العدد 137 -

السنة الثانية عشرة – جمادى الآخرة 1419هـ – تشرين الأول 1998م

الأمـان

الأمـان

الأمان في اللغة: عدم توقع مكروه في الزمن الآتي. ويَردُ تارة اسماً للحالة التي يكون عليها الإنسان من الطمأنينة، وتارة لعقد الأمان.

وعرّفه الفقهاء بأنه رفع استباحة دم الكافر الحربي وماله.

 

والمستأمن هو طالب الأمان من غيره سواء أكان كافراً، أم مسلماً؛ فللكافر الحربي أن يطلب الأمان من المسلمين، سواء أكان حربياً حكماً مثل الألماني والفرنسي والإنجليزي والإسباني وأمثالهم، أم كان كافراً حربياً فعلاً كاليهودي الإسرائيلي. ويجوز أن يُمنح هذا الكافر الأمان على دمه وماله. وللمسلم كذلك أن يطلب الأمان من الكفار ليدخل بلادهم للتجارة أو لطلب العلم أو للسياحة أو لغير ذلك.

أما المؤَمَّن فهو مانح الأمان. فيجوز أن يكون مانح الأمان للكافر حاكماً، ويجوز أن يكون فرداً من عامة المسلمين، ذكراً كان أو أنثى. فالرسول صلى الله عليه وسلم قد أمَّن أهل مكة يوم فتح مكة بقوله لهم: «من دخل داره وأغلق عليه بيته فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل البيت الحرام فهو آمن» كما أمَّن الرسول صلى الله عليه وسلم الرسل. ورد في صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» وفي رواية أخرى: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم» وفي رواية لأحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم» ومعنى “ذمة المسلمين واحدة” أي أمانهم صحيح، فإذا أمَّن الكافرَ مسلمٌ من المسلمين حرم على غيره من المسلمين التعرض له. ومعنى “يسعى بها أدناهم” أي أقلّهم. والأقلّ يشمل الواحد والاثنين لقوله تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ) والأدنى من الثلاثة الاثنان والواحد، فالأدنى يشمل الواحد ويكون معناها الأقل فيسعى بذمتهم أدناهم أي أقلهم وهو الواحد. وإن كان أدناهم مشتقاً من الدناءة فهو تنصيص على صحة أمان الفاسق والفاجر ويكون من قبيل قوله تعالى: (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) أي الأطعمة الدنيئة فيكون لفظ أدناهم يشمل كل فاسق وكل فاجر وضيع وكل ظالم بالنص سواء كان في الحكم أو في خارجه.

ويجوز أن يكون المانح للأمان رجلاً ويجوز أن يكون امرأة. فقد أمَّنت أم هانئ بنت أبي طالب يوم فتح مكة رجلين من أحمائها المشركين، وكانا قد شاركا في القتال ضد جيش المسلمين. وقد أجاز الرسول صلى الله عليه وسلم أمانها. جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أم هانئ قالت: «ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره قالت: فسلمت عليه، فقال: من هذه؟ فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: مرحباً بأم هانئ، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفاً في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي أنه قاتلاً رجلاً قد أجرته فلان بن هُبيْرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ. قالت أم هانئ: وذلك ضحى» وكذلك فإن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجارت زوجها أبا العاص قبل أن يسلم. فقال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإنه يجير على المسلمين أدناهم» [رواه الطبراني].

ويجوز أن يكون الكافر الحربي المعطى الأمان محارباً فعلاً كالمشركين اللذين أجارتهما أم هانئ، وكزوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو محارباً حكماً وهو من باب أولى.

هذا بالنسبة لإعطاء الأمان من أفراد مسلمين ذكوراً وإناثاً لأفراد من الكفار. أما بالنسبة لإعطاء حكام المسلمين اليوم للإذن والأمان لأفراد الكفار المحاربين حكماً أو فعلاً، سواء كان الإعطاء منهم مباشرة، أو من الذين ينيبونهم عنهم في ذلك من موظفي السفارات أو موظفي الحدود، فإنه أمان جائز، لأن الحكام من المسلمين، وإن كانوا فسقة وظلمة، لكون كلمة (أدناهم) في الأحاديث تشملهم، سواء فسرت بمعنى أقلهم أو كانت من الدناءة. وما يصح من الحكام يصح أيضاً ممن ينيبونهم عنهم من موظفي السفارات والحدود.

هذا هو حكم إعطاء حكام اليوم الأمان لأفراد الكفار، سواء كانوا محاربين فعلاً أو حكماً. وهو يختلف عن حكم ما يعقده هؤلاء الحكام مع الدول الكافرة، كأميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من دول الكفر من اتفاقيات هدنة أو صلح أو اتفاقيات أمنية أو عسكرية، أو من أحلاف عسكرية فهذه الاتفاقيات يجب أن ينظر إليها من منظار الحكم الشرعي، فاتفاقيات الهدنة لإيقاف القتال لفترة محدودة جائزة شرعاً كصلح الحديبية الذي عقده الرسول صلى الله عليه وسلم مع قريش، إذ اتفق معهم على وضع الحرب بين قريش والمسلمين عشر سنين، ولا بدّ من أن تكون مدة الهدنة محدودة، ولا يجوز أن تكون مطلقة دون تحديد. أما اتفاقيات الصلح كاتفاقيات الصلح التي عقدت مع (دولة) إسرائيل فإنها اتفاقيات باطلة ومحرمة شرعاً، ولا يُـلزم المسلمون بها لأنها اتفاقيات حصل تنازل فيها عن أرض إسلامية لدولة اليهود المغتصبة وهذا غير جائز شرعاً. كما أن اتفاقيات التطبيع مع اليهود غير جائزة لأن فيها اعترافاً بدولة اليهود الغاصبين وصلحاً معهم. وقد أوجب الإسلام على المسلمين قلع دولة اليهود فيحرم الصلح معها. كذلك الاتفاقيات الأمنية والعسكرية والأحلاف العسكرية بأنواعها فإنها غير جائزة شرعاً ويحرم عقدها مع الدول الكافرة، وتكون غير ملزمة للمسلمين، ويحرم عليهم السكوت عليها، ويجب أن يعملوا على إبطالها، وعلى طرد جميع جيوش الدول الكافرة الموجودة على أية أرض إسلامية.

وعلى هذا فإن جميع الاتفاقيات العسكرية والأحلاف العسكرية التي عقدها حكام المسلمين مع أميركا أو بريطانيا أو فرنسا أو غيرها من دول الكفر باطلة من أساسها، ولا تنعقد شرعاً، ولا تُلزم المسلمين حتى ولو عقدها أتقى المسلمين، فكيف وقد عقدها الحكام العملاء الفسقة الظلمة، وهي اتفاقيات وأحلاف تخالف أحكام الشرع، إذ تجعل المسلم يقاتل تحت إمرة كافر، وتحت راية كفر، ولمصلحة دول الكفر، ومن أجل بقاء كيان الكفار، فهي ضد مصلحة المسلمين، وهذه الاتفاقيات والأحلاف تجعل الكفار يقاتلون مع المسلمين مع احتفاظهم بكيانهم، أي يقاتلون مع المسلمين ككيان لا كأفراد، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الاستعانة بالكفار ككيان. عن أبي حميد الساعدي قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا خَلَّف ثنيَّة الوداع إذا كتيبة، قال: من هؤلاء؟ قالوا: بنو قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام، قال: أو أسلموا؟ قالوا: بل هم على دينهم، قال: قولوا لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين».

وعلى ذلك فإن تحالف حكام المسلمين مع أميركا لقتال العراق والسماح لها بإنزال جيوشها في السعودية ومنطقة الخليج هو تحالف آثم يحرمه الشرع، لأنه لا يجوز أن يقاتل المسلمون لنصرة أميركا الكافرة المعتدية إخوانهم المسلمين أهل العراق، ولأنه تمكين لأميركا من فرض هيمنتها على منطقة الخليج.

وكما أن تحالف حكام المسلمين مع أميركا تحالف آثم يحرمه الشرع فكذلك تحالف تركيا مع (دولة) اليهود المغتصبة عدوة الإسلام والمسلمين، وكان الأجدر بدولة تركيا بدل أن تعقد اتفاقاً معها أن تعمل على القضاء عليها واستئصالها من جذورها.

وعلى ذلك فإن جيوش هذه الدول الكافرة التي عقد معها حكام المسلمين الاتفاقيات والأحلاف العسكرية لا يشملها الأمان، ولا ينطبق عليها، وتأمين الحكام لها هو تأمين باطل، وغير ملزم للمسلمين لا من قريب ولا من بعيد، ولذلك فإن جميع هذه الجيوش الأميركية والإنجليزية والفرنسية الموجودة في الخليج أو في أي بلد إسلامي لا حرمة لها ولا لدماء أفرادها، ولا لأموالها ولا لأسلحتها وعتادها، ويجب العمل على طردها بكل وسيلة ممكنة.

أما حكم من يُعطى الأمان من أفراد الكفار، إنجليزياً كان أو أميركياً أو فرنسياً أو ألمانياً أو روسياً، سواء كان أمانه من حكام البلاد الإسلامية، أو من موظفي السفارات أو الحدود الذين ينوبون عنهم، أو كان أمانه من أحد أفراد المسلمين فإنه عندما يدخل البلاد الإسلامية يكون آمناً على نفسه وعلى ماله، فالأمان عصم له دمه وماله، ولا يجوز أن يتعرض له أي مسلم بأذى في دمه أو ماله ومن يتعرض له يكون آثماً ومرتكباً للحرام لما ورد في صحيح البخاري من قوله عليه الصلاة والسلام: «ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» وإذا ارتكب الكافر المستأمن أي جرم في الدولة الإسلامية فإنه يحاسب وفق الأحكام الشرعية كما يحاسب الذمي: فمن يسرق ينفذ فيه حد السرقة، ومن يزني ينفذ فيه حد الزنا، ومن يقتل ينفذ فيه حكم القتل. وهذا كله إذا دخل بأمان، أما إذا دخل دون أمان فإنه يكون لا حرمة له لا في دمه ولا في ماله. وينبغي أن لا تبلغ مدة الأمان التي تُعطى للكافر لدخول البلاد الإسلامية سنة، ويعطى الأمان للتاجر والخبير وطالب العلم والرسول والدبلوماسي واللاعب والسائح والباحث عن عمل. ويستثنى من إعطاء الأمان كل من يريد بالإسلام والمسلمين ضرراً أو فساداً كالجواسيس والمخربين والدبلوماسيين الذين يجندون العملاء والمبشرين ومن يحمل الأفكار الكافرة لنشرها بين المسلمين، إذ لا يجوز أن يعطى الكافر أماناً ليعيث في بلاد المسلمين فساداً بإذنهم.

وكما يجوز أن يُعطى الكافر الحربي أماناً لدخول بلاد المسلمين فإنه يجوز للمسلم أن يطلب إذناً (أماناً) من الكفار لدخول بلادهم لتجارة أو معالجة أو طلب علم أو سياحة أو غير ذلك فإذا أُعطي إذناً (أماناً) فإنه يجب أن يلتزم بشروط الأمان، فلا يحل له أن يتعرض لشيء من أموالهم ولا من دمائهم، لأنه ضمن لهم بالاستئمان أن لا يتعرض لهم بشيء من ذلك، فالتعرض بعد ذلك يكون غدراً ونقضاً للعهد، والغدر ونقض العهد حرام والله سبحانه وتعالى يقول: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع بقدر غدره»، وهذا بخلاف الأسير الذي يطلقه الكفار فإنه ليس مقيداً بعهد أمان لهم لذلك لا يحرم عليه أن يتعرض لدمائهم وأموالهم كمن يأسره اليهود ثم يطلقونه فإنه تحل له دماؤهم وأموالهم، وكالمسلمين الموجودين في الأرض المحتلة وفُرض عليهم أخذ الجنسية أو الهوية فإنهم بحكم الأسرى وإنهم بأخذهم الجنسية أو الهوية لم يعطوا أماناً لليهود.

لذلك فإنه يحل لهم الخروج على اليهود لمقاتلتهم واستحلال دمائهم وأموالهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *