غزة: تنجيها المقاومة وتهلكها المفاوضات
2008/03/26م
المقالات, كلمات الأعداد
2,135 زيارة
غزة: تنجيها المقاومة وتهلكها المفاوضات
مع بداية شهر آذار هذا، شنت (إسرائيل) ولخمسة أيام متوالية، غارات جوية وهجمات برية، وتحت اسم «الشتاء الساخن» على غزة المعزولة المنـزوعة السلاح إلا من بعضه الخفيف، والمحاصرة حتى المجاعة… مستهدفة الأطفال والنساء والشيوخ، والصحافيين والطواقم الطبية وسيارات الإسعاف، والمنشآت الصناعية والتجارية والمنازل والمساجد، وخطوط تغذية مياه الشرب وشبكة الكهرباء وشبكة الهاتف. وفي التفاصيل: فبالنسبة للشهداء والجرحى: بلغ عدد الشهداء (122) شهيداً ((55) منهم مدنيون، و(27) طفلاً و(6) نساء). وبلغ عدد الجرحى (200) جريح ((46) منهم أطفالاً، و(8) نساء). ويذكر أن العدوان (الإسرائيلي) منذ بداية العام الجاري تسبب في مقتل (236) شهيداً من بينهم(37) طفلاً و(16) امرأة. أما الهدم والتدمير، فقد هدمت (إسرئيل)، قاتلها الله، (4) منازل ومنشأتان صناعيتان بشكل كامل، و(78) منـزلاً و(3) منشآت صناعية و(11) منشأة تجارية بشكل جزئي. ودمرت (4) محولات كهرباء رئيسية و(3) خطوط تغذية رئيسية لمياه الشرب، وأصيبت شبكتا الكهرباء والهاتف بأضرار كبيرة. وإذا أضفنا إلى هذه التفاصيل القول إن غزة محاصرة وممنوع عليها أن تدخل مواد بناء، وأن المواد الغذائية عندها تقتصر على بعض السلع دون الكثير من غيرها، فإننا سنعلم كم أن مثل هذه الضربات موجعة تلجأ إليها (إسرائيل) العدو الحقيقي للأمة لتصل بغزة إلى الاستسلام وإلا فالاجتياح بعد الإنهاك، وإن ما نراه ونسمعه يظهر فيها أنها حرب مواصلة الحصار، وهي مستمرة الفصول متجددة المآسي، حرب معلنة من طرف واحد محمي دولياً وغربياً وعربياً… أما الطرف الآخر، فلا يملك إلا الصراخ، والصراخ عليه كثير، ودفن الموتى وتقبل التعازي.
دول العالم بمعظمها أدان إطلاق صواريخ من غزة على يهود مستوطنين لأنها ترعب أبناء الست (إسرائيل) ولا تكاد تقتل منهم أحداً.
أما أنظمة الحكم الجبري المفروضين على المسلمين والمرفوضين منهم، فإنهم لم يخرجوا عن مواقف أسيادهم، ومن خرج فبالكلام، وسجل نفسه في سجل الرافضين الأبطال…
وهكذا نرى أن مسلمي فلسطين عموماً، وأهل غزة خصوصاً، يعيشون مأساة التخلي عنهم وتقاعس الحكام المُهين، المشغولين بكل تافه مَهين، بمن فيهم من ينصبون أنفسهم حكاماً على سبيل الانتفاخ والانتفاش من أهل فلسطين، اللاهثين وراء سراب سلام خادع مع ذئابِ يهود.
فالعجب، كل العجب، من كل من يتكلم عن السلام مع (إسرائيل) من أنظمة الأمر الواقع، فهي تسطر في كل يوم في سجلها الإجرامي الأسود خطوطه بالدم الأحمر القاني: قصفاً وقتلاً وحصاراً وسجناً وتجويعاً وتعذيباً وتدميراً… فهؤلاء يطلبون سلام من لا كرامة له، يطلبون السلام وكأن المآسي لا تعنيهم، والقتلى ليسوا منهم، كأنهم يشاهدون فيلماً، القتلى فيه، وخاصة من النساء والأطفال، ليسوا على الحقيقة، بل تمثيل بتمثيل، يتعامل هؤلاء مع مآسي شعوبهم من خلال تقارير ترفع إليهم، لا من خلال معاينة الواقع، إنهم لم يشاهدوا دماراً ولا قتلاً، ولم يشموا رائحة الجثث، لم يروا طفلاً حولته شظايا القذائف إلى ما يشبه دمية قماش يتدلى رأسه وأطرافه عن جسمه، إنهم لم يلمسوا جثثاً طرية ما زالت ساخنة أرداها الحقد والغدر اليهودي، إنهم يتعاملون مع هذا الواقع المأساوي المفجع كأنهم يلعبون لعبة (أتاري) حيث يكثر فيها القتلى من غير أن يتأثر اللاعبون… لقد صدق من استخدم لفظة «لعبة الحرب» و«لعبة السلام» فهؤلاء يلعبون بمصائر الشعوب كما يلعب الصغار.
والأعجب أن يسير هؤلاء المنتفشون بالألقاب من أهل فلسطين على جثث الضحايا وأجساد الجرحى في الطريق نفسه الذي يسير عليه قرناؤهم من حكام الأمر الواقع من غير حياء، ويقولون عنه طريق السلام، سلام الأبطال الذي يسيرون بل يهرولون فيه، في جو فقدان ثقافته وتطبيقاته على أرض الواقع، في ظل طغيان ثقافة الحرب والانتقام عند يهود، فأي سلام هذا الذي يمكن أن يتحقق عند عدو يرقص على جراح أمتنا… إن اليهود أعداء حقيقيون للمسلمين، ومن سخريات الواقع أن من يسمى زعيماً في فلسطين هو صديق أولمرت! صديق أولمرت!!
وبعد كل هذا هل يعقل أن تدخل حماس لعبة السلام والحرب مع يهود على الطريقة نفسها، المعلومات أنها قدمت الطلب، ولم يبت به بعد.
فقد ذكرت وسائل الإعلام الغربية والعربية، وأكدت التصريحات المختلفة من المسؤولين السياسيين ومن حماس بالذات، أنها مستعدة لهدنة طويلة ضمن صفقة شاملة تشمل وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية المحلية الصنع من غزة على بعض المستوطنات، وإطلاق سراح الجندي شاليط مقابل إطلاق 450 أسيراً فلسطينياً، ووقف القصف (الإسرائيلي) لغزة ووقف الاعتقالات والاغتيالات، صرح بذلك مسؤولون في حماس، ومبارك نفسه أعلنه غداة أزمة تفجير سور معبر رفح واجتيازه بين مصر وحماس، وها هو وزير خارجية قطر يحاول إقناع (إسرائيل) بتغير حماس فيقول: «قطر منفتحة لمساعدة إسرائيل في أي محاولة لها لمحاورة أي دولة أو منظمة عربية بما في ذلك حماس» وقال إنه خلافاً لما تعتقده (إسرائيل) فإن تغيراً كبيراً طرأ على حماس التي «أجرت تغييرات دراماتيكية» وأضاف أن «مجرد أنهم يتحدثون عن وقف إطلاق نار، ودولة مؤقتة بحدود عام 1967 هو تطور مهم يحظر التغاضي عنه».
ونحن إذا أردنا أن نبسط الصورة أكثر عن موقف حماس، نرى أنها تسعى منذ مدة للوصول إلى هدنة، وهذه هي لعبتها، ونأسف لهذا التعبير، فهي الآن تريد أن تثبت لـ(إسرائيل) أنها طرف لا يمكن إلغاؤه، بل يجب التعامل معه، فهي خطفت الجندي شاليط على هذا الأساس، وتقاوم محاولات (إسرائيل) اجتياح غزة بكل قوة لتفرض على (إسرائيل) التعامل معها كأمر واقع لا يمكن تجاهله، وتقاوم حصار (إسرائيل) لغزة والتضييق على الناس فيه بهدف انفضاضهم عنها، وذلك بالعمل على امتصاص الآثار السلبية لهذا الحصار وتحويله إلى انتصار؛ لتثبت ليهود أنها طرف لا يمكن إلا التعامل معه، وهي تقصف بالصواريخ لأجل هذا، حتى العملية الأخيرة التي حدثت في القدس الغربية بعد أحداث غزة الأخيرة يمكن إدراجها في هذا السياق.. فإن كان الأمر كذلك، فإن معناه خطير جداً، ويخرجها عن هدفها الإسلامي الذي أعلنته منذ قيامها.
ولكن هل ستستجيب (إسرائيل) لمطلب حماس هذا؟
إن (إسرائيل) لا تقبل التفاوض مع حماس لأن التفاوض معها يعني الاعتراف بها. ثم إن وقف إطلاق النار، ووقف الغارات، ووقف الاغتيالات والاعتقالات، والدخول في هدنة سيوفر لحماس فرصة لالتقاط الأنفاس، وفرصة لتطوير صواريخها… لذلك فمن سياسات (إسرائيل) السابقة والحالية، مع مختلف الحكومات، وبتوصية من القيادة العسكرية (الإسرائيلية) أن تستمر الغارات حتى تظل حماس منشغلة بنفسها. تصوروا الآن كيف انقلبت الصورة، (إسرائيل هي التي ترفض وليس العكس كما هو مطلوب شرعاً) وعليه فإنه إذا لم تسفر تلك الاتصالات السرية والمفاوضات غير الرسمية إلى شيء فمعناه أن (إسرائيل) هي التي ترفض لا حماس.
غزة، تلك الشوكة في حلق (إسرائيل) لا يمنعها من اجتياحها إلا القوة، والخوف من الخسائر البشرية الضخمة التي لا يستطيع مستقبل أي زعيم يهودي أن يخاطر به، ولو كانت (إسرائيل) تستطيع اجتياحها بخسائر تحتمل لما تأخرت يوماً واحداً. وموقف حماس تشتم منه (إسرائيل) الضعف، وهذا ما جعلها تمتنع… وظاهر على يهود أنهم يعملون على إنهاك جسد غزة قبل إنهائه. وسط صمت رسمي دولي وعربي. ولكن لن تستطيع (إسرائيل) أن تفعل شيئاً، إن شاء الله، لأن طلاب الموت من المسلمين في سبيل الله كثر، فهؤلاء هم المعوّل عليهم في رد يهود وليست مطالبات الهدنة مع يهود.
وإننا نتوجه إلى أهلنا في غزة لنقول لهم: اصبروا وصابروا واحتسبوا الأجر عند من لا يضيع عنده أجر، عند من لا يغفل عن ظالم، فشهيدكم هو الأبقى، ولَكَم يمتلئ القلب غبطة عندما تسمع الأم الثكلى تقول: الحمد لله، وتفوض الأمر إلى الله، ولَكَم تهتز النفوس تأثراً عندما ترى امرأة تقول إننا لن نستسلم ما دامت فينا روح، إن (إسرائيل) لا تعرف إلا منطق القوة، ولا يوقفها عن غيها إلا القوة، ولا يقضي عليها إلا القوة، والقوة فيكم في عقيدتكم، في قلوبكم، لا في سلاحكم فقط، مثلكم كمثل الأوائل من المسلمين الذين كانوا يخوضون الحروب مشاة عراة معهم السلاح القليل مقابل جيوش جرارة بعددها وبعتادها، وكانوا ينتصرون.
وإلى إخواننا في حماس نتوجه إليهم، ولولا أننا مازلنا نطمع بأن يستمعوا لما أعدنا القول: كونوا مع الله وحده، فلن ينجيكم غيره،.. فحباً بدين الله، وبإعلاء كلمة الله، ورحمة بالمسلمين، واحتراماً لدماء الشهداء منكم ومن المسلمين… اخرجوا مما وضعوكم فيه باختياركم، واقطعوا علاقتكم مع كل أنظمة الخيانة التي تريد أن تجر أرجلكم بعيداً عن الجهاد، ومهما كانت الأوضاع صعبة فلن تكون أصعب من اليوم الذي كان يهود داخل غزة، وكان رابين لكثرة انزعاجه يقول: «أتمنى لو أستيقظ فأرى غزة في البحر».
فغزة هاشم أهلها كرام، فكونوا من كرام أهلها. وعلى الله قصد السبيل.
2008-03-26