العدد 258-259 -

العددان 258-259، السنة الثانية والعشرون، رجب وشعبان 1429هـ، الموافق تموز وآب 2008م

المديونية الخارجية للبلاد الإسلامية: تنمية الاقتصاد أم تنمية التخلف!

المديونية الخارجية للبلاد الإسلامية:

تنمية الاقتصاد أم تنمية التخلف!

 

قلما طرحت مسالة المديونية الخارجية لما يسمى بالدول النامية, أو بتعبير أدق البلاد المتخلفة, ومنها البلدان الإسلامية, دون أن يكون البحث في سياق كونها عاملاً من عوامل التبعية الاقتصادية ومنطقياً التبعية السياسية, وكذلك دون أن تبحث على أنها إحدى معيقات ما يسمى التنمية الاقتصادية, فهي لا تبحث عند أحد -باستثناء الحكومات- كحل, وإنما تبحث على أنها مشكلة, بل أزمة تشوه هياكل الاقتصادات, وأعباء تثقل كواهل الشعوب.

إن القروض الأجنبية والمديونيات ليست سوى تمويلاً لأزمات أنتجتها تلك الأنظمة في بلادنا الإسلامية, ولا أحد غير تلك الأنظمة, إذ أهدرت موارد البلاد على كثرتها وغناها, ورهنت اقتصادها وإرادتها السياسية بيد عدوها المستعمر, فزعموا أن هذه المديونيات خطوة للازدهار وحل الأزمات, وأن هذه القروض من أجل التنمية؛ فإذا بها تنمي التخلف الاقتصادي, وإذا بها تتحول لاستثمارات فعلاً, ولكنها استثمارات من قبل الأجانب في حاجات الأمة بل قل في أزماتها. وفي غفلة من الأمة  تقترض المليارات وباسمها زوراً؛ لتصحو تحت ثقل العبء من تلك الديون وسدادها, فترتفع أسعار الخبز والوقود والأساسيات وتهبط العملات وتتحول أملاك العامة للخاصة بل وللأجانب بحجة الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد؛ وذلك لجدولة الديون وتحسين القدرة على السداد, ولكن لديون لا تنتهي بل تزيد, وليس مجازاً بل حقيقة عندما تصبح الإحصائيات تتحدث عن نصيب الفرد من الدين العام, وفي الأسطر التالية نسلط بعض الضوء على تطور أزمة الديون (الديون الخارجية فقط) في البلاد الإسلامية من حيث الأسباب والشروط, ومن حيث الأرقام.

أسباب الديون:

إن أزمة الديون هي امتداد لأزمة اقتصادية أوسع, توصف بالبنيوية في اقتصادات البلاد الإسلامية, أي أنها ليست طارئة وإنما هي تتعلق في بنية هذه الاقتصادات, ذلك أن التردي في أداء هذه الاقتصادات أدى بها إلى اللجوء للدين الخارجي والداخلي لسد العجز, واستمرار التردي جعل المديونية أمراً لازماً وجزءاً أساسياً من مؤشرات تلك الاقتصادات, بل وسبباً لمزيد من الضعف والتردي. ويمكن توضيح الأسباب بالتالي:

1- التخلف الاقتصادي للبلاد الإسلامية حيث اتخذت وضع التخصص في تصدير الخامات والمواد الأولية، في حين كانت مستورداً للمواد الاستهلاكية وحتى الأساسية منها، وكذلك السلع والآلات الرأسمالية الوسيطة للإنتاج (نما الإنتاج الزراعي في البلاد العربية في العقدين الماضيين بنسبة 2.5% في حين نما معدل الطلب للمواد الزراعية وهي مواد أساسية بنسبة 6%). وهذه السمة تشترك بها كل البلاد الإسلامية تقريباً.

2- الميزان التجاري وميزان المدفوعات: الحالة السابقة أدت إلى عجز مزمن في الميزان التجاري وبالتالي ميزان المدفوعات, فالفرق بين المدخولات الناتجة من الصادرات وبين الخارج من جراء الواردات عمد إلى تمويله بالدين وخاصة الخارجي.

3- التضخم: والتضخم يرتبط بالنقطة السابقة (العجز التجاري) ويزيد من حدتها, وهو أن ارتفاع الأسعار داخلياً يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج وبالتالي قلة الصادرات القليلة أصلاً، في حين أن انخفاض قيمة العملة المحلية المصاحب للتضخم يؤدي إلى ارتفاع قيمة الواردات والتي تدفع بالعملات الأجنبية الصعبة, وهو الأمر المؤدي إلى عجز الميزان التجاري, وغني عن التعريف أن التضخم هو معضلة مزمنة تنخر في جسم الاقتصاد, والغريب أنه يصبح سياسة ينصح بها المجدولون للديون من المؤسسات المالية الدولية كطريقه لإعادة هيكلة الاقتصاد عند إعادة الجدولة.

4- تمويل عجز الموازنات: إن أداء الاقتصاد الضعيف بل الهزيل أدى إلى ضعف واردات الدولة مقابل النفقات المطلوبة منها, وبالتالي ما يسمى بعجز الميزانية, حيث تلجأ الحكومات في البلاد الإسلامية إلى الاستدانة لتمويل تلك العجوزات.

5- المديونية من أجل الاستثمار والتنمية: وهي من أهداف القروض المعلنة والمزعومة, غير أن القروض المخصصة للمشاريع صرفت لمشاريع غير إنتاجية, واقترنت بالكثير من الفساد, إذ أشار البنك الدولي مرة في أحد تقاريره أن القروض التي أعطيت لبلد عربي (وكان يقصد  الأردن) خرجت على شكل أرصدة خاصة بنسبة 100% تقريباً. وفي حين يطرح الاستثمار أو مشاريع التنمية من قبل الأنظمة كأحد أسباب الاستقراض، فقد بلغت الأموال المستثمرة من قبل العرب في الخارج بما يقارب 800 مليار دولار عام 2000م ويقال الآن أنها  قد تبلغ 2 تريليون دولار, وما خروج تلك الأموال إلا لضعف البيئة الاستثمارية والتخلف الاقتصادي الذي سببته تلك الأنظمة.

وقد أدى إلى تفاقم أزمة الديون أكثر مما هي عليه عوامل أخرى زادت الطين بلة مثل:

أ) تغير أسعار الصرف للعملات الأجنبية, فمثلاً ارتفعت مديونية الأردن 2002م بمبلغ 471 مليون دولار نتيجة ارتفاع قيمة اليورو والين الياباني مقابل الدولار، وهو العملة التي يرتبط بها الدينار الأردني، في حين كانت الزيادة 275 مليون دولار عام 2006م.

ب) ارتفاع أسعار الفائدة في السوق, إذ تخضع أسعار الفائدة، والتي غالباً ما تكون مركبة، لأسعار السوق، وذلك عندما تشمل المبالغ الأصلية والمتأخرات. وقد تجاوزت قيمة الفوائد الزائدة في العديد من البلدان قيمة التمويل الصافي (عندما بلغت مديونية السودان 26.78 مليار دولار عام 2004م كانت نسبه 53% عبارة عن فوائد الدين والمتأخرات).

ج) انخفاض أسعار المواد الأولية في السوق العالمية, وهي المواد التي تعتمد عليها البلاد الإسلامية في التصدير.

د) خدمة الديون, حيث يصبح سداد الديون بأقساطها وفوائدها سبباً لمزيد من الاقتراض.

شروط الديون:

“لا توجد وجبة مجانية”, شعار غاية في الوضوح في ما يتعلق بمديونيات الدول, ومن الواضح أيضاً أن شروط القروض تخضع لعاملين:

أ) مصالح الجهات المقرِضة وضماناتها وأرباحها اقتصادياً.

ب) مصالحها السياسية.

وسواء أكانت الجهات المقرضة دولاً أم مؤسسات دولية أم بنوكاً تجارية, فإنها هي التي تضع الشروط, ومن الشروط تبدو ملامح القروض واضحة في أنها عبء بحت عوضاً عن أن تكون منافع, وتمتد شروط المقرِضين لتشمل التالي:

أ) سعر الفائدة، وآجال السداد، وفترات السماح.

ب) وقد تمتد لتشمل ربط القروض باستيراد منتجات معينة من الدول الدائنة أو نقل هذه الواردات على سفنها حتى.

ج) قصر تنفيذ المشروعات التي تمولها القروض على شركات الدولة المقرضة, أو الاقتراض من خلال شراء الآلات والمعدات، والتعاقد مع الخبراء الأجانب، وشراء براءات الاختراع وحقوق الصنع، واشتهر بخصوص ذلك قول (Trade follow aid) أي أن التجارة تتبع المساعدات.

هـ) وفي حالة البنك وصندوق النقد الدوليين، يشترط البنك الدولي مثلاً أن تكون القروض لتمويل مشاريع معينة مثل مشاريع التعمير (غير إنتاجية) وأن تكون لحكومات أو لجهات تابعة لها. كما يشترط أن لا يكون للدولة مصدر آخر للتمويل (مؤشر لعبء السداد لاحقاً), أما صندوق النقد فيشترط استشارته في برامج الإصلاح الاقتصادي, في حين أنه يفرض قراراته فرضاً عند الجدولة.

و) تبني سياسات معينة من الانفتاح والديمقراطية. أو قل بتعبير أدق سياسات الدول الكبرى التي تخترق سيادة الدول المدينة. وقد جسد الرئيس الأميركي بوش هذه الشروط في خطابه أمام مؤتمر الأمم المتحدة لتمويل التنمية، الذي عقد في المكسيك في الفترة من 18-22 مارس/آذار 2002م حيث أكد أن “تدفق رؤوس الأموال إلى الدول النامية والفقيرة سيتوقف على احترام هذه الدول لحقوق الإنسان، واتخاذها إجراءات فعالة لاقتلاع جذور الإرهاب والفساد، فضلاً عن فتح أسواقها، والاعتناء بنظام التعليم والرعاية الصحية، وإن الولايات المتحدة ستتعامل بشكل صارم مع ذلك”.

ومن أغرب الشروط أيضاً، عندما اشترط على الأردن لتمويل سد على نهر الأردن موافقة (إسرائيل) على بناء السد وتعهدها بعدم تدميره، الأمر الذي منع إتمام القرض.

سياسة جدولة الديون:

إذا كانت الديون سرطاناً في جسم الاقتصادات في البلاد الإسلامية, فإن الجدولة هي استفحاله, ذلك أن عدم القدرة على السداد مع الظروف السابق ذكرها من أسباب وشروط,  هي نتيجة طبيعية تماماً تلي أزمة المديونية, وبالتالي الحاجة لما يسمى بالجدولة, وهنا تزيد الأمور سوءاً, حيث إن الجدولة هي طرق باب صندوق النقد والبنك الدوليين للقيام بدور الوسيط بين الدول المَدينة والدول الدائنة في نادي باريس عندما تعجز الأولى عن السداد, وهنا تبدأ رحلة شروط جديدة تختلف تماماً عن الشروط الأصلية للديون (قروض البنك وصندوق النقد الدوليين لا تخضع للجدولة) وهنا تتم عمليات الجدولة بخطوتين:

1- برنامج ما يسمى الإصلاح الاقتصادي والتصحيح الهيكلي, ويفرضها صندوق النقد، وهي إجراءات تقوم بها الدولة المَدينة، وغرضها ضمان قدرة الدولة المدينة على السداد، ويكون ذلك بغض النظر عن آثار تلك الإجراءات على مستقبل اقتصاد الدولة المدينة ومعيشة مواطنيها.

2- والخطوة الثانية هي موافقة دول نادي باريس (نادي الدول الدائنة) بعد تزكية صندوق النقد للدولة المَدينة لالتزامها بإجراءات البنك للإصلاح والتي تتمثل بالتالي:

أ) تحرير الأسعار: حيث تلزم الدولة المَدينة بتحرير أسعار السلع والخدمات وأسعار الصرف والفائدة, وإلغاء الحد الأدنى للأجور. وغير خفي آثار ذلك على ارتفاع الأسعار والإضرار بعامة الناس.

ب- سياسة الخصخصة: وهنا يسعى لزيادة دور القطاع الخاص على حساب تراجع دور الدولة, وذلك عن طريق تصفية المشروعات العامة وبيعها للقطاع الخاص ليتولاها على أساس تجاري بهدف الربح. وهنا يكون الأمر على حساب تسريح العمالة ورفع أسعار السلع والخدمات من قبل القطاع الخاص لرفع الأرباح بعد أن كانت بيد القطاع العام.

ج- تحرير التجارة الخارجية: حيث يطلب البنك الدولي تخفيض سعر صرف العملة المحلية, وإلغاء القيود على المدفوعات الخارجية، وإلغاء اتفاقيات التجارة, والسماح بعمل الوكالات التجارية الأجنبية, وباختصار فتح البلاد أمام التجارة الأجنبية.

  ومن ملخص الآليات السابقة يلاحظ أن المقصود هو الانفتاح وإعمال آليات السوق لدمج تلك الاقتصادات في الاقتصاد الرأسمالي العالمي أكثر فأكثر، دون أن تملك هذه الاقتصادات شيئاً ولو قليلاً من إمكانات المنافسة والاستفادة.

ويضاف لذلك أن برامج الإصلاح تتناول أدوات أخرى في السياسة المالية للبلد المَدين مثل:

– النفقات العامة والحد منها كرفع الدعم عن السلع الاستهلاكية.

– الضرائب المباشرة وغير المباشرة, وذلك لتحسين مدخولات الدولة المدينة وبالتالي قدرتها على السداد بزيادة تلك الضرائب.

– قوانين الاستثمارات والتي تمكن دخول الأجانب ورؤوس الأموال الأجنبية والتملك للأصول الثابتة في البلد بحجه الاستثمار.

وكما سبق وذكر فإن عملية الجدولة هذه لها أخطار جمة وعواقب وخيمة تضاعف الأعباء, وحسب الدراسات لم تقد برامج الصندوق إلى تخفيف حدة المديونية بل أدت إلى العكس تماماً، ففي 36 دولة نامية طبقت فيها هذه البرامج انتقل ثقل مديونيتها الخارجية قياساً بالناتج المحلي الإجمالي من 82% في منتصف الثمانينات إلى 154% في منتصف التسعينات. أما في الدول النامية المدينة التي لم تطبق هذه البرامج فقد انتقل ثقل المديونية من 56% إلى 76% فقط في الفترة نفسها. بل إن إعادة الجدولة تقود إلى ارتفاع كلفة الدين، فعندما يؤجل مبلغ معين لمدة محددة، على الدولة أن تدفع فوائد إضافية عند حلول مواعيد استحقاق الديون المؤجلة إذ تسري الفوائد طوال فترة التأجيل. ودون الدخول في التفاصيل الفنية فإن إعادة جدولة مبلغ معين لمدة 15 سنة تقود إلى دفع ضعف هذا المبلغ على الأقل في نهاية هذه المدة، ناهيك عن أن الدولة المدينة لا تستطيع أن تقدر بدقة المبلغ الذي ستدفعه فعلاً في فترة التأجيل، لأن أسعار الفائدة قد تكون معوَّمة أي غير محددة مقدماً لارتباطها بأحوال السوق، فعلى سبيل المثال فإن 35% من القروض الخارجية التونسية عقدت بأسعار معوَّمة. وتضطر الدول المدينة حينها إلى التفاوض بشأن تأجيل ديونها مما يؤدي إلى تراكمها وارتفاع الفوائد، وكذلك إلى اتباع سياسات تقشفية في مختلف الميادين، وبالتالي انقلبت الحلول إلى مشاكل إضافية، ودخلت البلدان المدينة في حلقة مفرغة.

المديونية في البلاد الإسلامية: أرقام ومعطيات!!

عندما سارت البلاد الإسلامية في طريق الاستدانة, كانت قضية المديونيات واضحة المعالم في أنها مشكلة وليست حلاً، بل هي معبر واسع لأزمات مخيفة, حتى لو روج لها حينها بأنها مدخـل لآفـاق التنمية, وبعد سـنوات طــويلة من عمر تلك المـديونية لم تحقق هذه الدول شيئاً من التنمية ولا هي أصبحت قادرة على سـداد ديونها, فالعجز تلاه العجز، وسداد الدين القديم أصبح يتطلب ديناً جديداً, وصارت الأرقام تعطي حقيقة الهدر المخيف لموارد الأمة وثرواتها ليصحو أبناؤها تحت وطأة دين لم يكونوا طرفاً في أخـذه أو إنفاقه, وإن كان يقتطع من أقواتهم سداده.

الجداول أدناه من التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2001 /2007 )  من إصدارات صندوق النقد العربي

الدين العام الخارجي بين عامي 1995 و2000

خدمة الدين العام الخارجي ما بين عامي 1995 و2000

الدولة

الدين العام الخارجي (مليون دولار)

الدولة

إجمالي خدمة الدين ( مليون دولار )

الفترة الزمنية

1995

2000

الفترة الزمنية

1995

2000

الأردن

6299

6753

الأردن

499

530

تونس

10923

11568

تونس

1568

1855

الجزائر

32781

25000

الجزائر

3943

5059

جيبوتي

165.3

400

جيبوتي

13.5

14.2

السودان

17603

15938

السودان

17

207

سوريا

21318

21272

سوريا

154

1129

الصومال

2678

2555

الصومال

0

51

عمان

3181

3555

عمان

466

297

لبنان

1332.4

6870.8

لبنان

189.3

484.5

مصر

31776

27109

مصر

2015

1618

المغرب

22445

16372.1

المغرب

3425

2196.4

موريتانيا

2320

1500

موريتانيا

102

100

اليمن

6217

4935.3

اليمن

90

217.7

المجموع الكلي

159138.7

143828

المجموع الكلي

12482

13758.8

الدين العام الخارجي القائم، وخدمة الدين العام الخارجي في الدول العربية المقترضة

2005 – 2006

مليار دولار

الدين العام الخارجي القائم

خدمه الدين العام الخارجي

2005

2006

2005

2006

الأردن

7.122

7.305

0.594

0.628

تونس

18.995

17.965

2.093

2.836

الجزائر

17.191

5.603

5.846

13.314

جيبوتي

0.415

0.43

0.03

0.03

السودان

27.006

28.457

0.303

0.244

سورية

4.904

5.334

0.338

0.336

عمان

3.859

4.174

0.239

0.246

لبنان

18.866

20.146

3.113

3.962

مصر

29.692

28.958

3.111

3.486

المغرب

12.444

11.862

2.402

2.342

موريتانيا

2.134

1.248

0.143

0.091

اليمن

5.169

5.469

0.208

0.227

المجموع  الكلي

147.796

136.95

18.42

27.742

وفي الأرقام المرفقة أعلاه (حسب ما ورد في  التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2001م, والتقرير لعام 2007م الصادر عن صندوق النقد العربي) نلاحظ أن مديونية البلاد العربية المرفقة أعلاه (استثنيت منها دول الخليج النفطية لأن ديونها قصيرة الأجل ولا تدرج عادة ضمن الدول المَدينة) بلغت 147.79 مليار دولار في عام 2005م بينما بلغت 136.95 مليار دولار عام 2006م, وبلغت خدمة الدين (الأقساط مع الفوائد) 18.420 مليار دولار عام 2005م في حين بلغت 27.742 مليار دولار عام 2006م, إن هذه المديونية كما تشير المقارنة مع جدول الدين الخارجي بين عامي 1995م – 2000م تري بوضوح أنها تكاد تراوح مكانها، أو هي على نفس المستوى كمجموع وذلك خلال عشر سنوات, من 159.138 مليار دولار عام 1995م إلى 147.79 مليار دولار عام 2005م مع قليل من الزيادة أو النقصان . في الوقت الذي تلاحظ فيه الزيادة في خدمة الدين والتي تراوحت من 12.481 مليار عام 1995م إلى 27.74 مليار عام 2006م, أي أنه في الوقت الذي بقيت فيه المديونية بنفس المعدل تقريباً بعد عشر سنوات, فإن بالإمكان تصور المبالغ التي دفعت كخدمة للدين خلال الفترات المذكورة وحدها بالنظر للمعدل السنوي ودون أن تنقص المديونية.

ولإعطاء أمثلة, فقط أمثلة وعينات توضح صورة ما سبق ذكره في هذا المقال, فإن خدمة الديون تزيد عن 25% من ميزانية الدولة في مصر. أما لبنان فقد بلغت ديونه 43 مليار دولار,   في حين وصلت ديون السودان إلى حوالى 30 مليار دولار، أكثر من نصفها عبارة عن متأخرات وفوائد المتأخرات. وفي المغرب بدأت الديون من حوالى 2 مليار دولار في بداية عقد السبعينات إلى حوالى 8 مليار دولار في نهاية هذا العقد، ثم إلى حوالى 12 مليار دولار سنة 1982م، ثم إلى 14 مليار دولار سنة 1985م، ثم إلى حوالى 22 مليار دولار في بداية عقد التسعينات، ثم ارتفع حجم المديونية بعد ذلك إلى 23 مليار دولار سنة 1995م. وما بين عامي 1983م إلى 1993م تمت جدولة ديون المغرب 9 مرات حيث كان عند كل إعادة جدولة يلتزم بفوائد التأخير الإضافية والباهظة التكلفة، إذ تم دفع ما يقارب ثلث الميزانية لما يقرب من 20 سنة كخدمة للديون التي لم تنتهِ.

وقد كانت مديونية البلاد الإسلامية عموماً عام 1978م تعادل 82 مليار دولار لتصبح 144 ملياراً عام 1983م ثم 230 ملياراً عام 1986م لتدفع عنها فوائد سنوية قدرت حينها بـ10 مليارات دولار, أما في عام 2006م فقد بلغت المديونية التقديرية لبلدان العالم الإسلامي (حسب تقرير البنك الإسلامي للتنمية لعام 2007م) حوالى 963 ملياراً بخدمة دين 106 مليار منها 24.3 مليار دولار للفوائد وحدها, حيث وصلت نسبه الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي 120% في السودان و113% في سوريا و98% في قرغيزيا و81% في تركيا وكان نصيب تركيا من الدين 149 ملياراً وإندونيسيا 143 ملياراً وماليزيا 49 ملياراً، وباكستان 36 ملياراً، ونيجيريا 35 ملياراً.

إن الربا فعل قبيح ومحرم, ويزداد هذا قبحاً عندما يكون ضمن تركيبة معقدة يمتزج فيها مع القروض الربوية إهدار ثروة الأمة وتسخير مقدراتها لمصالح عدوها, وما سبق عرضه يري بجلاء أن إشكالية المديونية ما وجدت لسد حاجة, بل ما وجدت إلا لتبقى وتتعاظم، وهذا ما حصل, فكانت من أفعل أدوات التبعية, حتى أهدرت مع الأموال كرامة الشعوب وقرارها السياسي, عدا عن تخلف الاقتصاد وضنك العيش حين صارت تلك الديون تسدد من عرق أبناء الأمة وأقواتها. إن هذه الأنظمة في بلادنا الإسلامية لم تنتج لنا سوى الأزمات ولم نحصد منها سوى الشوك، وإنها وإن كانت عند رحيلها لن تترك لنا إلا إرث السوء, إلا أنه سيكون اليوم الذي يفك فيه الارتباط وتكسر الحلقة التي ارتبطنا عبرها بالاستعمار عقوداً طويلة, وذلك عندما يوضع الإسلام موضع التطبيق في دولة الخلافة بإذن الله… جعلها الله قريبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *