العدد 255 -

العدد 255- السنة الثانية والعشرون، ربيع الثاني 1429هـ، الموافق نيسان 2008م

قرارات القمم العربية: سراب بقيعة…

قرارات القمم العربية: سراب بقيعة…

 

«لا نغالي إذا قلنا إننا لم نعد على حافة الخطر، بل في قلبه»، «الغيوم تملأ الجو العربي الذي أصبحت قتامته مضرب الأمثال… إننا نعاني أزمة ثقة فينا، وفيما بيننا… وصل الأمر إلى درجة غير مسبوقة في تلاعب قوى دولية بقضايانا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ربما استخفافاً برد الفعل العربي»، «نحن الآن في وضع ميؤوس منه… لا توجد حاجة تجمعنا إلا هذه القاعة… نحن أعداء بعضنا بعضاً، ونتآمر على بعضنا… الدول العربية ستتحول إلى محميات أو مكب للنفايات» هذا قول الحكام أنفسهم في أنفسهم، قول حكام لا يرجعون إلى أنفسهم فيخافون الله، بل ينكسون على رؤوسهم ويمضون في خلافاتهم التي تزداد ولا تنقص، وتكبر ولا تصغر، إذا كان هذا كلامهم، فلماذا لا يرحلون عن هذه الأمة المنكوبة بهم؟… إن هؤلاء الحكام سيرميهم التاريخ فعلاً في مكب نفاياته، وسيكونون ملعونين أينما ذكروا.

إنه قول حكام حضروا القمة العربية المسماة قمة «التضامن العربي» (من باب تسمية الشيء بضده) والتي انعقدت في دمشق في 29 و30/3. أما الذين لم يحضروا ففي فمهم مرارة أكبر، ففي القمة السابقة التي انعقدت في الرياض السنة الماضية قال رئيسها الملك عبد الله يومها إن شعوبنا لم تعد تثق بنا.

لقد جاءت هذه القمة لتشكل تعبيراً صادقاً عن واقع الشرذمة والتفكك التي يعيشها حكام الأمر الواقع الذين تلعنهم الأمة جميعاً، من حضر ومن لم يحضر، ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً… لقد وصلت خلافاتهم إلى السطح من غير ما حياء ولا وجل: لا من الله، ولا من شعوبهم، ولا حتى من أعدائهم الذين يضربون فيهم الأمثال… جاءت هذه القمة لتنحدر بأوضاع المسلمين انحداراً غير مسبوق، ولتصل إلى حضيض، ولكن ليس أي حضيض، وإنما حضيض مرسوم له ما بعده… جاءت لتكشف أن الصراع الدولي في المنطقة قد بلغ درجة عالية من السخونة تنذر بالانفجار، وتتناسب مع قرب وجود الاحتلال الأميركي في المنطقة: في العراق وأفغانستان، ومع ضغط قرب الانتخابات الأميركية ذات العلاقة المصيرية باستمرار الحرب على العراق أو إيقافها.

قالوا إن الخلاف والتفكك والتشرذم والتجاذب بين حكام الأمر الواقع، في القمة وخارجها، سببه الخلاف على التدخل السوري في لبنان وعدم السماح بإجراء انتخابات رئاسية، وتعطيل الحكم والحكومة فيه… وكذلك مساعدة سوريا لحماس في وضع يدها على غزة وطرد فتح منها،… ولكن الحقيقة هي أعمق من ذلك بكثير، وما ذكر يعد نتائج لا أسباباً للخلاف.

إن سوريا، مستضيفة المؤتمر، ورئيسها، متهمة بشكل جدي بالعمل بعكس مصالح العرب، حيث إنها فتحت لإيران عدة ثغرات في الجدار العربي، وأصبحت تلك الثغرات مدخلاً لتدخل إيران في قضايا المنطقة، وأصبح بيدها أوراق إدارة الصراع العربي – (الإسرائيلي)، نعم، سوريا متهمة بأنها تعمل ضد مصلحة الدول العربية لمصلحة إيران التي لها مصالح وأطماع في المنطقة والتي تسعى لتصبح الدولة الإقليمية الأولى في المنطقة، وتسعى لأن يكون بيدها قرار الحرب والسلم فيها. فإيران، بتعاون وتسهيل من سوريا، تدير حزب الله في لبنان، وتموله وتسلحه وتزوده بالرجال والمال والتدريب والخبرات والاستخبارات، حتى أصبح رقماً مهماً في معادلة الصراع العربي (الإسرائيلي). وإيران متهمة بأنها تمد سوريا نفسها في صراعها مع (إسرائيل)، وإيران متهمة بأنها تمد حماس والجهاد بالسلاح والمال، وتستطيع أن تحركهم بأي اتجاه تريد، ومتى تريد، من غير أن يكون لسائر دول المنطقة القدرة على إيقاف ذلك ومنعه… وإيران متهمة بأنها لعبت دوراً مساعداً لأميركا في ضرب طالبان واحتلال أفغانستان، وإيران متهمة بأنها تملك أقوى الأوراق في العراق، وتعمل على جعله منطقة نفوذ لها، وربما أكثر من ذلك. ثم إن إيران متهمة بأنها تشكل خطراً مريعاً على استقرار الخليج وتهديداً حقيقياً لأنظمته: فهي تحتل الجزر الإماراتية الثلاث، وتعتمد على وجود أعداء لابأس بها من (الشيعة) في دول الخليج القليلة العدد نسبياً، وبالتالي هناك تخوف حقيقي من اللعب بورقتهم، وهناك شواهد كثيرة على ذلك ولن يكون آخرها مواجهة الدولة في الكويت لبعض البرلمانيين (الشيعة) الذين فتحوا مجلس عزاء بمناسبة اغتيال عماد مغنية، والسعودية تتخوف كثيراً من تنامي القوة في إيران نفسها ومن وجود (شيعة) فيها في المناطق النفطية… وإيران متهمة كذلك في اليمن بأنها تساعد التمرد في الجنوب، ومتهمة أيضاً أنها تعمل على تشييع بعض (السنّة) في السودان… ويضاف إلى كل ذلك السماح لإيران بامتلاك القدرة على التصنيع النووي، يرافقه القدرة على تطوير منظومة صواريخ تطال دول الخليج ومنابع النفط فيها…

هذا هو سبب الخلاف الذي ظهر في القمة على الشكل الذي ظهر فيه، فهل يقف بعد هذا السبب من سبب آخر، نعم هناك سبب آخر وأهم وأخطر منه.

إن خوف بعض الأنظمة العربية من النظام الإيراني، هو خوف كذلك من أميركا بالذات، إذ تعتبر هذه الأنظمة أن أميركا هي التي تحمل بيدها ورقة سوريا وإيران، واستخدام هذه الورقة من قبل أميركا هو من ضمن سياستها المتعلقة باحتلال المنطقة وتغيير الأنظمة فيها ووضع يدها على مقدراتها. وهذه الأنظمة مقصودة مباشرة، ولأن هذه الأنظمة مثل السعودية والأردن واليمن ودول الخليج تابعة للسياسة الأوروبية وبالذات البريطانية؛ لذلك يستعر الصراع الدولي في المنطقة في هذه الفترة انطلاقاً من هذا المنظور، علماً أن الصراع الدولي هو الذي يتحكم بكل مفاصل اللعبة السياسية في المنطقة منذ سقوط دولة الخلافة الإسلامية سنة 1924م وحكام المنطقة ليسوا سوى أدوات، والشعوب ليسوا سوى وقود.

هذا من جهة، أما من جهة أخرى فهناك (إسرائيل) في المنطقة، و(إسرائيل) التي لا تقبل بأن ينافسها أحد بالتحكم بقرار الحرب والسلم معها، والتي تقوم على معادلة واحدة وهي أنها لا تقبل بوجود من يهددها ولا بامتلاك القوة التي تشكل خطراً عليها، والتي تسعى دائماً إلى امتلاك القوة التي تستطيع أن تتغلب فيها على الدول العربية مجتمعة… (إسرائيل) هذه كذلك تنظر إلى تنامي القوة والنفوذ الإيرانيين بقلق أكثر من بالغ، خاصة وأنه وصل إلى حافة حدودها، وبات يشكل خطراً على وجودها.

وبهذا الواقع وجد هم مشترك واحد بين الأنظمة العربية التي تتوجس خيفة من إيران،  وبين (إسرائيل)، ووجد توجه واحد وهو مواجهة هذا الخطر ومنعه، ومنع امتداده، ومحاصرته، وضربه إن أمكن… وهذا يفسر حقيقة الموقف الذي وقفته هذه الأنظمة المعارضة لتعاظم الدور الإيراني في المنطقة من حرب تموز سنة 2006م ووقوفها المعلن ضد حزب الله، وقد عبرت عن ذلك أطراف الموالاة في لبنان أوضح تعبير. حتى إن بعضهم قد اتهم بالتجسس مباشرة لحساب (إسرائيل). وكذلك فإن ما تشهده المنطقة من استعدادات حربية من كلا الطرفين (الإسرائيلي) و(السوري – الإيراني ومعهما حزب الله وحماس) هو من هذا القبيل. ويبقى لبنان فيها في قلب العاصفة، ومن هنا كان تركيز الأنظمة العربية المعارضة للنفوذ الإيراني على إجراء الانتخابات الرئاسية وانتخاب ميشال سليمان ليوجد بدعمهم له من يمسك بالورقة اللبنانية ويمنعها من الانزلاق في المخطط المرسوم لها… ولكن المسألة أكبر من ذلك بكثير.

لقد ذكر أنه بذلت جهود عربية كبيرة من أجل فصل سوريا عن إيران ولكنها لم تنجح، ونقل أن هناك مفاوضات سلام سرية بين سوريا و(إسرائيل) من أجل فصل سوريا عن إيران، والمتوقع أن لا تسفر عن شيء، فالمسألة أكبر من ذلك… إنها مسألة استعمار أميركا للمنطقة وتغيير الخارطة السياسية فيها. والأنظمة العربية المناوئة لسياسة أميركا والتابعة لأوروبا تخشى من خطر وجودي عليها، وما مثال العراق وشنق صدام حسين عنها ببعيد، ولو كانت أميركا تستطيع أن تكمل ما بدأته بنفسها لتدحرجت رؤوسهم، ولكنها اضطرت إلى الاستعانة بعملائها الذين لن يكونوا هم أنفسهم بمعزل عن تغييرهم من قبل أميركا نفسها، من هذا المنظور تنظر هذه الدول إلى خطورة الموقف السوري وتوجهه ضدها مباشرة.

لذلك لم تكن هذه القمة مهمة في شيء، ولم يكن يتوقع منها شيء أصلاً… ومتى كانت القمم العربية هي التي تقرر سياسة شعوبها؟ إن سياسة هذه الدول تقررها دول الغرب الاستعمارية وعلى رأسها أميركا وبريطانيا، فما انعقد مؤتمر للقمة إلا وكانت هاتان الدولتان ممثلتين وحاضرتين فيه بهؤلاء الحكام، وهذا ماعبر عنه عمرو موسى بقوله في خطاب افتتاح القمة بأن الأمر وصل «إلى درجة غير مسبوقة في تلاعب قوى دولية بقضايانا».

إننا نؤمن أن الأمة مجتمعة، ولا يفرقها اختلاف حكامها، وإنه قد انكشف أمامها عجز حكامها، وعجز (إسرائيل) عن أن تحمي نفسها، ولم يبقَ إلا أن يتقدم المشروع الإسلامي للحل الذي تحمله خلافة راشدة على منهاج النبوة، فإلى العمل مع المسلمين المخلصين الواعين الذين يحملون الإسلام كمشروع حضاري يدخل الناس فيه أفواجاً وينقلهم من الظلمات إلى النور ندعو المسلمين، والله سبحانه وتعالى وليّ كل ذلك، وهو على كل شيء قدير.

قال تعالى: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف 21].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *