العدد 126 -

السنة الحادية عشرة – رجب 1418 – تشرين الثاني 1997م

فاصـْبِروا واسْــعَـوْا ولا تَهِـنـوا

فاصـْبِروا واسْــعَـوْا ولا تَهِـنـوا

ما أطبق الليلُ إلا أسفر السَحَرُ
وعادةُ الدهرِ لم تُؤمَن عواقبُهُ
ما بين مد يهيب الطيرَ ساحلهُ
والعُمْرُ بينَهما فرْضٌ نكابدهُ
كأنّ عينيكَ حاكتني مودعةً
لعل عندكَ أقوالاً ملجلجةً
عَـلامَ تَحْذَرُ والأيـّامُ فـانـيــةٌ
لا يسْلمُ المرءُ من موتٍ يحاذِرهُ
فخلِّ نفْسَكَ في دار مُكَرَّمَةٍ
ويا دَمَ الثورةِ المسفوحَ لي أملٌ
أخبرْ صحابيْ عن الثوّارِ وارْوِِ لهمْ
وقلْ لهمْ كمْ يريدُ النصرُ من جَلَدٍ
وكمْ يريدُ رجالاً بلْ وتضحيةً
وقوةً وصـمـوداً دونما كَـلَـلٍٍ
وقلْ لهمْ فاصبروا واسعَوْا ولا تَهِنُوا
وعُلِّقوا واستُبيحوا بل وقد حُرِقُوا
عقيدةٌ كلَّ شيءٍ غيرَها هَجَروا
حتى أقاموا ورُغم الظلمِ دولتَهمْ
ويا صحابي وقدْ جالت بنا العُصرُ
إذا تبينتُ سَوءاتٍ وأفضحُها
ولا تقولوا مَنِ المسئولُ يُصْلِحُها
من لم تُحَرِّكْهُ للأوضاعِ عاطفةٌ
@

لا تعذِلوني فإنّي شاعرٌ فطِنٌ
هي السياسة إنْ مالت تُحَرِّكُني
وكيف أَسْكُتُ والآلامُ ناخرةٌ
والنفْسُ أَحْرَقُ مِن جمر تؤججه
قضيةٌ عَظُمَتْ والناسُ راقدةٌ
قتلُ امرئٍ في فلاةٍ غيرُ مغتَفَرٍ
يا راويَ القومِ هل ساءلتَ ما الخبر
ففي دمائيَ ثأر يغتلي غضباً
ولم تنمْ لـيَ عينٌ فهْي ساهدةٌ
يا راويَ القومِ عنْ ماذا ستَسألني
أمْ عنْ بقايا دُوَيْلاتٍ ممزَّقةٍ
كانت فِلَسطينُ إذ كنّا بِـمَـبْـدَئِنا
واليومَ إذ فرّق الأعداءُ وحدتَنا
مقرّحٌ قلْبُها مستعتبٌ دمُها
والنهبُ والقتلُ والتشريدُ منتشرٌ
في كل زاوية نَذْلٌ يدنِّسها
أنتمْ تظنون حقاً أنكمْ عَرَبٌ
تبـّـاً لكمْ لن تنالوا أيَّ منفعةٍ
لو كان أجدادُنا يَدْرون خستَكمْ
@

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

@

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

@

وعادةُ الفجرِ بعدَ الليلِ ينتشرُ
والأمسُ منقطعٌ والصبح منتظَرُ
وبين جَزْرٍ به الأعوام تُعتصرُ
فلا خُلاصةَ مما شاءه القَدَرُ
وكم يُعبِّر عما تكتم النظرُ
قُلْها بلا خَشْيةٍ، قد قارب السفرُ
وكُلُّ ذي جَبَروتٍ سوف يندثرُ
لكنّما قدْ يُنال المجدُ لا الـحُــفَـرُ
أو لا سَـتُـغْفِلُكَ الجـنـّاتُ والـسِــيَـرُ
يشدُّني كلَّما يُستقطع العُمُرُ
فإنما أممٌ عايَـنْـتُـهـا عِـبـَـرُ
لأنّ درباً إلى تحقيقِه وَعِرُ
ومُخْلِصِيْ أُمَّةٍ في الـحُـكْـِم يَنتظِرُ
ومَبـْـدَأً راسخاً أركانُهُ صَخَرُ
فتلك آباؤكمْ من قبلُ قد نُشرُوا
فما استكانوا ولا ذلوا ولا كُسرُوا
وغايةٌ كلَّ صعبٍ دونها عَبَرُوا
فما لصدهمُ مقدورُ يقتدرُ
أؤمِّل الخيرَ فيكمْ إنكمْ صُبُرُ
ماذا تظنون ، إنّي منكمُ بشرُ
أنا وأنتمْ فشُقوا الدربَ واختَصِرُوا
خيرٌ له اللحدُ أو لو أنه حَجَرُ
@    

أرى وأعْرفُ ما يبدو وينسترُ
فلستُ أَقْدِرُ كتماناً إذا غَدَرُوا
عَظْمي ووسْطَ فؤادي تُغرزُ الإبَرُ
إذا استثيرت لظاها محرقٌ خَطِرُ
وداؤها مُعْضِلٌ والمعتدي أشِرُ
فقتلُ شعب أمين كيف يُغتفرُ؟!
غداً سيَعْلَمُ منكَ السَمْعُ والبَصَرُ
وفي أكفّيَ نار الحق تستعرُ
حتى أرى دولَ الأوغاد تنصهرُ
أعنْ فِلَسطينَ أمْ لبنانَ تختبرُ
صارتْ هوامشَ بالأكفان تَأْتَزِرُ
فكلُّ كفٍّ تريدُ الشرَّ تنبترُ
باتت تُنازعُ رُوحاً كلُّها طُهُرُ
وخافتٌ صوتُها والجسم منطمِرُ
والخوفُ والخطفُ والتعذيبُ والذُعُرُ
فالعِـرضُ منهـتِـكٌ والدِينُ محتقَرُ
والقدس مغصوبة تشكو وتنتظِرُ
ما دام في الشَعب حُرٌّ عنده غِيَرُ
كيْ يقْتلوكمْ لكانوا قـبْلكَ انتحرُوا
@

سبحان ربكَ كيْف التيسُ يرعبُنا
هذانِ جيشانِ مدحورٌ ومنتصرٌ
فهمْ ونـَحْـنُ نقيضا مَبْدَإٍ أبداً
قالوا انتصرنا وفزنا إذ رأوا عُمَراً
لم يعْلموا أنّ ما قدْ صاغ قادتَنا
مخطَّطٌ أحكَموا تنفيذَه قذِرٌ
حتى إذا لم يلبّ اللِّينُ مطلبَهمْ
في مجلسِ الأمنِ شكوى تلوَ ثانيةٍ
أما قراراته حبرٌ على ورقٍٍ
وما جهِلْنا بل الحكامُ جاهلة
مهما تطاولَ ذو بغْي بقدرته
للحاكمِين ملايينٌ مكدَّسةٌ
أما الرجال فآراءٌ مفرَّغةٌ
يا مَعشراً قد أباحوا كلَّ مَحْرُمَةٍ
حرّية اليوم لا شيءٌ يقيّدها
العابدون رجال في مقابرهمْ
يقدِّسون أباطيلاً ملفَّقةً
همْ يَرجعون إلى مليونَ إذ حرمتْ
فلا يغرنَّهمْ مالٌ ولا عددٌ
سيعْلمون إذا ما يوماً انقلبتْ
ومن يُمَنِّيهُمُ يوماً سيَخْذُلُهُمْ
أطبقْ دُجَى كلَّما أطبقتَ تنفرج
@

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

@

في الشَعب مستأسِداً إذ نـَحْـنُ ننحسرُ
وإن تظاهَر بالطغيانِ مندحرُ
إذنْ فما نلتقي لو ينطِق القمرُ
وخالداً وصلاحَ الدين قد قُبرُوا
باقٍٍ ويبقى به يَسْـتَـنْوِرُ البَشَرُ
وكل عصر سلاحٌ فيه يُبتكرُ
يأتون بالنارِ علَّ الشعبَ ينكسرُ
ومجلسُ الأمن بالأعداء يأتمرُ
إلاّ قراراً لإسرائيلَ ينتصِرُ
بما كظمْنا لذنبٍ ليسَ يُغتفرُ
فقدرة الله تأتيه فينزجرُ
في مصرع الشَعب لا للشَعب تنهدرُ
تِسعونَ فوجاً وكلٌّ همُّه السُكُرُ
وبالتناقض واللذات قدْ غُمِرُوا
فليس فيما يشاء المرء محتظَرُ
والكافرون بما قدْ قالت السِيَرُ
نهجَ الطغاة وفيها يُعبد البَشَرُ
باسم التقدم كلا إنهمْ أشرُوا
ولا الجيوشُ ولا تخدعْهُمُ الغررُ
عليهم الفعلة النكراء ما الخبرُ
وإننا نَحْنُ أقْوى حين نَدِّكِرُ
وعادة الصبح بعد الليل ينفجرُ
@

الواقفون بكل الساحة انتشروا
تلوَّن الوجهُ والأهدافُ واحدةٌ
مستعمِرُ اليوم فَنانٌ بحرفته
يأتيكَ مختبِئاً أو غازياً علناً
خَلْفَ الستائر والأبواب مختبِئاً
في علبة الغاز والكبريت منتشراً
باسم الصديق ويأتينا مساعَدةً
وقدْ يحاوِل باسم الدِينِ يخدعُنا
ثقافةُ الغَرْبِ سيفٌ ظَلَّ منصلتاً
كفعلة الضبع إذ تأتي فريستَها
مَنْ ليْ بمضبوعة الأذهان يوقظها
المرءُ إنْ لـمْ تَـكُـنْ نُوراً عَـقِــيـدَتُـهُ
@

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

@

تفننوا في ضروب الغزو وابتكرُوا
وكلُّهمْ يدّعي خيراً ويَبتدِرُ
خِبٌّ خبيثٌ خدوعٌ حاذقٌ حَذِرُ
بقوةٍ أو بـحُـسـن اللين يستترُ
أو كالغمام مِن الأفلاك ينحدرُ
في الشَعر في الثوب في الأردان ينطمرُ
أو كالمعلِّم بالتعليم يَأتزرُ
أو منقذاً يَبْدُ بالإصلاح يَعتمِرُ
يَهْوِي علَينا وحيناً كان ينتظرُ
تَذِلُّ إلا بتلك الضبع تَأتمرُ
فليَسمعوني عليهمْ فكْرهمْ خَطِرُ
تعساً لَهُ ولَها فَـلْـتَـحْـوِها الحفرُ
@

مهازلٌ لم تُرِ الدُّنيا لها شَبَهاً
يوماً سنصبح للتأريخ مسْخرةً
ماذا نقول لأجيال ستسألنا
ماذا نقول لرب العرش يسألنا
أوهى الخلائقِ مَنْ تأتي مَـنِـيَّـتُـه
وأكثرُ النّاسِ إيماناً ومقْدرةً
وأجبنُ الـخَـلْقِ مَنْ يحيا مداهَنةً
  @

أنذرتُكمْ يا ذيول الغَرْبِ فازدجِروا
هذا هو الحق لا يَسْطِيعُ مغتصباً
وغادِرونا فإن الصبح منفلِقٌ
وإنّها ثورةٌ كالحق صارخةٌ
وضدَّ كلِّ مُعادِ الشَعب طاغيةٍ
إنْ يَسجنونيَ أَبْشِرْ تلك أمنيَتي
هذِي أَساوِرُ كسرى سوف نَلْبَسُها
وإنّ شَعباً إلى العلياء منطلِقٌ
@

 

 

 

 

 

 

@

 

 

 

 

 

 

 

@

مما نَراه تكاد الأرضُ تنفطرُ
ماذا سيَكتب ؟ بل عنا سيَعتذرُ
يَندى جبينُهمُ لو غيْرهمْ فخرُوا
يومَ اللقاء ويومَ النّاسُ قدْ حُشِرُوا
وقد تَقَضّى بحضن اللذة العُمُرُ
مجاهدٌ في سبيل الحق يستعرُ
منافقاً في سبيل الذات يُحتقرُ
@

هذا هو الشَعب يوماً سوف ينفجرُ
فأغلِقوا دُورَكمْ بالوحل واحتجِرُوا
سيَفضح الصبحُ كفاً كلُّها وضرُ
ستَمحق الظلمَ رغماً ثمّ تنتشرُ
سأشهر السيفَ حتى يَنْزِلَ الظَفَرُ
أو يَقتلونيْ فذا والله أَنتظرُ
أَبْشِرْ سُراقَةُ فالدنيا ستزدهرُ
لن يَقْدِرَ الجنُّ يَثْنِيهِ ولا البَشَرُ

@ 

 

قـصـيـدة: مـن أعـمـاق الشـاعـر

1976م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *