العدد 133 -

السنة الثانية عشرة – صفر 1418هـ – حزيران 1998م

أبعاد زيارة كلينتون للصين

أبعاد زيارة كلينتون للصين

تأتي زيارة كلينتون بعد ازدياد ثقل الصين على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبعد أن زاد وزنها على الصعيد الاقتصادي العالمي، لا سيما بعد تخلخل اقتصاد دول جنوب شرق آسيا  وبعد انكماش الاقتصاد الياباني، الأمر الذي ينذر ببداية أُفول تأثير القوى الاقتصادية اليابانية وما عرف بالنمور الآسيوية. فالصين لم تتأثر بالهزات المالية التي عصفت باقتصاديات دول جنوب شرق آسيا، حتى أن كلينتون قال: “بأن الصين كانت حاجز نار في الأزمة المالية الآسيوية”.

والصين التي يقطنها ربع سكان المعمورة هي من أكثر الدول جذباً للاستثمارات الأجنبية، وتملك أعلى نسبة نمو في العالم، وفيها أكبر الأسواق الاستهلاكية، وقدرتها الإنتاجية المطردة تجعل اقتصادها المتعاظم ينبئ بمستقبل عالمي واعد. وهو ما أدركه كثير من رجال الدولة في وقت مبكر، ومنهم نيكسون رئيس أميركا الأسبق الذي قال ما معناه: “إن الصين اليوم تطلب من أميركا أن تعاملها كدولة أوْلى بالرعاية، وليس ببعيد أن يأتي ذلك اليوم الذي ستطلب فيه أميركا من الصين أن تعاملها كدولة أوْلى بالرعاية”.

إن أميركا تأمل أن يُفتَح لها سوق الصين الضخم على مصراعيه فتلجه الشركات والصناعات والصادرات الأميركية بحرية مطلقة، فعلى مستوى الإنترنت لوحده يقول كلينتون: “من المتوقع أن يقفز عدد المشاركين في شبكة الإنترنت في   الصين من حوالي 400 ألف هذا العام إلى 20 مليون في مطلع العقد القادم”. وقال قبل توجهه مباشرة إلى الصين: “إن العمل مع الصين يخدم مصلحتنا في التجارة المفتوحة، فالوصول إلى أسواقها لا زال محدوداً جداً ومقيداً”.

فمن ناحية اقتصادية إذن، تتهالك أميركا من أجل اختراق الاقتصاد الصيني الضخم عن طريق دمجه في الاقتصاد العالمي، بذرائع العولمة واقتصاد السوق ومنظمة التجارة الدولية، ليتسنى لها الانقضاض عليه والتهامه، كما فعلت مع اقتصاديات الدول التي استسلمت لها.

أما من ناحية إقليمية، فإن أميركا تضغط على الصين، وخاصة عن طريق وجودها العسكري في كل من تايوان وكوريا الجنوبية، وتُمنيها بإعادة تايوان إليها، وبانسحاب قواتها من كوريا الجنوبية، إن هي سارت معها في تحقيق مصالحها.

ولذلك فالصين تساعد أميركا في آسيا بشكل حقيقي، فلقد اشتركت معها في احتواء كوريا الشمالية وتقليص خطرها النووي، وذلك عن طريق المفاوضات الرباعية التي جمعت الكوريتين مع أميركا والصين، فيما عرف بمباحثات سلام  الأربعة في شبه الجزيرة الكورية.

وفي المواجهة الباكستانية الهندية تلتقي الصين مع أميركا في مساندة باكستان ضد الهند المدعومة من بريطانيا وأوروبا وروسيا.

وفي الهند الصينية وقفت الصين بجانب أميركا  في إعادة تدجين فيتنام، وفي خطة الأمم المتحدة للسلام في كمبوديا.

وأما من ناحية دولية، فالصين بحجمها الكبير، وهي عضو دائم في مجلس الأمن، بالإضافة إلى كونها دولة نووية فإنها تفرض على أميركا أن تسعى لأخذها إلى جانبها، أو على الأقل إبعادها عن أوروبا وروسيا، لا سيما وأن الموقف الدولي الآن يشهد محاولات أوروبية وروسية محمومة للتأثير فيه، ولملْءِ الفراغ الذي نشأ عن غياب الاتحاد السوفيتي. ثم إن  أميركا عانت كثيراً من خذلان الدول الأربع ذات العضوية  الدائمة في مجلس الأمن لمواقفها في بعض المسائل من مثل مسألة العراق ومسألة إيقاع العقوبات على الهند إثر تفجيراتها النووية.

لذلك تحاول أميركا خطب ود الصين -بما لديها من علاقات متشابكة المصالح معها- فتدق بذلك إسفيناً بينها وبين كل من فرنسا وروسيا وبريطانيا، فتحول دون وقوف الجميع متكتلين ضدها خاصة في مجلس الأمن.

ولعل هذا التقارب الأميركي الصيني يساعد أميركا أيضاً  على تطويق محاولات بريطانيا للعبث بالنظام الأمني العالمي عن طريق تفجيرات الهند النووية، ويضع حداً للدول الأخرى التي تخطط للمس بهذا النظام، فلقد توحد الموقفان الأميركي والصيني في شجب التفجيرات النووية الهندية والعمل للحيلولة دون انتشار الأسلحة ذات الدمار الشامل.

ورحلة كلينتون للصين، التي تم التوقيع فيها بين كلينتون وجيانغ زيمن على ما يقارب الخمسين اتفاقية، لا شك بأنها تعتبر أكثر أهمية من زيارة أي رئيس أميركي للصين منذ زيارة نيكسون التاريخية قبل ستةٍ وعشرين عاماً.

وإذا كانت زيارة نيكسون للصين كان القصد منها عزل  الصين وتحجيمها واحتوائها، فإن القصد من زيارة كلينتون للصين هو فك تلك العزلة وإخراجها من قمقمها ليسهل  اختراقها وتطويعها، ومن ثم انقيادها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *