المسلمون والغرب (12) معنى تجديد الدين
2016/09/27م
المقالات
1,842 زيارة
المسلمون والغرب (12)
معنى تجديد الدين
بقلم : أحمد المحمود
إن المسلمين مأمورون بالقيام بأمر الله، والاستقامة على هذا الدين، والاستمساك بتعاليمه، وعدم الحيد، قيد شعرة، عن طريقته في الفهم والتطبيق. وقد أشرنا سابقاً إلى كثير من النصوص الشرعية التي تأمر بذلك. ولقد استقرّ عند المسلمين أنهم كلما أصابتهم داهية الانحطاط، وعاشوا في ضنكها؛ كانوا يعتبرون أن خلاصهم في دينهم. وهذا يبشّر بخير هذه الأمة عندما نرى أن رياحها تتفق مع سحائب الشرع الذي نظن كل الظن أنه يحمل للمسلمين صيّباً نافعاً.
-
الغرب صاحب مصلحة في منطقتنا:
إننا كما قلنا سابقاً إن الغرب صاحب مصلحة في منطقتنا، وإن ما يجري فيها من وعي عام على الأوضاع، ومن تفكير بالتجديد، يفزعه، ويجعله قريباً من عملية التجديد ليعمل على تشويه الحقائق وإبعاد المخلصين وإشهار أتباعه، من الذين يناسبهم طرحه، والتعتيم على العمل الصحيح، وإظهار الطروحات التي تناسبه…
من هنا فإن على المسلمين أن ينتبهوا جيداً للطروحات التي تخدمه وتثبته بدل أن تغيره. فاعتبار أن الديمقراطية هي من الإسلام هو خدمة للغرب وليس للإسلام، لأن الديمقراطية هي أصل كثير من البلاء الذي يعيش فيه الغرب، وهي تقوم على فكرة أن الشعب بأكثريته هو الذي يشرع، مع أن التشريع لا يكون إلا لله تعالى. واعتبار أن فكرة الحريات العامة هي من الإسلام هو خدمة للغرب، والحريات العامة في الغرب جعلت من أتباعها كالبهائم في حياتهم حينما راحوا يمارسون حرياتهم الشخصية، وكالذئاب الكاسرة عندما طبقوا فكرة حرية التملك، واستوى عندهم الإيمان بالله بالإيمان بالحجر، وبعدم الإيمان… ومن عجيب الأمر أن نرى علماء مسلمين وحركات إسلامية تريد التجديد وتدعو إلى ذلك وتعتبره من الإسلام. وصارت دعوتها تقبل العمل من خلال الأوضاع الموجودة وليس تغييرها. وصرنا نرى أنهم يجيزون المشاركة بالحكم بغير ما أنزل الله وهذا حرام، وصارت تجيز أكل الربا وهذا حرام… وصار أمثال هؤلاء من الحركات والعلماء يعتبرون أنفسهم مجددين وعملهم تجديداً. ومنهم من يملأ كتاباته بنظريات التجديد. إن أمثال هؤلاء وأمثال هذه الطروحات تخدم الغرب، ولا تحقق التجديد المطلوب، بل تعرقل سيره، سواء وعى ذلك القائمون على هذه الطروحات أم لم يعوا. وإن المحاكمة الهادئة لأقوال أمثال هؤلاء تكشف وتوضح الأمور، وتجعل المسلمين بمأمن من الوقوع في الطروحات الخاطئة.
-
يجب أن يتطابق العنوان مع المضمون:
إن من علماء المسلمين والحركات الإسلامية من سنرى أن عنوان كلامه مخالف لمضمونه. فمن حيث العنوان نقرأ الشعار الذي يحبه المسلمون، أما بالنسبة للمضمون فالأمر كلياً مختلف، ولا يتطابق لا من قريب ولا من بعيد مع ما وضع له من عنوان. ونحن بصفتنا مسلمين علينا أن ننتبه ليس فقط للعنوان، بل أن نستمر في القراءة لنرى التوافق أو التعارض.
فمنهم من نادى بالتجديد، وسمّى نفسه مجدداً، وقال إن السمة المائزة في هذا الدين أنه إلهي، ولكنه سمح لنفسه بأن يسير يمنة ويسرة حسب رياح الغرب الذي تعلم من علمه، وتخرّج من جامعاته ولكنه لبس العمامة وادّعى التجديد. وصار عنده هذا الدين الإلهي يسمح بوقف عقوبة المرتد، وبجواز زواج المسلمة من كتابي،… ومنهم من سُمي بمجتهد العصر ثم راح يجتهد باجتهادات لا يقرها الشرع لا من قريب ولا من بعيد، فتراه يجيز العمل في البنوك ولو كان في عملهم هذا حرمة، بحجة المصلحة، وتراه يؤيد تقلد المسلمة للولاية العامة تقريراً لفقه الموازنات الذي يصعب على العوام وأمثالهم فهمه. ويجيز المشاركة في الحكم بغير ما أنزل الله، ويعتبر أن الجهاد اليوم هو جهاد الكلمة والإعلام… أمثال هؤلاء إذا تصفحت كتبهم ووقفت على عناوين أبحاثهم فإنك تراها جميلة أما التفاصيل والمضمون فمختلف. وكل هؤلاء يدّعون عمل التجديد ودعواهم تناقض أحكام الإسلام.
فيجب الانتباه جيداً لهذا الأمر، ويجب أن نقيس الأمور بمقياس الشرع الواحد الذي يجتمع المسلمون عليه، وأية مخالفة سواء في العنوان أو في المضمون يجب أن لا تمرّ على المسلمين، فقد شبع المسلمون من مثل هذه الألاعيب التي كان يعتمد أصحابها على ضعف فهم المسلمين للإسلام. فقد كان المسلمون يؤخذون بالعناوين على حساب التفاصيل، وكان العلماء يعتمدون على أنه ليس في مقدور المسلمين الخوض في التفاصيل وعلى أنه لا يوجد من يحاسبهم.
إن المسلمين يجب أن لا ينخدعوا بمناصب المفتين والعلماء، وأن لا يؤخذوا بأصحاب العمائم الكبيرة، وذوي الشهادات العالية، ومتقلدي المناصب الشرعية الرفيعة. فهؤلاء ينطبق على الكثير منهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شركم من باع دينه بدنياه، وشَرٌّ منه من باع دينه بدنيا غيره». وينطبق عليهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك: «أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان». وكذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «أكثر منافقي أمتي قراؤها».
فالحق لا يُعرَف بالرجال، وإنما الرجال هم وسائط لمعرفة الحق، لذلك يُعرَف الرجال بالحق. والإسلام يحبه الناس، ويحب الناس كذلك من يعلمهم الإسلام، لذلك كان للعلماء منزلتهم عند المسلمين. وهذه المنـزلة عَمِلَ بعض من هؤلاء العلماء على استغلالها لمصلحتهم الدنيوية الشخصية أو لمصالح أسيادهم، أو لمصلحتهما معاً. وهؤلاء العلماء لو لم يقبل الحكام بهم، ولو لم يشترطوا عليهم الشروط لما قبلوا بهم ولما قلدوهم مناصبهم.
وهذا الأمر لم يعد خافياً على المسلمين لأنهم رأوا بأم أعينهم تلك الفتاوى التي تصدر من أفواه هؤلاء العلماء والمفتين باسم الدين ولكنهم لم يراعوا حرمته بل راعوا مصالح أسيادهم ومصالح من يقف وراءهم من دول الغرب الكافرة. إن فتاوى هؤلاء العلماء وأمثالهم أتت على القياس الذي يناسب الأنظمة. من هنا كان على المسلمين أن يرذلوا أمثال هؤلاء، وأن لا يقيموا لأقوالهم وفتاويهم وزناً لأنهم لا يحسنون صنعاً، ولأنهم لا يساوون عند الله شيئاً. وكذلك فإن على المسلمين أن يسيئوا الظن بهم فلا يطمئنوا لأية كلمة يقولونها إلا بعد أن يتثبتوا منها، لأن الأصل فيهم الشك وعدم البراءة.
ومن هنا فإننا سنجد أن فتاوى هؤلاء ستوجه ضد الصحوة وعملية التجديد، وإن هؤلاء سيدافعون عن الأوضاع السياسية القائمة ويصفونها بأنها لا ترد على الله حكماً، وأن الحكام (الذين لا يحكمون بالإسلام، والذين يمكنون الكفار من بلاد المسلمين) هم ولاة الأمور الذين لا يجوز الخروج عليهم… ويجب أن يعلم المسلمون أن أوضاع الحركة الإسلامية المخلصة والواعية، التي تسعى إلى التجديد الحق، صعبة جداً، وهي تخضع من الأنظمة لسياسة التعتيم، والملاحقة، والتشريد، والإشاعة والسجن، والقتل، حتى لا ينقاد لها الناس. وعلى المسلمين، في هذه الحال، أن يفتشوا عن كلمة الحق، وعن الموقف الحق ولو جاء على لسان الأشعث الأغبر.
-
عملية التجديد لا تقوم على العواطف:
يجب على المسلمين أن لا يصغوا لأحد بأهوائهم وعواطفهم بل بعقولهم التي استمدت أصول تفكيرها من الشرع، والتي تفهم الشرع كما يريده الله. فالتجديد لا تقوم أحكامه على العمل المسلح إلا إذا كان الشرع يأمر بذلك. وليحذر المسلم، الذي يحب القتال بطبعه، أن ينقاد لمثل هذه الدعوة لمجرد أن نفسه تطلبه، بل يجب أن يحرص على القيام بما تمليه عليه عملية التجديد الشرعي ولو خالفت طبعه، وقُلْ مثل ذلك فيمن يدعو إلى العلم، أو إلى فضائل الأعمال أو إلى الكفاح السياسي، أو الصراع الفكري، أو التربية أو أي شيء آخر. والدين لا يقوم على خطبة رنانة، ولا دعاوى فارغة، ولا على إثارة المشاعر، بل يقوم على الفهم العميق والتخطيط الدقيق، وعلى تقوية الصلة بالله، واستمداد العون منه، فمسألة التجديد مسألة كبيرة، وهي مهمة المؤمنين الأقوياء بإيمانهم المتمسكين بدينهم الصابرين على أحكامه ولو تألبت عليهم كل مكائد البشر والدول.
-
عملية التجديد ليست ردة فعل:
إن عملية التجديد يجب أن لا تقوم طروحاتها على أنها ردة فعل على الأوضاع السيئة التي يعيشها المسلمون. فالإسلام هو دين الله الذي يجب أن تكون السيادة له حتى قيام الساعة. ولكن لمّا تنكب المسلمون عن حمل رسالة الإسلام وفهمه فهماً صحيحاً تخلفوا عن قيادة العالم، وصاروا مقودين للغرب وتابعين له. والغرب يحاول جاهداً أن لا يجعل المسلمين مستقلين عنه فكرياً. وعلى المسلمين أن يدركوا ذلك، وأن المسألة ليست محصورة في بعض الملاحظات أو الأخطاء فقط، بل إن المسلمين يجب أن يفكروا بالإسلام كحل تفكيراً جذرياً غير قابل للاختلاط مع غيره، تماماً كما كان في السابق حيث كان التشريع زمن الرسول صلى الله عليه وسلم قائماً على الوحي حصراً. مع أنه في ذلك الوقت كانت حضارتا الفرس والروم هما الحضارتان المهيمنتان على العالم المعروف في ذلك الوقت. وكان الفرس والروم ينظرون إلى المسلمين في بادئ الأمر نظرة احتقار وتخلف وهمجية، ولم نَرَ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للمسلمين استفيدوا مما عند هؤلاء، أو أنه أرشد إلى اعتبار ما عندهم مصدراً من مصادر التشريع، بل رفض ذلك وأبى عندما قال لسيدنا عمر بعد أن وجد في يده صحيفة من التوراة: «أمتهوكون وأنا بين أظهركم»، والله لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي. والأمر ينسحب على ما عند الروم والفرس، فإنه يحرم أخذ التشريع وأفكار التشريع منهم، وكذلك يتعلق الأمر بما عند الرأسماليين وغيرهم… إن الأوضاع لا تتعلق ببعض الترقيعات بل يجب أن تقوم على عبادة الله وحده عبادة خالصة لوجهه الكريم، تؤدي إلى استقامة أمرنا في الدنيا، وتؤدي إلى رضا الله عنا في الدنيا والآخرة.
-
إن الله ينصر المؤمنين ولو كانوا قلة:
إن عملية التجديد تقوم على الحق. ومن كان على الحق كان الله معه، ومن كان الله معه لا يُغْلَب من قلة، وإنما عليه الصبر والمصابرة حتى يأذن الله بنصره. يقول تعالى: (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يبعث النبي وليس معه أحد، ويبعث النبي ومعه الواحد...» والذي يتتبع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة الأنبياء والرسل من قبله يرى بأنهم كانوا يَشْكون من ضعف القوة، ومن قلة النصير. وها هو رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم) بعد أن ذهب إلى الطائف يطلب نصرتها، وبعد أن أساؤوا الرد عليه قال قولته المشهورة: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين أنت ربي…». ويقول سبحانه في كتابه العزيز: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ). هذا ما يجب أن ينتبه إليه المسلمون فلا يؤخذوا بقلة أو بكثرة، بل عليهم أن يشغلوا أنفسهم بالحق. لأنه من كان على الحق كان الله معه.
وإن عملية التجديد بما تحمله من حق، ومن مخالفة للكفر ومعاداة شديدة له تجعل الغرب، وأعوانه من حكام المسلمين يضيّقون على الدعاة المخلصين لتعويق مسيرة التجديد، ولتخويف المسلمين كي لا يلتحقوا بركابه… وهذا ما يجعل القائمين على عملية التجديد قلة، ولكنها قلة تستطيع الصبر والمواجهة لأنها حزمت أمرها أن تكون مع الله، قلة تنقيها الصعوبات التي تواجهها وتقويها.
وهنا يجب التنبيه إلى أن هذه القلة بصبرها ومجاهدتها والتزامها بأمر الله وحده تجعل المسلمين معها وإن لم ينخرطوا معها بشكل حزبي أو حركي، وهذا هو المطلوب. وهكذا تتم عملية التجديد: أن يكون هناك من يقوم بالحق، ويُعدُّ نفسه لإقامته بيده والقيام بحقه بعد أن يقوم. وإن كانوا قلة. وأن يكون هناك قاعدة شعبية عريضة تؤيد هذه القلة.
هكذا يقوم أمر الله. ويجب أن يعي المسلمون على ذلك، وأن لا ينخدعوا بفكرة الأكثرية الواردة إلينا من الغرب على حساب الشرع.
إننا نخاطب بهذا الكلام المسلمين كل المسلمين من خلال العلماء والمهتمين بأمور الدعوة، وعن طريق هؤلاء وما يحملونه من وعي سينتقل الاهتمام بالتجديد إلى المسلمين عامة. وعلى المهتمين بأمور الدين والدعوة مهما بلغ علمهم أن يتنبهوا أولاً لحقائق الأمور، ثم ينقلوا هذا التنبه، وهذا الوعي ما أمكن إلى المسلمين، من باب أداء الأمانة التي قبلنا جميعاً أن نحملها. فالله يأمرنا أن نؤدي الأمانات إلى أهلها. وأن لا نفرّط بها ناهيك عن خيانتها وتشويهها.
والله نسأل أن ينصر من ينصر الإسلام وأهله وأن يخذل من يخذل الدين وأهله.
ونسأله تعالى أن يجعلنا ممن يجددون دينه الحق، وأن يهدينا لأرشد أمرنا .
2016-09-27