العدد 140 -

السنة الثالثة عشرة – رمضان 1419هـ – كانون الثاني 1999م

كلمة الوعي: الكفار الأميركان والبريطانيون يشنّون حرباً على المسلمين في العراق

في ليلة الخميس 28 من شعبان 1419 هـ الموافق 17/12/1998م شنت أميركا ـ رأس الكفر ـ وكلبها البريطاني غارات مفاجئة، دون إنذار مسبق، على المسلمين في العراق، استخدمت فيها صواريخ توماهوك طراز كورز وقاذفات القنابل العملاقة طراز (بي ـ 52)، و(بي ـ 1 ـ بي).

وقد اتخذ كل من الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني تقرير ريتشارد بتلر ـ رئيس لجنة التفتيش الخاصة (يونيسكوم) ـ الذي قدمه لمجلس الأمن مساء الثلاثاء 16/12/98 اتخذا منه حجة لضرب المسلمين في العراق. وقد ذكر بتلر في تقرير: «إن النظام العراقي لم يلتزم بالتعاون الكامل، وفرض قيود جديدة على جهود نزع السلاح جعلت من المستحيل على اللجنة تقرير ما إذا كانت بغداد قد أزالت أسلحتها المحظورة،… وفي غياب تعاون العراق الكامل فإنه من الضروري، وللأسف، القول إن اللجنة لم تستطع أن تقوم بعملها لنزع الأسلحة الذي كلفها به مجلس الأمن وتقديم التأكيدات التي يطلبها فيما يتعلق ببرامج التسلح العراقية المحظورة» وكان قد اتخذ قراراً بسحب جميع المفتشين البالغ عددهم 92 من المفتشين والموظفين وعودتهم إلى المنامة دون الرجوع إلى مجلس الأمن.

وأثناء مناقشة التقرير في المجلس بدأت القوات الأميركية والبريطانية بمهاجمة المسلمين في العراق وأعلن كلينتون على شاشة التفلزيون أنه أعطى أوامر الهجوم لتحقيق ثلاثة أهداف وهي: تقليص قدرات صدام، وشل قدرته على تهديد جيرانه، وضرب كل موقع تم منع خبراء يونيسكوم من دخوله.

ولمعرفة الدوافع الحقيقية التي وراء هذا الهجوم العسكري لا بد من ربطه بالحوادث التي سبقته سواء ما يتعلق منها بالعراق أو بوضع كلينتون الداخلي في أميركا أو ما يتعلق بالسياسة بالأميركية في الخليج. أما بالنسبة لعلاقة العراق مع هيئة التفتيش الخاصة (يونيسكون) فإنه لم يحصل خلاف كبير مستعص على الحل في الأيام السابقة، ولم يكن الخلاف حول تفتيش مقرات البعثيين مما يستدي مثل هذا الهجوم الكبير، وقد حصلت خلافات كثيرة في السابق أكبر مما يحصل، ولكنها لم تؤد إلى مثل هذه الأعمال العسكرية. وقد صرح رئيس الوزراء الروسي «إن بتلر الذي زار موسكو أوائل الشهر الجاري كان يحمل معع ثلاثة ملفات عن الأسلحة العراقية وأبلغنا بأن العراق متعاون». وأضاف: «لا ذنب للعراق هذه المرة فيما يحصل». فالدوافع الحقيقية للهجوم هي أبعد بكثير من تقرير بتلر، بل إن التقرير وضع على وجه الاستعجال، وقدم للإدارة الأميركية قبل يومين من تقديمه لمجلس الأمن، وصيغ بشكل استفزازي مقصود ليكون مسوغاً أمام الرأي العام العالمي من أجل تغطية هذه الدوافع.

أما وضع كلينتون الداخلي فقد كان معروفاً بأن التصويت في مجلس النواب على محاكمته كان سيجري يوم الهجوم نفسه، فاتخذ قراره السريع بالهجوم للتأثير على نتيجة التصويت بدعوى أنه لا يجوز إضعاف الرئيس في الوقت الذي تكون فيه القوات العسكرية في حالة حرب. هذا بالإضافة إلى أن الهجوم يعزز ويحفظ هيبة أميركا كدولة كبرى وخاصة بعد إخفاق كلينتون مع نتنياهو، وفي الوقت الذي يكون فيه موقع الرئاسة في أضعف حالاته لما يتعرض له الرئيس من المحاكمة والعزل.

أما فيما يتعلق بالسياسة التي رسمتها أميركا للخليج فإنها تندرج تحت مبدأ كارتر الذي أعلنه عام 1978، حيث اعتبر الخليج من المصالح الحيوية الأميركية، فمنذ ذلك الاعلان أسست أميركا قوات الانتشار السريع، وأخذت تفتعل الأزمات وتصنع التوترات بين دوله وشعوبه، كي تجد مسوغاً دولياً قوياً لوجودها فيه، ومن خلال سياستها هذه أطاحت بشاه إيران بأسلوب الثورة الشعبية، وسعرت الحرب التي شنها البعثيون في العراق على إيران وزادت من أوارها، واستغلت احتلال الكويت وقادت حرب الخليج الثانية، وضربت العراق بالصواريخ في أعوام 1992، 1996، واتخذت صدام فزاعة للخليج، واتخذت من فرض العقوبات ومن فرق التفتيش مصدراً لا ينضب لافتعال مسلسل الأزمات ونشر الرعب والقلق والاضطراب بين شعوب دول الخليج، وأخذت تنهب الثروات من هذه الدول عن طريق عقد صفقات الأسلحة لعشرات المليارات من الدولارات، والتي تفوق أضعاف أضعفا قدرات جيوشها. وفرضت اتفاقيات أمنية جائرة على هذه الشعوب، وقعها حكامها دون الإعلان عنها، جعلت من الحكام رموزاً لا تملك إلا حق التوقيع على شرعية التدخلات الأميركية وحق تسديد فواتير هذه التدخلات. كما وأنشات قواعد عسكرية لقوات الانتشار السريع للتدريب ولتخزين السلاح، ولتحافظ على الهيمنة الأميركية، ولوجودها الدائم في كل الظروف والأحوال.

فأميركا قطعت شوطاً كبيراً في تنفيذ خططها الخاصة بالخليج إلا أنها لم تنفرد به بعد، إذ إن بريطانيا صاحبة الوجود العريق فيه لا تزال تشكل خطراً على نفوذها، فلا يزال أمراؤه وحكامه موالين لها عدا حاكم نجد والحجاز (الملك فهد). وقد نشطت بريطانيا بعد انتهاء كابوس الحرب الباردة وأخذت تتنفس الصعداء بعد زوال الاتحاد السوفياتي من الوجود، فهي حين تلتصق بأميركا عندما تقوم بأعمالها العسكرية، أو حين تؤيدها ظاهراً في مساعيها السياسية فليس ذلك تأييداً لأميركا وإنما هو منافسة لها بثوب الشريك، كي تفوت على أميركا فرصة الانفراد بالمغانم، وكي تحافظ على وجودها في الخليج وتحافظ على عملائها فيه. فهما تقومان بصراع خفي فيما بينهما على المصالح والنفوذ.

فالهجوم العسكري الذي أمر كلينتون على المسلمين في العراق ليس بسبب خلاف مع فرق التفتيش على الكشف عن بعض المواقع، وليس للمحافظة على جيران العراق من تهديدات صدام، وليس خوفاً من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية كما يشيعون، وإنما هو لا يخرج عن الهدف الأميركي الأول، وهو تعزيز الوجود الأميركي في الخليج، وإحكام السيطرة عليه ومحاولة الانفراد بالنفوذ فيه. ولذلك لم يكن غريباً ما أعلنه كلينتون في النقطة الأولى من خطابه حين أعلن وقف العمليات عن: «استمرار الوجود العسكري القوي في المنطقة والاستعداد لاستخدام القوة عند أي محاولة عراقية لإعادة بناء أسلحة الدمار الشامل أو تهديد جيرانه».

أما الهجوم البريطاني وإن ظهر عليه التبعية لأميركا إلا أن غرضه هو للمحافظة على البقاء في المنطقة، ولعدم تمكين أميركا من الانفراد بها. ولذلك أعلن بلير رئيس الوزراء البريطاني عن تعزيز قواته، حتى بعد وقف العمليات، بإرسال حاملة الطائرات «إنفنسيبل» إلى الخليج في يناير القادم «الاستعداد لاستئناف القصف إذا اقتضت الضرورة».

فالهجوم المشترك سباق على نهب ثروات الخليج، وتنافس على المغانم والسيطرة والنفوذ بين كل من أميركا، التي تحاول الانفراد به، وبريطانيا التي تعمل للمحافظة على بقائها فيه، وتتخذان الأسلوب نفسه لإيجاد المسوغ الدولي لأعمالها، وهو دعواهما الوقوف أمام تهديد العراق لجيرانه، وتستغلان غباء البعثيين في العراق، وعمالة حكام الخليج، وتعملان على تعميق الخلاف وإشعال نار الفتنة والشقاق بينهما. فالقلاقل والاضطرابات والأ.مات سوف تستمر وتتواصل طالما أن هناك نقطة زيت في الخليج وهناك دولاً كبرى تتصارع على نهب ثرواته، سواء بقي البعثيون الخونة العملاء حكاماً للعراق أو تم تغييرهم، وسواء ظل أمراء النفط المتخمون في الحكم أم قامت أميركا باستبدالهم.

أيتها الأمة الكريمة:

لقد جلب البعثيون الخونة حكام العراق الكوارث والويلات لأبناء المسلمين في العراق وإيران ودول الخليج، وجروا الأمة إلى معارك خاسرة ووضعوها في مواقف الذل والهوان أمام الكفار، فهم كانوا يعلمون علم اليقين أن رأس الكفر أميركا وحليفتها بريطانيا تعدان ضربة عسكرية لأهل العراق، ولكنهم (أي البعثيين) لم يتخذوا ما يلزم لتفادي هذه الضربة، بل علموا على تحصين أماكنهم في السلطة حين قسموا العراق إلى إربع قيادات، وتركوا المواقع مكشوفة لضربات الكفار، متذرعين بتخلفهم في التكنولوجيا. وكأنهم لم يغتصبوا السلطة منذ ثلاثين عاماً ولم يتصرفوا بثروات العراق من مئات المليارات طوال هذه المدة، بل شغلوا الأمة بحروب إقليمية مع إخوانهم المسلمين، وبددوا الثروات على المحاسيب والمخابرات وزيادة السجون لتكبيل الأمة وإذلال أبنائها.

وقد تبين أن الحملة التي شنتها أميركا وبريطانيا قد انطلقت من الخرج في نجد ومن قاعدة علي السالم في الكويت، ومن البحرين ومن الدوحة وعمان، ومن الأساطيل الرابضة في المياة الإقليمية لدول الخليج، انطلقت من القواعد التي فتحها أمراء الخليج وحكامه للكفار، بموجب اتفاقات أمنية سرية تم توقيعها في الظلام، وفي غياب الأمة، ودون إطلاع من أسموهم بالمجالس الاستشارية أو مجالس الأمة على أقل تقدير. وقد منحوهم حق الوجود والتدريب والانطلاق بحملات عسكرية. فقد صرح جولوكهارت المتحدث باسم البيت الأبيض: «إن العملية لم تكن ممكنة لولا دعم بلدان في المنطقة ولولا الروح والمساعي الدبلوماسية التي ظهرت قبل شهر في بيان الدوحة والتي أعيد التأكيد عليها في بيان مجلس التعاون الخليجي» وقال: «إن نائب الرئيس الأميركي آل غور أجرى أمس الجمعة 18/12/98 محادثات هاتفية مع رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد، وولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز شاكراً إياه على الدعم القوي الذي قدمته المملكة العربية السعودية».

إن الحكام الذين انطلقت الغارات العدوانية من أرضهم هم شركاء لأميركا وإنجلترا في هذا العدوان على شعب العراق. وإن بقية الحكام في البلاد العربية والاسلامية الذين ستكوا عن عمليات العدوان هذه، والذين حاولوا امتصاص غضب الشعوب بتصريحات فارغة، أو بالاقتصار على المسيرات والاحتجاجات من طلاب المدارس هم أيضاً شركاء للمعتدين بسبب تقاعسهم.

إن أقل ما يجب على حكام المسلمين هو أن يعاملوا أميركا وإنجلترا ومن يعلن تأييده لهما معاملة العدو المحارب: بقطع العلاقات، وإقفال السفارات، وإيقاف التجارات والمعاملات التي هي لمصلحتهم، وطرد الرعايا، وتجميد الأموال. وأهم من ذلك: على حكام المسلمين أن يلغوا أية اتفاقات عسكرية أو سياسية، وأن يطردوا أية قوات عسكرية، وأن يقفلوا أية قواعد عسكرية. وعليهم أن يقفلوا مياههم وأرضهم وأجواءهم في وجه أي دخول أو مرور لأي من الدول العدوة. وعليهم أن يقطعوا دابر أي نفوذ أو عميل أو جاسوس لهذه الدول من البلاد الاسلامية.

هذا غيض من فيض من تآمر العملاء الخونة الذين يحكمون المسلمين. أما آن للمخلصين من أبناء الأمة وقادتها أن يثأروا لكرامتها وعزتها التي مرغت في الوحل، أما آن للشعوب الاسلامية أن تعلم أن حكامها عملاء استمرأوا الذل، وأنه جاء دور الشعوب لتطيح بهم وتطهر البلاد من خزيهم وخيانتهم، أما آن لهذه الجيوش الرابضة في المعسكرات أن تدك عروش الظلم والطغيان وتحمي بيضة الإسلام والمسلمين من ظلم الحكام الخونة ورجس الكفار المجرمين.!!

قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) .

الاثنين 3 من رمضان 1419 هـ.

21/12/1998م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *