العدد 135 -

السنة الثانية عشرة – ربيع الثاني 1419هـ – آب 1998م

المعجـزة

المعجـزة

الإعجاز لغة: يقول الراغب الأصفهاني في كتابه (المفردات في غريب القرآن) صفحة 323. عَجُز: عَجُزُ الإنسان مؤخرته، وبه شبه مؤخر غيره، قال تعالى: (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر:20]. والعجز أصله التأخر عن الشيء وحصوله عند عجز الأمر، أي مؤخره كما ذكر في الدبر، وصار في التعارف اسماً للقصور عن فعل الشيء، هو ضد القدرة، قال تعالى: (أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ) [المائدة31:].

والمعجزة هي أمر خارق للعادة سالم من المعارضة يظهر على يد مدعي النبوة يتحدى به على وجه يعجز المنكرون عن الإتيان بمثله.

 

أما الغاية من الإعجاز فهي إقناع الناس بأن من جاءت على يده المعجزة هو رسول مرسل من عند الله تعالى، أو لزيادة وتقوية إيمان المؤمنين وبيان قدرة الله تعالى، فحتى نطلق اسم المعجزة على ذلك الأمر يجب أن يكون بخلاف العادة أي لم يعتد البشر أن يأتي مثل هذا الأمر على يد البشر. ويجب أن تكون سالمة من المعارضة أي لا يستطيع أحد أن يعارضها بأن يأتي بمثلها، وأن يكون مجيئها على يد شخص يدعي النبوة، لأن المعجزات لا تكون إلا للأنبياء، وأن تكون مما يتحدى به أي صالحة للتحدي أي يستطيع من أتت على يديه أن يتحدى الناس بمثله وقد يتحدى الرسول بمعجزته وقد لا يتحدى، وليس صحيحا أنه حتى تعتبر المعجزة معجزة لا بد أن يتحدى النبي الناس بها. وإن تحدى النبي الناس بمعجزته فإنه لا بد لها أن تثبت أمام التحدي حتى تعتبر معجزة، ولكن هذا الثبات وهذا التحدي لا يكون هو المعجزة، وإنما المعجزة هو ما جاء على يد النبي، فالقرآن الكريم تحدى الناس أن يأتوا بمثله وتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله وليست آيات التحدي هي الدليل على معجزة القرآن بل الدليل هو القرآن، فالقرآن نفسه هو المعجزة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم به وقال لهم: هذا من عند الله، كما جاء موسى بالعصا دليلا على أنه نبي، وجاء عيسى بإحياء الموتى، فإتيان الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن وقوله لهم هذا من عند الله هو المعجزة، لذلك فلا دخل لآيات التحدي بإثبات المعجزة، فآيات التحدي معلوم أنها نزلت بعد بضع سنين من البعثة وهي ليست الآيات الأولى من القرآن، فلو سلمنا أن آيات التحدي هي دليل الإعجاز لكان ما نزل من القرآن قبل آيات التحدي ليس معجزاً وهذا لا يقول به مسلم. فآيات التحدي لم تنزل لإثبات المعجزة بل للمبالغة بالتحدي. والإعجاز في القرآن هو قوله لهم أنه كلام الله ثم عجزهم عن أن يأتوا بمثله وعجزهم الفعلي من أول يوم عن الإتيان بمثله هو المعجزة وليست آيات التحدي هي المعجزة بل هي تأكيد لما سبق وقاله لهم ومبالغة في التحدي.

ورد في الشخصية (ج1) في موضوع إعجاز القرآن “وإن كانت هناك معجزات أخرى للنبي صلى الله عليه وسلم قد جرت على يديه غير القرآن كما ورد في القرآن نفسه وفي صحاح السنّة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتحدّ بها” فرغم أن النبي لم يتحدّ بها سميت معجزة كالإسراء والمعراج ونبع  الماء من بين أصابعه فهي معجزات رغم أن النبي لم يتحد بها.

وعند مراجعة قصص الأنبياء السابقين في القرآن الكريم لا نجد أن الأنبياء قد تحدوا أقوامهم بما جاءوا به من معجزات، فنبي الله إبراهيم عليه السلام لم يتحد قومه بأنه لا يحرق بالنار، بل إن قومه هم الذين قاموا بإحراقه انتصارا لآلهتهم، فلم تحرقه النار،… قال تعالى: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ* قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ* وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَخْسَرِينَ) [الأنبياء:68-70].

وسيدنا موسى عليه السلام لم يتحد فرعون بالمعجزات التي جاء بها سواءٌ العصا أو بمد يده إلى جناحه تخرج بيضاء من غير سوء، وإنما فرعون هو الذي تحدى موسى عليه السلام، فالله تعالى يقول في سورة طه: (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى* قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى* فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى) [طه:56-59]، وإذا كان هذا غير واضح تمام الوضوح في العصا فإنه أظهر ما يكون في الآيات الأخرى مثل ضم يده الى جناحه: (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى) [طه:22]،  ومثل شق البحر: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء:63]،  أو ضرب الحجر وانفجر الماء منه: (وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا) [البقرة:60]،   حتى أن معجزتي شق البحر وانفجار الماء من الحجر لم يأت بهما موسى عليه السلام لفرعون بل لقومه المؤمنين معه.

وسيدنا عيسى عليه السلام لا تجد ما يوحي إلى أنه تحدى بني إسرائيل بما جاء به من معجزات، قال تعالى: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ) [آل عمران:49]، فعيسى عليه السلام قال لهم هذه معجزاتي الدالة على أني نبي فعجزوا عن الإتيان بمثلها ولم يحصل منه تحد لهم، وإذا كان هذا كذلك غير واضح تمام الوضوح فهو في المائدة المنزلة على بني إسرائيل واضح تمام الوضوح، إذ أن الذي طلب المائدة هم الحواريون المؤمنون بعيسى عليه السلام، قال تعالى: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ) [المائدة:112]، فهم الذين طلبوا المائدة ولم يكن تحد منه عليه السلام ناهيك عن أنهم مؤمنون به.

فليس شرط المعجزة حتى تعتبر معجزة أن يتحدى بها النبي، وإنما شرطها أن تكون صالحة للتحدي، فإن أبينا إلا أن يكون التحدي شرطا للمعجزة فإنه يلزمنا أن نقول أن الإسراء والمعراج الذي لم يتحد به الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم إحراق النار لإبراهيم عليه السلام وشق البحر لموسى وخروج الإثنتي عشرة عينا من الحجر بعد ضرب موسى له بالعصا والمائدة التي أنزلت على بني إسرائيل ليست معجزات وهذا ما لا يصح القول به، وظاهر فيه الخطأ لأنها معجزات ولا كلام.

فإعجاز القرآن شيء والتحدي شيء آخر، ولا بد من التفريق بين هذين الأمرين، إذ لو أن آيات التحدي هي الدالة على الإعجاز لوجب أن نقول أن الآيات التي نزلت قبل آيات التحدي لم تكن معجزة وهذا ما لا يجوز أن يقال ولا يصح لأن الرسول صلى الله عليه وسلم من أول يوم نزلت عليه الآيات القرآنية كان يستدل بها على أنه رسول من الله، ولولا إعجازها لما جاز ذلك.

والقرآن الكريم معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم كله معجز، وآياته معجزات، وكل آية فيه معجزة، فقد صرح العلماء عند بعض الآيات الظاهرة الإعجاز أنها من البلاغة بحيث يعجز البشر عن الإتيان بمثلها.

ورد في الشخصية (ج1) في موضوع إعجاز القرآن: “فالإعجازات من ذات القرآن لأن الذين سمعوه والذين يسمعونه إلى يوم القيامة يشاهدون ويتحيرون من قوة تأثيره وقوة بلاغته بمجرد سماعهم له ولو جملة واحدة: (لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)، (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ ) ثم يقول وهكذا تتلى آية من القرآن أو آيات فإن ألفاظها وأسلوبها ومراميها تستغرق أحاسيس الإنسان وتستولي عليه”.

وقال في الموضوع نفسه”وهكذا تجـد القرآن طرازاً خاصاً وتجده ينـزل كل معنى من المعاني في اللفظ الذي يليق به والألفاظ التي حوله والمعاني التي معه ولا تجد ذلك يتخلف في أي آية من آياته”.

وورد في مقدمة الدستور ص35 المادة السابعة “فالتعبير عن هذا المعنى بهذا اللفظ وهذا الأسلوب هو المعجز، فيكون الإعجاز إنما هو باللفظ العربي المعبر عن المعنى بالأسلوب العربي، أي أن قوله تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ) معجزة للناس أن يأتوا بمثلها.

وقال الشوكاني في تفسيره فتح القدير في أول سورة المائدة عند أول آية من آياتها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) قال: هذه الآية التي افتتح الله بها هذه السورة الى قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) فيها من البلاغة ما تتقاصر عنده القوى البشرية، إلى أن يقول  وقد حكى النقاش أن أصحاب الفيلسوف الكندي قالوا له: أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن، فقال: نعم، أعمل مثل بعضه، فاحتجب أياماً كثيرة ثم خرج فقال: والله ما أقدر ولا يطيق هذا أحد، إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة، فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء ونهى عن النكث، وحلل تحليلاً عاماً، ثم استثنى بعد استثناء، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا.

وقال عند تفسير الآية (44) من سورة هود: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) قال “وقد أطبق علماء البلاغة على أن هذه الآية الشريفة بالغة من الفصاحة والبلاغة إلى محل يتقاصر عنه الوصف وتضعف عن الإتيان بما يقاربه قدرة القادرين على فنون البلاغة الثابتي الأقدام في علم البيان الراسخين في علم اللغة”.

وقال الرافعي في إعجاز القرآن ص183 تحت عنوان الكلمات وحروفها عن الآية (38) من سورة القصص: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحًا) فانظر، هل تجد في سر الفصاحة وفي روعة الإعجاز أبرع أو أبدع من هذا؟ وأي عربي فصيح يسمع مثل هذا النظم وهذا التركيب ولا يملكه حسه ولا يسوغه حقيقة نفسه ولا يجن به جنوناً ولا يقول آمنت بالله رباً وبمحمد نبياً وبالقرآن معجزة.

وورد في مجلة الوعي (العدد 119) تحت عنوان معنى إعجاز القرآن الكريم، ص23 “ولكن ما بال كل خطيب وكل شاعر يستطيع البليغ أن يقول فيه: لو قال كذا أو لو وضع كلمة كذا أو لو وضع حرف كذا لكان أفضل، إلا في هذا الكلام، فهو يمسك بناصية اللغة كلها حرفاً حرفا وكلمة كلمة، وناصية البلاغة صورة صورة، فهو يستعرض في وضع كل حرف في اللغة مرة واحدة (فلا يستطيع بليغ أن حرفاً أنسب) الحرف الأمثل معنى وصوتا وموسيقى، وسلاسة وتأثيرا في النفس، ويستعرض كلمات كل اللغة العربية كلمة كلمة، فيضع الكلمة في مكان يسلم البلغاء بأنه المكان الأمثل سلاسة وموسيقى ومعنى وتأثيرا وموافقة للموضوع المطروق، وكذلك الحال مع التراكيب”.

وقال الرافعي في كتابه إعجاز القرآن تحت عنوان الحروف وأصواتها، ص168 “فلما قرئ عليهم القرآن، رأوا حروفه في كلماته، وكلماته في جملة، ألحاناً لغوية رائعة، كأنها لائتلافها وتناسبها قطعة واحدة، قراءتها هي توقيعها فلم يفتهم هذا المعنى وأنه لا قبل لهم به”.

وقال حسن أيوب في كتابه تبسيط العقائد الإسلامية ص150: “ولا يزال القرآن وسيظل يتحدى العالم كله في كل زمان ومكان، ولن يستطيع العالم، مهما أوتي من علوم الفصاحة والبلاغة وغيرهما أن يعارض آية من كتاب الله”.

وأفصح دليل على أن الآية من القرآن معجزة هو أن كل الذين ادعوا النبوة وجاءوا بما حسبوا أنهم به يعارضون القرآن في كل ما وصلنا من تلك المهاترات لم يقل أحد أن أحد أولئك قد جاء بجملة فيها من البلاغة كأي آية من القرآن، فلو كان باستطاعة البشر أن يقولوا جملة فيها من البلاغة والقوة كما في جمل القرآن لجاء أولئك بجملة أو اثنتين مثلاً ولم يستطيعوا أن يأتوا بالثالثة، وكل من اطلع على تلك المهاترات ليعلم علم اليقين أنها لا ترقى لأن يتحدث بها عوضاً عن أن تعارض آيات القرآن الكريم.

لهذا، فإنه من الخطأ القول بأن الآية من القرآن ليسـت معجزة بناءً على أن التحدي بسورة وأقل السور ثلاث آيات، لأن التحدي شـيء والإعجاز شيء آخر، بناءً على ما بينا في أول الموضوع، ولأن مثل هـذا الـقـول ـ إن الآية الواحدة ليست معجزة ـ يجعلنا ملزمين أن نقول إن الصفحة من القرآن ليست معجزة، ويستطيع بشر أن يأتي بمثل صفحة من القرآن، لأن آية الدّين في سورة البقرة تعدل صفحة وهذا لا يقول به عاقل.

قال تعالى: (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) صدق الله العظيم. [الإسراء:88].

وقال تعالى: (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) صدق الله العظيم. [الطور:34] .

(الوعـي): لا شك أن لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم معجزات لا يستطيع أحد الإتيان بمثلها من مثل نبع الماء من بين أصابعه الشريفة، والإسراء والمعراج، وجريان اللبن في ضرع الشاة الهزيلة حين مسحها بيده الكريمة، ولكنها وأمثالها مما صح لم تكن معجزة النبوة، وانتهت بوفاته صلى الله عليه وسلم. أما معجزة النبوة الباقية فهي القرآن الكريم، فحين كان الرسول الكريم يتحداه أحد، يقرأ عليه القرآن الكريم فهو وحده معجزة النبوة. أما أدنى قدر معجز، فهو يختلف من شخص لآخر، فقد يسمع أحدهم آية واحدة ويخرّ ساجداً لله مقراً بأنها من غير البشر، كما حصل من الأعرابي الذي سمع آية القصص: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ)(11) وقد يكون الإعجاز من معنىً في القرآن لا يتصور صدوره من شخص محمد عليه الصلاة والسلام، كمن أسلم حين سمع قوله تعالى: (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) ومن أسلم حين سماعه قوله تعالى: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ). لكن الذي تحدى به الله البشر أقله سورة كما ورد في آخر آية من آيات التحدي: (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا).

 (11): إذ فيها خبران وأمران ونهيان وبشارتان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *