العدد 254 -

العدد 254- السنة الثانية والعشرون، ربيع الأول 1429هـ، الموافق آذار 2008م

الهجوم على الأنبياء والمرسلين دأب الكفار الحاقدين

الهجوم على الأنبياء والمرسلين دأب الكفار الحاقدين

 

ليس غريبـاً أن يتعرض الأنبياء والرسـل للهجـوم والافتراء وتشويه السمعة بغير حق… فهذه سنة الصراع بين الحق والباطل الذي لم ولن تتوقف ما دامت الحياة. قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) [الفرقان 31]. وإن ما جرى للأنبياء الكرام ولأولي العزم من الرسل من قبل، تكرر مع خاتم الرسل سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) [الذاريات 52].

– فهذا سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام، يقول عنه قومه: (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) [المؤمنون 25].

– أما سيدنا هود، عليه الصلاة والسلام، فقد ذكر القرآن قول قومه عنه: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) [الأعراف 66].

– أما سيدنا صالح، عليه الصلاة والسلام، فقد ذكر القرآن قول قومه عنه: (أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) [القمر 25].

– أما سيدنا شعيب فقد قال له قومه: (قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) [هود 91].

– أما موسى فقد قال فرعون لقومه عنه: (قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشعراء 27]، وقال للسحرة (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) [طه 71].

– وعن سيدنا عيسى، عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: (وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [المائدة 110]، وعن أمه الصديقة مريم قال تعالى: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) [النساء 156].

– أما سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد قال تعالى عنه: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الأحقاف 9]. فقد تعرض وما يزال، وهو الصادق المصدوق الأمين، صاحب الخلق العظيم بشهادة رب العالمين، وكفى بالله شهيداً، لحملة تشويه وافتراء تكاد تزول منها الجبال، وهذ إن دل فإنما يدل على أن الإسلام الذي جاء به هذا الرسول الكريم، هو للبشر جمعاء، أولها وآخرها، ذكرها وأنثاها، للأبيض والأسود والأحمر والأصفر… وما زالت رسالته تنبض بالحياة، لذلك يحقد عليها الأعداء ويكيدون لها، ولكن الله سبحانه وتعالى ثبت نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأظهر دعوته، ونصر دينه، ورد كيد الماكرين عنه من قبل، ونسأله أن يعيننا في رد كيدهم عنه وعن دعوته اليوم، وفي جعلهم يموتون بغيظهم… فالدعوة واحدة منذ فجر البشرية، وصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قال: «الأنبياء إخوة من علات، دينهم واحد…» فالدعوة واحدة وأعداؤها هم هم لا يتغيرون، شذاذ آفاق لا خلاق لهم.

نعم لقد قال بسيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الأولون، ولقد قال فيه الآخرون؛ لأن رسالته مستمرة على الزمن منذ بعثته إلى يوم القيامة. هذا وقد ذكر القرآن أقوال الكفار المجرمين في الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا) [الإسراء 47]، وعن قول كفار قريش إن الشياطين توحي لسـيدنا محمد زخرف القول يذكر القرآن (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ) [الشعراء 210]، وقالوا أنه افترى القرآن فعلمه سبحانه أن يقول: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [يونس 38]، وقالوا عنه إنه مجنون، قال تعالى في ذلك: (وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر 6]، وقالوا عنه كما ذكر القرآن (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ، قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء 3-5]، وقال تعالى عن وصف الكفار لرسوله بالسحر والكذب: (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) [ص 4]، وعن دعوته قالوا: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الفرقان 4-5]، وغيرها الكثير مما تعرض له أشرف الخلق على لسان أشر الناس…

ولكن هل توقفت الحملة على الرسول الكريم بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)… كلا لم تتوقف،وكيف تتوقف وهناك من يحمل دعوته إلى يوم الدين، ويبقى على لسانه ذكر قال الله تعالى، وقال رسوله الكريم، ويتخذه أسوة له في أعماله وقدوة في حياته، ويبلغ بلسان الصدق دعوته، ويضرب بالسيف أعداءه… ولعل أكثر من تناول رسولنا الكريم هم المستشرقون ورجال الدين النصارى المبشرون، فقد تناولوه بشدة وبقسوة مليئة بالافتراء والحقد والتجني، بعيدة عن الحق. فهولاء المستشرقون جندهم الاستعمار ليكونوا أداة طعن للإسلام، وتشويه للحقائق وتلبيس للحق بالباطل. فجمهرة المستشرقين يرون أن محمداً دعي، وأن قرآنه تلفيق، فمنهم من اتهمه بسرقة ما جاء في التوراة والإنجيل كإبراهام جيجر في كتابه: (ماذا استفاد محمد من اليهودية) وذلك سنة 1833م. وهيرشفيلد في كتابه (العنصر اليهودي في القرآن) سنة 1878م. وسيدرسكي في كتابه «أصول الأساطير الإسلامية في القرآن» سنة 1933م. وريتشارد بل في (أصل الإسلام في بيئته الإسلامية سنة 1929م. وغيرهم الكثير الكثير. فهؤلاء زعموا أن محمداً باعتباره مؤلفاً للقرآن، اقتبس أغلب القصص فيه، وعدداً من الصور البيانية، والحكم والأمثال من التوراة والإنجيل… وهذا ما يعرف المستشرقون أنفسهم أنه كذب، إذ إنهم يعرفون أن محمداً كان أمياً، وإن السرقة تستلزم كتباً مترجمة إلى اللغة العربية التي لم يكن ليتقن قراءتها ولا كتابتها (صلى الله عليه وآله وسلم)، فضلاً عن اتقان اللغات العبرية والسريانية واليونانية قراءةً وكتابةً.

إن توسع الفتح الإسلامي لنشر دعوة الإسلام ووصوله إلى أوروبا، وجعلِ قسم منها يدخل في الإسلام، قد فتح باب الصراع الحضاري بين أوروبا والمسلمين، ومن ثم جاءت الحروب الصليبية لتشحن نفوس الدهماء والعامة من الغربيين ضد الإسلام، فكتبت الأكاذيب المطولة وارتكبت بحق المسلمين أبشع المجازر في تلك الحروب… وها هو الغرب بحكامه ومسؤوليه يعيش في أجواء أن الدولة الإسلامية قادمة، ويعني هذا له أن بابه سيدق من جديد بل سيخلع، وأن الإسلام سيغزو الشعوب الغربية من جديد، وهو من باب تحصين عقولهم ومنع تأثرها بالإسلام يقوم بعملية التشويه للإسلام والمسلمين من جديد. ومن باب الاستعداد لخوض الصراع الحضاري مع المسلمين من جديد وضع خطته التي تقضي بشحن النفوس لدى الغربيين وجعلها تهتم وتدخل الصراع لمصلحة الحكام الرأسماليين الذين لا تهمهم آخرة ولا حق، بل مصالح ومصالح ومصالح، فمن أجل ذلك يقومون بإضلال الناس من جديد علهم يبعثون الروح الصليبية في شعوبهم من جديد. نعم في هذا السياق يأتي التجييش ضد الإسلام والمسلمين ورسول الإسلام والكتاب الحق المبين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *