العدد 136 -

السنة الثانية عشرة – جمادى الأولى 1419هـ – أيلول 1998م

هيئة الأمم هيئة نصرانية بغطاء دولي

هيئة الأمم هيئة نصرانية بغطاء دولي

إن ما حصل في ظل أزمة الخليج الأولى والثانية من قرارات من الأمم المتحدة لهو مدعاة لكل مسلم للعمل على هدم كيان هيئة الأمم. ذلك الكيان الذي كان أداة لأميركا وحلفائها في ضرب المسلمين والتدخل في شؤونهم وشؤون بلادهم فيعيثوا فيها فساداً ويطلعوا على جميع الأسرار.

لقد أصبح واضحاً أن هيئة الأمم هي أداة مسخرة من قبل الكفار لضرب المسلمين وعدم عودتهم إلى سابق عزهم، فقرارات مجلس الأمن في أغلبها ضد المسلمين وكأن مجلس الأمن لا يرى أخطاء حسب نظره إلا في بلاد الإسلام، لذلك تجده يتخذ قرارات اتجاه الجزائر تارة، وتارة اتجاه ليبيا، وأخرى اتجاه السودان ومصر وفلسطين، أو تجده يتخذها ضد إيران وتركيا والبوسنة، وأخيراً يكثر من اتخاذ قراراته ضد العراق لفرض الحظر الاقتصادي عليه، ونزع أسلحته ووجوب التفتيش والمراقبة الدائمة وغيرها من القرارات. إن هذه القرارات مدعاة لكل مسلم أن يتعرف واقع هيئة الأمم وسبب نشأتها وماذا فعلت بالمسلمين.

عندما اتجهت الفتوحات الإسلامية نحو أوروبا وأعلنت الدولة الإسلامية ممثلة بالدولة العثمانية الجهاد لنشر الإسلام في أوروبا، وأخذت تفتح بلادهم بلداً بلداً فاكتسحت ما يسمى باليونان ورومانيا، وألبانيا، ويوغسلافيا والمجر والنمسا، حتى وقفت على أسوار فينا، فأثارت الرعب في جميع دول النصارى في أوروبا، ووجد عرف عام لدى النصارى أن الجيش الإسلامي لا يغلب وأن المسلمين حين يقاتلون لا يبالون بالموت لاعتقادهم بأن لهم الجنة إذا قتلوا، ولاعتقادهم بالقدر، والأجل، ولذلك أخذت الدول الأوروبية في نهاية القرن السادس عشر تتجمع لتكون عائلة واحدة تستطيع وقف المد الإسلامي، فتجمعت الدول الأوروبية النصرانية على أساس الرابطة النصرانية من أجل الوقوف في وجه الدولة الإسلامية. إلا أن نظام الإقطاع وسلطة الكنيسة كانا حائلاً دون نجاح هذه العائلة حتى إذا جاء عصر النهضة وظهرت دول قوية في أوروبا وعقد مؤتمر وستفاليا سنة 1648 وضعت القواعد الثابتة لتنظيم العلاقات بين الدول الأوروبية، ونظمت الدول النصرانية في مقابلة الدولة الإسلامية، ومن ذلك التاريخ ظهرت الجماعة الدولية التي تكونت من الدول الأوروبية النصرانية جميعاً بلا تمييز، ولكنها كجماعة ظلت محرمة على الدولة الإسلامية ولم يسمح لها بدخول الأسرة الدولية إلا بعد أن سميت بالرجل المريض فقبلت فيها سنة 1856 بعد أن تخلت عن تحكيم الإسلام في علاقاتها الدولية وأدخلت بعض القوانين الأوروبية في دستورها. وبعد الحرب العالمية الأولى سنة 1919 أنشئت عصبة الأمم وطورت بعد الحرب العالمية الثانية لتصبح هيئة الأمم.

لذلك لا بد من لفت النظر لعدة أمور متعلقة بهيئة الأمم أهمها:

 إن سبب نشأتها هو اجتياح الدولة الإسلامية لأوروبا فتكاتفت الدول الأوروبية معاً لمقاومة توسع الدولة الإسلامية، وتقسيمها إذا حانت الظروف فكانت نشأة هيئة الأمم محاربة لله ورسوله بمحاربتها للإسلام والمسلمين.

 إن تحالف الأسرة الدولية ابتداءً كان مكوناً فقط من دول نصرانية جمعها حقدها على الإسلام، وعندما توسعت هيئة الأمم فقبلت عضوية دول العالم إنما كان ذلك لأن أميركا تريد بسط نفوذها على العالم باستخدام هيئة الأمم.

 إن قانون هيئة الأمم يقوم في أصله على قواعد اتفقت عليها الدول النصرانية فيما بينها، ولم يكن قانوناً دولياً يجبر دول العالم على السير وفقه، فهو خاص بالدول النصرانية، وإنه وإن حصل تحويل في هذه القواعد إلا أن هذا التغير كله في خدمة الدول الكبرى ولأجل تنظيم مطامعها.

لم تقبل الأسرة الدولية الدولة الإسلامية إلا بعد تخليها عن تحكيم الإسلام في شؤونها الدولية سنة 1856 وذلك لأن الأسرة الدولية لا تريد رؤية الإسلام في الوجود.

 لقد حصر الموقف الدولي بعد الحرب العالمية الأولى وبعد الحرب العالمية الثانية في مجموعة الدول التي انتسبت إلى عصبة الأمم، وصارت هذه المجموعة من الدول تنظر في القضايا العامة للشعوب والدول وتحصر الموقف الدولي في أعمالها، أما الدول التي لم يتح لها أن تدخلها أو رفضت دخولها فقد كانت في معزل عن الموقف الدولي.

 إن الذي يتخذ القرارات في مجلس الأمن إنما هي الدول دائمة العضوية فقط وليس جميع الدول وهذا الأمر يجعل باقي الدول تحت رحمة مجموعة من الدول تريد تحقيق مصالحها ومطامعها فقط.

 قرارات مجلس الأمن ليست منصفة فهي قرارات لا تمس مصالح الدول دائمة العضوية ذلك أن لها حق نقض القرارات ولذلك لا تجد قراراً قد اتخذ ضد أميركا أو روسيا أو إنجلترا أو فرنسا من يوم أنشئت هيئة الأمم، فهل يعقل أن هذه الدول لا تعرف الجريمة والإجرام رغم مصائب الاستعمار أم أن كل أعمالها في خير البشرية، وأن الجرائم لا تفعلها إلا الدول الضعيفة؟؟

 قرارات هيئة الأمم تطبق بدقة في حق المسلمين ولكن لا تطبق في حق غيرهم فكم من قرار اتخذ في حق إسرائيل ولم تنفذ منها شيئاً. فهل هددت إسرائيل بالقصف أو بالحصار أو هل حدثت لها مضايقات دولية على الأقل لعدم استجابتها لقرار 425 أو 242 أو غيرها من القرارات عندما احتلت لبنان أو لضربها لبنان بشكل متواصل.

إن القرارات التي اتخذت في أزمة الخليج وما زالت تتخذ لتؤكد على أمور أهمها:

أولاً: إن الحروب الصليبية لم تَنْتَهِ وإن الغرب ما زال بعقليته القديمة.

ثانياً: إن أوروبا وأميركا عندما تضرب وتذل إنما تقصـد أن لا يفكـر المسلمون بالوحدة وأن يبقوا على فرقهم، تلك الفرقة التي أوجدتها الحركة القومية والوطنية التي اصطنعها الإنجليز والفرنسيون ثم اتبعوها بحدود خططتها معاهدة سايكس بيكو.

ثالثاً: إن دول الكفر تريد إحباط المسلمين لتجعلهم في حالة يأس دائم من عملية التغيير فهي لهم بالمرصاد.

رابعاً: إن دول الكفر تريد أن تبقي المسلمين في حالة تخلف دائم في كل نواحي الحياة فهي ستحطم قدراتهم، كلما تقدموا خطوة لترجعهم خطوات.

خامساً: إن دول الكفر لن تسمح بأن يمتلك المسلمون أسلحة دمار شامل لإمكانية أن تؤول مستقبلاً إلى أيدي أبناء الأمة المخلصين الواعين.

سادساً: إن دول الكفر خاصة أميركا تعمل على تجريب أسلحتها في المسلمين وتقوم بمناورات عسكرية حقيقية ذات أهداف حقيقية لا وهمية فتتعرف على طبيعة المنطقة وطبيعة أهلها في القتال، فتستخدم هذه المعلومات ضد أبناء الأمة إذا تطلعوا للانعتاق من سيطرة الغرب الكافر وأعوانه.

هذا هو واقع هيئة الأمم وهذا ما تقصده من أعمالها فإذا كان الأمر كذلك، فإنه حري بجميع دول العالم المستضعفة أن تعلن انسحابها من هيئة الأمم هذه ولا تكتفي بشجب القرارات لأن قرارات هيئة الأمم إنما تأخذ شرعيتها من كونها هيئة تمثل دول العالم قاطبة، فبغض النظر أوافقت جميع دول العالم على القرار المعين أو اعترض بعضها، فإن القرار يتخذ صفة الشرعية الدولية باسم جميع دول العالم الموافق والمعترض، ذلك أن أية دولة وافقت أن تكون في هيئة الأمم تكون قد أقرت بتركيبة هيئة الأمم وكيفية اتخاذ القرارات.

يتضح مما سبق أن سبب المشاكل في منطقتنا هو الحقد الصليبي الذي قرر إيقاف الزحف الإسلامي وتقسيم دولة الخلافة وإلغاء الخلافة ومنع عودتها، وظل هذا الحقد يعتمل في النفوس، يقترحون المشاريع لتقسيم دولة الخلافة حتى بلغ عدد هذه المشاريع ما يزيد عن مائة مشروع جمعها المسيو وجو فارا في كتابه (مائة مشروع لتقسيم تركيا) وقد كان المشروع الرابع والأربعون سنة 1672 حرره الفيلسوف ليبنتز في أربع سنوات واقترح فيه “انه إذا انتزعت مصر من يد الأتراك آل أمرهم إلى البوار” وبعث به إلى ملك فرنسا لويس الرابع عشر.

وهذا الحقد الصليبي حقد متوارث لا يمكن أن ينتهي ما دام هناك إسلام وكفر لذلك تجد الأستاذ ليو بولد يقول “أما تحامل المستشرقين على الإسلام فغريزة موروثة وخاصة طبيعية تقوم على المؤثرات التي خلفتها الحروب الصليبية” هذا العداء الموروث لا يزال هو الذي يورث نار الحقد في نفوس الغربيين على المسلمين ويصور الإسلام حتى في بلاد المسلمين للمسلمين وغيرهم بأنه (بعبع الإنسانية) أو المارد الهائل الذي سيقضي على تقدم الإنسانية، يسترون بذلك خوفهم الحقيقي منه، لأنه إذا تركز في النفوس تزول سيطرة الكافر المستعمر عن العالم الإسلامي وتعود الدولة الإسلامية تحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، لذلك تجدهم حتى في أغانيهم يحاولون تشويه حقيقة الإسلام حيث يقول أحد العلماء الفرنسيين وهو الكونت هنري دكاستري في كتابه (الإسلام) سنة 1896 ما نصه “لست أدري ما الذي يقوله المسلمون لو علموا أقاصيص القرون الوسطى وفهموا ما كان يأتي في أغاني القوال المسيحيين، فجميع أغانينا حتى التي ظهرت قبل القرن الثاني عشر صادرة عن فكر واحد. كان السبب في الحروب الصليبية وكلها محشوة بالحقد على المسلمين للجهل الكلي بديانتهم، وقد نتج عن تلك الأناشيد تثبيت هاتيك القصص فـي العقول ضد ذلك الدين، ورسوخ تلك الأغلاط في الأذهان ولا يزال بعضها راسخاً إلى هذه الأيام فكل منشد كان يعد المسلمين مشركين غير مؤمنين وعبدة أوثان مارقين”.

هكذا كان يوصف المسلمون كما يوصف دينهم من قبل رجال الدين النصارى في أوروبا، كانوا يوصفون بأفظع الأوصاف خاصة في القرون الوسطى، وكانت هذه الأوصاف مما استعمل لإثارة الحقد والبغضاء ضد المسلمين، ما أثار العالم النصراني فكانت الحروب الصليبية وكان الإجرام.

فمن اطلع على أحداث الحروب الصليبية يجد حقداً منقطع النظير، وأفعالاً تترفع البشرية عن ذكرها، فها هي أحداث مذبحة القدس معبرة فعندما احتل جود فري القدس سنة 1099 واضطر المسلمون للاعتصام في المسجد الأقصى تبعهم الصليبيون واقتحموا المسجد فأحدثوا بداخله مذبحة وحشية رهيبة حتى خاضت خيولهم إلى ركبها في دماء المسلمين، مذبحة استمرت سبعة أيام قتلوا فيها ما يزيد عن سبعين ألف مسلم من بينهم جماعة كبيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم. هذا من قتل داخل المسجد، أما خارجه فإنهم لم يتركوا مسلماً في الطرقات أو البيوت أو المساجد إلا قتلوه واسـتباحوا دمه دون أن يفرقوا بين رجل وامرأة وطفل.

فالكفار إذا امتلكوا القوة تغطرسوا وأذلوا المسلمين ولم يرقبوا فيهم إلا ولا ذمة إلا إذا وجد من يردعهم ويوقظهم من سباتهم بضربات تنسيهم وساوس شياطينهم. فها هو الملك لويس التاسع يبعث برسالة إلى السلطان أيوب في مصر يستهين به ويدعوه إلى الاستسلام ويذكره بقوة الصليبيين وتدميرهم للمسلمين في الأندلس بعدما أصيب بالغرور والعظمة فقال في كتابه “نحن نسوقهم سوق البقر (أي المسلمين في الأندلس) ونقتل منهم الرجال ونرمل منهم النساء ونستأسر البنات والصبيان… لا تسوق البلاء بيدك إليك وتكون على نفسك وجيشك قد جنيت… فسيوفنا حداد ورماحنا مداد وقلوبنا شداد… فإن كانت لك فدية ألقت بين يديك، وإن كانت لنا فيدينا العليا عليك… ستسلم إن سلمت غير محارب… وإلا أتيناك بخلق كرام وعصبة مسيحية لم يخف عنك علومها” لكن وجد من يرد عليه ويهزمه شر هزيمة فبعث إليه السلطان الصالح كتاباً جاء فيه “أما بعد فقد وصل كتابك وفهمنا لفظك وخطابك، وها هنا قد أتيتك بالخيل والرجال… والقيود والأغلال فإن كان لك فأنت الساعي: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) وفي كتابك تهددنا بجيوشك وأبطالك… أو ما تعلم أنا نحن أرباب الحتوف… فلو نظرت أيها المغرور حد قلوبنا وجد حروبنا لعضضت على يدك بسن الندم… وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”.

وإن تعجب من الحقد الصليبي عند كبرائهم فإنه لأشد عجباً أن تجد أطفالهم قد تغذوا هذا الحقد في سن مبكرة لدرجة أن الحملة الصليبية الخامسة قد ابتدأها صبي في الثانية عشرة من عمره اسمه ستيفن ادعى في فرنسا سنة 1212 بأن المسيح عليه السلام سلمه رسالة أمره فيها بأن يقوم هو والأطفال الصليبيون لوحدهم بحملة صليبية وأن الرب سيكون معهم وأن البحر المتوسط سينشق أمامهم وأنهم سيتمكنون من إعادة البيت المقدس إليهم. وقد اجتمع حوله ما يقارب من خمسين ألف طفل من فرنسا وقد حملتهم السفن من ميناء مرسيليا ومنذ ذلك الوقت لم يسمع الغرب عن مصيرهم شيئاً ويقال إن بعضهم وصل إلى شمال إفريقيا وهناك بيعوا في أسواق الرقيق وحملوا منها إلى سائر المدن الإسلامية الأخرى.

والذي قوى ذلك الحقد مواقف رجال الدين وفتاويهم ضد الإسلام والمسلمين فمن أفظع الفتاوى التي صدرت فتوى أصدرها البابا نقولا الرابع وكانت تعتبر عندهم فتوى دينية تاريخية جاء فيها “إن الغدر إثم ولكن الوفاء مع المسلمين أكبر إثماً” ولعل أميركا أخذت بهذه الفتوى عندما أوعزت لـ (ريتشارد بتلر) الرئيس التنفيذي للجنة الخاصة المكلفة بنزع الأسلحة العراقية المحظورة بإلغاء الاتفاق الذي تم بين العراق وبين (رالف أكيوس) الرئيس السابق للجنة في شأن منع تفتيش الأماكن الحساسة في العراق ذات العلاقة بالمواقع الرئاسية والسيادة، والعودة إلى ترتيبات تفتيش مفتوحة، فكانت الأزمة بين العراق وأميركا التي انتهت في شباط الفائت. وأخيراً أعلنت أميركا حرباً مفتوحة على المسلمين وبلادهم تحت اسم مكافحة الإرهاب والتطرف واعتبرتها حرب المستقبل ودشنتها بالغارات على السودان وأفغانستان، والتهديد بالمزيد منها، واعتقال شباب المسلمين بدعوى علاقتهم بجماعة أسامة بن لادن. وقد نجحت أميركا مؤخراً في عقد مصالحة بين جلال الطالباني ومسعود البرازاني لإيجاد إدارة مشتركة لشمال العراق تمهيداً لإنشاء دولة كردية مستقلة أو ضمن عراق فدرالي، وهو ما تسعى أميركا لتحقيقه منذ فترة طويلة.

فقد أرسلت أميركا مبعوثيها إلى تركيا، فأرسلت في شهر آب سنة 1995 الخبير الاستراتيجي في شؤون الشرق الأوسط غراهام تاولر إلى أنقرة لإقناع الأتراك بتقسيم العراق بإيجاد دولة كردية في شمال العراق. فالتقى العديد من المسؤولين والباحثين الأتراك وعرض عليهم وجهة النظر الأميركية، ومما قال لهم: “إن العراق يجب أن ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وبهذا ترتاح تركيا ولكن لا يمكن تقسيم العراق إلا بموافقة تركيا. غير أن أميركا مصممة على خطتها لإقامة دولة كردية”. وفي الخامس من أيلول سنة 1995 أرسلت أميركا مساعد وزير الخارجية الأميركي ريتشارد هولبروك إلى أنقرة للغرض نفسه، التقى هولبروك الرئيس ديميريل وقال له: “الإطاحة بصدام صعبة جداً، وحتى لو ذهب، فمن الصعوبة بمكان أن يتأسس نظام ديمقراطي بدلاً منه، والحل الأفضل هو الحل الفيدرالي في العراق” فرد عليه ديميريل بقوله: “من الضروري حماية وحدة أراضي العراق لأن الفيدرالية تعني التقسيم، وهي تطال تركيا” فديميريل يدرك أن أميركا تريد تقسيم العراق وأن الفيدرالية ليست سوى مرحلة أولى نحو الاستقلال الكردي. ولهذا ردت الحكومة التركية على المصالحة الكردية بتطوير علاقاتها الدبلوماسية مع العراق إلى مستوى السفراء، وبالتأكيد على وحدة أراضي العراق، لعلمها أن تقسيم العراق يشكل دعوة لأكراد تركيا إلى الانفصال.

هذا بعض ما يخطط له الأميركان بالنسبة للمسلمين فماذا نحن فاعلون؟ أنسكت على تقسيم بلادنا من جديد وقتل إخواننا، أم يكون لنا موقف يسجله التاريخ في صفحة ناصعة البياض كتلك التي سجلت لأجدادنا أصحاب المواقف المشهورة أمثال صلاح الدين وهارون الرشيد والمعتصم وغيرهم الذين لقنوا الرومان والفرس والصليبيين دروساً ما نسوها.

يجب أن ندرك أننا وجهاً أمام أميركا، لا في العراق وحدها، ولا في فلسطين فحسب ولا في الجزائر والبوسنة فقط بل في البلاد الإسلامية كلها فإما بلاد متحررة وإما بلاد مستعمرة، أي إما بلاد موحّدة تحكم بالإسلام وإما مجزأة إلى دويلات تبقى هكذا خاضعة للاستعمار وتعيش في ظله وهي تغط في نوم عميق.

إن العقيدة الإسلامية لها قدرة ستدفع الأمة إلى التغيير الجاد وتزرع القوة بعد الضعف، والجرأة بعد التخاذل، والإقدام بعد الجبن، جو الأمل بعد اليأس، ولا غرابة في ذلك، فهي عقيدة بينت أن الموت والحياة والنفع والضر والغنى والفقر كلها بيد الله وحده لا منازع له فيها ولا شريك، لذلك فهي صنعت من العبيد الذين كانوا يباعون بالأثمان البخسة ولا قيمة لهم ولا قوة، سادة للبشرية وقادة يأمرون فيطاعوا. وجعلت من النساء الضعيفات من تتحدى قريشاً وصلفها فتقتل في سبيل الحق غير آبهة بما تلقى في هذه الحياة الدنيا.

نحن اليوم نربو على المليار، وننتشر على رقعة واسعة من الكرة الأرضية، تعتبر من أهم بلاد الدنيا موقعاً، ولما حباها الله به من الثروات التي تحتاج إليها الدنيا بأجمعها، فضلاً عن كونها طريق المواصلات إلى القارات الثلاث: آسيا وأوروبا وإفريقيا ونحن المسلمين في البلاد العربية والذين نعتبر جزءاً من الأمة الإسلامية، والذين نتجاوز مئات الملايين من البشر، والذين تعتبر بلادنا قلب الدنيا وطريق مواصلاتها ومستودع ثرواتها. نحن أصحاب أعظم وأعرق حضارة في الدنيا، وأهل أعظم دولة حكمت الأرض وكانت الدولة الأولى في العالم أكثر من ألف عام. عندما كنا بالإسلام قائمين ولراية الله رافعين وبالجهاد لدين الله ناشرين، فلما بعدنا عن الله وأخذنا نسيء في تطبيق شريعته سلط الله علينا من لا يخافه ولا يرحمنا، سلط علينا أعداءنا الكفار، فتكالب الكفر والكفار على المسلمين، وأخذوا يقتطعون بلادهم شيئاً فشيئاً حتى قامت بقضها وقضيضها وانقضت على دولة الخلافة وأزالتها من الوجود وجعلت بلاد المسلمين مزقاً بعد أن استولت عليها وفرضت عليها سيطرتها وسلطانها واقتسمتها فيما بينها، وخاصة بريطانيا وفرنسا إلى أن حصلت الحرب العالمية الثانية وأخذت أميركا تعمل لتحل محل بريطانيا وفرنسا، وأصبحت قائدة للعالم الصليبي فاستخدمت هيئة الأمم لتنفيذ مصالحها ومطامعها. وأميركا تعلم بأن الأمة التي عندها الإمكانية لمزاحمتها ولتكون بديلة عنها هي الأمة الإسلامية للعدد واتساع رقعة العالم الإسلامي وخيرات البلاد والعقيدة التي تبعث في نفوس معتنقيها العزة والإقدام، وعدم الرضا بغير سيطرة الإسلام على الدنيا بأسرها. فكفانا تسكعاً على أبواب هيئة الأمم، وكفانا ارتباطاً بالغرب وأعوانه، فهم أصل البلاء، ولنعلنها خلافة راشـدة، تعيد توحيد بلاد المسلمين تحت راية  لا إله إلا الله  محمد رسول الله، وإن النصر لآت، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله .

أديب ـ خليل الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *