنصرية… لا تقبل بأن يترشح في الأصل إلا من يحقق أطماعها في ابتلاع العالم كله. وهذه القوى يكون الرئيس واحداً منهم ولا يملك أدنى خروج عن أهدافهم، وإلا لما تم اختياره من قبلهم لهذا المنصب.

– إن أوباما يمثل الحزب الديمقراطي. والديقراطيون في سياستهم الخارجية لا يختلفون عن الجمهوريين إلا في الأسلوب أما الأهداف فواحدة. وعليه فهم لا يختلفون في نظرتهم للصراع الدولي، وأن أميركا يجب أن تكون الدولة الأولى في العالم وأن تقود العالم، وأن تحاصر الدول المزاحمة لها وتمنعها من المزاحمة، وأنها يجب أن تحصل على خيرات العالم بأكبر نسبة ممكنة وأن تتحكم بجميع دوله، ولكنها تختلف بطريقة تحقيق ذلك، فالديمقراطيون يرون اتباع سياسة (الاحتواء) للسيطرة على دول العالم، وتغيير الأنظمة عن طريق المؤامرات وشراء الذمم والمخابرات.

وعلى ذلك يمكن القول إنه لا “تغيير” في سياسة أميركا الخارجية في الجوهر وإنما في المظهر. والمقصود بـ”التغيير” هو فقط ما يعني مصالح الداخل الأميركي بكل أطيافه.

أما سياستها في الخارج فلن يتغير فيها شيء سوى في الأسلوب. أما عن سياسة أوباما تجاه المسلمين فيبدو أنها لن تتغير لا في الشكل ولا في المضمون. ولنأخذ على ذلك ثلاث قضايا حية من قضايا الصراع ضد المسلمين وهي فلسطين، والعراق، وأفغانستان.

– فبالنسبة للقضية الفلسطينية: فقد أعطى اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الضوء الأخضر ليهود أميركا بانتخاب باراك أوباما. وقد أظهرت استطلاعات الرأي يوم الانتخاب تأييد 78% منهم لأوباما. وحين اتهم أثناء حملته الانتخابية بأنه (ابن حسين) أين ابن مسلم، أجاب بأن اسمه (باراك) وهو بالعبرية (باروخ) وعندما زار (إسرائيل) وضع القلنسوة اليهودية على رأسه، وحج إلى نصب ضحايا النازية، ورفض زيارة الضفة والقطاع، ثم تعهد أن يضمن أمن (إسرائيل) واعتباره جزءاً من أمن أميركا، وتعهد الإبقاء على (إسرائيل) أقوى من كل جيرانها المسلمين وأن تبقى القدس عاصمة أبدية لـ(إسرائيل).

وفي 4/6/2007م قال: «إن حل النـزاع وخلق حياة أفضل للناس شيء ممكن الوصول إليه، ولكن يتطلب ذلك تنازلات من الجانب الفلسطيني، إذ يجب عليهم أن يعترفوا بحق (إسرائيل) في الوجود، ويجب أن يتخلوا عن العنف والإرهاب (أي مقاومة الاحتلال) كأداة للوصول إلى حلول سياسية، ويجب أن يلتزموا بالاتفاقات الموقعة…».

أما نائبه بايدن، فقد قال في خطاب له في أيلول 2008م: «أنا رئيس لجنة العلاقات الخارجية، وأعطيكم كلمتي، وهي أنني لم أتخلَّ عن منصبي لصالح نائب الرئيس لأوباما إلا لأنني متيقن في عقلي وقلبي بأن باراك أوباما سيكون في نفس درجة حماسي لإسرائيل، وأعدكم بأننا سنجعل إسرائيل أكثر أمناً».

أما هيلاري كلينتون المرشحة لوزارة الخارجية فقد أغدقت على اليهود و(إسرائيل) الكثير من الوعود في صورة تنافسية مع أوباما لتكسب أصواتهم حين كانت المنافسة بينها وبينه على منصب اختيار الحزب لأحدهما كمرشح لمنصب الرئاسة. ويذكر أن الرئيس السابق كلينتون نال نفس نسبة أوباما من أصوات اليهود. فأي “تغيير” هذا الذي سيحمله أوباما للمسلمين في فلسطين.

وبالنسبة للاحتلال الأميركي للعراق، فإن سياسة أوباما ستكمل ما أنجزته سياسة بوش المجرمة، ولن تتخلى عن شبر واحد مما حققته، وسيترك للاتفاقية الأمنية التي ستبذل إدارة بوش كل ضغوطها وتهديداتها لفرضها على العراق، أن تحدد العلاقة المستقبلية بين الولايات المتحدة والعراق، والتي يبدو واضحاً أنها تقنين للاحتلال العسكري وتسليم لإدارة العراق وسيادته ومقدراته الاقتصادية لأميركا، حتى إذا نجح ذلك جاء باراك ليكمل ما بدأه بوش. وفي الوقت نفسه يظهر أمام العالم أنه وفى بوعده في سحب القوات وواضح أنه لن يتخلى عن أي مكسب حققه سلفه السيئ الذكر من وضع اليد على النفط، ومن التدخل في العراق عن طريق قوات إسناد أميركية من دول الجوار (الكويت قطر…) ومن مياه الخليج، وإبقاء قوات أميركية داخل العراق وقوات مخابرات وتدريب وتوجيه (كما نصت عليه توصيات بيكر – هاملتون) وعلى ذلك يمكن اعتبار سياسة باراك أوباما استكمالاً لما بدأه بوش، ولن تكون حاله أفضل من حال سلفه الديمقراطي بيل كلينتون الذي حاصر العراق بهدف احتوائه وكانت سياسته مسؤولة عن موت 5 ملايين طفل… وهل يتوقع أحد أن يتخلى “تغيير” باراك عن العراق وعن نفط الخليج الذي يعتبر مصلحة حيوية للولايات المتحدة…

أما بالنسبة لأفغانستان: وهنا الطامة الكبرى، فقد صرَّح أوباما مراراً وتكراراً وأعلن بما يشبه أنه سيكون سياسة ثابتة له، أنه سيلاحق ابن لادن وسيقضي على طالبان. وأن هذا يقع في مقدمة أولوياته، وفي هذا تجديد للعداء مع الإسلام، وهو يعكس اهتماماً استعمارياً أميركياً بهذه المنطقة نظراً لما تشكله من أهمية استراتيجية في سياسة أميركا في تلك المنطقة. ومن مظاهر سياسة أوباما المستقبلية في أفغانستان الملامح التالية:

– وجه أوباما انتقاداً لبوش لاهتمامه المفرط بالعراق على حساب أفغانستان.

– تعهد بنشر آلاف الجنود الإضافيين في أفغانستان ونقلهم من العراق بعد بدء الانسحاب منه. وسينفذ هذا في شباط القادم حيث سيبدو أنه من أوائل أعماله.

– أعلن عن نيته إجراء محادثات مع إيران كشريك للتفاهم والبحث عن أهداف مشتركة بينهما منها أنهما ضد تسلم إسلاميين للحكم في أفغانستان، وقد بدأت بوادر هذا التوجه بالوساطة التي أعلن أردوغان أنه يريد القيام بها بين أميركا وإيران.

– إبراز أن القاعدة تأتي في طليعة أعداء أميركا وهدفه رأس ابن لادن.

– أما طالبان، فهناك عملية تقييم للحرب في أفغانستان من المتوقع أن تنتهي خلال شهر تشرين الثاني وتتركز على تقديم الدعم للحكومات المحلية والإقليمية، وبناء الشرطة الأفغانية، والعمل على نقل التجربة العراقية في استنساخ صحوات باكستانية وأفغانية تحارب طالبان باكستان وطالبان أفغانستان لشق الصف وإضعاف الجبهة المعادية، ولعل أكثر ما يدل على استمرار هذه الخطة هو الإبقاء على غيتس كوزير للدفاع، ومولن كرئيس لهيئة أركان الجيوش الأميركية، وبترايوس كقائد للمنطقة الوسطى التي تشمل العراق وأفغانستان. فهؤلاء سيستمرون في التخطيط الذي بدؤوه في عصر بوش لينفذوه في عهد أوباما.

فأي “تغيير” هذا الذي يتوقع من أوباما؟

لقد سمعنا تصريحات كثيرة من مختلف دول العالم تشيد بأوباما وبـ”تغييره” ومنهم بعض المسلمين، وهذا يعكس نفسية انهزام وضياع وفقدان بوصلة التغيير الحقيقي. وإننا نعلن، ونحن الذي نستمد تصورنا من شرع الله وحده، والذي لا يؤثر فينا بهرجة السحرة المزيفين أن التغيير الحقيقي لا يكون للمسلمين وللعالم أجمع إلا بالإسلام حصراً، دين الله الحق.

وإننا عندما نتكلم عن السياسة الدولية، ونذكر دول الغرب الرأسمالية وسياساتها المتوحشة وأطماعها وإجرامها الذي لا يتوقف عند حد… ومدى الفساد الخلقي الذي تنشره على الأرض ليحدونا الشوق الكبير إلى عودة الخلافة الراشدة واستئناف الحياة الإسلامية ليعم الحق والعدل، وينتشر المعروف وينحسر المنكر… وإن العالم كله، مسلميه وغير مسلميه، ليتمنى الخلاص من هذه الأوضاع التي ستتتابع مآسيها طالما أن الغرب هو الذي يقبض على الزمام… وإن العيش في رحاب الإسلام أو الدولة الإسلامية التي لم ولن تحمل إلا الهدى والخير للبشرية جمعاء هو الحل الوحيد.

فإلى الخلافة، إلى خلاص البشرية ومآسيها، وإلى نشر الحق والعدل والاستقرار والاطمئنان ندعو المسلمين والعالم أجمعين.

قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق 37].

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *