العدد 127 -

السنة الحادية عشرة – شعبان 1418 – كانون الأول 1997م

المسـلمـون والـغـرب (9) خـطـة الغـرب المتـكـامـلـة

المسـلمـون والـغـرب  (9)

خـطـة الغـرب المتـكـامـلـة

تمسك المسلمين بالإسلام الصافي يُفشل خطة الغرب

وهكذا نرى أن للغرب المادي مصلحة كبرى في بلادنا لأنها تحوي ثروات مادية ضخمة. وما استمرار استعماره لها إلا لأن هذه الثروات الدفينة هي بمنزلة الماء العِدّ الذي لا ينفع. وقد أعد خطة طويلة المدى تضمن بقاء الأمور بيديه لا تفلت منه. وقد رأينا أن خطته هذه تشكل سلسلة متكاملة الحلقات، وما زال يمسك بها ويحرص على أن لا تفلت إحدى حلقاتها حتى لا يفرط عقده، فتضيع مصالحه، وقد اعتمد على وسائل وأساليب ما زال يعتمدها حتى يومنا هذا:

  • فبالدعوة إلى القومية عمل على تفريق الأمة وتحويل ولائها من ولاء للإسلام إلى ولاء للقـوم، وجعـل المشـاعر تتجمع حولها على حساب المشاعر الإسلامية، وهو ما زال ماضياً في هذا الأمر خوفاً من أن تتيقظ الأمة من جديد وتتجمع حول دينها.

  • وبإضعاف اللغة العربية عمل على إضعاف فهم المسلمين للإسلام وإضعاف تطبيقه، ومن خلال ذلك سهل عليه أن يجعل أفكاره وأحكامه ومقاييسه هي أفكار وأحكام ومقاييس المسلمين، وكذلك على ضرب وحدة المسلمين من خلال ضرب اللغة العربية. وهذان الأمران ما زالا سببين قائمين يحثان الغرب على استدامة العمل على إضعاف اللغة العربية.

  • وبالجمعيات والأحزاب استطاع أن يسوّق للقومية ويوصل فكره وأنظمته إلى الحكم. ولا يزال الغرب والأنظمة التابعة له حتى اليوم يعتمدون عليها في تثبيت نفس الأهداف.

  • وبالأنظمة والجيوش استطاع الغرب وما يزال، أن يبقي الأمور بيديه ويحافظ على مكتسـبـاته، ويستمر في تطبيق أنظمته، ويضرب كل عمل مخلص.

  • وبالعلمانية التي جعلها الغرب بديله الفكري عن الإسلام، واعتبرها مؤشراً على بقائه في بلادنا، واعتبر أن تخلي الأمة عنها هو بداية التخلي عنه، بالعلمانية هذه استطاع الغرب أن يرسّخ نفوذه عن طريق سنها في الدساتير والقوانين وفرضها ببرامج التعليم ووسائل الإعلام، وهو ما يزال يتابع هذا الأمر.

  • وبالإعلام والتعليم استطاع قلب الحقائق وإظهار الأمور على عكس ما هي عليه، وجعل طريقته في الحياة تبدو كأنها مثالٌ يحتذى وأنها الطريق الصحيح لإخراج بلادنا مما هي فيه من تخلف وانحطاط. وما زال الغرب حتى الآن يقوم بدوره من غير أن يتوانى في ذلك نظراً لأهمية ما يقوم به. وهو في هذه الأيام يشوه صورة الإسلام والمسلمين العاملين.

  • وبرجال الدين استطاع أن يُلبس على المسلمين أمر دينهم، ويعطي شرعية لأفكاره وأنظمته، وهو لا يزال يعتمد عليهم في إصدار الفتاوي التي ترضيه ولا ترضي اللـه.

  • وبإقصاء حكم الإسلام عن الحياة والحكم استطاع أن يصل إلى هدفه الكبير الذي جنّد كل إمكاناته لأجله والذي ما زال يحرص عليه حرصه على تحقيق مصالحه.

لو تأملنا كل تلك الوسائل والأساليب لوجدنا أن هدفها كان مزدوجاً وهو: إقصاء التشريعات الإسلامية وإدخال القوانين والأنظمة الغربية على المسلمين. ولولا الغزو الفكري الغربي للمسلمين، لما استطاعت الدول الغربية الكافرة أن تضـرب الدولة الإسلامية هذه الضربة المميتة، ولما تهيأت لها الأوضاع السـياسـية المناســبة لإزالتها من الوجود. والذي مكّن من إدخال الأنظمة الغربية في دساتير دول المسلمين إنما هو فتاوى العلماء بأنها لا تخالف الإسلام.

إن المسلمين اليوم قد بدأوا يفيقون ويعون على كل ألاعيب الغرب.. فلم تعد طريقة حياته ذلك النعيم المطلوب، ولم تعد علمانيته هي الدواء المنشود، ولم تعد الأحزاب ذلك الأمل المرجو، ولم تعد القومية لتهز المشاعر، ولم تعد فتاوى العلماء تنطلي على الأمة. وصار المسلمون يرون في الأنظمة البلاء العظيم.. هذا التحول كان من دلائل الصحوة الإسلامية التي أخذت تقض مضجع الغرب وأعوانه. وهذا ما جعل الغرب يستيقظ من جديد، ويخطط من جديد، ويعيد ترتيب أوضاعه من جديد…

إن الخطة التي نفذها الغرب بالأمس، ونجح في تنفيذها، وقطف ثمارها، يعيد تنفيذها اليوم. معتمداً على نفس أساليبه ووسائله، مع بعض التعديل، وإننا نرى بعض العلماء المسلمين وبعض الحركات والأنظـمة التي تسمّى إسـلامية، ناشـطـيـن في خـدمـته. ولكننا نستطيع أن نقول إن ظروف اليوم تخـتـلف كـثيـراً عـن ظـروف الأمـس، والحـمـد للــه، والأمة في المرحـلة الأولى كانـت تـنـحـدر، وكـان وكان الحق غائباً عن الأذهان، وكانت الدولة الإسلامية كثيرة الإساءات في التطبيق ما أوجد النفور منها وجعل الأمة، لجهلها، تقبل التعاون مع الغرب الذي خدعها ووعدها بالاستقلال الذي لم تَنَلْهُ أبداً، وكان الغرب يمتلك إلى جانب القوة المادية، قوة فكرية، ما جعله مهيأً للعب دور عالمي…

أما اليوم، فالأمة في حالة نهوض، وبشكل لم تعهده منذ مئات السنين، والأوضاع الدولية، وأوضاع الدعوة الإسلامية تهيئها لتقوم بدور عالمي. فالكل بانتظار قيام دولة الخلافة التي تضع الأمور في نصابها وتقوم بقيادة العالم كما هو مطلوب منها. وهذا الدور لا تنتظره الأمة الإسلامية فقط، بل العالم كله، نظراً لما تعانيه من ضياع وفراغ في الفكر، ومن انحطاط في الأخلاق، ومن فساد في العلاقات، ومن خطأ في التصور، ومن تفكك في الأسرة، ومن تلظّ بنار التكالب على المصالح.

ونحن اليوم، عندما نفكر بالتجديد، ونتطلع إلى أصابع الغرب في الكيد للأمة، بحاجة إلى توسيع أفق تفكيرنا بحيث يكون شاملاً، فلا نترك مساحة مهما كانت صغيرة يختفي فيها عدونا ليبث من خلالها سمومه، وعميقاً بحيث ننفذ إلى الجذور فننقيها. وعبثاً نحاول تنقية الفروع ومعالجتها دون أن ننفذ إلى الجذور. والغرب لم يتمكن منا إلا عندما نفذ إلى جذورنا، ونحن لا نستطيع أن نمتلك أسباب القوة الحقيقية إلا بالعودة إلى جذورنا فننقيها ونغذيها ونهيئ لها البيئة الصالحة لنرى بعدها شجرة الإسلام الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، والباسقة التي تعلو غيرها، ويصغر الآخرون أمامها، والضخمة التي تعزّ على من يرومها، والوارفة التي يتفيأ ظلالها كل رعاياها من مسلمين وغير مسلمين.

تمسك المسلمين بالإسلام الصافي

هذا هو الغرب، وهذه هي آثاره التي تدل عليه. والذي اضطرنا لأن نبدأ بهذه المقدمة حين الحديث عن التجديد هو تدخله السافر والمبطن في هذا الموضوع، ولأننا نرى له جنوداً من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، ينفخون في بوقه، ويذرّون رماده في عيون المسلمين، ويـحــاولــون أن يــصــلــوا بــســفـينة التجديد إلى شاطئه.

وبما أننا نريد عملية التجديد نقية صافية، خالية من الشوائب كان لزاماً علينا أن نعود إلى الإسلام عودة صحيحة صادقة نتلمس فيها الحق وصراطه المستقيم.

فالله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه قد حفظ لنا الإسلام وحفظ لنا القرآن بنصّه، ومنع أن تمتد إليه يد التغيير والتحريف. قال سبحانه: (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون) فهو محفوظ بحفظ الله له. فالوحي الذي نزل على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) هو نفسه الذي ما زال بين أيدينا (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.) وذلك خلاف ما نراه في الأديان السماوية السابقة التي تغيرت وحُرفت تحت ضغط الواقع، ولكسر الجمود الذي اعتراها، وبسبب احتيال الدجالين الذين اعتـنـقـوهـا نفـاقـاً، فادّعـوا الإيمـان بها ليغيروها من الداخل فاختلط الحق عندهم بالباطل. وجاء كلام رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم) في مجادلة أهل الكتاب بما عندهم يوضح هذا الأمر حين قال: »لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، قولوا آمنا باللـه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل… الآية«. بل علينا حمل ما عندنا لهم باعتباره الحق الذي نسخ ما عندهم. قال تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه، فاحكم بينهم بما أنزل اللـه ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق..) فكان قرآننا هو الـحَكَم على ما بقي عندهم من الحق، وعلى ما حرف، وكان مقياس الصحة. فالذي حدث للكتب السابقة نجا القرآن منه بحفظ اللـه له، وحفظت السنّة بالتبع لأنها وحي يفسّر ويوضح ويبيّن مجمل القرآن، ويخصص عامه، ويقيّد مطلقه، ولأن فيها أحكاماً سكت عنها القرآن أي لم يتناولها ابتداءً. فحفظ القرآن يقتضي حفظ السنة باعتبارهما وحياً.

وهذا الحفظ يجعل القرآن شاهداً للمسلمين أو عليهم إلى يوم القيامة.

ولكـن هـذا الدين المـحفوظ من اللـه سبحانه وتعالى بنصوصه قد تزل عنه الأفهام، ويضيع الفهم الصحيح، فكان من تمام فضل اللـه على المسلمين أنه يبعث على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة دينها. فيصحح ما اختل عندها من فهم، وضـاع مـن التـزام.. فكان هذا من تمام الرحمة والفضل والمنة من اللـه الكريم لعباده.

وإذا كان حفظ النص من الضياع والتحريف والزيادة والنقصان.. لا يحتاج إلاّ إلى إعطاء بعض الانتباه لكشف أية محاولة تريد النيل من نصوصه كما حدث عندما طبع اليهود – أعداء اللـه الماكرون – نسخاً من القرآن محذوفاً منها الآيات التي تتكلم عن اليهود، فإن تصحيح المفاهيم والأفكار، وطرح المغلوط منها والخاطئ، وإعادة الأمور إلى نصابها فكرياً وعملياً أو ما يصح أن يطلق عليه تجديد الدين، يحتـاج إلى بذل أقصى الجهود الفكرية والنفسية والجسدية والمالية.

إن هذا الحديث: »إن اللـه يبعث على رأس كل مئة عام من يجدد لهذه الأمة دينها«. يبين لنا أن هناك خطاً مستقيماً على المسلمين أن يسيروا عليه، وهو صراط اللـه المستقيم. وأن المسلمين كلما خرجوا عن هذا الخط المستقيم إلى خط أعوج أو أكثر، بعث اللـه خياراً من عباده ليعيدوا السير عليه. إذاً، فنحن أمام خط مستقيم وخط أعوج أو أكثر تسير عليه الأمة كل فترة، وعلينا في هذا الصدد أن نرسم الخط المستقيم ثم نتبين ما اعوج منه، أو ما خرج عنه حين نرسم مقابله الخطوط الأخرى. هذا وليس ما يمنع تعدد الخطوط العوج في الزمن الواحد لأن وجودها دليل ضياع في الأمة، وهذا يؤدي

إلى تعدد السبل. وكم هو معبّر قول اللـه تعالى في موضوعنا حين قال: (وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) فالصراط المستقيم هو سبيل اللـه الذي دعا إليه رسوله. والسبل هي سبل أهل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم. وعن ابن مسعود قال: »خط رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم) خطاً بيده ثم قال: »هذا سبيل اللـه مستقيماً، ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط وعن شماله، ثم قال: »وهذه السبل ليس منها سبيل إلاّ عليه شيطان يدعو إليه« ثم قرأ هذه الآية: (وأن هذا صراطي مستقيماً…) الآية.

فما هو هذا الخط المستقيم الذي يجب اعتماده واعتباره مقياساً نقيس به الخطوط الأخرى ونحكم على انحرافها من خلاله؟.

إن النصوص التي تدلنا عليه وتحثنا على سلوكه أتت مستفيضة، وأنها كلها تدعو المسلمين إلى الاستمساك به، وهي من الكثرة بحيث أننا سنكتفي منها بما يغني عن ذكرها جميعاً. ومن الوضوح بحيث أنها لا تحتاج إلى كبير عناء كي تُفهم.

– فالكلمة الأولى التي بدأ بها رسول اللـه الغربية (صلى الله عليه وسلم) دعوته هي كلمة التوحيد وشهادة أن »لا إله إلا اللـه   محمد رسول اللـه«.

هذه الكلمة نفت الألوهية وأبطلتها عما سـوى اللـه وأثبتتها للـه وحده. فلا يكون المؤمن مؤمناً إلا أن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالـلــه وحـده ورسـولـِهِ. فـيـفرد اللـه سبحانه فـي الـعــبـادة والتـشـريـع، ويفـرد الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالاتباع والاقتداء.

وهذه الكلمة تقتضي تحكيم شرع اللـه والتسليم لأمره من غير حرج لأن هذا التحكيم والتسليم قائمان على الإيمان باللـه العليم الخبير قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً).

– وهذه الكلمة بمدلولها الثابت الذي لا يتغير هي أساس كل فكر وكل عمل عند المسلم وعند الأمة الإسلامية، وعند الدولة الإسلامية، لأجلها انقسم الناس إلى فريقين فريـق في الجنة وفريق في النار، ولأجل إظـهـارهـا تحـمّـل الدعـاة المـؤمـنتون بـها التشريد والتعذيب والتكذيب، ولأجل أن يعمّ خيرها قام الجهادُ، ذروةُ سنام الإسلام، وكانت شعارَ لوائِه ورايته.

وهذه الكلمة كانت وستبقى، ما بقيت كلمة الحق قائمة، شعار المسلمين في مواجهة أهل الكتاب ومن ماثلهم من حملة الأفكار الفاسدة والمبادئ الباطلة قال تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ اللـه ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللـه، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون).

وهذه الكلمة هي الأولى والأخيرة عند المسلمين، وستكون مفتاح الجنة يَفتح بها بابها من قام بحقها.

– وقال تعالى: (فاستمسك بالذي أوحي إليك، إنك على صراط مستقيم).

وقـال تـعـالـى: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) وفي سنن الدارمي قال ابن مسعود: »اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم«. فالشرع قد طلب طلباً جازماً التمسك بالوحي كتاباً وسنةً واتباعهما وعدم الابتداع لأنهما يكفيان ويغنيان عن الأخذ من غيرهما ففيهما الهدى وفي غيرهما الضلالة قال رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم): »تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا من بعدي أبداً: كتاب اللـه وسنتي«.

وفي هذا الحديث إشارة واضحة لصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان ويدل على وجوب أخذ ما في الكتاب والسنة وتحريم العدول عنهما إلى يوم القيامة.

– وقال تعالى في كتابه الخالد مسؤولاً عنه المسلم حتى قيام الساعة: (قل إن كنتم تحبون اللـه فاتبعوني يحببكم اللـه) لقد جعل اللـه سبحانه محبته مقرونة باتباع شرعه وجعل كذلك الاقتداء برسوله مفازة للمسلم يوم القيامة قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول اللـه أسوة حسنة لمن كان يرجو اللـه واليوم الآخر وذكر اللـه كثيراً) وعليه فإن المسلم لا يصل إلى محبة اللـه إلا باتباع ما جاء به رسوله من كتاب وسنة. ولما سأل عبيد اللـه بن عمر بن الخطاب ابن مسعود عن الصراط المستقيم، أجابه:»هو ورب الكعبة الذي ثبت عليه أبوك حتى دخل الجنة، ثم حلف على ذلك ثلاث أيمان ولاءً، ثم خط بالبطحاء خطاً بيد وخط بجنبيه خطوطاً، وقال: ترككم نبيكم (صلى الله عليه وسلم) على طرفه وطرفه الآخر في الجنة، فمن ثبت عليه دخل الجنة، ومن أخذ في هذه الخطوط هلك«. وقد روى مسلم في صحيحه حديثاً عن رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم) يرشد فيه المسلمين إلى التمسك بالكتاب والسنة إذا فسد الناس فقال:»بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدا، فطوبى للغرباء« وفي رواية: »طوبى للغرباء الذي يمسكون بكتاب اللـه حين يترك، ويعملون بالسنّة حين تطفى«. وذكر الترمذي في صحيحه حديثاً عن رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم) قال فيه: »من أحيى سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من الناس لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها اللـه ورسوله فإن عليه إثم من عمل بها لا ينقص ذلك من آثام الناس شيئاً«.

وكما أمر اللـه ورسوله باتباع الكتاب والسنّة والاعتصام بهما فقد حذر من الخروج عنهما وإحداث ما لم ينزل به سلطاناً. فإن المحدث ملعون وحدثه مردود. فقد روى أبو داود والترمذي عن العرباض بن سارية رضي اللــه تعـالى عنه قال: »وعظنا رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم) موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون. فقلنا: يا رسول اللـه كأنها موعظة مودع فأوْصِنا. قال: أوصيكم بتقوى اللـه عز وجل والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعـش منـكـم فسـيـرى اخـتلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة«.

وقال رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم): »من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة اللـه«.

وذكر الشيخان عن رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد« وفي رواية لمسلم: »من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد«.

وعن الحسن أن رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم) قال: »إن أحـبـبت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتـى تـدخـل الجـنـة فـلا تحدث في دين اللـه حدثاً برأيك«.

وعن ابن عباس رضي اللـه عنه قال: »من أحدث رأياً ليس في كتاب اللـه ولم تمضِ به سنة من رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم) لم يدرِ ما هو عليه إذا لقي اللـه عز وجل«.

وقال الإمام مالك: »من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها، فقد زعم أن رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم) خان الدين، لأن اللـه تعالى يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم..) فما لم يكن ديـنـاً لا يـكـون الـيـوم ديناً«. فالدين كامل ولا يجوز الأخذ من غيره، وكل أخذ من غيره فيما جاء فيه يعتبر إحداثاً فهو مردود وابتداعاً فهو في النار. قال تعالى: (إن الدين عند اللـه الإسلام) وقال تعالى: (ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منـه وهـو فـي الآخرة من الخاسرين).

وعليه فإن كل حدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار وقد جاء في الآثار: »ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا ازداد من اللـه بعداً«.

و»مـن مــشــى إلـى صـاحـب بــدعــة مــشــى إلى هدم الإسلام«.

و»لا يحدث رجل في الإسلام بدعة إلا ترك من السنة ما هو خير منها«.

و»ليس في خلاف الكتاب والسنة رجاء ثواب«.

– ثم إن حديث الفرق الضالة والفرقة الناجية يوضح أن الحق واحد لا يختلف وهو ما جاء به رسول اللـه من كتاب وسنة، وأن الفرقة الناجية يجب أن تكون على ما كان عليه رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم) وصحابته. فقد خرّج الترمذي عن أبي هريرة عن رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: »وإن بني إسرائيل افترقت على ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا واحدة. قالوا: ومن هي يا رسول اللـه؟. قال: ما أنا عليه وأصحابي« وخرّج ابن المبارك وغيره عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم): »تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة قوم يقيسون الدين برأيهم، يحرّمون به ما أحلّ اللـه، ويحلون به ما حرّم اللـه«.

– وقد أعلن رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم) أنه تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلاّ هالك. وقال: »ما تركت من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلاّ أخبرتكم به«.

– وكذلك فإن حديث رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم) الذي كثر ذكره في هذه الأيام لتلمس الناس آثار قربه، والذي يعتبر من دلائل النبوة ومن المبشرات التي تلوح في الأفق، وهو حديث الخلافة الراشدة التي تقوم في آخر الزمان وتكون على منهاج النبوة، فإن فيه دلالة واضحة على وجوب سلوك المنهاج أي الخط المستقيم الذي سلكه النبي (صلى الله عليه وسلم) واستمر عليه من بعده الخلفاء الراشدون لمن أراد أن ينهض بالأمة ويجدد لها دينها. قال رسول اللـه (صلى الله عليه وسلم):

»إن أول دينكم نبوة ورحمة، وتكون فيكم ما شـاء اللـه أن تكون ثم يرفعها اللـه جل جلاله. تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء اللـه أن تكون ثم يرفعها اللـه جل جلاله. ثم يكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء اللـه أن يكون ثم يرفعه اللـه جل جلاله. ثم يكون ملكاً جبريةً فتكون ما شاء اللـه أن تكون ثم يرفعها اللـه جل جلاله. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطر إلا صبته مدراراً ولا تدع الأرض من نباتها وبركاتها شيئاً إلاّ أخرجته«.

– وقد جاء كلام الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز في هذا المجال غاية في الإحكام، ويدل على دراية وتقوى أحوج ما نكون إليها في هذه الأيام. فلما بايعه الناس صعد المنبر، فحمد اللـه وأثنى عليه، ثم قال: »أيها الناس، إنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنتكم سنة، ولا بعد أمتكم أمة، ألا وإن الحلال ما أحل اللـه في كتابه على لسان نبيه حلال إلى يوم القيامة. ألا وإن الحرام ما حرّم اللـه في كتابه على لسان نبيه حرام إلى يوم القيامة. ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع، ألا وإني لست بقاضٍ (واضع للأحكام الشرعية) ولكني منفذ،…«.

– وإذا كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد نهى سيدنا عمر عن صحيفة التوراة وقد رآها في يده وقال له: »وإنه، واللـه، لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حلّ له إلاّ أن يتبعني« كما ذكر الحافظ أبو يعلى عن حماد عن الشعبي عن جابر. فإن نهيه هذا نهي لنا من بعده عن أن نمد أيدينا إلى ما سوى الإسلام، سواء كان من التوراة أو الإنجيل أو الرأسمالية أو الاشتراكية.. وحصره فقط في الإسلام دين اللـه الحق، إلى قيام الساعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *